دعوَتُه مع أهله..
كانت
الدعوة إلى الله جزء لا يتجزأ من كيانه بل هي الهواء الذي يتنفسه ويعيش به.. قد علم أنه إذا أراد النجاة فعليه أن يدعو غيره وأهله ليثبته الله ويزيده من فضله..
قال تعالى: ((
إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)) ..
وكان أحق الناس بدعوته هم أهل بيته.. أبواه وإخوته.. قال تعالى: ((
وأنذر عشيرتك الأقربين))..
***
أما دعوته مع أخته..
فقد جاء يوم زفافها.. فحاول معها بشتى الأساليب أن تجعل زفافها إسلاميا على ما يحبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من غير منكرات.. ونصحها باللطف واللين.. لكنها أبت ذلك وأصرت على ما زينه الشيطان في ناظريها من زخارف الدنيا والأهواء..
فصممت على المعصية في عناد.. وصمَّت أذنها عن نصائحه..
فاعتذر ولم يحضر عُرسها..
وهي تتذكر هذا اليوم الآن بندم شديد وتقول: "
كانت بضع ساعات إلا أنني أبيت إلا أن أمررها بما يغضب الله تعالى ويرضي الشيطان.. فكانت النتيجة أنني لم أجني لذتها ولا ثمارها بل طُلقت بعدها وجنيت الحسرة والندامة والذنوب.. ولازلت أرى لهذه الغفلة عواقب وخيمة تتوالى لولا أن منّ الله تعالى علي بالهداية..
ليتني سمعت كلام أخي ونداء الرحمن..
لقد جاء أخي يوم زفافي وسلم عليّ ثم ذهب ولم يحضر العرس ولم يدخل قاعة الحفل التي كانت تعج بالمعاصي.. وأتمنى لو عادت الأيام وقدمت طاعة الله تعالى على شهوات النفس وخدع الشيطان..
لقد كان الشيطان يخدعني والدنيا غرتني.. وكان أخي حريصا على دعوتي بالنصح واللين والموعظة الحسنة.. ولكني لم أستجب له".
***
وتقول: ذهبتُ مرة لزيارته بعد الزواج.. وبعد الزيارة قام معي ليوصلني إلى بيتي.. وفي أثناء الطريق..
قال لي بلطف:
ألا تلبسين لباسا أحسن من هذا؟!!
نظرت له وقلت متعجبة:
وهل هناك أحسن من هذا؟!.. أنت لا تدري هذا "التايير" بكم قماشه؟.. هذا المتر منه بـ 300 جنيه.. ولن تجد من تلبس أحسن من هذا!!
فقال مستدركا:
لا أقصد ذلك.. ولكن أقصد أن يكون محترما أكثر !..
فقلت:
أكثر من هذا احترام؟!.. كيف؟!.. أنا زميلاتي يلبسن "شانيل" أما أنا فأرتدي "ماكس" وألبس طرحة لف طويلة..!
فقال لها بهدوء:
أليس هذا "التايير" يوضح تفاصيل جسدك بعرضه وأبعاده..
قلت:
صحيح.. لكنه محترم عن الآخرين!
قال:
لماذا تنظرين للأدنى منك في الطاعة.. ولا تنظرين للأعلى منك؟!.. ثم استطرد قائلا:
لابد أن يكون اللباس غير واصف للجسد وفضفاض وهذا ما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم..
أطرقتُ ببصري أفكر في كلامه..
وبدأت من بعدها أغيّر من طريقة لبسي إلى ملابس أوسع كالعباءات والجلباب..
***
رقة مشاعره..
تقول أخته: "
كان ربما يخرج للعمل في البحر في الصباح الباكر ثم يعود للمنزل ظهرا رغم بعد المسافة ليحضر لي خبزا لأنه ليس في البيت خبز ولا أحد عندي.. ثم يعود مرة أخرى إلى عمله في الشاطئ البعيد!..
لقد تأثرتُ بمعاملته معي" ..
***
جائني يوما وأنا عند زوجي -فقد كان بارا بي يسأل عني- وقد حملت.. فجلست معه أحدثه عن مشاعري وسعادتي بهذا الحمل الذي جاء بعد عامين من الانتظار.. وأذكر له عظمة الله تعالى وكيف أنني أشعر الآن بكائن حي يتحرك في أحشائي فيه روح ودقات قلب.. واستغرقت في وصفي وأحاسيسي الإيمانية بقدرة الله تعالى وخلقه.. فكان ينظر إليّ باهتمام.. وينصت إلى كل حرف أقوله وقد شعر بالروحانية العالية التي أحسها.. فقال لي فجأة:
أتبيعين نفسك؟!
فقلت مستغربة:
أبيع نفسي!!. لمن؟
فقال:
لله!
قلت:
كيف أبيع؟
قال:
بأن تطيعيه في كل شيء..في المأكل والملبس والعمل والصلاة وكل شيء.. أن تسارعي لكل طاعة وتبتعدي عن كل معصية.. والثمن هو الجنة.. وقرأ عليّ قوله تعالى: ((
إنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ )).
أثَّر هذا الموقف أيضا في حياتي.. ودفعني إلى مراجعة حساباتي.. فبدأت أواظب على بعض الطاعات التي كنت مهملة فيها.. لكن الهداية لم تكن قد جاءت بعد!
***
لقد كانت طريقته في الدعوة معي التدرج والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.. كنت مولعة بمشاهدة التلفاز ومتابعة المسلسلات.. فدخل عليَّ يوما فوجدني جالسة أمام الشاشة.. أمام "
العجل الفضي" كما يحلو له أن يسميه.. فأغلق التلفاز.. فغضبت وعلا صوتي عليه..
فلم يكررها.. لكنه أصبح يطلب مني أن أخفض الصوت حتى لا يسمعه..
وذات يوم سألني بهدوء:
لماذا تشاهدين المسلسل؟
قلت له:
أشاهد مواقف مفيدة في الحياة وكذلك أسلّي وقتي..
فرد عليّ قائلا:
هذا تمثيل .. وبه أمور تزيّن المعصية والرذائل وترك الطاعات وهو ملهاة عن ذكر الله..
فسكتُ..
فقال:
هل يجوز لكِ أن تنظري إلى هذا الرجل الذي بالمسلسل وهو ليس بمحْرم لك؟
قلت:
لا..
وإذا نظرتي إلى امرأة وهي بادية عورتها هل يجوز ذلك؟.
قلت: لا..
قال:
ألم تعلمي أن الله تعالى يقول: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)) ((وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)).. إلى جانب أن هذه الأعمال تدعو الإنسان إلى الخلاعة وعدم الحشمة ولا تدعو إلى طاعة..
كان كلامه خارجا من القلب إلى القلب..!
فتوقفت عن مشاهدة المسلسلات لكني كنت أسمع وأشاهد برامج أخرى..
فدخل عليّ يوما وأنا أشاهدها فنظر إليَّ بعتاب وقال:
لماذا عدتي؟!..
فقلت له:
هذه البرامج ليس بها شيء..
فقال:
أليس فيها "تتر موسيقي" وغناء..
قلت:
لكني أخفض الصوت عنده..
فقرأ علي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((
إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) رواه مسلم.
قلت:
وما دخل هذا الحديث بما أنا فيه؟
قال: إ
ذا أردتي أن تلعبي حول بئر ماء هل تلعبين فوق سور البئر أم بعيدا عنه؟.. قلت: بل بعيدا عنه.. قال: ولم؟.. قلت:لأني لو لعبت على السور سأقع.. قال: كذلك محارم الله..
ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا أن الحلال والحرام بينهما "حمى" أي أرض فاصلة وهي حدود الله تعالى، وضرب مثلا براعي الغنم الذي لابد أن يرعى غنمه بعيدا عن المنطقة المحرمة أو الخط الفاصل بينه وبين مِلك غيره.. وذلك حتى لا تتفلت منه من حيث لا يشعر إلى المنطقة الخطر فتجره إلى الهلاك..
كانت هذه هي النهاية التي تركت بعدها التلفاز بالكلية..
فبدأ يحثني على أن أملأ فراغ التلفاز عندي بأشرطة مفيدة ودروس علم.. وكان يحضرها لي..
ويمدني أيضا ببعض الكتب لأقرأها ويتناقش معي فيها..
وكان يحدثني بين الحين والآخر عن النقاب..
إلى أن أتى لي بشريط كان له فعل السحر على قلبي بعنوان "
قصص مؤثرة" .. يحكي
قصة عجيبة لفتاة روسية أسلمت وارتدت النقاب وابتليت ابتلاء شديدا -"اضغط هنا"-.. وصبرت صبرا عجيبا.. تأثرتُ بهذه القصة وكان تعقيب الشيخ على مدى صمود هذه الفتاة أمام الابتلاءات التي صادفتها في حجابها رغم حداثة إسلامها وصمودها أمام التعذيب.. ومقارنة بين حال هذه الفتاة وحال التي إن قيل لها البسي الحجاب قالت اقنعني اولا أو غدا لما أتزوج وغيرها من الحجج الواهية.. فماذا قدمت الفتاة المسلمة لدينها بالجري وراء الموضة والتهاون بحجابها؟!..
وبالفعل قررتُ أن أرتدي النقاب..
ففرح أخي وقال:
سأحضر لكِ النقاب والإسدال هدية..
اتصلت بزوجها الذي كان يعمل في دولة أخرى لتخبره فإذا هو يذكِّرها بوظيفتها في الجامعة.. ويقول لها: البسيه بعد الحج وكذا وكذا.. ويسوف لها الأمور!.. ولم يوافق.
فلما أخبرت أخاها وقالت له:
ما الحل؟!
فقال لها:
"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
فقالت:
قل لي حلا آخر..
فقال:
إلزمي البيت قدر المستطاع ولا تخرجي منه أبدا..
فقالت:
نعم هذه فكرة طيبة وفرصة وأنا معكم هنا حتى أقنعه..
لكن ما حصل بعد ذلك أن زوجها لم يقتنع وكان يضايقها ويؤذيها ويلح عليها في خلعه حتى بعد أن سافرت إليه .. وكان يهددها بقسوة..
وفي الوقت التي كانت هي تتغير فيه نحو الهداية والطاعات كان هو بعيدا عن هذا الطريق.. فاستحالت العشرة بينهما.. حتى طلبت منه الطلاق.. فطلقها.
تقول الأخت: سألتٌ أخي يوما:
هل ستلبس زوجتك النقاب؟
قال:
نعم بالتأكيد فأنا أغار أن يرى أحدا شيئا منها.. ولا حتى عينيها!
قلت:
وهل ستخرجا معا؟ ..
قال:
نعم ..
قلت:
هل ستذهبا إلى المطاعم مثلا والترفيه؟
فقال:
إن حياتنا ستكون فيها أشياء ممتعة أكثر مما تظنين..
فسألته:
ما هي مواصفات الفتاة التي تتمناها يا أحمد؟
قال:
أن تكون متدينة وخلوقة وأن تكون محافظة على الصلوات الخمس خاصة صلاة الفجر.. وأن تكون قادرة على شئون البيت من طعام وغسيل وغيره.. ثم أضاف ضاحكا:
وأن تقبل العيش معي على الحصيرة!
فقلت له ملاطفة:
لن تجد فتاة الآن ترضى بذلك.. ثم مَن التي سترضى بك وأنت هكذا أسمر!
قال:
لا بأس هناك ملتزمات يرضين بالقليل!
وكان صيد السمك قد أثر على لونه كثيرا حتى أسودّت بشرته!!
يتبع إن شاء الله..
Bookmarks