الموضوع موجه لمن ينكر السنة فليتفضل ويعترض عليه إن استطاع
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:-
المعجزة: هي العملية الخارقة للعادة والتي تفوق تصور الإنسان, وبعيدة عن قدراته الاعتيادية, وخرق العادة له أحوال ودرجات أربعة هي:
1) أن تخرق العادة لرجل صالح وهذه من باب الكرامة، وقد وقع هذا ولا يزال لصالحي أهل الإيمان في كل أمة ويبقى إلى قيام الساعة.
2) خرق العادة لفاجر أو كافر ويكون هذا من باب ابتلاء الله عباده ليفرقوا بين أولياء الله وأولياء الشياطين كما وقع هذا لكثير من مدعى النبوة كما سيقع من خوارق العادات على يد المسيح الكذاب فإنه يقول للسماء امطري فتمطر، وللأرض أخرجي كنوزك فتخـرج كنوزها، ويقتل رجلاً بسيفه ثم يحييه، وكما يقع هذا لكثير من أولياء الشياطين.
3) خرق العادة الذي هـو باب الشعوذة والتخييل والكذب وهذا يفعله السحرة، والكذابون، وهي أمور تعتمد على الحيلة، وسرعة الحركة، والتخييل، كما فعله سحرة فرعون حيث جاءوا بسحر عظيم. قال تعإلى في ذلك )قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (لأعراف:116) حتى إن موسى عليه السلام خشي أن تنطلي حيلتهم على الناس جميعاً، وتبطل آية الله مع ما جاءوا به من السحر. قال تعإلى في ذلك )قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ إنها تَسْعَى))فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) (طـه 66-67)
وهذا السحر والتخييل ليس من باب خرق العادة، ولكنه يظهر للناس إنه أمر خارق للعـادة وليس كذلك، فإن السحر لا يغير حقائق الأشياء ولا طبائعها، وإنما يغير فقط نظر الناس إليها فيبصرون الأمر على غير حقيقته.
4) أن تجري خوارق العادة على وجه التحدي والإعجاز، ولا يكون هذا إلا لنبي وتسمى المعجزة، وآيات الرسل من هذا القبيل كما أيد الله بموسى بمجموعة من المعجزات، وكذلك إبراهيم وصالح وهود وعيسى ومحمد وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وهي من دلائل النبوة فكل نبي لا بد أن يأتي بمعجزة تثبت نبوته وارتباطه بالسماء, والمعجزات التي جاء بها الأنبياء على نوعين:
النوع الأول: معجزات مادية محسوسة مرتبطة بزمان ومكان كعصا موسى عليه السلام, وتسيير الرياح لسليمان عليه السلام, وقدرة عيسى عليه السلام على إحياء الموتى, وغيرها من المعجزات التي ظهرت على يد سائر الأنبياء وعلى رأسهم نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم, فقد ظهر على يده مئات المعجزات من شق القمر وتسبيح الحصى وغيرها.
النوع الثاني: معجزات معنوية التي لا ترتبط بزمان أو مكان, إذ تستمر في إعجازها إلى آخر الزمان , فقد أرسل الله آلاف الرسل لقوله سبحإنه وتعإلى )وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (النحل:36) وقال عز وجل )إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر:24) وقد أيدهم بأدلة على صدق نبوتهم وانتهت تلك الأدلة بانتهاء نبوتهم وذلك لأن نبوتهم كانت خاصة في قوم وزمن محدد
ولم يحظَ بمعجزة تستمر إلى آخر الزمان إلا نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم, إذ كان القرآن الكريم معجزته الخالدة, والكتاب الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه, وما يزال بين أيدينا إلى يومنا هذا كما أنزله الله على نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
قال الله تعإلى )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)
السؤال هو : إذا كان نبينا الكريم هو مؤلف القرآن الكريم فكيف تمكن من تحقيق الآية الكريمة إلى يومنا هذا ؟ بمعنى من الذي حمى القرآن الكريم من التحريف على مدى ما يزيد عن أرعة عشر قرناً ؟
ليس هناك من رسول أجرى الله على يديه من خوارق العادات وأيده بالمعجزات ما أجرى الله على يد خاتم أنبيائه ورسله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وهذه بعض المعجزات التي حدثت أثناء حياته والتي هي من قبيل خرق العـادة وإظهار الكرامة وتمام النعمة، والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالفضل والنبوة :-
الطفيل بن عمرو الدوسي
الطفيل بن عمرو بن الدوسي سيد قبيلة دوس في الجاهلية ، وشريف من أشراف العرب المرموقين ، وواحد من أصحاب المرواءت المعدودين ... لا تنزل له قدر عن نار ، ولا يوصد له باب أمام طارق ... يطعم الجائع ، ويؤمن الخائف ، ويجير المستجير .
وهو إلى ذلك أديب أريب لبيب ، وشاعر مرهف الحس رقيق الشعور بصير بحلو البيان ومره ... حيث تفعل فيه الكلمة فعل السحر .
غادر الطفيل منازل قومه في تهامة متوجها إلى مكة ، ورحى الصراع دائرة بين الرسول الكريم صلوات الله عليه وكفار قريش ، كل يريد أن يكسب لنفسه الأنصار ، ويجتذب لحزبه الأعوان ... فالرسول صلوات الله وسلامه عليه يدعو لربه وسلاحه الإيمان والحق . وكفار قريش يقاومون دعوته بكل سلاح ، ويصدون الناس عنه بكل وسيلة .
ووجد الطفيل نفسه يدخل في هذه المعركة على غير أهبة ، ويخوض غمارها عن غير قصد ... فهو لم يقدم إلى مكة لهذا الغرض ولا خطر له أمر محمد وقريش قبل ذلك على بال .
ومن هنا كانت للطفيل ابن عمرو الدوسي مع هذا الصراع حكاية لا تنسى ؛ فلنستمع إليها ، فإنها من غرائب القصص : حدث الطفيل قال : قدمت مكة ، فما إن رآني سادة قريش حتى أقبلوا علي فرحبوا بي أكرم ترحيب ، وأنزلوني فيهم أعز منزل .
ثم اجتمع إلي سادتهم وكبراؤهم وقالوا : يا طفيل ، إنك قد قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي يزعم إنه نبي قد أفسد أمرنا ومزق شملنا ، وشتت جماعتنا ونحن إنما نخشى أن يحل بك وبزعامتك في قومك ما قد حل بنا ، فلا تكلم الرجل ، ولا تسمعن منه شيئا ؛ فإن له قولا كالسحر : يفرق بين الولد وأبيه ، وبين الأخ وأخيه ، وبين الزوجة وزوجها .
قال الطفيل : فوالله ما زالوا بي يقصون علي من غرائب أخباره ، ويخوفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله ، حتى أجمعت أمري على ألا أقترب منه ، وألا أكلمه أو أسمع منه شيئا .
ولما غدوت إلى المسجد للطواف بالكعبة ، والتبرك بأصنامها التي كنا إليها نحج وإياها نعظم ،حشوت في أذني قطنا خوفا من أن يلامس سمعي شي من قول محمد .
لكني ما إن دخلت المسجد حتى وجدته قائما يصلي عند الكعبة صلاة غير صلاتنا ويتعبد عبادة غير عبادتنا ، فإسرني منظره ، وهزتني عبادته ، ووجدت نفسي أدنو منه ، شيئا فشيئا على غير قصد مني حتى أصبحت قريبا منه ...
وأبى الله إلا أن يصل إلى سمعي بعض مما يقول ، فسمعت كلاما حسنا ، وقلت في نفسي : ثكلتك أمك يا طفيل ...
إنك لرجل لبيب شاعر ، وما يخفى عليك الحسن من القبيح ، فما يمنعك أن تسمع من الرجل ما يقول ... فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته . قال الطفيل : ثم مكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، فتبعته حتى إذا دخل داره دخلت عليه ، فقلت : يا محمد ، إن قومك قد قالوا لي عنك كذا وكذا ، فوالله ما برحوا مخوفونني من أمرك حتى سددت أذني بقطن لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني شيئا منه ، فوجدته حسنا .
فاعرض علي أمرك ، فعرض علي أمره ، وقرأ لي سورة الإخلاص والفلق ، فوالله ما سمعت قولا أحسن من قوله ، ولا رأيت امرا أعدل من أمره .
عند ذلك بسطت يدي له ، وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ودخلت في الإسلام .
قال الطفيل : ثم أقمت في زمنا تعلمت فيه أمور الإسلام وحفظت فيه ما تيسر لي من القرآن ، ولما عزمت على العودة إلى قومي قلت : يا رسول الله إني أمرؤ مطاع في عشيرتي ، وأنا رادع إليهم وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن نجعل لي آية تكون لي عونا فيما أدعوهم إليه فقال : اللهم اجعل له آية .
فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت في موضع مشرف على منازلهم وقع نور فيما بين عيني مثل المصباح ، فقلت : اللهم اجعله في غير وجهي ، فإني أخشى أن يظنوا إنها عقوبة وقعت في وجهي لمفارقة دينهم ... فتحول النور فوقع في رأس سوطي ، فجعل الناس يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق ، وأنا أهبط إليهم من الثنية فلما نزلت ، أتاني أبي ـ وكان شيخا كبيرا .
فقلت : إليك عني يا أبت ، فلست منك ولست مني قال : ولم يا بني ؟! قلت : لقد أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : أي بني ، ديني دينك ، فقلت : اذهب واغتسل و طهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت ، فذهب فاغتسل وطهر ثيابه ، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم .
ثم جاءت زوجتي ، فقلت : إليك عني فلست منك ولست مني قالت : ولم !! بأبي أنت وأمي ، فقلت : فرق بيني وبينك الإسلام فقد أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قالت : فديني دينك ، قلت : فاذهبي فتطهري من ماء ذي الشرى ـ وذو الشرى صنم لدوس حوله ماء يهبط من الجبل ـ فقالت : بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية شيئا من ذي الشرى ؟!فقلت : تبا لك ولذي الشرى ... قلت لك : اذهبي واغتسلى هناك بعيدا عن الناس ، وأنا ضامن لك ألا يفعل هذا الحجر الأصم شيئا ، فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت . ثم دعوت دوسا فأبطؤوا علي إلا أبا هريرة فقد كان أسرع الناس إسلاما , قال الطفيل : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، ومعي أبو هريرة فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام : ما وراءك يا طفيل ؟ فقلت : قلوب عليها أكنة وكفر شديد ... لقد غلب على دوس الفسوق والعصيان ...
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلى ورفع يده إلى السماء ، قال أبو هريرة : فلما رأيته كذلك خفت أن يدعو على قومي فيهلكوا ... فقلت : واقوماه ... لكن الرسول صلوات الله عليه جعل يقول : اللهم اهد دوسا ... اللهم اهد دوسا ... اللهم اهد دوسا ... ثم التفت إلى الطفيل وقال : ارجع إلى قومك وارفق بهم وادعهم إلى الإسلام .
قال الطفيل : فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضت بدر وأحد والخندق ، فقدمت على النبي ومعي ثمانون بيتا من دوس أسلموا وحسن إسلامهم فسر بنا رسول الله ، وأسهم لنا مع المسلمين من غنائم خيبر .
Bookmarks