الحمد لله رب العالمين ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ،ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :


فلا يخفى على مسلم ما يعانيه المسلمون في شتى بقاع الأرض ،وطبيعي أن يلقى المسلمون عداوة ظاهرة من الكافرين قال تعالى الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ) النساء –75- فهذه الآية تبين أصل العداوة بين المؤمنين والكافرين فهما حزبان لا يلتقيان الحزب الأول يقاتل في سبيل الله ، والآخر يقاتل في سبيل الشيطان وكلاً منهما يبذل أموالاً وأرواحاً في سبيل نصر وليه ، ولكن الغريب أن يصبح أولياء الله أحزاباً متناحرة بعضهم يكيد لبعض ، بل ووصل الحال في بعضهم أنهم أغمدوا سيوفهم ضد أعداء الله وأشهروها مشحونة بالغيظ ضد إخوانهم ،كفوا ألسنتهم عن اليهود والنصارى وأطلقوها سليطة على إخوانهم ، وهذا من أكبر المصائب التي تواجه الأمة ،وهو سبب مباشر لضعفها وفشلها قال تعالى وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) . الأنفال – 46- فالآية الكريمة تدل على حقائق تلمسها الأمة وتعايشها ، وتعتصر قلوب المؤمنين حزناً وألماً على مصابها ،فالله سبحانه ينهى الأمة عن التنازع ، وليس المقصود بالتنازع الاقتتال فحسب بل يشمل الخلافات الفكرية وغيرها كما في قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ) الأنفال –152- وهذه الآية الكريمة نزلت في حق المسلمين يوم أحد فبين الله سبحانه أن سبب فشلهم ما كان منهم في مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ،ولم يكن تنازعهم رضي الله تعالى عنهم اقتتالاً بالسيوف بل مخالفة بعضهم لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا دليل على أن لفظ التنازع يدل على الخلاف وما فوقه ، وتنازع الأمة يؤدي إلى فشلها ،وها هي الأمة تتخبط في ظلمات الفشل والضعف وذهاب القوة والمنعة وتتشرذم في دياجير الذل والهوان حتى باتت لا يرى لها بصيص من الأمل في النجاة ، وإن كنا نعتقد جازمين أن العاقبة لها فذلك وعد الله سبحانه والله لا يخلف الميعاد ، ولكننا نتحدث عن واقع نعايشه واقع أصبح فيه الشر عائماً ، والفتن مائجة ، والخير متوارياً إلا في مسائل محدودة أو من وراء جدر خوفاً من بطش أولي الأمر الذين يحتضنون كل ما هو كيد للأمة وعقيدتها ، وهذا ما جعل كثيراً من الفرق الإسلامية تتطلع نحو الخروج من هذا الواقع المشؤوم لتحيى حياة إسلامية بعيداً عن الجاهلية ومتعلقاتها ، ولكن أنى ؟! وقد اختارت كل فرقة لنفسها طريقاً مغايراً لما عليه باقي الفرق ، بل تقف حيالهم بين الغلو والتفريط ناهيك عن الحقد والبغض والحسد الذي لا يكاد يفتر عنها، وتجتر في كبر واستعلاء مواقفها النبيلة المشرفة ،وتتغنى بإخلاص أفرادها وبطولاتهم مع وقوفها على قول الله سبحانه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً *انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً ) . النساء- 49 -50.
ولو تدبرت الفرق كلام الله سبحانه في وصفه للمؤمنين لأدركت أنها في منأى عن هذه الصفات ، فالله سبحانه ذكر وصف المؤمنين في كثير من الآيات ،من هذه الصفات قوله تعالى : (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) . الفتح –29 .
فالصحابة رضي الله تعالى عنهم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم حقاً أشداء على الكفار رحماء بينهم ، لا أشداء على أنفسهم رحماء على الكفار ، بل كانوا عباداً قائمين راكعين ساجدين ، متحابين متعاطفين متراحمين ،ولم يكونوا متكلمين متشدقين يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ،بل بلغت المحبة فيهم أنهم كانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة كما في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) . الحشر –9 .
فأين هذه الفرق من هذا الوصف ؟ أين هي من قوله صلى الله عليه وسلم : (‏مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا ‏ ‏اشتكى ‏ ‏منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) . مسلم
أين هي من قوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا ‏ ‏يسلمه ‏ ‏ومن كان في حاجة ‏ أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن ‏ مسلم ‏ ‏كربة ‏ ‏فرج الله عنه ‏ ‏كربة ‏ ‏من ‏ ‏كربات ‏ ‏يوم القيامة ومن ستر ‏ مسلما ستره الله يوم القيامة ) . البخاري
أجل أين هذه الفرق التي ملئت المعمورة من هذه النصوص الثابتة المحكمة التي لا يفهم منها إلا ظاهرها ، أين هي من الأخوة الإيمانية الصادقة التي تربطها العقيدة ، ألم يقل الله تعالى في حق المؤمنين : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) . الحجرات –10 .وإنما أداة حصر تفيد القصر ، فهل حقاً هذا هو مثل المؤمنين هذا الزمان ؟ أهذا هو مثل الفرق الإسلامية ؟ هل التعاون قائم بينها استجابة لقول الله تعالى : (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) . المائدة –2 .
كلا ورب الكعبة قد انسلخت هذه الفرق عن هذه الصفات إلا فيما يتعلق بمصالحها وعلاقاتها بأفرادها ،ولا يخفى الحال على كل مستبصر واقع الأمة بعين العقل والإيمان ،وإنما يخفى على من أعمت العصبية الحزبية بصيرته وطبع الحقد والحسد على قلبه وأصبح ينظر إلى غيره بعين الكبر والاستعلاء فالله نشكو حالنا وما ألم بنا ، ومن هنا ندرك أهمية وحدة الصف ، والتعاون البناء بين المؤمنين لذا نجد كتاب ربنا سبحانه يشدد على التفرق والاختلاف ويبن عواقبه ومصير أصحابه قال تعالى : (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) . آل عمران –103 .فهذا خطاب من الله سبحانه للمؤمنين كل المؤمنين وهو خطاب عام يأمر الله سبحانه به المؤمنين أن يعتصموا بحبله جميعاً ولا يتفرقوا ،ويذكرهم بما كان منهم في الجاهلية من عصبية وقبلية وكيف أنعم عليهم بنعمة الإيمان التي أخرجت منهم العصبية النتنة وأدخلتهم في الإيمان الذي يؤاخي بين المؤمنين ويرفع منهم العصبية وكل مظاهر الجاهلية ثم يشدد عليهم بعد ذلك لأن لا يتبعوا اليهود والنصارى فيقعوا بما وقعوا فيه : (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). آل عمران –105 . وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من التفرق والاختلاف وأمرهم بلزوم الجماعة في كثير من الأحاديث الصحيحة منها ما رواه ‏ ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قالإن الله لا يجمع أمتي ‏ ‏أو قال أمة ‏ ‏محمد ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن ‏ ‏شذ ‏ ‏شذ ‏ ‏إلى النار ) .وفي حديث آخرعن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال : ( ‏خطبنا ‏ ‏عمر ‏ ‏بالجابية ‏ ‏فقال يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فينا فقال ‏ ‏أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم ‏ ‏يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من ‏ ‏الاثنين أبعد من أراد ‏ ‏بحبوحة ‏ ‏الجنة فليلزم الجماعة من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن ). ‏
‏رواه الترمذي وقال : ‏ ‏هذا ‏ ‏حديث حسن صحيح غريب ‏ ‏من هذا الوجه. ومن المعلوم اضطراراً أن المقصود بالجماعة جماعة المسلمين وليس الجماعات الكثيرة المتفرقة التي لا تزيد الإسلام إلا وهن على وهن ،وتقطع عليهم أسباب النصر والتمكين إلا تلك التي ارتضت لنفسها السير على منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقص ،الجماعة التي وصفها صلى الله عليه وسلم بقوله ‏ ‏ ‏تفرقت ‏ ‏اليهود ‏ ‏على إحدى وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة .قيل من هي يا رسول الله ؟ قال هي التي تكون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) . وبهذا تعلم أخي المسلم عاقبة التفرق والاختلاف ، وأهمية توحد الأمة وترابطها واعتصامها بكتاب ربها سبحانه وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ،والله نسأل أن يهدينا سواء السبيل وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه ولينا ونعم النصير
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
بقلم الشيخ /إبراهيم بن عبد العزيز
10/ جمادى الآخرة- 1423هـ


آخر تحديث ( 05-05-2004 )


أخوكم في الله : الفجر القادم