الحمدلله وبعد:
فقد سردنا الجوانب القضائية من حكم وشورى والجوانب الجهادية من فتوحات اسلامية تحت ظلال الدولة الأموية فالآن نتابع سيرة احد قواد الدولة الاموية وبها يكتمل اركان المتأمل الدارس للتاريخ بشأن الدولة الاموية وسياستها في الحكم. وانقل اليكم ما ذكره الاستاذ محمود حافظ في هذا الشأن:
وإن فى تاريخ هذه الأمة من القدوات فى شتى المجالات ما ليس فى أمة من أمم الأرض ,
منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها !! ومن ضمن هذه المجالات ...
الجهاد فى سبيل الله وبذل الروح والنفس لإعلاء كلمة الله .. فظهر فى هذه الأمة من القادة والفاتحين
ما لا يوجد فى أمة من الأمم من لدن آدم الى قيام الساعة !!!
لو استطعنا حصر اسماء القادة والفاتحين فى تاريخ الإسلام , ماستطعنا الى ذلك سبيلا !! ..
وكانت أعظم عصور الجهاد فى تاريخ المسلمين هى العصور المتقدمة لا سيما فى صدر " الدولة الأموية " !!
بـدأ فـتـوح الـهـنـد :
هو " محمد بن القاسم بن محمد بن الحَكَم بن أبى عقيل بن مسعود بن عامر بن مُعَتِّب الثقفى ",
وُلد " محمد بن القاسم الثقفي " عام 72هـ ,
وكانت بلاد " السند " هى بوابة " مملكة الهند " ومفتاح " شبه القارة الهندية " ,
وكانت وقتها الدولة الإسلامية فى ريعان شبابها وكانت تمتلك أعتى الجيوش ,
وكانت الفتوحات الإسلامية تتوسع شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ,
وكان خليفة المسلمين وقتها هو " الوليد بن عبد الملك " – رحمه الله - , وكان والـي " العراق والمشرق " هو
" الحجّاج بن يوسف الثقفي " .. وكانت الدولة الإسلامية حينئذ هى أقوى الدول فى العالم
ويخطب ودّها كافة الممالك المجاورة كالدولة " البيزنطية " وعاصمتها " القسطنطينية "
وكممالك " الهند " و " السند " وكان أعظم ملوكها وأقواهم بأساّ هو الملك " داهر بن صصَّة "
والملك " دوهر " وكانت هناك ممالك " الصين " !!
وكانت " الدولة الأموية " هى أكثر الدول الإسلامية جهادًا وأعظمها غزواً وأجلّها فتوحاً ,
- وفى هذا المقام نذكر ما قاله " ابن كثير " عن تلك " الدولة الأموية " المجيدة ( 1 ) :
( فكانت سوق الجهاد قائمة فى " بنى أمية " ليس لهم شغل إلا ذلك , قد علت كلمة الإسلام فى مشارق الأرض ومغاربها
وبرها وبحرها , وقد أذلوا الكفر وأهله , وامتلأت قلوب المشركين من المسلمين رعبا ,
لا يتوجه المسلمون الى قطر من الأقطار إلا أخذوه , وكان فى عساكرهم وجيوشهم في الغزو
الصالحون والأولياء والعلماء من كبار التابعين , فى كل جيش منهم شرذمة عظيمة ينصر الله بهم دينه ,
" فقتيبة بن مسلم " يفتح فى بلاد " الترك " , يقتل ويسبى ويغنم , حتى وصل الى تخوم " الصين " .... ,
و " مسلمة بن عبد الملك بن مروان " وابن أمير المؤمنين " الوليد " وأخوه الآخر يفتحون فى بلاد " الروم "
ويجاهدون بعساكر " الشام " حتى وصلوا الى " القسطنطينية " , وبنى بها " مسلمة " جامعا يُعبد الله فيه ,
وامتلأت قلوب الفرنج منهم رعبا , و " محمد بن القاسم " ابن أخي " الحجاج " يجاهد فى بلاد " الهند "
ويفتح مدنها فى طائفة من جيش " العراق " وغيرهم , و " موسى بن نصير " يجاهد فى بلاد " المغرب "
ويفتح مدنها فى طائفة وأقاليمها فى جيوش الديار المصرية وغيرهم .
وكل هذه النواحى إنما دخل أهلها فى الإسلام وتركوا عبادة الأوثان ) أ . هـ ,
ولم تتوجه الجيوش الإسلامية الى " السند " بشكل مباشر ...
حتى كانت الحادثة التى غيرت مجرى التاريخ بعد ذلك ,
ودخل الإسلام على إثرها بلاد " السند " وبدأ التوغل الى " الهند " ..
وهى الحادثة التى حدثت فى عهد " الحجاج بن يوسف " !!
يذكر " البلاذرى " فــي ( فتوح البلدان ) :
( أن البوارج الهندية قد استولت على سفينة كانت تحمل نساء مسلمات أرسلهنّ ملك " جزيرة الياقوت " (2)
هدية الى " الحجّاج بن يوسف " , فنادت امرأة من تلك النسوة وكانت من يَرْبوع :
يا حجّاج ! ... وبلغ الحجّاج ذلك فقال : يا لبيك !!! ,
فأرسل الى " الملك داهر " يسأله تخلية النسوة , فقال :
أخذهن لصوص لا أقدر عليهم ( 3 ) .. فأنف " الحجاج " وأخذته حمية وغيرة وأرسل الجيوش لفتح " الهند " ) ...
كانت استغاثات النساء فى زمان العزة تكفى لأن يتحرك من أجلهنّ الجيش العرمرم ,
كانت استغاثة المرأة هى التى حركت جيوش المسلمين " للهند " ,
وكانت استغاثة المرأة الهاشمية فى زمان " المعتصم " – غفر الله له – هى التى حركّت 920.000 جندى
– كما فى رواية " ابن خلدون " – لفتح " عمّورية " أقدس بقاع " النصارى " ,
وكانت صرخة ثلاث نسوة مأسورات بـ" الكنيسة " هى التى حركت " الحاجب المنصور بن أبى عامر " بــ " الأندلس "
الى " جنوب فرنسا " وأقسم أنه لن يرجع من أرض " النصارى " حتى يكتسح " الكنيسة " !!
ربّ وامعتصماه انطلقـتملء أفـواه الصبايـا اليتـم
لامسـت أسماعهـم لكنـهـالم تلامس نخوة المعتصم
هنالك تبدّى " للحجاج " مدى الإهانة التى تلحق بهيبة المسلمين وخطورتها إن هو سكت على هذا الأمر ( 4 ) ,
وبدأ " الحجاج بن يوسف " يجهّز جيوش المسلمين التى ستغزو بلاد " الهند "
وجهّز " الحجاج " ستة آلاف مجاهد بكامل عدتهم وعتادهم وجهّزهم بكل ما يحتاجون اليه ,
حتى الخيوط والإبر والمال ( 5 ) , وبلغ ما أنفقه " الحجاج بن يوسف " على تلك الحملة
ستون ألف ألف درهم ( 6 ) !! , وهنا بدأ " الحجّاج " ينظر فيمن يوليّه على هذا الجيش الذاهب
الى منطقة خطيرة ووعرة !!
أول مسجد فى " شبه القارة الهندية " بناه " محمد بن القاسم " بمدينة الديْبل ( كراتشى ) حاليا " بباكستان "
_____________
(1) البداية والنهاية لابن كثير (6/182)
(2) جزيرة سيلان الآن
(3) الدولة الأموية للصلابى ص51
(5) قادة فتح السند وأفغانستان ص210
(6) الدولة الأموية للصلابى ص52
Bookmarks