صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 26

الموضوع: لقاء علمى فى ملتقى اهل التفسير مع الدكتور احمد الطعان حول العلمانية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,886
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي لقاء علمى فى ملتقى اهل التفسير مع الدكتور احمد الطعان حول العلمانية

    انقل لكم المشاركات المطروحة فى ملتقى اهل التفسير للقاء الدائر مع الدكتور احمد ادريس الطعان ويديرها الاخ رحيم

    الكاتب : عبد الرحيم

    بسم الله الرحمن الرحيم


    قريباً بإذن الله تعالى.. سيتم اللقاء العلمي مع الدكتور أحمد إدريس الطعان الأستاذ المساعد بكلية الشريعة بجامعة دمشق ، وهذا هو اللقاء العلمي الخامس الذي يجري في شبكة التفسير والدراسات القرآنية ، بعد اللقاءات الأربعة السابقة .
    وسيكون الحوار كما يأتي :

    بعد التعريف بالدكتور وأطروحته للدكتوراه سيتم الدخول مباشرة في محاور اللقاء وهي :

    * مدخل: العَلمانية :المفهوم والخصائص.

    أ- تدرج معنى المفهوم بحسب العصور والمجتمعات:
    1. فصل الدين عن الدولة.
    2. فصل الدين عن الحياة.
    3. إنكار الغيبيات.
    4. تنحية الأسئلة الكبرى.
    5. أنسنة الإله وتأليه الإنسان.
    6. الدنيوية.

    ب- علاقة العَلمانية بـ:
    1. العِلمانية.
    2. اللائكية.
    3. العَلمانوية.
    4. السلام.
    5. الديمقراطية.
    6. العولمة.
    7. العقل.

    * المحور الأول: أسلمة العلمانية (هل يمكن التوفيق بين الإسلام والعَلمانية ؟ ولماذا ؟)
    - إجاية العَلمانيين.
    - تعقيب.

    * المحور الثاني: مصدر القرآن الكريم .
    - نظرة العَلمانيين إلى مفهوم الوحي.
    - تعقيب.


    * المحور الثالث: التأويل .
    - العَلمانيين والتأويل.
    - تعقيب.

    * المحور الرابع: حتمية العَلمانية (طوفان العَلمانية - هل سيكتسح المجتمع الإسلامي ؟ متى ؟ وكيف ؟)
    - إجابة العَلمانيين.
    - تعقيب.

    * المحور الخامس: مصطلحات الفكر العَلماني: (تعريفها وبيان خطر تطبيقها).
    مدخل أول: حرص العلمانيين على زخرفة اللفظ (التفيهُق).
    مدخل ثاني: علم اللسانيات.
    1. البنيوية.
    2. التفكيكية.
    3. الهرمينوطيقا.
    4. الأنسنة.
    5. المركَسة.
    6. الأرخنة.

    ( مصطلحات أخرى يطلب الإخوة التعريف بها).

    أرجو من الإخوة التكرم بالمشاركة بمقترحاتهم وأسئلتهم أو إضافة محاور جديدة..

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,886
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الكاتب : عبدالرحمن الشهري
    نرحب بالدكتور الكريم أحمد إدريس الطعان في ملتقى أهل التفسير ضيفاً كريماً ، ومشاركاً فيما يدور في هذا الملتقى العلمي من حوارات ونقاشات علمية . ونسأل الله أن يبارك في جهوده العلمية في الدفاع عن القرآن الكريم ، وكشف الشبهات التي تثار بين الحين والآخر ضده. ونرجو أن يوفق الدكتور أحمد الطعان في أجوبته في هذا اللقاء العلمي المتجدد. كما أشكر أخي الكريم الأستاذ عبدالرحيم الشريف على تبنيه إدارة هذا الحوار لصلته بالضيف الكريم ، وبموضوع اللقاء العلمي ، وآمل أن ينير هذا اللقاء العلمي جوانب كثيرة تخفى على كثير من المتخصصين في الدراسات القرآنية من الشبهات المتجددة التي تثار حول كتاب الله الكريم ، والتي تمس الحاجة إلى معرفتها ، وكيفية التعامل معها ، والرد عليها رداً علمياً.

    ------------------------------------------------------------

    الكاتب : ابو بيان
    مرحبا بالدكتور الطعان في الملتقى, وشكر الله له تعاونه ومشاركته, ونسأل الله أن يوفقه ويفتح عليه. والشكر موصول لأخينا الأستاذ عبد الرحيم على ما يقدمه من فوائد للملتقى, والتي ليس من آخرها هذا اللقاء إن شاء الله.

    ------------------------------------------------------------
    الكاتب : احمد الطعان
    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أشكركم إخوتي الأكارم جميعاً على حسن استقبالكم وبارك الله فيكم ...
    وأسأل الله عز وجل أن يوفقني لبيان الحق وكشف الزيف ...
    ولي طلب واحد هو أن يتاح لي من الوقت ما يكفي لتنسيق مشاركاتي وعرضها عليكم وجزاكم الله خيراً .. وأنا الآن إن شاء الله عز وجل جاهز للبدء إذا رغبتم ...
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

    ------------------------------------------------------------
    الكاتب : أحمد البريدى
    نرحب بالدكتور أحمد ونسأل الله له السداد , ونؤمل فيكم كثيراً في ملتقى التفسير عموماً , وفي ملتقى الانتصار للقرآن خصوصاً إن كتب الله له الافتتاح .

    ------------------------------------------------------------
    الكاتب : الجندى
    مقالات الدكتور أحمد الطعان

    http://www.eltwhed.com/vb/forumdisplay.php?f=36

    ------------------------------------------------------------
    الكاتب : الخطيب
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مرحباً بالأخ الحبيب د.أحمد الطعان ، وبمدير الحوار الأخ الحبيب الأستاذ عبد الرحيم الشريف.
    أثق بأن حواراً يديره الأخ عبد الرحيم ، ويكون فارسه الأخ د.أحمد الطعان سوف يكون مفيداً بعون الله. فالأخ د.أحمد الطعان باحثٌ جيد جداً ، له خبرته وباعه في مناقشة الخطاب العلماني . أرحب بالأخوين الكريمين ، ولي بعون الله عودة.

    ------------------------------------------------------------

    الكاتب : احمد الطعان
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أخي الفاضل وأستاذي الخطيب بارك الله فيك وأكرمك الله لقد طال البعد بيننا أرجو أن نلتقي قريباً على الأقل في المراسلة والخاص ..
    والسلام عليكم ورحمة الله

    ------------------------------------------------------------
    الكاتب : د. عيسى الدريبي
    نكررالترحيب بضيف الملتقى د/أحمدالطعان في هذا الموضوع الهام ومن كاتب متخصص فيه ، اذأن سببا رئيسا من اهم اسباب هجمة العلمانيين على هذا الدين هي موقفهم من القران وطريقة تعاملهم معه كنص إلهي، أوكنص من النصوص، كما يرى بعض كتابهم
    واقترح على اخي الدكتور عبدالرحمن الشهري - اثراء للموضوع -التنسيق مع الدكتور سعيدبن ناصر الغامدي الاستاذ بجامعة الملك خالدللمداخلة في هذا الموضوع فهو راصد لكتابات العلمانيين ومهتم بهذا الموضوع من الناحية العقدية

    ------------------------------------------------------------
    الكاتب : احمد البريدى
    معنا في الملتقى أحد الأخوات لها عناية بهذا الموضوع وهي الأخت منى محمد بهي الدين , وعنوان رسالتها : التيار العلماني الحديث وموقفه من التفسير, نوقشت في جامعة الأزهر , فليتها تطرح ما تراه .
    ------------------------------------------------------------
    الكاتب : مرهف
    هلا شرحت لنا فضيلة الدكتور أحمد الطعان مدى العلاقة بين العلمانية والاستشراق منذ النشأة الاستشراقية والعلمانية إلى وقتنا الحالي وذلك من جهات التوافق والافتراق والمؤسسات الراعية والممولة إن أمكن ،فإن الدارس يلحظ توافقاً إن لم نقل تطابقاً بين ما تطرحه العلمانية ضد الإسلام وما يزعمه الاستشراق على الإسلام ،أم أن هذا الربط بين العلمانية والاستشراق غير سليم ، لأن البون شاسع بين المبدأين ، فالاستشراق ذو مبدأ ديني صليبي ، والعلمانية تفصل بين الدين والدنيا ولا تقبل الدين أصلاً وإن اتفقا في الغاية وبعض الأفكار,أرجوا التوضيح مع فائق احترامي مع بعض الأمثلة على التوافق .
    إن كلاً من العلمانية والاستشراق يحثان على التعامل مع النص القرآني على أساس أدبي لا على أنه نص إلهي .
    إن كلاً من العلمانية والاستشراق يطرحان فكرة أن الإسلام هو خليط النصرانية واليهودية

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,886
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الكاتب : احمد الطعان

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الأخ الفاضل مرهف بارك الله فيك :
    العلمانية هي البيضة التي باضها الاستشراق في عالمنا العربي والإسلامي وأفقست بعده بعقود من الزمن، والواقع أن الاستعمار والتبشير والاستشراق // أجنحة المكر الثلاثة // هي التي مهدت الأرضية الثقافية والبيئة المناسبة لتقبل بعض العقول للعلمانية .
    ولا يمكن الفصل بين هذه الأجنحة الثلاثة إلا على مستوى التنظير ، وقد تحالفت العلمانية بعد أن استوت على سوقها مع آبائها وكانت وفيَّة لهم فترجمت ثقافتهم وبررت استعمارهم وتقبلت حضارتهم دون تمييز ويكفي أن نتذكر هنا جهود سلامة موسى في توطئة الأرض للإنكليز وطه حسين وعلاقاته مع عدد من المستشرقين ثم علي عبد الرازق الذي أصدر كتابه الإسلام وأصول الحكم في الوقت الذي تكاتفت فيه أوربا لإسقاط الخلافة في تركيا .
    كما أن أكثر الأفكار التي طرحها الاستشراق رددها العلمانيون فيما بعد ولا يزالون فقد تبنى طه حسين فكرة مرجليوث حول الانتحال في قضية الشعر ، وإنكار وجود سيدنا إبراهيم عليه السلام .

    وهنا يمكن مراجعة هذا الموضوع :
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2649

    وإذا تأملنا سوف نجد أن العلمانية تسربت إلى بلادنا العربية عبر نافذتين أساسيتين هما : لبنان ومصر ، وتأتي تونس في المرحلة الثانية لهاتين ، فقد كان اهتمام الدول الغربية بالأقليات المسيحية في لبنان وسوريا تحركه طائفة من الأطماع والغايات ، وقد احتضنت العديد من الجامعات والمدارس في إيطاليا وفرنسا طلبة مشرقيين مسيحيين ووجدت صلات وروابط قوية بين الكنيسة الكاثوليكية الغربية ، والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية رغم الاختلاف بينهما ، ويعود تاريخ الإرساليات التبشيرية الأجنبية إلى الشام إلى مطلع القرن السابع عشر ، وكان اليسوعيون أنشط هذه الجمعيات وتعود صلتهم بالشام إلى سنة 1625 م .
    وقبل ذلك كانت العلاقة بين الأمير فخر الدين الثاني 1572 – 1632 حاكم لبنان والبابا غريغواريوس الثالث عشر 1585 – 1605م متينة ، وقد فتح هذا الأمير أمام الطلبة اللبنانبيين باب الذهاب إلى روما للدراسة فيها ، ومنحهم أرضاً ومساكن ثم أنشأ لهم مدرسة خاصة عام 1584م أسماها المدرسة المارونية ، وتعاطف كثيراً مع الإرساليات الأوربية ، وبسط يد الحماية في بلاد الشام حتى صار الأوربيون يدعونه " حامي النصارى في الشرق " .
    ومن هؤلاء الطلبة " إبراهيم الحاقلاني 1605 – 1664م والمطران جرمانوس فرحات 1670 – 1732م ويوسف السمعاني 1687 – 1778 م وقد آلت السلطة بعد ذلك في لبنان إلى البطارقة والأساقفة المنتمين إلى الطوائف الدينية المتنوعة ، وكان هؤلاء الطلبة على حظ كبير من المعرفة والاطلاع على علوم الغرب ، وكانوا ثمرة الإرساليات الآتية من أوربا وفرنسا خصوصاً ثم من أمريكا ، ثم أصبحوا بعد ذلك في نظر القوميين والعلمـانيين العرب أركان النهضة وطلائع التنوير .
    ولم يمض وقت طويل حتى انتشرت المطابع ، ونقلت البعثة التبشيرية الأمريكية مطبعتها من مالطا إلى بيروت . وهنا يجب أن لا يغيب عن بالنا الصلة الوثيقة الملاحظة بين العلمانية والتبشير من جهة ، وبين العلمانية والمسيحيين الذين حملوا لواء الدعوة إلى القومية فيما بعد من جهة ثانية .
    لقد أنشأ بطرس البستاني 1819 – 1883 م المدرسة الوطنية في بيروت سنة 1863 م ثم أصبح النصف الثاني من القرن التاسع عشر مسرحاً للتنافس الشديد في إنشاء المدارس فكانت مدرسة عينطورة ومدرسة القديس يوسف ، والمدرسة الوطنية والمدرسة السورية الإنجيلية ومدارس الجمعية الأهلية كالمدرسة البطريركية ، ومدرسة الأقمار ، ومدرسة الحكمة ، ومدرسة كفتين التي تخرج منها فرح أنطون .
    وكانت الجامعة الأمريكية البروتستانتية التي أُسست في بيروت سنة 1866م وتأيدت بمطبعة أحد المراكز الرئيسة في الشرق والتي كان هدفها الأساسي هو بعث الأفكار التنصيرية ، وإشاعة الثقافة الغربية في الوسط المسيحي أولاً ، والإسلامي ثانياً .
    وكان الرهـط الأول من العلمانيين قد تخرجوا منها ومن هؤلاء شبلي شميل ثم يعقوب صروف ، وفارس نمر ، ثم جرجي زيدان صاحب مجلة الهلال .
    بيد أن المنافسة كانت شديدة بين الجامعة الأمريكية البروتستانتية والإرساليات الفرنسية الكاثوليكية التي تسعى لصيانة أبناء ملتهم الكاثوليك من الأضاليل البروتستانتية ، وقد انتشرت مدارس هؤلاء في بيروت وصيدا، وأسسوا الكلية الكاثوليكية على غرار الجامعة الأمريكية سنة 1875م وتبنت فرنسا هذا المشروع في إطار الصراع على النفوذ بينها وبين أمريكا في لبنان .
    ولكن يبدو أن الطائفية الشديدة المنتشرة في بيروت ولبنان بشكل عام ، والتي تتميز بنوع من العنصرية المتحكمة ، والعدوانية المتجذرة لم تساعد الغرب الأمريكي أو الأوربي على إمداد رجالاته ورموزه الذين زرعهم في لبنان بالوسائل المرادة لتحصيل أغراضه في العلمنة ، والتبشير والسيطرة ، وكانت فتنة الستين الرهيبة في لبنان والتي وقعت سنة 1860 م تمخضت عن مجزرة رهيبة في صفوف اللبنانيين ، واستهدفت البعثات التبشيرية الكاثوليكية وخصوصاً اليسوعية التي كانت أكثر الطوائف نشاطاً في ممارسة التنصير .
    كانت هذه المجزرة دافعاً قوياً للتلاميذ " المدللين " إلى الهجرة من لبنان إلى مصر ، وخلافاً لما يؤكده بعض الباحثين من أن هجرة هؤلاء المفكرين كانت لأسباب وعوامل سياسية واجتماعية وثقافية وبحثاً عن الحرية ، فإني لا أستبعد أن تكون هذه الهجرة نتيجة لمؤامرة دبرت، وخطة رسمت في الأروقة الغربية ، وأوعز بتنفيذها إلى هؤلاء المتغربين ، ومن ثم نقلوا نشاطهم من لبنان إلى مصر .
    وكان من هؤلاء المهاجرين فرنسيس مراش بين عامي 1867 – 1873 م وخليل سعادة، ونجيب حداد بين عامي 1867 – 1899 م وشبلي شميل هاجر إلى الإسكندرية سنة 1886م وفرح أنطون هاجر سنة 1897 م واستقر في مصر أيضاً كل من يعقوب صروف ، ونقولا حداد، وفارس نمر .
    وأما في مصر :
    فقد كانت حملة نابليون التي بدأت سنة 1798 م 1213 هـ بداية الغزو الصليبي الحديث ، ولكنه هذه المرة يختلف عن الحملات الصليبية السابقة ، فقد جند معه العقول ، وكل ما وصلت إليه الحضارة الغربية من منجزات مادية وفكرية وثقافية لتسهم معه في تكريس هذا الغزو وتوطيد أركانه وكان لهذه الحملة أثران :
    إيجابي : حيث قامت بدور الصاعق الكهربائي الذي يجعل النائم يصحو ، والمريض ينتفض وينشط وكان ذلك قد لفت أنظار المسلمين إلى واقعهم المتردي ، وانحطاطهم المتفاقم عن ركب الحضارة .
    سلبي : حيث رافق هذه الحملة ملابسات ، وأعراض مرضية أخذت تتفشى وتنتشر في المجتمع المصري من أزياء وعادات وأخلاق ، بالإضافة إلى الفكر الوافد الذي زرعه نابليون في عقول بعض الفئات وبدأ ينمو حتى أينعت ثماره فيما بعد على يد سلامة موسى وأمثاله .
    لقد جاء الفرنسيون معهم بكل ما نشاهده اليوم من مظاهر للعلمانية في الأخلاق والسلوك والفكر ، فقد قتل نابليون عدداً كبيراً من العلماء ، ودنس جنوده المقدسات ، وزينوا للمصريين مخالفة دينهم بالممارسات الشنيعة ، فتأثراً بهم خرجت المرأة المصرية عن حشمتها ، وحجابها ، واختلطت بهم ، وكان الهدف الأكبر للفرنسيين هو قلب التقاليد الإسلامية المصرية . ورافق هذا الاحتلال محاولات متواصلة وجهود مكثفة لقطع الشعوب الإسلامية " الغافية " عن ماضيها وتراثها ودينها ولغتها ، وصبغها بصبغات غربية ، وإشاعة الفواحش والمنكرات والعادات الغربية بين أبناء المسلمين ، وساعد على ذلك الفقر الشديد الذي تعانيه المجتمعات الإسلامية نتيجة للاستعمار ، والحكام والملوك المستبدين الذين صنعهم الاستعمار ووطد سلطانهم لخدمة مصالحه واستفحل نتيجة لذلك الجهل والأمية ، وظل التعليم محصوراً في بعض الطبقات الثرية ، والأسر الأرستقراطية .
    وقد أدرك المستعمر أن تغيير الفكر، وغسل الأدمغة يجب أن يتم قبل أي مشروع آخر وذلك لتسهيل مهمته في استعباد الشعوب واستغلالها، وجعلها دائماً في دوامة التبعية الحضارية والحاجة إلى الوصاية والانتداب، فكانت دراسات المستشرقين الهائلة التي وُظِّفت لها أموالٌ طائلة وبُذلت من أجلها جهودٌ جبارة، وكانت في معظمها قائمة على التزوير والتحريف والافتراء .
    ومن هنا ظلت أعين المسلمين دائماً تنظر إلى الإنتاج الاستشراقي بالريبة والحذر بل غالباً ما يتعامل معها المسلمون على أنها جهود استعمارية معادية ، والحسن فيها استثناءً نادرٌ ، ولذلك رأى المستعمر أن يصنع لهذه الأمة قادة من أبنائها يربيهم على موائده ، ويعلمهم في معاقله ، ثم يفيض عليهم من إحسانه ، ويمرغهم في إنعامه ، ويغمسهم في ملذاته ، ويسديهم من خيراته ، ثم يضفي عليهم من الشهرة والمجد ما يجعلهم محط الأنظار وقادة الأفكار ، ورواد الإصلاح ، وزعماء التجديد إنها نصيحة زويمر للمبشرين : "" تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها "" .
    وهذا ما فعله الغرب المستعمر فأبرز من أبرز وطمس من طمس ، وكان الذين برزوا هم الذين أخلصوا لسادتهم المستعمرين ، وتحقق هؤلاء السادة من عمالتهم ودناءتهم فجعلوهم نجوماً للأمة يَهدُونها إلى التغرُّب ، ويزينون لها التأوْرُب .
    أخي الكريم :
    العلمانية هي المُسخة الجديدة للاستشراق ...
    وأنا أسميها مُسخة لأنها نسخة مشوهة تريد ان تلصق نفسها بحضارتنا وتراثنا على أنها من داخل هذا التراث وليست غريبة عنه وكما جاء في الحديث // هم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا // .
    والعلمانيون في تعاملهم مع القرآن الكريم على أنه نص بشري أو أدبي هم يجترون في ذلك جهود المدارس الغربية التاريخية وخصوصاً المدرسة الألمانية في دراساتهم وانتقاداتهم للكتاب المقدس وخصوصاً ما سمي بالنقد العالي للكتاب المقدس .
    إنهم يسعون لإسقاط ما تم إنجازه بخصوص الكتاب المقدس على القرآن الكريم .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,886
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الكاتب : عبد الرحيم

    إخوتي الأحبة: سنبدأ اللقاء مع الأخ أحمد الطعان، وبالنسبة للتعريف به وبأطروحته: " موقف الفكر العربي العلماني من النص القرآني / دعوى تاريخية النص نموذجاً " فسيتم ذلك في موضوع مستقل حين يزف لكم البشرى بطباعتها قريباً تحت عنوان مبدئي: " العلمانيون والقرآن ".


    ولنبدأ اللقاء:

    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

    سؤال:
    أخي الفاضل... تعددت التعريفات، واشتهرت الدراسات، لكن: لا بد مما ليس منه بد فما العلمانية ؟

    لن أتعب رؤوسكم بقراءة ما كُتب في دوائر المعارف والمعاجم الأوربية عن العلمانية وسوف أدخل معكم مباشرة إلى بعض النتائج :
    - أولاً : هناك اتفاق بين المعاجم ودوائر المعارف المشار إليها على أن العلمانية هي توجه دنيوي محض ، وتسعى لصرف الناس عن الاهتمام بالآخرة أو أي غيبيات ، وتدعوهم إلى الاهتمام بالعالم الحاضر ، والحياة المشاهدة ، وتكرس محبة هذا العالم لأن الخير الوحيد ، الحقيقي الذي يجب أن يُعترَف به هو في هذا العالم . أرجو أن نحتفظ بهذه الملاحظة معنا لأننا سنحتاجها قريباً .

    - ثانياً : هناك اتفاق صراحة أو ضمناً على أن العلمانية مناهضة للأديان ، ومتقاطعة معها فهي تُحوّل المقدس إلى مدنس ، وتقلل من قيمة الإيمان بالله عز وجل واليوم الآخر .
    لقد صرحت دائرة معارف الدين والأخلاق ، ودائرة المعارف البريطانية بأن العداء قائم بين العلمانية والأديان ، أما دائرة المعارف الأمريكية فلجأت إلى المراوغة مما أوقعها في التناقض فهي تقول : بأن العلمانية لا تمانع العقائد المسيحية ، ولا تنكر وجود خير آخر ، ثم تقول في نفس الوقت ، ولكن الخير الحقيقي في هذه الحياة الحاضرة ، وهو الجدير بالاهتمام والبحث وإذا كانت المسيحية تعتبر المسيح هو المنقذ والمخلص ، فإن الخلاص والغاية في نظر العلمانية هو في العلمانية القائمة على التجارب والمحسوس .

    - ثالثاً : مهما حاولت العلمانية والعلمانيون المصالحة مع الأديان ، فإن هذا يبدو بعيداً ، لأن العلمانية القائمة في أساسهـا على رفض المبادئ الدينية ، وعدم الاعتراف بها كأسس للالتزام الأخلاقي ، بل ورفض كل الماورائيات التي تقوم عليها الأديان ، وتدعو إلى إقامة الأخلاق والحياة الاجتماعية والسياسية على أسس وضعية نسبية وطبعية ، وهذا بحد ذاته بمثابة إعلان الحرب على الأديان ؛ لأن هذه تطرح نفسها على أنها الحقيقة المطلقة .

    - رابعاً : نلاحظ أن العلمانية التي تقوم على محاربة احتكار الحقيقة ، وتندد بـ " ملاك الحقيقة المطلقة " تقع هي نفسها في هذا الاحتكار والتملك فهي كما تشير دائرة معارف الدين والأخلاق تطرح نفسها على أنها : دين سلبي إنكاري ، وهي كما أشارت دائرة المعارف الأمريكية ترى الخلاص الوحيد والحقيقة المطلقة في العلمانية .

    --------------------------------------

    سؤال:
    يرفض العلمانيون العرب نعتهم بالملحدين، فهل للعلمانية جذور إلحادية ؟

    العلمانية هي ترجمة لكلمة سكيولاريزم secularism الإنجليزية ، وقد استخدم مصطلح " سكيولار " لأول مرة مع نهاية حرب الثلاثين عاماً سنة 1648 م عند توقيع صلح " وستفاليا " وبداية ظهور الدولة القومية الحديثة ، وهو التاريخ الذي يعتمده كثير من المؤرخين بداية لمولد ظاهرة العلمانية في الغرب .
    وكان معنى المصطلح في البداية محدود الدلالة ، ولا يتسم بأي نوع من أنواع الشمول أو الإبهام إذ تمت الإشارة إلى علمنة ممتلكات الكنيسة وحسب ، بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية ، أي إلى سلطة الدولة أو الدول التي لا تخضع لسلطة الكنيسة .
    وفي فرنسا في القـرن الثامن عشر أصبحت الكلمة تعني من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية : "" المصادرة غير الشرعية لممتلكات الكنيسة "" أما من وجهة نظر المستنيرين فإن الكلمة تعني : "" المصادرة الشرعية لممتلكات الكنيسة لصالح الدولة "" .
    ولكن المجال الدلالي للكلمة اتسع وبدأت الكلمة تتجه نحو مزيد من التركيب والإبهام على يد هوليوك 1817 – 1906م الذي يعتبر أول من صاغ المصطلح بمعناه المعاصر ، وجعله يتضمن أبعاداً سياسية واجتماعية وفلسفية ، وأراد هوليوك أن يُجنب المصطلح مصادمة الأديان فعرّف العلمانية بما يشير إلى الرغبة في الحياد فقال:""العلمانية : هي الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خـلال الطرق المادية، دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض".
    ولكن مع ذلك إذا شئنا أن نربط العلمانية بفلسفة منظرها هوليوك فيمكن القول إن العلمانية قائمة على الشك أحياناً ، والإلحاد الصريح أحياناً أخرى ؛ لأن هوليوك كان ينفي عن نفسه تهمة الإلحاد ، ولكنه في نفس الوقت يعترف بعدم وجود أدلة كافية للإيمان بالله [عز وجل ] ، ويجهر أحياناً بأن الإله إنما هو " الحاضر المعيش ".
    ويرجع أول استخدام لكلمة علمانية عند هوليوك إلى شهر ديسمبر سنة 1846 م عندما أوردها في مقال نشره في مجلة " ذي ريزونور " أي "المجادل العقلاني " ، والسبب أنه شعر مع بعض زملائه وأسلافه مثل " توماس بين " و "ريتشارد كارليل " و "روبرت تيلور " أن المسيحية لم تعد مقبولة لدى أكثر فئات المجتمع ، وقد مست الحاجة إلى استبدالها بمبدأ حديث فكان هو " العلمانية " وقد سماها أتباع روبرت أدين بـ " الدين العقلاني ". وهنا نتذكر ما تحدثنا عنه في التمهيد مما سمي " دين العقل " أو " الدين الطبيعي " .
    أسس هوليوك في عام 1855 م " جمعية لندن العلمانية " وفي ديسمبر من نفس العام تحولت الحركة العلمانية إلى تيار واسع النطاق ، وتزايد انتشارها بين عامي 1853 – 1854 م ، مما دفع القس بردين جرانت إلى التصدي لها في كل أنحاء إنكلترة مفنداً ومجادلاً .
    ولكن ازداد توزيع مجلة " الريزونور " العلمانية إلى خمسة آلاف نسخة ، وانتشرت الجمعيات العلمانية في جميع أنحاء بريطانيا ومن أبرزها " جمعية لستر العلمانية " و" جمعية بولتون العلمانية " وجمعيات أخرى في سائر أنحاء البلاد.
    وكان لجهود تشارلس برادلاف 1833 - 1894 م دوراً كبيراً في ترسيخ المبادئ العلمانية الجديدة ، وإضفاء طابع الإلحاد عليها ، وذلك عندما استلم رئاسة جمعية لندن العلمانية سنة 1858 م بدلاً من هوليوك ، واشترك سنة 1860 م في تحرير مجلة " المصلح القومي " التي حلت محل سابقتها " الريزونور " وأسس الجمعية العلمانية القومية سنة 1866 م .
    اندثرت مجلة " المصلح القومي " سنة 1881 م لتحل محلها مجلة " المفكر الحر " التي زادت من جرعتها الإلحادية ، فكانت لا تكف عن الاستهزاء بالأناجيل ، والسخرية من الذات الإلهية ، إلى درجة أنها طالبت بمحاكمة أصحاب الأناجيل الأربعة لأنهم يجدفون على الله [عز وجل ] فهم يقولون بأن الله [عز وجل ] ، ضاجع عـذراء يهودية وأنجب منها طفـلاً غير شـرعي أسماه المسيح.
    -----------------------

    والخلاصة ؟

    في الواقع إننا لا نعرض هنا خلاصة لأن الخلاصة كانت هي ما عبرت عنه دوائر المعارف والمعاجم ـ كما رأينا ـ ولكن يمكن اعتبار ما نذكره هنا على أنه تأكيد للخلاصة ، أو أنه خلاصة الخلاصة .
    لقد رأى بعض القسيسين أن العلمنة في الأصل تحوُّل المعتقدات المسيحية إلى مفاهيم دنيوية عن البشر والعالم ولا سيما من منظور بروتستانتي . ولكن عالم اللاهوت الهولندي " كورنليس فان بيرسن " يوضح ذلك بشكل أكثر صراحة عندما يقرر بأن العلمانية تعني : "" تحرر الإنسان من السيطرة الدينية أولاً ، ثم الميتافيزيقية ثانياً على عقله ولغته " ويفصل أكثر بقوله : " إنها تعني تحرر العالم من الفهم الديني ، وشبه الديني ، إنها نبذ لجميع الرؤى الكونية المغلقة ، وتحطيم لكل الأساطير الخارقة، وللرموز المقدسة … إنها تخليص للتاريخ من الحتميات والقدريات، وهي اكتشاف الإنسان أنه قد تُرك والعالَم بين يديه، وأنه لا يمكن بعد الآن أن يلوم القدر أو الأرواح الشريرة على ما تفعله بهذا العالم، إنها تعني أن يدير الإنسان ظهره لعالم ما وراء الطبيعة، وأن يولي وجهـه شطر هـذا العالم أو" الهنا "وأن يحصر نفسه في الزمن الحاضر"" .
    إنها تعني : "" زوال وظيفة الدين في تحديد رموز التوحيد والاندماج الثقافي " ، وتعني أن هناك : " مساراً تاريخياً لا راد له تقريباً هو الذي يتحرر بمقتضاه المجتمع والثقافة من الخضوع لوصاية الدين والأنساق الميتافيزيقية المغلقة "" ، وتعني : "" القضاء على التبعية الطفولية في كل مستوى من مستويات المجتمع ، إنها عملية نضج ورشد وتحمل للمسؤولية ، أو قل إنها التخلي عن كل سند ديني أو غيبي أو ميتافيزيقي ، وجعل الإنسان يعتمد على نفسه "" .
    أخيراً يمكن أن نختم بما يلي : العلمانية في المنظور الغربي هي: التحرر من الأديان عبر" السيرورة " التاريخية، واعتبار الأديان مرحلة بدائية لأنها تشتمل على عناصر خرافية كالماورائيات والغيبيات، ولا يتم الخلاص من هذه الأعباء إلا عن طريق تحقيق النضج العقلي الذي تحققه العلمنة عبر آلياتها الثقافية والفكرية والفلسفية. وهذا ما يعبر عنه د.ج.ويل بقوله:"" الفكرة العلمانية تنطوي على مفهوم فلسفي يتعلق باستقلال العقل في قدرته " . وذلك يعني بنظر كلود جفراي "" إلغاء كل مرجع ديني" . وهو نفس ما يريده جول فيري 1832 – 1893م ولكن بتعبير أكثر حدة حيث الغرض النهائي من العلمـانية عنـده هو:"" تنظيم المجتمع بدون الله ""[عز وجل]. إنها الدنيوية إذن .

    --------------------------

    سؤال:
    من حيث تعريف العلمانية: لا علاقة لها بالدين، لكنها في الجوهر: دراسات متعمقة في الدين هل هذا ما تقصده ؟


    من خلال تتبعي لكتابات العلمانيين ودراستها دراسة علمية:
    كان قد استقر رأيي - ردحاً من الزمن - على أن العلمانية هي : "" أنسنة الإلهي ، وتأليه الإنساني "" ويتميز هذا الحد بأنه يجمع خصائص كثيرة للعلمانية في شطريه :
    فالشطر الأول " أنسنة الإلهي " يحتوي على مقولة العلمانية في رفض المصدر الإلهي للأديان أو الوحي ، واعتبارها ظواهر اجتماعية وإنسانية تاريخية برزت ضمن ظروف ومعطيات معينة كما أراد فرويد وغيره . ويحتوي هذا الشطر أيضاً : على إلغاء أو تمييع كل المقدَّسات والمعجزات ، وإعادة تفسيرها تفسيراً إنسانياً اجتماعياً أو اقتصاديا أو مادياً ، أو نفسانياً واعتبارها مجرد خرافات وأساطير عفا عليها الزمن .
    ويحتوي هذا الشطر أيضاً : على أنسنة الطبيعة والكون بمعنى تجريده من أية دلالات روحية أو كونية أو رمزية ، واعتبارها مواد للإنسان عليه أن يستثمرها في منفعته وأنانيته بشكل مطلق وإمبريالي دون أي اعتبار آخر ، مع رفض الدلالات الغيبية ، والإشارات الربانية التي تؤكد عليها الأديان جميعاً كمعالم للهداية ، باعتبار الطبيعة - في رؤيتها - كتاباً كونياً منظوراً إلى جانب الوحي المكتوب .
    ويحتوي هذا الشطر أيضاً : على الجهود التي تبذلها العلمانية لاستثمار الإلهي وتحويله إلى فكرانية بمعنى : "" تحويل الوحي إلى إيديولوجية "". "" تحـويل الوحي ذاته إلى علم إنساني "" وذلك لتحقيق أغراض الإنسان وأطماعه ، وقد تجلى ذلك واضحاً في الفلسفة الفيورباخية ، وتبنى ذلك حسن حنفي من العلمانيين العرب – كما سنرى – ومعنى ذلك "" إلغاء الغيب كمصدر للمعرفة ، وقصرها على عالم الشهادة "" ويتم ذلك بالعقل والتجريب بعيداً عن الوحي .
    وعلى مستوى العلاقة بين العلمانية العربية والنص القرآني فإنه يتجلى أيضاً دور الشطر الأول من التعريف حيث نجد نزعة الأنسنة سائدة لدى هؤلاء فكتب أركون كتابه " نزعة الأنسنة " وحاول نصر حامد أبو زيد وغيره استعادة القضية الكلامية القديمة التي ثار حولها جدل طويل ، وهي مسألة خلق القرآن في شكلها الاعتزالي ، وذلك من أجل تكريس إنسانية الوحي ومنتوجيته البشرية ، وسنفصل ذلك فيما بعد .
    وأما الشطر الثاني من التعريف " تأليه الإنساني " فيتولى تغطية جوانب كثيرة أيضاً من خصائص العلمانية أهمها : النزعة الغرورية التي كرستها فلسفة نيتشة وداروين عبر " الإنسان الأعلى " و" البقاء للأقوى " والتي مورست عملياً من خلال حكام النازية والفاشية كما أشرنا سابقاً.
    ويتضمـن هذا الشطر أيضاً : التركيز العلماني الدائم على مركزية الإنسان ، واستقلالية العقل ، وهذه الأخيرة تشكل بُعداً أساسياً في العلمنة حتى عُرِّفت بأنها لا سلطان على العقل إلا للعقل في تفسير الوجود . هذا الجزء يتكفل بالإشارة إلى هذا البعد ، حيث إن تأليه الإنسان يعني أن التفكير الإنساني مستقل عن الوحي ، بل يرقى إلى مرتبة الوحي ، ويحظى بنصيب من الألوهية . لقد بلغ الأمر بالفرنسيين بعد الثورة أن نصبوا تمثالاً وعبدوه سموه " إلاهة العقل " .
    ويتضمن هذا الشطر أيضا : الإشارة إلى تأليه القيم الجديدة للعلمانية المتمثلة في حقوق الإنسان ، وترسيخ الفردية المطلقة ، والديمقراطية ، وحرية المرأة المطلقة ، ونسبية الأخلاق ، والعِلمانية – بالكسر - ، وكل ذلك ما هو إلا إحلال لمنظومة جديدة مؤلَّهة من القيم الإنسانية ، وإضفاء حالة من القداسة عليها ، بدلاً من الدستور الإلهي القائم على الوحي .
    ويتضمن هذا الشطر أيضا : الإشارة إلى الجانب العبثي في العلمانية وهو بعد جوهري فيها ، ذلك لأن تأليه الإنساني يعني أن الإنسان الجسد هو المُؤلَّه ، لأن العلمانية لا تعترف إلا بالجسد ، وحاجات هذا الجسد الجنسانية والغرائزية تنال حظاً وافراً من الإجلال والقداسة - كما رأينا في الفصل الأول -إن تأليه الإنساني يعني تقديس المُدَنَّس والارتفاع به إلى مستوى الألوهية.
    أما البعد المادي في العلمانية فإن شطري التعريف يسهمان في تغطيته ، إذ إن أنسنة الإلهي تعني تحويل ما ليس بمادة إلى مادة ، أو بعبارة أخرى تدنيس المقدس والتعامل معه على هذا الأساس الدَّنِس . ثم يأتي الشطر الثاني ليضفي على المادة قداسة جديدة " تقديس المدنس " وتصبح المادة بهذا الشكل حالَّة محل الألوهية ، ويغدو كل ما سواها ضربٌ من الأساطير والأوهام . وهو ما سعت الفيورباخية والماركسية إلى تكريسه .
    ---------------------------------------

    سؤال:
    ما هو التعريف النهائي الجامع المانع الذي ارتضيته للعلمانية

    الدنيوية، وما أريد أن أقوله هنا : هو أن " الدنيوية " ليست مجرد ترجمة لغوية للعلمانية ، وأعني أن العلمانية يمكن أن تُعرَّف تعريفاً جامعاً مانعاً - فيما أرى - بكلمة واحدة هي : " الدنيوية " .
    إن هذا التعريف - كما يبدو لي - لا يكاد يغادر صغيرة ولا كبيرة من مقولات العلمانية وخصائصها إلا ويطويها في داخله ، وإن نظرة سريعة في تاريخ العلمانية وأسسها وجذورها ، وأبعادها وتجلياتها سوف تبين أن الدنيوية هي الهم الأول ، والهاجس الأساسي ، بل الوحيد الذي تدور عليه العلمانية .
    فالمادية ، واللامادية ، والمثالية ، والعقلانية ، والعِلمانية ، والتطورية ، والجنسانية ، والأنسنة ، والحرية ، والديمقراطية ، وحقوق الإنسان ، والعنصرية ، والفردية ، كل هذه العناصر التي أفرزتها العلمانية عبر تاريخها الطويل أُريدَ منها أن تحقق للإنسان السعادة في هذه الحياة الدنيا دون أي اعتبار آخَر ليوم آخِر ، والسعادة المقصودة هنا هي أقصى قدر ممكن من اللذة والمتعة .

    ------------------------------


    سؤال:
    إن كان للعلمانية بعدها الدنيوي الإلحادي، فما علاقتها بالتنصير وما يتفرع عنه من تبشير واستعمار واستشراق... الخ

    العلمانية هي البيضة التي باضها الاستشراق في عالمنا العربي والإسلامي وأفقست بعده بعقود من الزمن، والواقع أن الاستعمار والتبشير والاستشراق // أجنحة المكر الثلاثة // هي التي مهدت الأرضية الثقافية والبيئة المناسبة لتقبل بعض العقول للعلمانية .
    ولا يمكن الفصل بين هذه الأجنحة الثلاثة إلا على مستوى التنظير ، وقد تحالفت العلمانية بعد أن استوت على سوقها مع آبائها وكانت وفيَّة لهم فترجمت ثقافتهم وبررت استعمارهم وتقبلت حضارتهم دون تمييز ويكفي أن نتذكر هنا جهود سلامة موسى في توطئة الأرض للإنكليز وطه حسين وعلاقاته مع عدد من المستشرقين ثم علي عبد الرازق الذي أصدر كتابه الإسلام وأصول الحكم في الوقت الذي تكاتفت فيه أوربا لإسقاط الخلافة في تركيا .
    كما أن أكثر الأفكار التي طرحها الاستشراق رددها العلمانيون فيما بعد ولا يزالون فقد تبنى طه حسين فكرة مرجليوث حول الانتحال في قضية الشعر ، وإنكار وجود سيدنا إبراهيم عليه السلام .
    وإذا تأملنا سوف نجد أن العلمانية تسربت إلى بلادنا العربية عبر نافذتين أساسيتين هما : لبنان ومصر ، وتأتي تونس في المرحلة الثانية لهاتين ، فقد كان اهتمام الدول الغربية بالأقليات المسيحية في لبنان وسوريا تحركه طائفة من الأطماع والغايات ، وقد احتضنت العديد من الجامعات والمدارس في إيطاليا وفرنسا طلبة مشرقيين مسيحيين ووجدت صلات وروابط قوية بين الكنيسة الكاثوليكية الغربية ، والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية رغم الاختلاف بينهما ، ويعود تاريخ الإرساليات التبشيرية الأجنبية إلى الشام إلى مطلع القرن السابع عشر ، وكان اليسوعيون أنشط هذه الجمعيات وتعود صلتهم بالشام إلى سنة 1625 م . تسربت العلمانية إلى بلادنا العربية عبر نافذتين أساسيتين هما : لبنان ومصر ، وتأتي تونس في المرحلة الثانية لهاتين.

    فقد كان اهتمام الدول الغربية بالأقليات المسيحية في لبنان وسوريا تحركه طائفة من الأطماع والغايات ، وقد احتضنت العديد من الجامعات والمدارس في إيطاليا وفرنسا طلبة مشرقيين مسيحيين ووجدت صلات وروابط قوية بين الكنيسة الكاثوليكية الغربية ، والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية رغم الاختلاف بينهما ، ويعود تاريخ الإرساليات التبشيرية الأجنبية إلى الشام إلى مطلع القرن السابع عشر ، وكان اليسوعيون أنشط هذه الجمعيات وتعود صلتهم بالشام إلى سنة 1625 م .
    وقبل ذلك كانت العلاقة بين الأمير فخر الدين الثاني 1572 – 1632 حاكم لبنان والبابا غريغواريوس الثالث عشر 1585 – 1605م متينة ، وقد فتح هذا الأمير أمام الطلبة اللبنانبيين باب الذهاب إلى روما للدراسة فيها ، ومنحهم أرضاً ومساكن ثم أنشأ لهم مدرسة خاصة عام 1584م أسماها المدرسة المارونية ، وتعاطف كثيراً مع الإرساليات الأوربية ، وبسط يد الحماية في بلاد الشام حتى صار الأوربيون يدعونه " حامي النصارى في الشرق " .
    ومن هؤلاء الطلبة " إبراهيم الحاقلاني 1605 – 1664م والمطران جرمانوس فرحات 1670 – 1732م ويوسف السمعاني 1687 – 1778 م وقد آلت السلطة بعد ذلك في لبنان إلى البطارقة والأساقفة المنتمين إلى الطوائف الدينية المتنوعة ، وكان هؤلاء الطلبة على حظ كبير من المعرفة والاطلاع على علوم الغرب ، وكانوا ثمرة الإرساليات الآتية من أوربا وفرنسا خصوصاً ثم من أمريكا ، ثم أصبحوا بعد ذلك في نظر القوميين والعلمـانيين العرب أركان النهضة وطلائع التنوير .
    ولم يمض وقت طويل حتى انتشرت المطابع ، ونقلت البعثة التبشيرية الأمريكية مطبعتها من مالطا إلى بيروت. وهنا يجب أن لا يغيب عن بالنا الصلة الوثيقة الملاحظة بين العلمانية والتبشير من جهة ، وبين العلمانية والمسيحيين الذين حملوا لواء الدعوة إلى القومية فيما بعد من جهة ثانية .
    لقد أنشأ بطرس البستاني 1819 – 1883 م المدرسة الوطنية في بيروت سنة 1863 م ثم أصبح النصف الثاني من القرن التاسع عشر مسرحاً للتنافس الشديد في إنشاء المدارس فكانت مدرسة عينطورة ومدرسة القديس يوسف ، والمدرسة الوطنية والمدرسة السورية الإنجيلية ومدارس الجمعية الأهلية كالمدرسة البطريركية ، ومدرسة الأقمار ، ومدرسة الحكمة ، ومدرسة كفتين التي تخرج منها فرح أنطون.
    وكانت الجامعة الأمريكية البروتستانتية التي أُسست في بيروت سنة 1866م وتأيدت بمطبعة أحد المراكز الرئيسة في الشرق والتي كان هدفها الأساسي هو بعث الأفكار التنصيرية ، وإشاعة الثقافة الغربية في الوسط المسيحي أولاً ، والإسلامي ثانياً .
    وكان الرهـط الأول من العلمانيين قد تخرجوا منها ومن هؤلاء شبلي شميل ثم يعقوب صروف ، وفارس نمر ، ثم جرجي زيدان صاحب مجلة الهلال .
    بيد أن المنافسة كانت شديدة بين الجامعة الأمريكية البروتستانتية والإرساليات الفرنسية الكاثوليكية التي تسعى لصيانة أبناء ملتهم الكاثوليك من الأضاليل البروتستانتية ، وقد انتشرت مدارس هؤلاء في بيروت وصيدا، وأسسوا الكلية الكاثوليكية على غرار الجامعة الأمريكية سنة 1875م وتبنت فرنسا هذا المشروع في إطار الصراع على النفوذ بينها وبين أمريكا في لبنان .
    ولكن يبدو أن الطائفية الشديدة المنتشرة في بيروت ولبنان بشكل عام ، والتي تتميز بنوع من العنصرية المتحكمة ، والعدوانية المتجذرة لم تساعد الغرب الأمريكي أو الأوربي على إمداد رجالاته ورموزه الذين زرعهم في لبنان بالوسائل المرادة لتحصيل أغراضه في العلمنة ، والتبشير والسيطرة ، وكانت فتنة الستين الرهيبة في لبنان والتي وقعت سنة 1860 م تمخضت عن مجزرة رهيبة في صفوف اللبنانيين ، واستهدفت البعثات التبشيرية الكاثوليكية وخصوصاً اليسوعية التي كانت أكثر الطوائف نشاطاً في ممارسة التنصير.
    كانت هذه المجزرة دافعاً قوياً للتلاميذ " المدللين " إلى الهجرة من لبنان إلى مصر ، وخلافاً لما يؤكده بعض الباحثين من أن هجرة هؤلاء المفكرين كانت لأسباب وعوامل سياسية واجتماعية وثقافية وبحثاً عن الحرية ، فإني لا أستبعد أن تكون هذه الهجرة نتيجة لمؤامرة دبرت، وخطة رسمت في الأروقة الغربية ، وأوعز بتنفيذها إلى هؤلاء المتغربين ، ومن ثم نقلوا نشاطهم من لبنان إلى مصر .
    وكان من هؤلاء المهاجرين فرنسيس مراش بين عامي 1867 – 1873 م وخليل سعادة، ونجيب حداد بين عامي 1867 – 1899 م وشبلي شميل هاجر إلى الإسكندرية سنة 1886م وفرح أنطون هاجر سنة 1897 م واستقر في مصر أيضاً كل من يعقوب صروف ، ونقولا حداد، وفارس نمر .
    وأما في مصر :
    فقد كانت حملة نابليون التي بدأت سنة 1798 م 1213 هـ بداية الغزو الصليبي الحديث ، ولكنه هذه المرة يختلف عن الحملات الصليبية السابقة ، فقد جند معه العقول ، وكل ما وصلت إليه الحضارة الغربية من منجزات مادية وفكرية وثقافية لتسهم معه في تكريس هذا الغزو وتوطيد أركانه وكان لهذه الحملة أثران :
    إيجابي : حيث قامت بدور الصاعق الكهربائي الذي يجعل النائم يصحو ، والمريض ينتفض وينشط وكان ذلك قد لفت أنظار المسلمين إلى واقعهم المتردي ، وانحطاطهم المتفاقم عن ركب الحضارة.
    سلبي : حيث رافق هذه الحملة ملابسات ، وأعراض مرضية أخذت تتفشى وتنتشر في المجتمع المصري من أزياء وعادات وأخلاق ، بالإضافة إلى الفكر الوافد الذي زرعه نابليون في عقول بعض الفئات وبدأ ينمو حتى أينعت ثماره فيما بعد على يد سلامة موسى وأمثاله .
    لقد جاء الفرنسيون معهم بكل ما نشاهده اليوم من مظاهر للعلمانية في الأخلاق والسلوك والفكر ، فقد قتل نابليون عدداً كبيراً من العلماء ، ودنس جنوده المقدسات ، وزينوا للمصريين مخالفة دينهم بالممارسات الشنيعة ، فتأثراً بهم خرجت المرأة المصرية عن حشمتها ، وحجابها ، واختلطت بهم ، وكان الهدف الأكبر للفرنسيين هو قلب التقاليد الإسلامية المصرية. ورافق هذا الاحتلال محاولات متواصلة وجهود مكثفة لقطع الشعوب الإسلامية " الغافية " عن ماضيها وتراثها ودينها ولغتها ، وصبغها بصبغات غربية ، وإشاعة الفواحش والمنكرات والعادات الغربية بين أبناء المسلمين ، وساعد على ذلك الفقر الشديد الذي تعانيه المجتمعات الإسلامية نتيجة للاستعمار ، والحكام والملوك المستبدين الذين صنعهم الاستعمار ووطد سلطانهم لخدمة مصالحه واستفحل نتيجة لذلك الجهل والأمية ، وظل التعليم محصوراً في بعض الطبقات الثرية ، والأسر الأرستقراطية .
    وقد أدرك المستعمر أن تغيير الفكر، وغسل الأدمغة يجب أن يتم قبل أي مشروع آخر وذلك لتسهيل مهمته في استعباد الشعوب واستغلالها، وجعلها دائماً في دوامة التبعية الحضارية والحاجة إلى الوصاية والانتداب، فكانت دراسات المستشرقين الهائلة التي وُظِّفت لها أموالٌ طائلة وبُذلت من أجلها جهودٌ جبارة، وكانت في معظمها قائمة على التزوير والتحريف والافتراء .
    ومن هنا ظلت أعين المسلمين دائماً تنظر إلى الإنتاج الاستشراقي بالريبة والحذر بل غالباً ما يتعامل معها المسلمون على أنها جهود استعمارية معادية ، والحسن فيها استثناءً نادرٌ ، ولذلك رأى المستعمر أن يصنع لهذه الأمة قادة من أبنائها يربيهم على موائده ، ويعلمهم في معاقله ، ثم يفيض عليهم من إحسانه ، ويمرغهم في إنعامه ، ويغمسهم في ملذاته ، ويسديهم من خيراته ، ثم يضفي عليهم من الشهرة والمجد ما يجعلهم محط الأنظار وقادة الأفكار ، ورواد الإصلاح ، وزعماء التجديد إنها نصيحة زويمر للمبشرين : "" تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها "" .
    وهذا ما فعله الغرب المستعمر فأبرز من أبرز وطمس من طمس ، وكان الذين برزوا هم الذين أخلصوا لسادتهم المستعمرين ، وتحقق هؤلاء السادة من عمالتهم ودناءتهم فجعلوهم نجوماً للأمة يَهدُونها إلى التغرُّب ، ويزينون لها التأوْرُب .

    ------------------------

    سؤال:
    لنعد إلى (تفكير) الفكر العلماني، يقول العلمانيون: " نحن لا نريد للدين أن يتدخل في السياسة، الاجتماع، الاقتصاد.. ". لكنهم هم يتدخلون في الدين، ألا تجد في ذلك مفارقة ؟

    عندما عزمت على دراسة ظاهرة العلمانية كان التعريف القابع في ذهني هو التعريف الشائع لها وهو " فصل الدين عن الدولة " ولما قرأت قليلاً ورأيت من يطرح تعريفاً جديداً هو " فصل الدين عن الحياة " ملت إليه وقلت هو هذا ..!!
    ومع طول المعايشة والمعاشرة للخطاب العلماني رأيت أن القضية أكبر من كونها قضية فصل ، وإنما هي في كثير من الأحيان أقرب إلى الجحود والنكران للأديان وقيمها ، فضعفت قناعتي بهذا التعريف ، وهذا لا يعني أن التعريف قد فقد قيمته عندي ، وإنما يعني أنه قاصر عن الحد الكامل ، وإن كان يغطي مرحلة من مراحل العلمانية أو حيِّزاً من رقعتها الشاسعة .
    تبادر إلى ذهني في وقت من الأوقات أن العلمانية هي إلغاء المقدس ، ولكن بعض العلمانيين أنفسهم يعتبرون المقدس نمطاً لوجود الإنسان ، وأن الإنسان يعيد إنتاج المقدس بأشكال جديدة وهو يمارس دنيويته وأن المقدس عنصر من عناصر الوعي ، وأن أقصى مظاهر الحداثة المعاصرة غارقة في المقدس ، وهو ما يعني أن العلمانية غارقة في مقدسات ، بل ووثنيات جديدة تخترعها كبديل للمقدس الديني ، بل وتضع آلهة جديدة ، وتقدم لها مراسم وقرابين وألوان من العبودية والخضوع ، وهو ما أشار إليه - آنفاً - رفيق حبيب ."" إن الأسطرة ملَكة ثابتة وعبر هذا فالإنسان المعاصر يساهم أيضاً وعبر حرتقاته العلمية الجديدة في صنع أساطيره "" ولذلك "" يمكن أن يُؤلَّف عمل كامل عن أساطير الإنسان الحديث "" .
    قلت : فهي إذن " إنكار الغيب ، وإثبات المادة " بيد أن العلمانية لم تتمكن من الاستمرار في إنكار الغيب ، لأن الإيمان بالغيب لا بد منه ، فإذا لم يأت اختياراً جاء اضطراراً ، وهذا هو الواقع فالعلمانية تؤمن بغيبيات وميتافيزيقيات كثيرة مثل النيترونات ، والأنتيرونات ، والأثير أو السديم ، وغير ذلك من أشياء يقوم عليها العلم ولكنها افتراضية ، والإيمان بها ليس إلا ضرباً من ضروب الإيمان بالغيب ، وإن كابرت العلمانية وعاندت ، وهو ما يلفت النظر إليه جلال أمين عندما يذهب إلى أنه "" لا مفـر من اتخاذ موقف ميتافيزيقي ما ، والبدايات الميتافيزيقية هي التي تفضي إلى النتائج ، والمقولات المختلفة التي تكون أيديولوجية ما، والتي توجه السلوك الإنساني ، وهذا يعني أن العلمانية منظومة شاملة ورؤية للكون والطبيعة والإنسان تستند إلى ميتافيزيقا مُسبقة تطرح إجابات عن الأسئلة النهائية الكبرى ، فحالة الشك المطلقة ، الشك في كل المسلمات تجعل الحياة مستحيلة "" . "" فالغيبي مبدأ من مبادئ علم الاجتماع لا بد منه للمجتمع ولا يأتلف المجتمع ويكتمل إلا بمبدأ غائب عنه يرسم الحدود الفاصلة بين المقدس والدنيوي.
    قلت : إذن فالعلمانية هي " النسبية المطلقة " أو "" أن الإنسان هو ما يفعله "" كما طرح غير واحد منهم – على سبيل المثال - مراد وهبة ، ولكن المتأمل يرى كثيراً من المنظرين والمؤسسين للفكر العلماني لا يقولون بالنسبية المطلقة ، لأنهم يعتبرون آراءهم وفلسفاتهم حقائق مطلقة يجب على الناس أن يلتزموا بها ، ويسيروا على مقتضاها ، فالماركسيون – مثلاً - يعتبرون الماركسية هي الحقيقة المطلقة ، حقيقة الحقائق ، وكل العلـوم التي جـاءت قبلهـا كانت تمهيـداً لهـا ، وكـل مـا سيـأتي بعـدها يجب أن يكون شرحاً لها.
    ولذلك مع أن النسبية المطلقة تستحوذ على حيز عريض جداً من النظرية العلمانية ، إلا أنها لا يمكن أن تكون حداً شاملاً لكل عناصرها وأسسها ، هذا بالإضافة إلى أن العلمانية نفسها تتحول إلى مطلق في نظر أصحابها وعلى الآخرين أن يتعلمنوا أو يُوصَمُوا بالجهل والظلامية والأصولوية .
    سمعت أحد العلماء الأجلاء يؤكد مراراً على أن العلمانية هي الغنوصية فتأملت في هذا الحد فوجدته يغطي مساحة من مساحات العلمانية ، وحقلاً من حقولها وهو : التأويل ، حيث بالرغم من أن الغنوصية قائمة على العرفان ، والعلمانية - بحسب أصحابها - قائمة على العقل ، إلا أنهما يلتقيان في النتائج المترتبة عن " التأويل المنفلت " ، حيث نصل عن طريق التأويل العلماني والغنوصي المنفلتين إلى خلاصات ما أنزل الله بها من سلطان ، وفهوم تتجافى إلى أبعد الحدود مع النص ، فإن النص إذا كان في السماء فإن التأويل العلماني أو الغنوصي في أسفل الأرضين ، وإذا كان النص يتجه غرباً فإن تأويلهما يتجه شرقاً . وهكذا رأيت أن الجامع بين العلمانية والغنوصية هو " التأويل المنفلت " .
    وسمعته أيضاً يعرف العلمانية بأنها " تنحية الأسئلة الكبرى " ولكن الذي بدا لي أن العلمانية بعد أن فشلت في الإجابة عن هذه الأسئلة اقترحت تنحيتها لأنها بدأت تُعكِّر عليها سيرورة العلمنة . وهذه التنحية كارثة من كوارث العلمانية على الإنسانية لأنها الأسئلة الجوهرية للإنسان ، بل هي محور إنسانيته ، والمعنى الصميم لهذه الإنسانية ، وتنحيتها حَطّم إنسانية الإنسان ، وجعله مادة بلا هدف ولا غاية ، يتقلب في ظلام الشك والحيرة ، وبدد له كل أمل في السعادة .
    ومن هنا رأيت أن تنحية الأسئلة الكبرى ليست تعريفاً للعلمانية وإنما نهاية من نهايات العلمانية ، بل يمكن اعتبار هذه التنحية : إشهاراً للإفلاس ، وإعلاناً للخيبة .
    استبطنت في مرحلة من مراحل البحث التعريف القائل بأن العلمانية "" رؤية مادية بحتة للوجود بما فيه "" ولكن تذكرت أن باركلي لم يكن مادياً فقد أنكر المادة واعتبرها موجودة لأنها مُدرَكة فقط، وأن هيوم أنكر الروح والمادة ولم يعترف بأية حقائق ضرورية ، وكذلك فإن جان جاك روسو كان ممثلاً للفلسفة المثالية ، ومع ذلك كان لهؤلاء جميعاً إسهاماً بارزاً في علمنة الفكر الأوربي .
    هذا بالإضافة إلى - ما أشرنا إليه سابقاً - من أن العلمانية لم تتمكن من الاستمرار في المادية لأن العقل يؤكد وجود حقائق كونية ليست مادية يقوم عليها الوجود والعلم .
    فالمادية سمة أساسية من سمات العلمانية ولكنها لا تُعبّر عنها تماماً وإن كان بروزها يكاد يجعل العلمانية تُختَزَل غالباً في هذه السمة .

    -----------------------

    سؤال:
    هل يمكن (علمَنَة الإسلام) بنظرهم ؟


    في البداية يمكن أن يتبادر إلى الذهن سؤال وهو : أن الشرائع السماوية أيضاً قصدت تحقيق السعادة للإنسان في الحياة الدنيا فهل الأديان منخرطة على هذا الأساس في تيار العلمانية ؟
    والإجابة : أن الشرائع الإلهية تربط سعادة الدنيا بالسعادة في الآخرة ، لذلك فسعادة الإنسان في الحياة الدنيا بمنظور الشرائع الإلهية ألا ينخرط في الملذات والشهوات والمُتع دون ضوابط وحدود لأن هذا سينغص سعادته في الآخرة .
    لقـد تركت هذه الدنيوية العلمـانية أثرها حتى على الإسلاميين ، فأصبحنا نُبرز كثيراً عناية الإسلام بالحياة الدنيا ، ودعوته إلى عمارتها ، والاستمتاع بالطيبات منها ، ونتغاضى - مجاراة للعلمانيين - عن أن الإسلام في الأصل يدعو الناس إلى الآخرة عبر ممر الدنيا ، وهذا لا يعني تخريب الدنيا ، وإنما يعني التطلع إلى المستقبل الأبدي ، وليس إلى الحياة العاجلة ، وهذا ليس من شأنه أن يجعلنا نهمل عمارة الحياة الدنيا ، وإنما من شأنه أن يُهذِّب نفوسنا ويسموَ بها عن الأنانية ، ويطهرها من السخائم والعداوات والتنافس على المتاع الزائل والحطام الفاني .
    وهنا يجدر بنا أن نتذكر قول أحد أقطاب الصوفية كتلخيص لموقف الإسلام من الحياة الدنيا " أن تكون الدنيا في يدك وليس في قلبك " وهذا بعكس العلمانية التي تريد أن تمزج الدنيوية بكل ذرة من ذرات الجسد الإنساني ، وتغرسها في صميم قلبه ، وتجعلها الملاذ الوحيد ، والمعشوق الوحيد ، والغاية النهائيـة للإنسان ، ولا يخفى ما في ذلك من تكريسٍ للتنافس الأعمى بين البشر دولاً وأفراداً ، وهو ما نعايشه اليوم ، لأن البقاء للأقوى ، وساحة البقاء في المنظور العلماني قاصرة على هذا العالم المحسوس فقط .
    وتتجلى الدنيوية واضحة في الممارسات التأويلية التي تشتغل على النص القرآني فتحاول دائماً أن تحد من سلطانه الإلهي ، وتبرز دائماً ما يؤكد على الاعتبارات الدنيوية في مسائل الميراث ، والمرأة ، والحجاب ، والدولة والأخلاق ، ويُبرَّر ذلك بمبررات دنيوية محضة مثل : مواكبة العصر ، ومسايرة التحضر ، وتطور الفكر . والنموذج الذي يُحتذى في كل ذلك هو الغرب ، فكل ما عنده أصبح معيار التطور والتحضر والتقدم ، وتغفل هذه الممارسات أو تتنكر للجانب الغيبي الأخروي الذي يشكل الحيِّز الأكبر من الرسالة القرآنية ، وفي حالات متطرفة فإنها تقوم بعملية مسخ وتشويه لهذا الجانب عن طريق " التأويل المنفلت " لتجعله يصب في خدمة الدنيوية أيضاً .
    والخلاصة :
    العلمانيون - كما مر بنا سابقاً - يستدلون على علمانية الإسلام بدنيويته ، وبما حصل في التاريخ الإسلامي من ترف وبذخ وإقبال على الدنيا ، فهم بذلك يقرون بأن الدنيوية هي جوهر العلمانية ، وقد مر معنا كذلك كيف تؤكد دوائر المعارف والمعاجم الغربية على دنيوية العلمانية بما يغني عن الإعادة هنا .
    لقد أشرنا - سابقاً - إلى أن الدنيوية ضاربة بجذورها في عمق التاريخ والحضارات ، وأن أكثر الأمم اختارت الحياة الدنيا على الآخرة ، ذلك لأن الحياة الدنيا حلوة خضرة وقريبة ، أما الآخرة فهي في منظور الإنسان العجول بعيدة غير مغرية كما تفعل الحياة الدنيا "متاع الغرور " .

    ---------------------------

    سؤال:
    وما تعقيبك على ذلك ؟

    إن الدنيوية تتحول إلى علمانية عندما تتحول الوسيلة إلى غاية ، والممر إلى مقر ، وقد يعترض علينا هنا بأننا نتحدث بلهجة صوفية وعظية ، ولكن هذه هي الحقيقة سواء كانت في قالب صوفي وعظي أم حداثي معاصر ؟
    عمارة الدنيا مرادة إلى أقصى الحدود ، ولكن على أن لا يؤدي ذلك إلى الفساد في الأرض ، كما يجب مراعاة أن الإنسان مؤتمن وليس مالكاً حقيقياً ، وأنه رضي بحمل الأمانة ، وكل ما يؤدي إلى الإخلال بحفظ الأمانة " الكون والطبيعة والإنسان ورسالته فيهما " فإنه انقلاب إلى دنيوية عضوض أي علمانية .
    الإنسان مُستَخلَف في الأرض ، وهذا يعني أنه لا يملك أن يضع لنفسه منهجاً في الحياة باستقلالية كاملة ، لأن المنهج وضعه المالك الحقيقي ، والسيد الحقيقي في هذا الوجود ، أما وظيفته هو فإنها تنحصر في أن يفهم المنهج بشكل صحيح وينزله على حياته كما أراد واضعه عز وجل . والفهم غير الوضع والإنشاء وإن كان الخطاب العلماني سينازع في هذا كما سنرى .
    إن أي إنسان عاقل عندما يشتري جهازاً من شركة ما يقرأ النشرة المـرفقة معه والتي تُبيِّن كيفية استعماله ، وقراءة هذه النشرة توفر عليه جهداً ووقتاً يبذله في محاولته تشغيل الجهاز دون استعانة بالصانع . إن جهده المستقل قد ينتهي بالوصول إلى معرفة تشغيل الجهاز ولكن بعد جهد ووقت من التجريب والمحاولة ، ولكنه قد ينتهي أيضاً بإتلاف الجهاز وإعطابه .
    إن كل ممارسات الإنسان في هذا الكون لكي تبرأ من " الدنيوية العلمانية " يجب عليها أن تكون قائمة على مبدأ العبودية لله عز وجل ، والرغبة فيما عنده من الخير والسعادة ، ومنافية لمبدأي الكبرياء الزائف ، والعقلانية المتهورة القائمين على الاعتداد الأعمى بالذات والمنفعة العاجلة ، واللذة الزائلة ، والنظرة القاصرة على هذه الحياة الدنيا .
    إن الاحتراز الوحيد الذي نضعه هنا لعله يجنبنا كثيراً من الانتقادات والإلزامات التي قد ترد علينا إزاء هذا التعريف هو أن العلمانية " الدنيوية " التي نقصدها تزيد وتنقص ، وتهبط وتصعد ، وأننا عندما نتحدث عن العلمانية التي تقارن الإلحاد والزندقة فإننا نقصد العلمانية في أعلى درجاتها . إن هذا يعني أن بعض الباحثين الحريصين على إسلامهم وإيمانهم ولكن تصدر منهم بعض الأفكار التي تخدم التوجه الدنيوي العلماني ، وتتحرك في داخل أسواره لا يمكن أن يوصفوا بأنهم علمانيين ، وإن كان يصح أن نصف أفكارهم المنحرفة بأنها أفكار علمانية . والله أعلم .




    يتبع..
    علاقة العَلمانية بالعِلمانية.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,886
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    سؤال:
    هل العلمانية من العِلم (العِلمانية)، أم من العالَم (العَلمانية) ؟

    من خلال القراءة للمصطلح في المصادر الأجنبية من معاجم ودوائر للمعارف ، وتعريفات للباحثين الغربيين يمكننا أن نؤكد أن العَلمانية - بفتح العين - هي الترجمة الصحيحة على غير قياس لكلمةsecularism الإنجليزية أو secularit الفرنسية ، وهاتان الكلمتان لا صلة لهما بلفظ العلم ومشتقاته ، فالعلم في الإنجليزية والفرنسية يعبر عنه بكلمة science والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة scientism والنسبة إلى العلم هي scientific أو scientifique في الفرنسية والترجمة الدقيقة للكلمة هي " العالمانية " أو " الدنيوية " أو " اللادينية " ، ولكن تحولت كلمة عالمانية إلى عَلمانية لأن العربية تكره تتابع الحركات وتلجأ إلى التخفف منه.
    وكذلك فـإن زيادة الألـف والنون هنا ليست قياسية في اللغة العربية أي في الاسم المنسوب " عالماني "، وإنما جاءت سماعاً مثل: رباني ، نفساني ، روحاني ، عقلاني ، ومثلها علماني ، واللغة العربية تقبل إضافة الألف والنون لاحقة لبعض الكلمات ، والترجمة الحرفية في قاموس اللغة للعلمانية هي " الدنيوية " لأنها مشتقة من العالَم أي " الدنيا ".
    ومن هنا فإن العلماني هو الدنيوي لأنه يهتم بالدنيا ، بخلاف الديني أو الكهنوتي فهذا الأخير يهتم بالآخرة . وأول معجم عربي يورد الكلمة هو المعجم الوسيط ، وقد جاءت فيه بهذا المعنى في طبعتيه الأوليين.
    وأول معجم ثنائي اللغة قدم ترجمة صحيحة للكلمة هو قاموس " عربي فرنسي " أنجزه لويس بقطر المصري عام 1828 م وهو من الجيل الذي ينتمي للحملة الفرنسية ، وقد كان متعاوناً مع الفرنسيين ورحل معهم إلى باريس وعـاش هناك وكانت ترجمته لكلمة : = ceculariteعالماني و = ceculierعلـماني ، عالمـاني ، وميـزة هذه الترجمة أنهـا أول وأقـدم ترجمة صحيحـة للكلمة تـدحض آراء الذين يعتبرون العَلمانية في أصلها من العِلم ، لأنه نسبها إلى العالَم. وكما أن الرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للدلالة على المبالغة الشديدة في التخلق بصفات الرب عز وجل والعبودية له ، وللدلالة على كمال الصفة أو بلوغها حداً قريباً من الكمال قالوا في كثير الشعر : شعراني . وغليظ الرقبة : رقباني . وطويل اللحية أو كثيفها : لحياني ، كذلك فإن العَلماني منسوبٌ إلى العالَم - بهذا الشكل - للدلالة على المبالغة في الانتماء إلى العالم والإيمان به.
    ومما يؤكد انقطاع الصلة بين العَلمانية والعلم البحث القيم الذي تقدم به د . عدنان الخطيب حول تاريخ الكلمة الذي أرجعه إلى قرون عديدة ، وتاريخ دخولها إلى اللغة العربية ، وقد استند في بحثه على مراجعة مصادر الكلمة في اللغات القديمة كالآرامية والسريانية ، وصلة الكلمة بالعلاقة بين رجـال الكنيسة وعامة الناس ، حيث إن رجال الكنيسة ليسو عَلمانيين ، لأنهم يهتمون بالآخرة فقط ، أما بـقية الناس والشعب فهم : " دنيويون ، دهريون ، زمنيون ، قرنيون ، عالميون " ، وهذه التفرقة انتقلت إلى اللغة العربية - بنظره - عندما تغلبت هذه على الآرامية بعد الفتح الإسلامي عن طريق ترجمات علماء السريان .
    وعندما استقل التعليم عن الكنيسة في فرنسا بعد الثورة وُصِف هذا التعليم بأنه ceculaire ودلالتها هي نفس الدلالات القديمة التي يوصف بها من هو خارج الكنيسة من عامة الشعب ، فكل واحدة من الكلمات السابقة " دنيوي ، زمني ، دهري… " تصلح مقابلاً للكلمة الفرنسية seculaire إلا العِلم فلا يدخل في مدلولاتها مطلقاً.

    -------------------------
    سؤال:

    هل ترى مبرراً للتحذير من الخلط بين العَلمانية والعِلمانية ؟

    السبب – بنظري – للخلط، هو الخلاف بين الباحثين في نسبة الكلمة، ومنشأ ذلك عامِلَين:
    الأول : التقارب في الألفاظ بين العَلمانية – بالفتح -والعِلمانية – بالكسر - قائم في اللغة العربية مما أوقع بعض المعاجم والباحثين في اللبس وشاع ذلك قبل أن يتبين الباحثون الخطأ من الصواب .
    الثاني : أن العَلمـانية – بالفتح - والعِلمانية – بالكسر – ظاهرتان بارزتان في الفكر الغربي ، وإحـداهما تكمل الأخرى ، ومع أننا نرى أن العَلمانية – بالفتح - ظاهرة قديمة وممتدة في عمق التاريخ ، وتغلغلت في كافة الحضارات ، إلا أنها في العصر الحديث وفي أوربا بالذات تفاقمت بشكل لم يسبق له مثيل ، وشد أزرها في ذلك العِلمانية – بالكسر – أي تطور العلم وارتفاع مستوى السيطرة الإنسانية على الطبيعة، نتيجة للكشوفات العلمية المتلاحقة التي غيرت نظرة الإنسان إلى الكون، فولّد هذا العلم أو العِلمانية – بالكسر – الغرور الشديد بالذات الإنسانية ، والاعتداد المفرط بقدرة الإنسان وعقله ، ونتج عن ذلك العَلمانية – بالفتح - أي الدنيوية والتطلع إلى هذا العالم القريب المحسوس المشاهد ، وانعدام أي أمل في عالم آخر غيبي مفارق .
    وأهم عنصر ولدته العِلمانية - بالكسر – هو انعدام الانبهار بالطبيعة ، وتجريد الطبيعة من العناصر والإحالات الزائدة ، والمقصود بالعناصر والإحالات الزائدة العناية الإلهية ، أو الآثار الإلهية في الكون ، أو الماورائيات والغيبيات التي يمكن أن تدل عليها الطبيعة ، وبالتالي انفتح المجال أمام الإنسان للتصرف في الطبيعة بحرية ، واستخدامها وفق حاجاته وغاياته.
    إن هذا التجريد العلماني للطبيعة من مغزاها الروحي ، والحط من قيمتها بحيث لا تتجاوز مجرد كونها شيئاً من الأشياء خالياً من أي معنى علوي قدسي قد كان هو العامل الأساسي الذي انطلقت منه عملية العلمنة في الغرب.
    وهكذا ترسخت الدهرية والدنيوية – العَلمانية – بالفتح - في ضمير الإنسان وتطلعاته نتيجة للعِلمانية - بالكسر - وأصبح همه أن يتصرف في العالم حسبما يريد ، ويتمتع بدنياه كما يحب ودون أية قيود .
    ولذلك فإن أقرب كلمة تصلح أن تكون مقابلاً لمصطلح العَلمانية – بالفتح - كما يقترح د . سيد محمد نقيب العطاس هي ما أشار إليه القرآن الكريم دائماً بعبارة " الحياة الدنيا " فلفظ دنيا المشتق من " دنا " يعني كون الشيء قد جُعل قريباً ، وعلى ذلك فالعلم الطبيعي قد جعل العالم قريباً من الإنسان ، وتحت سيطرته وخاضعاً لوعيه ، وخبرته العقلية والحسية ، وبما أن العالم قد أصبح كذلك فإنه من المؤكد سيصرفه عن مصيره الأبدي الذي يتجاوز هذه الحياة الدنيا إلى الآخرة .
    وبما أن الآخرة تأتي في النهاية فإنها تبدو للإنسان العجول بعيدة ، وهذا الشعور من شأنه أن يزيد في الإلهاء الذي يسببه ما هو قريب ومغري ، ولذلك نجد هذه الحياة الدنيا ، وهذا العالم هما محور المنظور العلماني ومَحَطُّ اهتمامه.
    ونختم هذه الفقرة بالقول :
    إن العِلمانية – بالكسر - مشتقة من العِلم وتدعو إلى الاحتكام إلى العلم ، وهي ظاهرة حديثة وظفتها العَلمانية – بالفتح - توظيفاً خاطئاً وخطيراً على البشرية والإنسانية جمعاء .
    وكما يبدو فنحن كمسلمين لسنا ضد العِلمانية – بالكسر - لأن ديننا وقرآننا يدعوانا إلى الاحتكام لمنطق العلم " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا " ويمجد العلماء " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألباب " ولكن الخلاف بيننا وبين العِلمانيين في تحديد مفهوم العلم ، فالعلم عند الغربيين الطبيعيين لا يتناول إلا المحسوسات والمشاهدات ، فهو العلم الطبيعي والرياضي فقط ولا صلة له بالميتافيزيقا أو بالأسئلة الكبرى المتعلقة بمصير الإنسان ، وإن العالِم بنظرهم ما إن يسأل نفسه هذه الأسئلة ويحاول الإجابة عنها حتى يتحول عن سلوكه كعالم ويتخلى عن وظيفته العلمية ، أما عندنا فالعلم يشمل كل ما يتصل بالكون والإنسان والحياة .
    فنحن إذن على المستوى العملي على طرف نقيض مع العِلمانية – بالكسر-لأن هذه الأخيرة تحصر العلم في المحسوس في الدنيوي وتقوم على عقلانية مادية وضعية اجتماعية وتطرح مفهوماً جديداً للعلم يحيد التفكير الميتافيزيقي عن ساحته. "" فالعِلماني – بالكسر- هو من يتخذ من المعرفة العملية كما هي ممثلة في العلوم الطبيعية بخاصة نموذجاً لكل أنواع المعرفة، إنه يتبنى وجهة النظر الوضعية، مما يعني عدم اعترافه بإمكان المعرفة الخلقية أو الدينية أو الميتافيزيقية ، لأن القضايا المزعومة لأي منها لا يمكن إخضاعها - حتى من حيث المبدأ – لمعايير العلم "" ،فالفهم العلمي العِلماني – إذن - يتنافى مع الإيمان بالوحي الإلهي ، وهكذا تعود العِلمانية فتنقلب إلى عَلمانية.

    والخلاصة :
    أن لفظتي عَلمانية - بالفتح – وعِلمانية – بالكسر - تصلحان تعبيراً عن الظاهرة المادية التي تستولي اليوم على مجتمعاتنا الإسلامية ، وذلك لأن الكلمتين متكاملتان متفاعلتان من حيث المفهوم ، فالعَلمانية هي تكريس للدنيوية ، والعِلمانية أساس هذا التكريس لأن العلم بمفهومها هو العـلم المادي والتجـريبي والطبيعي – أي الدنيوي فقط – ولا تعـترف بعلوم غيبية ميتـافيزيقية أخرى. فالعَلمانية وإن لم ترتبط بالعلم من حيث الاشتقاق ولكنها لا تنفك عنه إذ هي ارتبطت تاريخياً بتعلم العلوم العقلية والطبيعية والتجريبية .
    وأخيراً يمكن القول أيضاً : إن بعض الإسلاميين الذين يستخدمون العلمانية – بالفتح - لا يفعلون ذلك بسوء نية ، وبقصد فصل العَلمانية عن العلم وربطها بالدهرية كما يزعم بعض العلمانيين ، وإنما يفعلون ذلك لأن معاني الكلمة ومصادرها واشتقاقاتها في اللغات الأجنبية لا صلة لها بمفهوم العلم – كما رأينا – وصلتها – كما رأينا – في دوائر المعارف والمعاجم ودراسة تاريخ الكلمة أقوى ما تكون بالدنيوية والمادية ، كما أن السياق التاريخي والاجتماعي الذي نشأت فيه العلمانية وتبلورت يؤكد على ربط المصطلح بالعالم المحسوس والمادة فقط .

    ------------------

    سؤال:
    ما هي اللائكية وما الفرق بينها وبين العلمانية ؟

    رأينا أن العِلمانية - بالكسر - وظفها الفكر الغربي كأساس تبريري للعَلمانية - بالفتح - هذه الأخيرة التي اعتبرناها ظاهرة تستولي على كل البشر إلا من رحم ربك ، وتمتد في عمق التاريخ والحضارات والأمم .
    وإذا كان هناك من يعتبر اللائكية مصطلحاً رديفاً أو ترجمة للعلمانية ، ولا يرى مانعاً من استخدامه بديلاً لها ، فإن هناك من يراها تمثل الجانب السياسي للعَلمانية المتطرفة ، التي استفحل أمرها في فرنسا على وجه الخصوص في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، حيث طغت عليها النزعة الانتقامية من الدين ، فكان الاعتماد على اللائكية لاجتثاث التدين بطريقة متعسفة ومغالية ، وقد ارتبطت اللائكية في فرنسا على الخصوص بالتعليم وأُغلقت "" اثنتين وعشرين ألفاً من المدارس المسيحية "" في القرن التاسع عشر فاللائكية إذن الصورة العملية المتطرفة للعلمانية مارستها النظم السياسية التي انتهجت أسلوب الرفض الديني .
    وبناء على هذه التفرقة يمكن اعتبار الممارسات الجنونية التي قام بها أتاتورك وأتباعه في تركيا للقضاء على كل مظاهر التدين نوعاً من اللائكية التي مورست في البلاد الإسلامية ، في حين تظل الحكومات الجاثمة في الدول الإسلامية والعربية الأخرى التي تحاول فرض العلمانية على شعوبها بطرق دبلوماسية مراوغة ومتخفية ، تتحرك في الإطار العَلماني وليس اللائكي ، وحتى على تعريف بعض الحداثيين للائكية بأنها ""أن يكون كل إنسان سيد نفسه "" فلا يمكن اعتبار اللائكية ذات صلة بالبلاد العربية أو الإسلامية ، لأن الإنسان هنا لا يملك من أمر نفسه شيئاً ، فإذا كان حراً مخيراً في الغرب ، فإنه في الشرق مسيّر كما قال الشيخ محمد الغزالي عليه رحمة الله ساخراً من النظم السياسية في البلاد العربية والإسلامية .
    والواقع أن التعريف الحداثي السابق أقرب إلى كونه تعريفاً للعَلمانية عند الذين يعتبرون العَلمانية محايدة تترك المتدين وشأنه ، فهي ليست لائكية ، لأن اللائكية ترفض أي مظهر للتدين ، حتى حرية الإنسان في اختيار لباسه ، وإطلاق لحيته وارتياد دور العبادة .
    والخلاصة : أن اللائكية تمثل الجانب العملي التطبيقي للعلمانية ، فإذا اعتبرنا العِلمانية – بالكسر - مرحلة بحث وتأسيس وتأصيل ، والعَلمانية – بالفتح - مرحلة قرار وحسم ، فإن اللائكية هي مرحلة التنفيذ والتطبيق لهذا القرار، وإنزاله من مستوى النظر إلى مستوى العمل ، وأبرز مظهر لذلك " أليكة " التعليم بمراحله المختلفة والقوانين بكل فروعها ومجالاتها ، والحياة السياسية والاجتماعية بكل نشاطاتها ، ويتم ذلك عبر مؤسسات الدولة التي حَجَّمت من سلطات الكنيسة إلى أقصى ما يمكن .
    ولكن الصراع لم يُحسم لصالح الدولة ، فلم يكن من السهل القضاء على الكنيسة ، فحافظت على الأقل على وجودها الشكلي والرمزي واعتُبرت العلاقة بين الدولة والكنيسة كالروح والجسد والفصل بينهما انتحاراً وطنياً ، ولذلك اُختير في النهاية التعايش السلمي بين الدولة المعلمنة والكنيسة، فالملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانية كانت هي رئيسة الكنيسة الإنجليزية، وفي ألمانيا يؤدي المواطن ضريبة إلى الدولة خاصة بالكنيسة، ويتعايش في بلجيكا التعليم الديني مع التعليم الرسمي في المدارس الحكومي .
    أخيراً : يمكن القول إن العَلمانية – بالفتح - هي بمثابة السلطة التشريعية ، واللائكية بمثابة السلطة التنفيذية ، أما العِلمانية – بالكسر - فهي المرجعية الفكرية والتاريخية الحديثة لهاتين، كما يمكن تمثيل الفكرة السابقة بالبناء حيث المواد الأولية اللازمة له هي العِلمانية – بالكسر -، والبناء قائماً مهيئاً هو العَلمانية - بالفتح - والمرحلة الأخيرة وهي استقرار سكانه فيه واستخدامه والاستمتاع به هو اللائكية . والله أعلم .

    ----------------

    سؤال:
    في هذا البحر المتلاطم من المصطلحات، أخرج محمد أركون مصطلح (العلمانوية) فما المقصود به ؟

    يهوى العلمانيون التشدق بالألفاظ والتمعك بالمصطلحات بقصد الإغراب أو الاستفزاز أو استعراض الذات ، والطرق التي يصك بها العلمانيون مصطلحاتهم كثيرة ومتنوعة تحتاج إلى رسالة لغوية مستقلة تتناول هذا الموضوع بالدراسة والتحليل .
    ونريد نحن هنا أن نتطرق لطرف من هذا الموضوع بعجالة نتناول فيه طريقة واحدة شائعة في كتبهم ومصنفاتهم هي هذه أاـ " وية " التي تضاف إلى كثير من المصطلحات الدارجة والشائعة لإعطائها مدلولات جديدة وغريبة لا يعرفها أحد لولا أنهم ينصون عليها ، أو تُفهم من خلال السياق الذي يتحدثون فيه .
    ويبدو لي أن طيب تيزيني ومحمد أركون هما أكثر من يمارس هذه ألـ " وية " فالسلفية عند طيب تيزيني تتحول إلى سلفوية ، والسلفي إلى سلفوي . وأحياناً يخيل إليه أن هذه ألـ " وية " ليست كافية في الاستفزاز ، ولا تحقق غرضه في تعميق الهوة بينه وبين الإسلاميين فتتوالى الكلمات المعبرة عن الانتقاص والاستخفاف بالفكر الإسلامي، ويتفنن في الأوصاف فتصبح السلفوية : السلفوية الماضوية ، أو السلفوية الدوغمائية، أو السلفوية الطوباوية .
    وكان عليه أن يترفع عن أخلاق السوقيين الذين يشعرون في شجاراتهم أن شتيمة واحدة لا تكفي ولذلك تتلاحق الشتائم عندهم حتى يشعرون بالرضى والراحة ، لأنهم يفرغون ما في داخلهم من شعور متعالٍ ومتغـطرس ، ويشعرون بنشوة الظفر ولذة النصر ، وهذا ما يفعله طيب تـيزيني وغـيره ، مثـال ذلك : الـرؤية السلفـوية المـاضـوية : ذات نسيج وهـمي زيـفي ، إيهامي والأصولية الإسلامية : إيديولوجيا وهمية ، توهيمية ، تتحدث حيص بيص ، وتهرف بما لا تعرف ، لأنها وهمية ملتبسة ، توهيمية كاذبة .
    ولفظة الأصولية مع أنها أُعدَّت لغرضها المراد لدى الغرب وعممتها وسائل إعلامه ، وشاعت في وسائل الإعلام العربية والإسلامية على أنها تعبير عن التطرف والعنف ، ووُصِم بذلك المسلمون دائماً ، إلا أن طيب تيزيني لم يجد ذلك كافياً ، لأن الكلمة كما يبدو ابتُذلت واهترأت فلم تعد معبرة عن مدلولها السلبي الذي اقترن بها بشكل كاف ، فأضاف إليها واواً من عنده لكي تزداد الكلمة إمعاناً في التعبير عن التطرف والإرهاب والقمع " من باب زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى " فأصبحت الأصولية لديه : أصولوية ، والأصوليين : أصولويين ، وعلى هذا النحو يتحول النص إلى : نصوية ، والنصيين إلى : نصويين والمـاضي إلى : ماضوية . والسلطة إلى : سلطوية ليُوصَف الإسلام بأنه الإسلام الرسمي السلطوي .
    وبنفس اللغة يتحدث محمد أركون فالتاريخ والتاريخي يتحول إلى تاريخوي ، أو النزعة التاريخوية ، أو التاريخوية الوضعية ، والعقلاني يصبح عقلانوي ، والشعبي شعبوي أو شعبوية ،والأخلاقية تصبح الأخلاقوية ، والمنطقي يصبح المنطقوي والإسلامي إلى إسلاموي أو إسلاموية ، لكي يُصنَّف عدد من المفكرين الإسلاميين والعلماء مثل محمد مهدي شمس الدين ، ود. محمد عمارة ، ود. محمد يحيى ، ومحمد نور فرحات "" هذا النوع من المفكرين "" على أنهم مفكرون إسلامويون.
    وإذا كان طيب تيزيني اعتبر الخلافة الإسلامية سلطوية ، فإن أركون صعد من عدوانه واستفزازه فاعتبر القرآن الكريم خطاباً سلطوياً.
    وعلى هذه الوتيرة يفرق أركون بين العلمانية والعلمانوية والفكر العلماني والتطرف العلمانوي. وأركون يقصد بالعلمانية الفكر المعتدل المستنير الذي لا يتناقض ولا يتصادم مع الأديان ، أما العلمانوية فهي الجانب المتطرف منها الذي يرفض التعايش مع الأديان ، ويسعى للصدام معها ، ويرفض تدريس اللاهوت الديني من أجل المحافظة على قداسة العلمنة .
    ولذلك يزعم أركون أن الغربيين يرفضون تفرقته هذه ويحاربونه في كتاباتهم من أجلها ويتهمونه بالتفاهة ، والظلامية ، والتشقيق الفارغ ، وأنه لا يقصد سوى معاداة عصر التنوير ، والقضاء على العلمانية القيمة الأساسية المؤسسة للحضارة الغربية . ولم يتكرم علينا أركون بذكر من هم هؤلاء الغربيين الذين يحاربونه من أجل ذلك ؟ لعله يريد أن يستثير عواطفنا معه بجعله من نفسه خصماً للغرب والاستشراق الذي يقف منا موقف المستَغِل والمضطهِد والخصم ، ويصبح أركون بذلك قائد المضطهَدين والمستغَلين والمظلومين ، والمنافح عنهم . ولكن المراد في الواقع هو تمرير العلمانية الغربية لأن أركون في الحقيقة ليس خصماً فعلياً للغرب ، وإنما خصماً مصطنعاً غايته ترويج نفسه أولاً ، وترويج علمانيته ثانياً .
    والعلمانوية المتطرفة التي ينتقدها أركون هي الرؤية المادية البحتة للكون والإنسان والحياة ، ويتفق معه في هذا الاتجاه ثلة من الحداثيين إذ يريد هؤلاء جميعاً أن تشمل العلمنة أبعاداً جديدة في حياة الإنسان بما في ذلك البعد الروحي وهو لا يعني بذلك الإقرار بحقيقة الجانب الروحي ، ولكن بما أنه واقع مشاهد في حياة الناس فيجب على العلمنة أن تشمله ببركاتها وخيراتها ، حيث علينا "" أن نعترف للبعد الروحي بوجوده بصفته أحد المكونات التي تشكل نظام التصور والاعتقاد الخاص بكل فئة اجتماعية مدروسة "" ومن هنا وبما أننا في نظره في غفلة عن النقاش الدائر في الغرب حول العلمانوية laicisime والعلمانية laicite انتشر الخطاب الإسلاموي أو الأصولوي انتشاراً سريعاً في الآونة الأخيرة .
    وهكذا يسير أركون دائماً في تفرقاته فيفصل بين القول بـ " التاريخية الراديكالية " ، وهي تعني عنده أن "" العقل البشري لا يمكن فصله عن تأسيسه الاجتماعي التاريخي ، أو عن جذوره الاجتماعية التاريخية "" ، وهذه هي التي يسعى أركون لإشاعتها ، والقول بـ " التاريخوية الوضعية " وهي تعني عند أصحابها أن "" الأحداث والوقائع و الأشخاص الذين وُجِدوا حقيقة ، ودلت على وجودهم وثائق صحيحة هم فقط الذين يمكن أن يُقبلوا كمادة للتاريخ الحقيقي الفعلي ، وهذا يعني استبعاد كل العقائد والتصورات الجماعية التي تحرك المخيال الاجتماعي أو تنشطه من ساحة علم التاريخ "" . ويعني أركون بهذا النص أن النزعة التاريخوية الوضعية مخطئة في تحييدها لأثر الأساطير والميثيات عن ساحة التاريخ فهي ذات دور كبير في صنع التاريخ ، وإن لم تكن ذات حقيقة واقعية ، وهو يعني بذلك البنية الميثية في القرآن الكريم كما يصفها ، وسنفصل قوله في ذلك لاحقاً .
    وكذلك يفرق أركون بين النظام المعرفي الشعبي والشعبوي فما هي الشعبوية عنده ؟ إن الشعبوية عند أركون – في تاريخنا القديم والحديث – هي التيار السلفي السني المسيطر السائد الذي يقود الجماهير الشعبية المؤمنة ، ويُشكّل منها نواة الدولة والأمة ، ويُكرّس لها معتقداتها وتصوراتها الدوغمائية – أي الجامدة – والتي تنفي بنظره الآخرين وتقصيهم عن أي دور في تشكيل النظام المعرفي الذي سيُفرَض على الشعب. إنها تُحوِّل الدين إلى هذيان جماعي يحمل في طياته الموت والخراب . ويتفق معه في ذلك مترجمه هاشم صالح حيث يؤكد أن الشعبوية تعني : الدوغـمائية المتطرفة الغـرائزية بينما الشعبية فهي : مستـنيرة ، متسامحة ، ميـالة إلى التقدم .

    ---------------

    سؤال:
    المصطلح العجيب: (العلمانوية) حتَّم تقديم السؤال التالي: ما السر في هذا الاصطكاك العلماني للمصطلحات ؟

    الفرق بين العلمانية والعلمانوية عند أركون أصبح واضحاً
    فهي الجانب المتطرف من الفكر العلماني الذي يرفض كل ما سوى المادة ، ويفسر كل الأشياء تفسيراً مادياً في حين يرى أركون أن العلمانية المستنيرة يجب أن تضع في اعتبارها الجوانب الروحية الديناميكية أو " الدينامو " كمؤثرات في النشاط البشري ، وليس كحقائق ثابتة . هذه التفرقة تنسحب على كل الكلمات الأخرى التي يضيف إليها هذه ألـ " ويّة " متأثراً بالفكر الغربي والاستشراقي .
    ويبدو لي أن هناك عاملين آخرين يدفعان الباحثين من أمثال تيزيني وأركون إلى اختيار هذه الصياغة كمعبر عن الغلو والتطرف في الفكر الإسلامي ثم تعميم ذلك ليشمل ظواهر عالمية أخرى .
    الأول : هو المحاكاة المبدئية للمصطلح الذي أشاعته وسائل الإعلام الغربية ، ، ولحقتها وسائلنا العربية دون انتباه للأخطار واللبْس الذي يتولد عن استيراد المصطلحات وإسقاطها من ثقافة إلى أخرى ، وخصوصاً إذا كان بين الحضارتين عداء تاريخي يتكرر باستمرار .
    وهذا المصطلح هو الأصولية ، فلقد ظلت إذاعتا " لندن ومونتكارلو " على مدى العقود الثلاثة الماضية تربط هذا المصطلح بالإسلاميين في الجزائر ، ومصر ، وسوريا ، وإيران ، وغيرها من الدول ، وظلت تكرره كثيراً حتى ارتبط المصطلح بالعنف والقمع والإرهاب والقتل، ورسَخ ذلك في اللاشعور الثقافي واللغوي الفردي والجماعي ، وأصبح يتردد على الألسنة والأقلام حتى بين الإسلاميين أنفسهم ، وكل ذلك نتيجة للتكرار الذي يُكسب الأفكار صفة الرسوخ والفاعلية، حتى وإن كانت كاذبة أو مزوّرة أو أسطورية ، يقول غوستاف لوبون : "" إن التوكيد والتكرار عاملان قويان في تكوين الآراء وانتشارها ، وإليهما تستند التربية في كثير من المسائل ، وبهما يستعين رجال السياسة والزعماء في خطبهم كل يوم ، ولا يحتاج التوكيد إلى دليل عقلي يدعمه ، وإنما يجب أن يكون التوكيد حماسياً وجيزاً ذا وقع في النفس … والتوكيد لا يلبث بعد أن يُكرَّر تكراراً كافياً أن يُحدِث رأياً ثم معتقداً ، والتكرار تتمة التوكيد الضرورية ، ومن يُكرر لفظاً أو فكرة أو صيغة تكراراً متتابعاً يحوّله إلى معتقد "" .
    وبذلك تحول مصطلح الأصولية - والذي هو في أصله يعني العودة إلى الأصول الصحيحة والصافية التي تُشكِّل المعين الذي لا ينضب للفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية - تحوّل نتيجة للتكرار المُغرض المدروس إلى مصطلح مُشوّه لا يمت إلى معناه الحقيقي بصلة .

    الثاني : إن كلمة أصولية عُرِّيت كثيراً من قبل علماء الإسلام وأدرك المسلمون ما تعنيه هذه الكلمة في وسائل الإعلام الغربية ، وما يراد لها أن تتضمنه من إيماءات ، فتعاملوا معها بحذر وتَوجُّس ، هذا بالإضافة إلى الابتذال الشديد الذي لحق الكلمة لكثرة ما تتردد مقترنة بتوظيفات فكرانية أجهضت فاعليتها السلبية التي أُريدت لها وكادت أن تُعدِمَها ، مما دفع تلاميذ الغرب والاستشراق إلى محاولة تجديد الكلمة بإضافة هذه الـ " ويّة " إليها لتعطيها دفعاً جديداً ، ومغزىً تنفيرياً أكبر ، وأكثر فاعلية في حجب الناس عن الرؤية الإيجابية للأصولية ، ولا سيما أن الإضافة الجديدة للكلمة تجعلها على وزن ونمط كلمة أخرى ينفر منها كل الناس ، وتتبادر إلى أذهانهم بمجرد ذكر الأصولوية أو حتى الأصولية ، وهذه الكلمة هي " دموي " و " دموية " وإسهام وسائل الإعلام الغربية في عقد صلة سفاحية بين إراقة الدماء البريئة ، وبين الأصولية أو الأصولوية الإسلامية ، وهذه " الدموية " هي التي دفعت المستشرقين إلى التفرقة بين مسلم وإسلاموي فالأولى Islamique ذات إيحـاء إيجابي حيادي ، والثانية Islamiciste ذات إيحاء سلبي دموي متطرف ، ولحق بهم كلٌّ من أركون وتيزيني وأمثالهم في اشتقاق مصطلحاتهم على هذا النمط لكي تمثل الغلو ، والإفراط ، والعنف والقمع.

    ----------

    سؤال:
    ما الفرق بين اللائكية والعلمانوية إذا كانتا معاً - كما رأينا - تمثلان الجانب المتطرف في العلمانية ؟

    العلمانوية تمثل التطرف على مستوى الفكر والتنظير ، أما اللائكية فتمثل التطرف حين الممارسة والتطبيق ، فالأولى متطرفة فكرياً ، وأما الثانية فمتطرفة سلوكياً وعملياً . والله أعلم .

    -------------------

    سؤال:
    من خلال تمحُك مصطلحات العلمانيين، هل هناك علمانية معتدلة وأخرى متطرفة ؟
    قد تكون فالأولى مثلاً: التي تتبناها دول أوربا الغربية وأمريكا ومن يطلق عليهم " العالم الحر " ويُفترَض فيها أن تتبنى الحريات وحقوق الإنسان بصفة عامة ، ومنها الحرية الدينية ، وحق الإنسان في الالتزام بدينه .
    والثانية : هي العلمانية الماركسية التي تتبناها روسيا الشيوعية ، فهذه لا تقف موقفاً محايداً من الدين ، بل هي تطارده داخل جدران المساجد والكنائس ، وتعتبره عدواً لها ، وتسعى للقضاء عليه نهائياً .

    الواقع - كما يقرر الدكتور القرضاوي - أن العلمانية لا يمكن أن تكون محايدة من الدين، لأن عزل الدين عن حياة المجتمع أو تفريغ حياته من الدين ليس موقفاً حيادياً ، إنه موقف ضد الدين ، إنه يقوم على اتهام الدين بأنه ضرر بالحياة وخطر عليها ، فيجب إبعاده عن توجيه الحياة والتأثير فيها ، ويجب أن تُبنى الحياة في تشريعها وثقافتها على غير الدين ، وهذا الموقف لا يمكن أن يُعتَبر حيادياً ، لأنه تجريم للدين وإدانة له.
    كما أن الدين يطرح نفسه على أنه منهج حياتي شامل كامل ، والحد من سلطانه يعني إعلان الحرب عليه ، وبالذات الإسلام فهو رؤية شاملة وكاملة للكون والحياة والإنسان ، تغطي عبر آلياتها الاجتهادية كل مراحل التطور البشري والاجتماعي والتاريخي " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " ، والدين المسيحي مع أنه لا يحتوي على تشريع أو تنظيم اجتماعي وإنما يحيل إلى التوراة أو العهد القديم ، ومع أن العلمانية حاربته طوال القرون الخمسة الماضية حتى انزوى إلى الحياة الشخصية على مستوى أفراد قليلين لا يشكلون نسبة كبيرة في الغرب ، بدأ يستعيد وجوده في الحياة الغربية ، وإن كانت هذه الاستعادة ذات أهداف فكرانية وسياسية ، ليكون سلاحاً روحياً في مواجهة الإسلام الذي يلقى رواجاً واسعاً في الغرب هذه الأيام ، ولذلك نجد النشاط المسيحي أغلبه نشاط سياسي تبشيري تدعمه النظم السياسية الغربية التي تعتبر نفسها في حالة مواجهة مع الإسلام " الخطر الأخضر " .
    ومع أن الدين المسيحي فقد ركائزه المقدسة ، وانهارت مرجعيته تحت سياط البحث العلمي ، والتاريخي - كما أشرنا في التمهيد - ولم يعد يملك القدرة على الإقناع أو اكتساب ثقة المؤمنين به ، مع ذلك فإن الغرب اضطر أن يعدِّل كثيراً في المسيحية حتى كادت أن تتماهى مع الإلحاد ، وذلك من أجل أن يرضي حاجته إلى التدين ، أو يرضي ضميره المعذب لاغتياله المسيحية ، ولذلك فقد "" تضاءلت الفروق الثقافية بين المؤمن والكافر ، وانطمست الحدود بين الإيمان والكفر وأصبحت المسيحية أكثر مرونة والإلحاد أكثر سلبية ، والإنجليزي الكافر ذو المنزلة الاجتماعية مهما تكن هذه المنزلة متواضعة يجري على سَنن المسيحية غالباً في مناسبات الولادة والموت والزواج "" ، ومن هنا فإن إليوت يعتبر دين مجتمع ما هو ثقافته أيضاً ، والاحتفاظ به احتفاظ بثقافة الأمة "" إن الثقافة والدين مظهران لشيءٍ واحد "".
    ومن الخطأ الشائع القول : بأن "" الثقافة يمكن حفظها وبسطها وتنميتها بغير دين "" و "" حين ندافع عن ديننا فلا بد لنا في معظم الأمر من أن نكون مدافعين عن ثقافتنا في الوقت نفسه والعكس بالعكس "" وإن "" القوة الرئيسة في خلق ثقافة مشتركة بين شعوبٍ لكلٍّ منها ثقافته المتميزة هي الدين "" ولذلك "" إذا ذهبت المسيحية فستذهب كل ثقافتنا "". ومن هنا فإن الدين في الغرب يتجلى في مظاهر حياتية كثيرة كالقَسَم وتدريس المناهج الدينية ، وأعياد الميلاد ، وقوانين العقوبات . وهكذا يتبين لنا أن الغرب يريد العودة إلى الدين لأهداف دنيوية محضة ، أهمها استخدامه كسلاح وثقافة " فكرانية " في مواجهة الشمولية الإسلامية . ولكن الدين الذي يريده الغرب ليس هو الدين العلماني علمانية ثابتة ، وإنما هو الدين الذي يقبل الخضوع للعلمنة المستمرة دون توقف ، وعلى هذا النحو يفرقون بين العلَمانية والعلمنة ، فكيف ذلك ؟ .

    ---------------------

    سؤال:
    في هذه الدوامة من المصطلحات، هل هناك فرق بين العَلمانية والعلمنة ؟

    العلمنة لم تكن في الأصل تتضمن حكماً تقييمياً ، فقد كانت تعني في شرع الكنيسة الرومانية " رجوع " رجل دين أو قس إلى العالم ، كما كانت تعني إبعاد مقاطعة أو ملكية ما عن رقابة السلطات الكنسية ، ولم تصبح العلمانية مفهوماً فكرانياً مثقلاً بالمعاني مثيراً للجدل إلا حديثاً، وبالتحديد منذ الحرب العالمية الأخيرة حيث أصبحت تعني حسب موقع كل طرف إما التحرر من قيود الدين وسلطة رجاله ، وإما انحسار النصرانية والرجوع إلى الوثنية.
    ويبدو أن التعريف الذي يقترحه " بيترجي " أكثر تعريفات العلمنة المتعددة دقة ، فالعلمنة كما ضبطها هي "" السيرورة التي بها تخرج قطاعات تابعة للمجتمع والثقافة عن سلطة المؤسسات والرموز الدينية "". وسنلاحظ - فيما بعد - أن كلمة السيرورة هي الحد الفاصل بين العَلمانية والعلمنة ، إذ إن اتجاه العلمنة الجارف جعل المسيحية تحاول أن تتنازل كثيراً عن معتقداتها التي تبنتها لبضعة قرون لتتماشى مع التيار الجديد ، فكانت البروتستانية أول بوادر العلمنة في المسيحية ، ثم انخرط اللاهوتيون المسيحيون بدون وعي في علمنة المسيحية ، وبدؤوا يطرحون صِيَغاً جديدة للمسيحية لم تكن من قبل حتى قال قائلهم : "" إننا نصير مسيحيين باستمرار"" أي أن كل ما يُطرح من نظريات علمانية جديدة نتبناه ونعتبره من المسيحية، ومن هنا قال باسكال:"" إننا بدلاً من أن ندخل العالم في المسيحية، نريد أن ندخل المسيحية في العالم"" .
    والواقع أن استجابة المسيحية للعلمنة كانت سريعة ، وانخراطها في سيرورتها لم يكن شاقاً، والسبب هو أن المسيحية فقدت ركائزها التي ترتكز عليها منذ القرون الأولى بجهود بولس ، ثم قسطنطين والمجامع المسيحية ، وبالتالي بدأت تبحث عن أسس تستند إليها في الأفكار الإغريقية والهلينية ، وكان بولس قد أنجز هذه المهمة بنجاح .
    وهكذا فإن أول غاية للعلمنة هي التحرر من المسيحية ، لأن العلمنة في أساسها تعني أن هناك "" مساراً تاريخياً لا راد له تقريباً هو الذي يتحرر بمقتضاه المجتمع والثقافة من الخضوع لوصاية الدين والأنساق الميتافيزيقية المغلقة "" . فالعلمنة إذن : "" تطور تحرري وثمرتها النهائية هي : النسبية التاريخية "" أو هي : "" عملية تطورية لوعي الإنسان من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج "" والتاريخ بالنسبة للعلمانيين عبارة عن سيرورة لتحقق العلمنة .
    --------------------------

    الخلاصة :

    العلمنة تعني مساراً لا نهاية له ولا حدود ، تخضع فيه القيم والرؤى الكلية للوجود للمراجعة الدائمة حسبما يقتضيه التغير في المسيرة التطورية للتاريخ ، بينما تعكس العلمانية - شأنها شأن الدين مثلاً - رؤية مغلقة ، ومجموعة من القيم المطلقة المتوافقة مع غاية نهائية للتاريخ تنطوي على أهمية كبرى للإنسان ، وهذا يعني أن العلمانية بالنسبة للغربيين تمثل منظومة فكرانية أي ثابتة وجامدة . "" العلمنة لا ينبغي لها هي الأخرى أن تصبح عقيدة إيديولوجية تضبط الأمور ، وتحد من حرية التفكير كما فعلت الأديان سابقاً ، والعلمانية النضالية laicisme ربما كانت قد مشت في هذا الاتجاه "" إن العلمانية مشروع لا يكتمل ، وأفق ينبغي افتتاحه باستمرار ، لكي لا تتحول إلى معتقد مغلق ، وسلطة كهنوتية. ولذلك فالعلمانية تجربة لا تكتمل وسيرورة تحتاج على الدوام إلى إعادة تأسيس وبناء، وعلى داعية العلمانية أن يصنع علمانيته باستمرار ويعيد خلقها من جديد ، ويعيد انتزاعها من تاريخها الخاص وإعادة إنتاجها بشكلٍ دائم .
    إن هذا يعني أن العلمانية إذا تجسدت وتبلورت في قالب معين تتحول إلى منظومة فكرانية، وهو ما لا يريده الغرب ، لأنهم يريدون بشكلٍ دائمٍ أن تظل العلمانية في حركة تعلمن دون توقف ، ويجب على كل جيل أن يسهم في تحريك عملية العلمنة وإخراجها من جمودها وثباتها عن طريق إبداع برامج فلسفية مفتوحة تكرس النسبية المطلقة .
    وهكذا ففي الوقت الذي تقوم فيه الفكرانية العلمانية بتحرير عقل الإنسان من النظر إلى الطبيعة نظرة رهبة وتقديس ، وبنزع القداسة عن السياسة شأنها في ذلك شأن العلمنة بوصفها مساراً متصلاً ، إلا أنها لا تمتهن القيم بالشكل المطلوب والمستمر ، لأنها تقدم نسقاً قِيَمياً خاصاً بها ، ولذلك تُعتَبر العَلمانية خطراً على العلمنة إذا لم تُراقَب بشكل دقيق وصارم حتى لا تتحول إلى إطار فكراني للدولة ، أو إطار دوجماطيقي ، لأن العلمنة تطـور دائم وحركـة دائمـة فهي لا تعرف الثبات .
    يمكننا أن نشبه هذه الحركة بالحركة التي تحصل داخل المادة حسب المفهوم الماركسي ، وتُنتِج صراع الأضداد ، وهذا الصراع يؤدي دائماً إلى أوضاع جديدة لا تستقر على حال . وبذلك نلاحـظ كيف تظل العلمـانية تستعيد جـذورها التي أنتجتهـا .

    ----------------

    سؤال:
    هل للعلمانية نظرة شمولية للعالم ؟

    تقدم الدكتور عبد الوهاب المسيري ببيان نوعين (قِسمَين) من العلمانية ليسا منفصلين ، بل متكاملين في داخل دائرة واحدة ، وهو يعرض قسمته هذه من أجل تجاوز إشكالية التأرجح في تعريفات الباحثين بين علمانية جزئية قاصرة على فصل الدين عن الدولة وعلمانية شاملة تعم كل شؤون الحياة .
    - فالعلمانية الجزئية : عنده هي رؤية معرفية جزئية للواقع لا تتعامل مع أبعاده الكلية والنهائية ، ومن ثم لا تتسم بالشمول ، فهي تذهب إلى فصل الدين عن الدولة ، وربما بعض النشاطات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى ، ولكنها تسكت فيما يتعلق بجوانب الحياة المختلفة الأخلاقية والميتافيزيقية ، ولا تتعرض للمطلقات والكليات الأخلاقية والإنسانية والدينية بالنفي أو الإثبات .
    - أما العلمانية الشاملة : فهي رؤية شاملة للعالم ذات بعد معرفي كلي ونهائي وتحاول بكل صراحة تحديد علاقة الدين والمطلقات والماورائيات بكل مجالات الحياة ، وهي رؤية عقلانية مادية تدور في إطار المرجعية الواحدية المادية .
    والعلمانية الشاملة بهذا المعنى ليست مجرد فصل الدين عن الدولة أو عن الحياة ، وإنما فصل لكل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية عن العالم ، وليس عن الحياة فقط أو الإنسان فقط ، بمعنى أن العالَم يصبح شيئاً تافهاً لا قداسة له ، والإنسان مادة خالية من أية قيمة روحية متجاوزة للمادة ، أو متعالية عليها .
    وعندما تُنزع القداسة عن العالم " الإنسان والكون " يسقط في قبضة الصيرورة المادية ، ويظهر الإنسان الطبيعي في حدود احتياجاته المادية الاقتصادية أو الجسمانية ، وحدوده هي حدود المادة ، وأهدافه وغاياته وأخلاقه مادية ، وسلوكه وتطلعاته وأشواقه مادية ، إنها باختصار المادية المطلقة .
    ويذهب الدكتور المسيري إلى أن العلمانية الشاملة تتفق مع الإمبريالية ، وذلك لأنها حين تُكرّس المادية المطلقة ، تترسخ في الواقع الإنساني النفعية المطلقة على كل المستويات الأخلاقية والسياسية والاجتمـاعية ، وعندما تصبح النفعية هي المعيار فإن سلطان القوة هو المرجعية والحكم ، وسلطان التفوق الحضاري والمادي هو الأساس والمنطلق .
    وبذلك بدلاً من النزعة الإنسانية تسود مركزية الإنسان الأبيض ، والشعر الأشقر ، والعيون الزرقاء في الكون ، وبدلاً من الدفاع عن مصالح الجنس البشري تسيطر مصالح الجنس الأبيض ، أو الجنس الأمريكي _ كما هو ملاحظ اليوم في مؤتمرات العولمة - وبدلاً من الاحتكام للمعايير والقيم الإنسانية ، يصبح الاحتكام للمعايير الأمريكية أو الغربية تحت حراسة القوة النووية ، والترسانات العسكرية .
    والواقع أن هذه النفعية المطلقة ، وأخلاق القوة ممتدة في التاريخ الغربي منذ أفلاطون وأرسطو اللذين رأيا ضرورة إبادة المعوَّقين والضعفاء ، إلى مكيافللي الذي نهى الحاكم عن الرأفة والرحمة ، ودعاه إلى القتل والإبادة لتوطيد سلطانه ، إلى نيتشه الذي حَلُم بإبادة كل الضعفاء من البشر في إطار دعوته إلى " الإنسان الأعلى " إلى داروين " والبقاء للأقوى " إلى وليم جيمس ، وجون ديوي ، والفلاسفة الأمريكيين الذين رسخوا النفعية بشكل فلسفي يتواءم مع التطور التقني والتكنولوجي ، ويستجيب لتطلعات العقل الغربي الذي اكتنز المادية منذ بضعة قرون .
    ونزلت هذه الفلسفات إلى ساحة الواقع ، وعانت منها البشرية الويلات المتلاحقة على يد نابليون بونابرت ، وهتلر ، وموسوليني ، وستالين ، وكان حصاد هذه العلمانية ملايين الضحايا من البشر في حربين عالميتين ، ولا تزال المأساة متواصلة على يد الجزار الأمريكي ، والتحالف الأوربي ، والشيوعي في البوسنة والهرسك ، والبانيا ، والشيشان والعراق وأفغانستان والفلبين ، والعلامات تشير إلى أن الدور قادم إلى سوريا ، وإيران ، رد الله كيدهم في نحورهم .
    كل هذه الفظائع لم تقع بأيدي المسلمين ومع ذلك "" يُوجه دائماً النقد للمسلمين ، لأنهم لم يقوموا بأفضل الإنجازات ، ولكن نادراً ما يُسجل لهم أنهم منعوا حدوث الأفظع في بلادهم ، فلن تجـد عندهم أبداً القتل المنظم للشعوب كما حدث في أمريكا الشمالية والجنوبية واستراليا ، ولن تجد ما يشبه الرعب والإرهاب الستاليني ، واقتلاع الملايين من البشر من جذورهم تحت مسمى الخطة الخمسية ، كما أن المسلمين لا يتحملون وجود نماذج للتفرقة العنصرية كالتي شهدتهـا جنوب إفريقيا من قبل الهولنديين ، بمباركة وبموافقة كنيستهم الإصلاحية ، ولا تجد شبيهاً أبداً للعنصرية اليابانية العنيفة التي شهدتها آسيا قبل عام 1945م ولا الثقافة العنصرية التي مارسها البيض ضـد الـزنوج في الجنـوب الأمريكي بما تتضمنـه من قتـل وإبـادة وعنـف ، وشنق دون محاكمة " .
    لم يحصل مثل هذا في ديار المسلمين وبلادهم وإنما في العالم المتحضر الذي يتباهى اليوم بالحضارة ويَصِم الآخرين بالتخلف ، وليس لذلك من مبرر إلا أن العلمانية الشاملة المادية هي التي تسلمت القيادة ، وتحكمت في مصائر الشعوب الغربية ، وتريد أن تفرض نفسها على بقية الأمم في إطار العولمة ، وعن طريق الممارسة الإمبريالية ، والتلويح بالقوة النووية وهذا يؤكد ما ذكره الدكتور المسيري من أن "" العلمانية هي النظرية والإمبريالية هي الممارسة "" ويقودنا ذلك إلى الحديث عن العلمانية والسلام .

    ---------------

    سؤال:
    بما أننا دخلنا في السياسة، ما هو موقف العلمانية من قضية السلام ؟

    في الوقت الذي كان الإنكليز يحتلون البلاد العربية والإسلامية ، ويرتكبون الفظائع من قتل وتدمير وإبادة وتجويع وتجهيل في العراق ، والهند ، ومصر ، كان سلامة موسى يتغزل بالإنجليز فهم ""النظاف الأذكياء "". وهم "" أرقى أمة موجودة في العالم ، والخلق الإنجليز يمتاز عن سائر الأخلاق، والإنسان الإنجليـزي هـو أرقى إنسان من حيث الجسم والعقل والخلق""، ثم دعا إلى التعاون معهم وهم يحتلون البلاد ، ويقتلون العباد فقال : "" فنحن إذا أخلصنا النية مع الإنجليز فقد نتفق معهم إذا ضمنا لهم مصالحهم ، وهم في الوقت نفسه إذا أخلصوا النية لنا ، فإننا نقضي على مراكز الرجعية في مصر ، وننتهي منها ، فلنول وجوهنا شطر أوربا "".
    هذا هو ثمن السلام بنظر سلامة موسى أن نتعاون مع الإنجليز ، ونضمن لهم مصالحَهم ، ومصالحُهم أن يظلوا جاثمين على صدر مصر ، ينهبون خيراتها ويستـذلون أهلها ، ويدوسون كرامتها ، ولكن هذا لا يشكل خطراً على سلامة موسى لأنه سيظل هو والنخبة الربيبة ينعمون بالرفاهية ، ويتمتعون بالخيرات ما دام أسيادهم راضين عنهم ، آمنين لجانبهم .
    والربح الذي يحققه سلامة موسى من التعاون مع الإنجليز هو القضاء على الرجعية ، والرجعية المقصودة عنده والتي يحلم بالقضاء عليها هي الأزهر الذي يبث فينا ثقافة القرون المظلمة ، وشيوخ الأزهر المأفونين ، الذين لا يكفون عن التوضؤ على قوارع الطرق . أليس هذا هو الفاشيست الذي يتحدثون عنه ؟! .
    واليوم يدعونا طارق حجي إلى الإيمان بحتمية الوصول إلى السلام مع إسرائيل ، وعلينا أن نكافح لترسيخ ثقافة السلام بدلاً من ثقافة العدوان وأن نسير على خطا السادات لكي تتجنب المنطقة السقوط في العنف والماضوية والتخلف والفقر ، وعلينا أن نقبل قيام دولة ديمقراطية لا دينية على كامل تراب فلسطين يتساوى فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون. ويعني هذا أن يتنازل الفلسطينيون عن مقدساتهم ، وعن حق العودة للمشردين من أبنائهم ويرضخوا لما يفرضه منطق القوة الإسرائيلي والأمريكي . إنها دعوة للاستسلام تحت عنوان:" الإيمان بحتمية السلام " .
    أما مراد وهبة فالعلمانية بنظره هي الحل لمشكلة الشرق الأوسط في فلسطين ذلك أنه يعرف العلمانية بأنها "" النظر إلى النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق ""، ويعني بذلك سيادة النسبية على كافة المستويات ، وإقصاء المطلقات من الوجود، لأنه لا وجود لحقيقة مطلقة ، والقول بها مجرد خرافة ، وسيادة المطلق يهدد السلام العالمي ، لأنها ستدخل في صراع كما هو الحال بين المطلقات الثلاثة الإسلامي اليهودي والمسيحي ، وليس من وسيلة لحل هذا الصراع إلا بالقضاء على المطلقات ، ويتم ذلك بنفي الدوجماطيقية " أي نفي علم العقيدة " لأن مفهـوم الحـرب كامن في هذا العلم . لأن هذا العلم قائم على اليقين "" واليقين لا يمكن أن يكون إلا مغلقاً ، ولهذا فهو يؤول في المنتهى إلى الدوغمائية التي تُترجَم تعصباً وتحزباً وربما عنفاً وإرهاباً "" ومع أن هذا الكلام لا يرضي الناطقين باسم الغائب والمدافعين عن العقائد وحراس النصوص كما يقول الخطاب العلماني إلا أنه يقرر ذلك ليؤكد على أن الصراع العربي الإسرائيلي في النهاية هو صراع مطلقات ، والحل الوحيد في العلمانية لأنها المضاد الحيوي للأصوليات الدينية التي تغذي المطلقات وتتغذى منها ، وعلى ذلك بدلاً من شعار " الإسلام هو الحل " تصبح " العلمانية هي الحل " .
    ولكن تجاهل مراد وهبة هنا أن العلمانية تصالحت مع الصهيونية واليهودية وبررت لهم وجودهم في فلسطين ، وشرّعت لاستمرارهم فيها على حساب العرب والمسلمين الذين لم يربحوا شيئاً ، ولم يحصلوا على شيء من علمانية مراد وهبة ، إلا إذا كان مراد وهبة وأمثاله سيجيبون بأن الربح العربي يتمثل في النجاة من القنابل النووية الإسرائيلية ، وهذا ما لا يحسب الأصوليون المسلمون حسابه ، لأن الخوف من الموت لا يردعهم عن المطالبة بحقوقهم ولديهم من الآليات والوسائل " الإرهابية " ما يجعل إسرائيل تفقد صوابها .

    بقي أن نتساءل :
    ألم تتحول علمانية مراد وهبة إلى مطلق هي أيضاً ينفي المطلقات الأخرى ؟ فإذا قرر هو وشيعته أن " العلمانية هي الحل " وقرر المسلمون بشكل مطلق أن " الإسلام هو الحل " وقررت إسرائيل أن " التلمود هو الحل " أفلا تدخل العلمانية هنا طرفاً جديداً فيما يسميه " صراع المطلقات " ، وبالتالي فإن أية رؤية تُطرح على أنهـا الحل هي بنظر أصحابها مطلق على الآخرين أن يرضخوا لها ، وهكذا فإنه لا خلاص من المطلق ، ولا بد من مطلق واحد تذعن له كل الأطراف المعارضة .
    ونتساءل مرة أخرى : هل حربنا مع إسرائيل هي حرب مطلقات ؟ في الواقع لا ، لأننا نحن لا نحارب إسرائيل لندخلها في مطلقنا الإسلامي ، وإسرائيل لا تحاربنا لتدخلنا في مطلقها اليهودي ، نحن نريد أن نستعيد أراضينا المغتصبة – في إطار وعود ومؤامرات دبرت – على مرأى ومسمع من كل العالم ، ونريد أن يعود الشعب المشرد الطريد في كل بقاع العالم إلى أرضه ودياره ، ويريد الشعب المضطهد المقموع أن يتخلص من الاضطهاد والقمع ، ويتمتع بحريته وكرامته واستقلاله ، فأين المطلقات في هذا الصراع ؟ وإذا كانت حربنا مع إسرائيل حرب مطلقات فإن هذا يعني أنه لا يوجد خلاف بين شخصين في محكمة إلا ويمكن تسميته أيضاً " صراع مطلقات " ، وأن الإنسان الذي يأتي ليغتصب منزل مراد وهبة أو يعتدي على أسرته أو حتى على حياته ، على مراد وهبة ألا يدافع عن نفسه - طبقاً لعلمانيته أو لنسبيته - حتى لا يدخل في صراع المطلقات . والله أعلم .

    --------------

    سؤال:

    هل هناك صقور وحمائم في العلمانية ؟

    يقسم العلمانيون العلمانية إلى (صلبة وليِّنة)
    تقدم بهذه القسمة عادل ضاهر في كتابه " الأسس الفلسفية للعلمانية " ، ويعني بالعلمانية الصلبة هي تلك التي تتخذ من الاعتبارات الفلسفية أساساً لها ، وبذلك تكون علمانية راسخة لا تتزعزع لأن الاعتبارات الفلسفية لا تخضع للظروف والوقائع ولا ترتبط بها .
    ولا يبني العلماني الصلب موقفه بناء على أية أدلة تاريخية أو اجتماعية أو سوسيولوجية أو دينية لأن كل هذه اعتبارات خاضعة للظروف والتغيرات وغير حاسمة ، واللجوء بالذات إلى نصوص دينية لتسويغ الموقف العلماني – كما فعل عبد الرازق وخلف الله وغيرهما - هو في نهاية التحليل لجوء إلى سلطة دينية ما ، إما سلطة الله [عز وجل] نفسه ، أو سلطة نبي من الأنبياء أو سلطة علماء الدين والفقهاء ، وبما أن الرجوع إلى سلطة الله [عز وجل] مباشرة بالنسبة لنا غير ممكن إلا بواسطة الأنبياء ولا أنبياء اليوم ، فإن السلطة - على هذا الشكل - بقيت للعلماء والفقهاء ، وبما أن العلماء مختلفون ومتعارضون ، فإننا بحاجة إلى اعتبارات مستقلة عن سلطة العلماء المتناقضة لتحكم في الموقف، وتحسم الخلاف، وليس من سلطة هنا إلا العقل، والعقل العلمي بالذات، والعقل الفلسفي بالدرجة الأولى، وحتى لو وجد أنبياء فإن التمييز بين النبي الكاذب والنبي الصادق لا يمكن إلا بطريق العقل، والفلسفة هي وسيلتنا الوحيدة للوصول إلى ذلك.
    والخلاصة التي يريد أن يقررها عادل ضاهر هي : أن العلمانية الصلبة لا تقوم على اعتبارات جائزة أو ممكنة ، بل على اعتبارات ضرورية ، فلا الوحدة الاجتماعية ، ولا الشروط التاريخية أو الاجتماعية أو الثقافية ، ولا النصـوص الدينية هي التي تملي على العلماني الصلب موقفه، وهذا لا يعني أنه يرفض هذه الاعتبارات ، بل إنها ربما تكون حافزاً وعونًا له في موقفه ، ولكن موقفه الأخير تمليه عليه اعتبارات فلسفية محضة ، فهو يبني علمانيته على هذه الاعتبارات بالدرجة الأولى ، وما يأتي بعد ذلك مصدقاً فليكن في المرتبة الثانية .

    وهذا يعني أن العلمانية الصلبة تعني أمرين أساسيين :
    أولاً : أن العلاقة بين الروحي والزمني ، بين الدولة والسياسة لا يمكن أن تكون أكثر من علاقة موضوعية ، أي علاقة تفرضها ظروف تاريخية معينة ، وعلاقة كهذه لا يمكن أن تنبع من الماهية العقدية للدين. ويعني بذلك أنه حتى لو ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام دولة - بعكس ما أراد عبد الرازق وخلف الله أن يُثبتا - فإن هذه الدولة محكومة بظروف وشروط تاريخية معينة ، وليس لها أساس ديني خارج التاريخ ، ومفارق للزمن والواقع .
    ثانياً : أن المعرفة العملية "" أي المعرفة المطلوبة لتنظيم شؤون المجتمع والسياسة والإدارة والاقتصاد والقانون لا تجد ولا يمكن أن تجد أساسها الأخير في المعرفة الدينية "" ، وهذا هو تعريف عادل ضاهر للعلمانية .

    --------------------

    سؤال:
    هذا عن العلمانية الصلبة فماذا عن العلمانية اللينة ؟

    العلمانية اللينة عند عادل ضاهر هي التي لا تقوم على أسس فلسفية ، وإنما تبحث عن مبرراتها في التاريخ والثقافة وعلم الاجتماع والنصوص الدينية ، وهذه المبررات بنظره جائزة وممكنة وليست ضرورية كالأسس الفلسفية الحاسمة ، ولذلك فإن علمانية هؤلاء تظل علمانية لينة، أي هشة لأن النصوص الدينية ليست حاسمة ، والخلاف في تأويلها يغذي كل وجهات النظر، ولأن الشروط التاريخية والثقافية ، والاجتماعية خاضعة للتغير والتطور عبر مرور الزمن .
    كتاب عادل ضاهر " الأسس الفلسفية للعلمانية " يبلغ 429 صفحة يقوم على جدلية العقل والنقل ، وهي كما نعلم جدلية قديمة خاض فيها أعلام الفكر الكلامي الإسلامي ، ومنهم من اختار أسبقية العقل على النقل تخلصاً من الوقوع في الدور ، والعلمانية عند عادل ضاهر حتمية أو ضرورية - كما يُعبّر - للخلاص من هذه المشكلة " فالعلمانية هي الحل " عنده أيضاً - كما رأينا عند مراد وهبة - وهي المطلق أيضاً لأنها عنده " ضرورية " ، ولكن في حين كانت عند مراد وهبة هي الحل لمشكلة الشرق الأوسط وقضية فلسطين ، فهي عند عادل ضاهر الحل لأزمة العقل العربي الإسلامي المتمثلة في التردد والحيرة بين العقل والنقل .
    علينا أن نحذو حذو إمامينا الجليلين الغزالي والرازي في تقرير آراء الآخرين الذين نختلف معهم قبل أن نناقشها لنتبين الخطأ فيها من الصواب .
    لقد اختار عادل ضاهر أن العقل أسبق من الوحي بل هو أساس الوحي ، وعلى هذه القضية يقوم كتابه ، فالأساس في الاعتبار العلماني هو المرجعية "" إن العلمانية هي بالضرورة موقف رافض للطابع الكلياني للدولة الدينية الذي يرتبط مفهومياً بجعل الاعتبارات الدينية نهائية فيما يخص الأمور الروحية والزمنية على حد سواء … ومن المهم ملاحظة أن المعيار في كون الشخص علماني أو لا علماني ليس هو قبول المقررات الشرعية أو عدم قبوله ، وإنما المعيار هو الأساس الذي يبني عليه هذا القبول ، فاللاعلماني يبني قبوله على أساس ديني ، والعلماني قد يقبل الشريعة ، ويبني قبولَه على أساس عقلي أو خلقي ، وهو بذلك يظل علمانياً "" .
    المعيار إذن بين العلماني وغيره هو في أصل المشروعية التي يرتكز عليها مجتمع ما في تصوره لهويته وفي إرسائه لنظمه وشؤونه ، ففي المجتمع الديني تُستمَد المشروعية من مصدر مفارق علوي غائب قدسي والإنسان لا مشروعية له هنا ولا شرعية فهو مجرد نائب عن ، أما في المجتمع العلماني فالمشروعية مستمدة من داخله من الإنسان المستقل بعقله والذي يُنتِج معارفه وتجاربه وخبرته ففيه المشروعية والمرجعية .
    ومن هنا فإن ما يرفضه العلماني هو المبادئ التي تقوم باسمها السيطرة ، وليس المقصود سيطرة الدين أو رجال الدين ، إن المرفوض هو أن تكون التعاليم الدينية هي التي ينبغي أن تشكل المعيار الأخير أو المرجع الأخير لكل القضايا الروحية والزمنية على حد سواء .
    ولذلك فالعلمانية "" قد تعترف بأنه لا وجود لمؤسسة كهنوتية في الإسلام ، ولكن ليس هذا ما يرفضه العلماني ، لأن معيار رفضه هو كون الدين المصدر الأخير للتشريع ، والمعيار الأخير للدولة الفاضلة ليس بالضرورة وجود كنيسة ، لأنها تتصل بشيء أعمق من هذا بكثير : بالطابع الكلياني للدولة الدينية ، فالمرجعية المطلقة لله [عز وجل] سواء أكان الوسيط بيننا وبين هذه المرجعية رجال إكليروس أو أنبياء ، فالقضية هي : جعل الدين في نصوصه المقدسة المرجعية النهائية للحاكم في كل مجالات الحياة "". وما دامت وجدت مرجعية دينية فسيوجد رجال دين لهم نفوذ وممارسة للسيادة ، وسلطة استبدادية ، وإن لم يكن للدين على مستوى التنظير تأكيد لهذه السيادة ، إلا أنه من الناحية العملية والممارسة لا بد من وجود مثل هذه السيادة النفوذية وأمثلة ذلك : دور الإفتاء وعلماء الدين الإسلامي والإكراهات التي يمارسونها ضد الحكومات . فالكهنوت سمة لازمة لكل الأديان ولا يستثنى من ذلك الإسلام .
    وهكذا يبدو أن تطبيق القرآن فيه تكريس لسلطة طبقة من رجال الدين وبالتالي القضاء على أحد المبادئ الضامنة لاستقلالية الإنسان ، واحتكار المعرفة في الشؤون الدينية التي تهم المجتمع ، ولا فرق أن نسمي هذه الطبقة التي ستحتكر فهم الدين طبقة كهنوت أو علماء أو غير ذلك ، لأن النص الديني لا يفسر ذاته ، فالنتيجة هي ضياع حرية الإنسان وانهيار الاستقلالية المعرفية للعقل .

    ولنا هنا أن نتساءل : إذا قوضنا المرجعية الإلهية والنبوية ، وكرّسنا المرجعية العقلية البشرية ، فسيكون للمُشرّعين البشر نفس الأهمية الكبرى ، والنفوذ والسيادة والتسلط والدكتاتورية - إذا افترضنا أن هذه موجودة في المرجعية الدينية - وسيحل القانوني والمحامي بديلاً عن الشيخ والمفتي ، والمغني والمطرب بديلاً للقارئ والمرتل ، ولاعب الكرة بديلاً عن المفكر والعالم ، والراقصة والممثل والمسرحي بديلاً عن المبدع والعبقري والمجاهد والجندي ، وبالتالي فإن العلماني سوف يعود فيصبح لاهوتياً علمانياً من جديد يمارس لاهوت العلمانية وعلمانية اللاهوت بما في ذلك من تسلط وإرهاب ودكتاتورية وينشأ دين علماني جديد عقيدته الرسمية هي العلمانية ويرفع شعار التقدم والتنوير كإيديولوجيا تمارس سلطتها في سبيل فرض مصالحها تحت راية الرأسمالية أو الاشتراكية وهكذا فإننا عندما نلغي الله [عز وجل] لنُحل محله الإنسان في التشريع تكون خسارتنا فادحة دون أن نربح شيئاً .
    ومع ذلك يظـل العلماني يصر على أن "" الإنسان يمكنه بدون وحي إلهي أن يتدبر شؤون دنياه " والمقولة التي يسعى لتفنيدها هي أن "" الإسلام دين ودولة "" . "" لأن المعرفة غير ممكنة إلا إذا قامت على أسس عقلية … فلا الوحي ولا الحدس ولا أية وسيلة أخرى قد يحلو لواحدنا أن يفترضها كمصدر للمعرفة يمكن أن تُتّخذ على أنها ذات أولوية على العقل ، أو على أنها مستقلة عن العقل "". فإن "" للعقل استقلالية تامة عن كل ما يقع خارجه ، فلا يمكن إخضاعه لرقابة دينية أو غير دينية ، ولا يمكن لأية معايير من خارجه مهما كان نوعها ومضمونها أن تكون ذات أسبقية على معاييره ، والعلماني الذي يستشهد بالقرآن أو السنة لدعم موقفه يتنازل تنازلاً كبيراً ، لأن العلمانية في أساسها قائمة على أسبقية العقل على النص ، ولأن المعيار الأخير للإلزام القانوني أو السياسي لدى العلماني ينبغي أن يكون مستمَداً من الأخلاق لا من الدين، والسبب هو أن المعرفة الدينية جائزة وممكنة ، أما المعرفة الفلسفية فهي ضرورية ، ولا يجوز اشتقاق الجائز من الضروري .
    وإذا كان الأمر كذلك "" فإنه لا يمكننا من منظور عقلي أن نُلزم أنفسنا بالامتثال لأمر أو نهي ما ينطوي عليه نص ديني معين ، إلا إذا وجدنا أن هذا تماماً هو ما تُلزمنا به الاعتبارات الأخلاقية الصحيحة ، مما يجعل العودة إلى الاعتبارات الدينية والنصوص الدينية أمراً عديم الجدوى "".
    ومعنى ذلك أن التوفيق بين العقل والنقل مرفوض لأنه تحصيل حاصل ،فالتوفيق سيكون بين مبادئ عقلية تُوُصِّل إليها عن طريق العقل ، ومبادئ عقلية متَضمَّنة في نصوص نقلية ولكن ثبت صدقها أيضاً عن طريق العقل .

    ملاحظة : لقد ناقشت أطروحة عادل ضاهر السابقة في قرابة عشرين صفحة وهي تحتاج إلى تهيئة ومراجعة وقد يستغرق ذلك وقتاً .

    ..... يتبع

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,886
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الكاتب : الجعفرى
    أرحب بالشيخ أحمد الطعان , كما أشكر الأخوة القائمين على هذا المنتدى وأقول للجميع الضيف والمضيف : جزاكم الله خيراً.
    وسؤالي : الذي أفهمه أن العلمانية مذهب كفري يناقض الدين ؛ فهل هذا الفهم صحيح على إطلاقه, وهل قولنا فلان علماني حكم عليه بالردة والكفر بناءً على أن العلمانية كفر بالدين .
    بارك الله فيكم ونفع بكم .

  7. #7

    افتراضي

    الدكتور أحمد الطعان عندنا ويعمل لقاء عند غيرنا؟؟!
    نحن أولى بهذا اللقاء، مش كده ولا أيه؟
    هل تسمح يا دكتور أحمد بطرح بعض الأسئلة أم أن وقتك لا يسمح إلا بلقاء واحد
    الذي أعمى الله بصره كالذي أعمى الله بصيرته، فكما أن أعمى البصر لو وقف أمام الشمس التي تكسر نور البصر لم يرها، فكذلك من أعمى الله بصيرته لو وقف أمام أنوار الحق ما رآها

  8. افتراضي لا مانع ..

    لا مانع أخي الكريم ولكنك تحتاج إلى صبر ربما حتى أرد عليك ... بارك الله فيكم جميعاً
    وأشكر الأخ حازم على ثقته واهتمامه ..
    وأسأل الله عز وجل أن يلهمنا السداد ...
    وعيد سعيد وتقبل الله طاعتكم
    والسلام ...
    "" قُلْ يَاعِباديَ الذينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ""
    أكاديمية الدعوة والبحث العلمي :
    http://acscia.totalh.com/vb/
    دعوة للمشاركة والتفاعل .

  9. #9

    افتراضي

    شكر الله لك إتاحة هذه الفرصة لي د. أحمد
    ولن أزيد عن سؤالين مراعاة لوقتكم الثمين
    - ما هو السبب في نظرك لما وصلت إليه الآن تونس وتركيا من علمانية متعصبة؟
    - وهل هناك مخطط أو توجه يسعى الآن لعمل نفس الشئ فى مصر والسعودية؟
    الذي أعمى الله بصره كالذي أعمى الله بصيرته، فكما أن أعمى البصر لو وقف أمام الشمس التي تكسر نور البصر لم يرها، فكذلك من أعمى الله بصيرته لو وقف أمام أنوار الحق ما رآها

  10. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السويدى
    شكر الله لك إتاحة هذه الفرصة لي د. أحمد
    ولن أزيد عن سؤالين مراعاة لوقتكم الثمين
    - ما هو السبب في نظرك لما وصلت إليه الآن تونس وتركيا من علمانية متعصبة؟
    - وهل هناك مخطط أو توجه يسعى الآن لعمل نفس الشئ فى مصر والسعودية؟
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أخي السويدي شكراً على ثقتك ...
    أما ما وصلت إليه العلمانية في تونس وتركيا فقد أسهمت فيه عوامل مختلفة أبرزها : السلطة الفاشية التي فرضتها بالحديد والنار مدعومة بالإعلام المزيف والإمكانات الهائلة التي وفرها اليهود لهذه السلطة .
    وإذا أحببت التوسع في فهم هذه الزاوية يمكنك مراجعة كتاب // التطرف العلماني في مواجهة الإسلام // للدكتور القرضاوي مطبوع في دار أندلسية - القاهرة .

    وأما ما يتعلق بالسعودية ومصر فالمخطط أخي الكريم موجود لكل العالم الإسلامي بما في ذلك سوريا والعراق والأردن وباكستان ولكن السؤال : هل سينجح هذا المخطط ؟ إجابتي متفائلة جداً ولله الحمد : إن العلمانية حتى في البلاد التي تمارسها منذ ما يقرب من مائة سنة بكل فاشية لم تشكل إلا قشرة يسيرة في أرض الإسلام وسرعان ما تزول إذا توفرت البيئة المناسبة والسبب هو أن الإسلام يحتوي على مناعة ذاتية ضد العلمنة ، ويملك لقاح مضاد لها هو دنيويته // ولا تنس نصيبك من الدنيا // .
    والله أعلم .
    "" قُلْ يَاعِباديَ الذينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ""
    أكاديمية الدعوة والبحث العلمي :
    http://acscia.totalh.com/vb/
    دعوة للمشاركة والتفاعل .

  11. افتراضي

    قرأت هذا الحوار مع الأخ الطعان وأنا احييه واشكره على كلامه، ولكن ينقص كلامه سماع وجهة نظر الطرف الآخر

    اعتقد ان مثل هذه الكتابات تحتاج الى توازن، اي سماع وجهة نظر الطرفين، فلعل بعض يكون الحن في حجته من بعض، ***********، وننتظر ردا من الأخ حاتم والاخ الطعان على مثل تلك الطروحات، لأن الحجة الاسلامية تزداد قوة بمناقشة الطرح العلماني، وهذا ما يتطلب سماع الطرف الآخر، واتمنى ان تكثر أمثال هذه الحوارات الثنائية بين جميع الاطراف .

    ***************

    ثم عندي سؤال آخير : هل يععتقد الأخ الطعان ان العلمانية تخلو من اية ايجابية حتى في مجال حرية الرأي والتعبير وصنع دولة تحترم انسانية الانسان ؟

    مشرف 1
    التعديل الأخير تم 01-25-2006 الساعة 03:52 PM

  12. افتراضي لأخ القبيسي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأخ القبيسي شكراً على مرورك واهتمامك ..
    لا أأظن أنك لو قرأت النصوص بهوامشها ومراجعها - وهي غير مدرجة في الحوار للأسف - ستصف ذلك بالتحامل لأن ما هو موجود ليس أكثر من كونه نصوص للخطاب العلماني قمت بإطلاع القراء عليها .
    الحوار لم يكن بين طرفين مختلفين بالفعل لأنه كان أسئلة مجردة بقصد المعرفة والاطلاع إضافة إلى كونه مفتوح لمن يرغب بالمشاركة من العلمانيين أو غيرهم .
    بالنسبة للأمر الآخر : فمن قال لك إن حرية الرأي والفكر واحترام إنسانية الإنسان هو من خصال العلمانية ؟ وإذا كانت هناك بعض المظاهر لذلك فهي لا تعدو كونها شكليات لو وضعت على المحك فسرعان ما تنهار ...
    والسبب هو أن المرجعية في العلمانية هي العقل وليس العقل المطلق وإنما العقل المسيطر أو العقل الأقوى وحين يكون الأمر كذلك فإن هذا العقل هو الذي يفرض مفهومه لحرية الرأي بل حتى مفهومه للإنسان ومفهومه للديمقراطية وغير ذلك وأظن أن الموقف الغربي من الحجاب ومن حماس الآن وسابقاً أربكان ومن جبهة الإنقاذ والعولمة كما تريدها أمريكا كل ذلك أعتقد أنه شكل شرخاً هائلاً في المنظومة العلمانية بل في مصداقيتها ومرجعيتها ولا أعني تطبيقها .

    أخي : إذا لم يقبل الإنسان أن تكون هناك سلطة أعلى مفارقة للإنسان تفرض عليه المنهج وتحدد له الطريق فإنه سيظل متنكباً للجادة لأن الأقوى سيفرض على الأضعف دائماً .
    والله أعلم .

    هناك تتمة للحوار غير منقولة هنا يمكن مراجعتها في ملتقى التفسير قد توضح بعض الإشكالات . والسلام
    التعديل الأخير تم 01-25-2006 الساعة 05:37 PM
    "" قُلْ يَاعِباديَ الذينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ""
    أكاديمية الدعوة والبحث العلمي :
    http://acscia.totalh.com/vb/
    دعوة للمشاركة والتفاعل .

  13. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حازم
    الكاتب : الجعفرى
    أرحب بالشيخ أحمد الطعان , كما أشكر الأخوة القائمين على هذا المنتدى وأقول للجميع الضيف والمضيف : جزاكم الله خيراً.
    وسؤالي : الذي أفهمه أن العلمانية مذهب كفري يناقض الدين ؛ فهل هذا الفهم صحيح على إطلاقه, وهل قولنا فلان علماني حكم عليه بالردة والكفر بناءً على أن العلمانية كفر بالدين .
    بارك الله فيكم ونفع بكم .

    العلمانية هي الدنيوية
    إن الاحتراز الوحيد الذي نضعه هنا لعله يجنبنا كثيراً من الانتقادات والإلزامات التي قد ترد علينا إزاء هذا التعريف هو أن العلمانية " الدنيوية " التي نقصدها تزيد وتنقص ، وتهبط وتصعد ، وأننا عندما نتحدث عن العلمانية التي تقارن الإلحاد والزندقة فإننا نقصد العلمانية في أعلى درجاتها . إن هذا يعني أن بعض الباحثين الحريصين على إسلامهم وإيمانهم ولكن تصدر منهم بعض الأفكار التي تخدم التوجه الدنيوي العلماني ، وتتحرك في داخل أسواره لا يمكن أن يوصفوا بأنهم علمانيين ، وإن كان يصح أن نصف أفكارهم المنحرفة بأنها أفكار علمانية . والله أعلم .



    الواقع - كما يقرر الدكتور القرضاوي - أن العلمانية لا يمكن أن تكون محايدة من الدين، لأن عزل الدين عن حياة المجتمع أو تفريغ حياته من الدين ليس موقفاً حيادياً ، إنه موقف ضد الدين ، إنه يقوم على اتهام الدين بأنه ضرر بالحياة وخطر عليها ، فيجب إبعاده عن توجيه الحياة والتأثير فيها ، ويجب أن تُبنى الحياة في تشريعها وثقافتها على غير الدين ، وهذا الموقف لا يمكن أن يُعتَبر حيادياً ، لأنه تجريم للدين وإدانة له.
    كما أن الدين يطرح نفسه على أنه منهج حياتي شامل كامل ، والحد من سلطانه يعني إعلان الحرب عليه ، وبالذات الإسلام فهو رؤية شاملة وكاملة للكون والحياة والإنسان ، تغطي عبر آلياتها الاجتهادية كل مراحل التطور البشري والاجتماعي والتاريخي " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " ، والدين المسيحي مع أنه لا يحتوي على تشريع أو تنظيم اجتماعي وإنما يحيل إلى التوراة أو العهد القديم ، ومع أن العلمانية حاربته طوال القرون الخمسة الماضية حتى انزوى إلى الحياة الشخصية على مستوى أفراد قليلين لا يشكلون نسبة كبيرة في الغرب ، بدأ يستعيد وجوده في الحياة الغربية ، وإن كانت هذه الاستعادة ذات أهداف فكرانية وسياسية ، ليكون سلاحاً روحياً في مواجهة الإسلام الذي يلقى رواجاً واسعاً في الغرب هذه الأيام ، ولذلك نجد النشاط المسيحي أغلبه نشاط سياسي تبشيري تدعمه النظم السياسية الغربية التي تعتبر نفسها في حالة مواجهة مع الإسلام " الخطر الأخضر " .
    ومع أن الدين المسيحي فقد ركائزه المقدسة ، وانهارت مرجعيته تحت سياط البحث العلمي ، والتاريخي - كما أشرنا في التمهيد - ولم يعد يملك القدرة على الإقناع أو اكتساب ثقة المؤمنين به ، مع ذلك فإن الغرب اضطر أن يعدِّل كثيراً في المسيحية حتى كادت أن تتماهى مع الإلحاد ، وذلك من أجل أن يرضي حاجته إلى التدين ، أو يرضي ضميره المعذب لاغتياله المسيحية ، ولذلك فقد "" تضاءلت الفروق الثقافية بين المؤمن والكافر ، وانطمست الحدود بين الإيمان والكفر وأصبحت المسيحية أكثر مرونة والإلحاد أكثر سلبية ، والإنجليزي الكافر ذو المنزلة الاجتماعية مهما تكن هذه المنزلة متواضعة يجري على سَنن المسيحية غالباً في مناسبات الولادة والموت والزواج "" ، ومن هنا فإن إليوت يعتبر دين مجتمع ما هو ثقافته أيضاً ، والاحتفاظ به احتفاظ بثقافة الأمة "" إن الثقافة والدين مظهران لشيءٍ واحد "".
    ومن الخطأ الشائع القول : بأن "" الثقافة يمكن حفظها وبسطها وتنميتها بغير دين "" و "" حين ندافع عن ديننا فلا بد لنا في معظم الأمر من أن نكون مدافعين عن ثقافتنا في الوقت نفسه والعكس بالعكس "" وإن "" القوة الرئيسة في خلق ثقافة مشتركة بين شعوبٍ لكلٍّ منها ثقافته المتميزة هي الدين "" ولذلك "" إذا ذهبت المسيحية فستذهب كل ثقافتنا "". ومن هنا فإن الدين في الغرب يتجلى في مظاهر حياتية كثيرة كالقَسَم وتدريس المناهج الدينية ، وأعياد الميلاد ، وقوانين العقوبات . وهكذا يتبين لنا أن الغرب يريد العودة إلى الدين لأهداف دنيوية محضة ، أهمها استخدامه كسلاح وثقافة " فكرانية " في مواجهة الشمولية الإسلامية . ولكن الدين الذي يريده الغرب ليس هو الدين العلماني علمانية ثابتة ، وإنما هو الدين الذي يقبل الخضوع للعلمنة المستمرة دون توقف ، وعلى هذا النحو يفرقون بين العلَمانية والعلمنة .
    "" قُلْ يَاعِباديَ الذينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ""
    أكاديمية الدعوة والبحث العلمي :
    http://acscia.totalh.com/vb/
    دعوة للمشاركة والتفاعل .

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Dec 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    361
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    دكتورنا الفاضل أحمد الطعان

    للدكتور عبد الوهاب الميسرى موسوعة عن العلمانية من مجلدين يقسم فيها العلمانية إلى "جزئية وشاملة" ويتناولها بالنقد ، فما رأيك فى الكتاب عامة وفى تقسيمه للعلمانية خاصة ؟

    وبمناسبة افتتاح معرض الكتاب فى مصر الآن ، ما هى الكتب التى تنصحنا باقتنائها للرد على العلمانية والمذاهب الإلحادية ؟
    كل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ولا وفى بموجب العلم والإيمان ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ولا أفاد كلامه العلم واليقين

  15. افتراضي أخي الفاضل

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأخ الجندي السلام عليكم ورحمة الله وبعد :
    كتاب المسيري كتاب رائع وموسوعته الشاملة أيضاً عن اليهودية أروع وهي موجودة في مكتبة صيد الفوائد على الشبكة .
    وعموماً كتاباته تبين إفلاس العلمانية وخوائها بالاستفادة من جهود الغربيين أنفسهم في ذلك .. ولكن الباحث الأكاديمي قد لا يستفيد كثيراً من الموسوعة لأنه لم يضع مصادر دراساته .
    في الرد على العلمانيين لا أخفيك أن مكتبتنا الإسلامية فقيرة إذا ما قورن ذلك بجهودهم ونشاطهم وأطروحاتهم .
    ما يحضرني الآن من كتابات :
    يغالطونك إذ يقولون " للدكتور البوطي .
    للدكتور محمد عمارة : سقوط الغلو العلماني يرد فيه على العشماوي .. و التفسير الماركسي للإسلام يرد فيه على نصر حامد أبو زيد .
    وكتابات المستشار طارق البشري ..
    وطه جابر العلواني ومدرسة إسلامية المعرفة عموماً
    ولـ سيد محمد نقيب العطاس كتاب جيد بعنوان مداخلات فلسفية في الإسلام والعلمانية .
    ولـ د. رفعت فوزي عبد المطلب كتاب بعنوان نقض كتاب أبو زيد يرد فيه على كتابه الإمام الشافعي وتأسيس الإيدولوجية العربية
    إضافة إلى أن العلمانيين ينقضون بعضهم في كثير من الأحيان ويكفوننا ذلك : مثل كتابات علي حرب
    وكتابات جورج طرابيشي " المثقفون العرب والتراث " في نقض حسن حنفي وكذلك له ثلاث مجلدات في نقض الجابري
    نظرية العقل وإشكاليات العقل ...
    وأصبحوا مثل المعتزلة ينقض بعضهم بعضاً وهذا شيء طبيعي في المدارس التي تجعل العقل هو المصدر الوحيد أو الأول للمعرفة .
    ولا تنس كتاب نقد الحداثة لـ آلان تورين
    وكتابات طه عبد الرحمن الباحث المغربي .
    ولا يمكن هنا إغفال جهود الدكتور القرضاوي فله كتب قيمة منها :
    الإسلام والتطرف العلماني تونس وتركيا نموذجاً
    الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه
    ولـ عماد الدين خليل كتاب بعنوان تهافت العلمانية .
    وقد اقترب وقت صلاة الجمعة إلى اللقاء
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    "" قُلْ يَاعِباديَ الذينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ""
    أكاديمية الدعوة والبحث العلمي :
    http://acscia.totalh.com/vb/
    دعوة للمشاركة والتفاعل .

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الشيخ احمد فريد يكشف اغراض العلمانية ورؤوس الفساد في انظمة الطواغيت
    بواسطة طارق منينة في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-24-2012, 11:22 PM
  2. هل يوجد دليل علمي أو طبي أن الجثث تتعفن او لا بسبب الطعام
    بواسطة lightline في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 07-06-2012, 07:54 PM
  3. عدنان الرفاعى أو شبيهه يعيث فى ملتقى اهل التفسير الفسادا !!!
    بواسطة memainzin في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-16-2012, 08:42 PM
  4. الهكرز-العلماني اظن- سيطروا على ملتقى اهل التفسير(اليوم!)
    بواسطة طارق منينة في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 07-09-2011, 04:19 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء