الخَلــق والصُّدفــة العشوائيـــة
[align=justify]يقول الفيلسوف "برتراند راسل": (ليس وراء الإنسان غاية أو تدبر، إنَّ نشأته وحياته وآماله ومخاوفه وعواطفه وعقائده ليست إلا نتيجة لاجتماع ذرات جسمه عن طريق المصادفة).[ 2]
أما هُكسلي فبسذاجة متناهية وتبريرات واهية تنم عن طيش ورعونة وعن خيال واسع فيقول: (لو جلست ستة من القرود على الآت كاتبة وظَلَت تضرب على حروفها لملايين السنين، فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير "!!!" فكذلك كان الكون الموجود الآن نتيجة لعمليات عمياء ظلَت تدور في المادة لبلايين السنين).[ 3] أما عالم البيولوجيا هيكل "Heckle " فقد تطاول أو تغابى حين قال في هرطقة متغابية: (ائتوني بالهواء والماء وبالأجهزة الكيماوية اللازمة وبالوقت وسأخلق الإنسان).[4 ]
أما تاريخ الخلق فيحدده جورج جامبوفي كتابه "تاريخ الأرض" وفقا لمعاييره واستنتاجاته وتصوراته كما يلي: (إنَّ الكون قد بدأ تطوره منذ بليون بليون سنه، أما الأرض فقد نشأت حديثا جداً إذ لم توجد إلا منذ بليونين من السنين، وظهرت الحياة على الأرض من بليون سنه، وظهرت الحيوانات البرمائية منذ 200 مليون سنه، أما الحيوانات الثديية التي يعتبر الإنسان أحد فروعها فقد بدأ ظهورها منذ 120 مليون سنه، والإنسان وهو أحدث الوافدين على الأرض إذ بدأ على صورته الإنسانية منذ 50 مليون سنه).[5 ] في حين أنَّ علماء الفلك والجيولوجيا والأحافير يقولون بأنَّ الزمن الذي انقضى منذ انفصال الأرض من السَّديم الأصلي حتى ظهور الإنسان يتراوح بين مليون سنة وبين خمسة عشر مليون سنة !!![6 ]
أمّا دي نواي فتقول تقديراته: (لا بُدّ أنّ الأرض لم توجد إلا منذ بليونين من السنين، وأنّ الحياة – في أي صورة من الصُّور – لم توجد إلا قبل بليون سنة عندما بردت الأرض).[7 ]
لقد فسّر التطوريون وجود هذا الكون بنظامه الفريد وقوانينه الدقيقة بواسطة "قانون الصدفة" الذي هو في رأي "سير جيمس جينز" ليس بكلام فارغ بل هو كما يعتقد ويجزم تماماً وبلى أدنى شك على "قوانين الصدفة الرياضية البحتةPurely mathematical Law of chance"[ 8]. لــذا فإنّ أحد العلماء الأمريكيين يعلق قائلاً: (إنّ نظرية الصدفة ليست افتراضاً إنما هي نظرية رياضية عُليا، وهي تطلق على الأمور التي لا تتوفر في بحثها معلومات قطعية، وهي تتضمن قوانين صارمة للتمييز بين الباطل والحق، وللتدقيق في مكان وقوع حادث من نوع معين، وللوصول إلى نتيجة هي معرفة مدى مكان وقوع ذلك الحادث عن طريق الصدفة).[9 ]
أما "أ. كريسي موريسون A.Cresy Morrison" الرئيس السابق لأكاديمية العلوم بنيويورك فيعلق على قانون الصدفة قائلاً: (إنَّ حجم الكرة الأرضية، وبعدها
عن الشمـس، ودرجة حرارة الشمس وأشعتها الباعثة للحياة، وسمك قشرة الأرض وكمية المـاء، ومقدار ثاني أكسيد الكربون وحجم النيتروجين، وظهـور الإنسـان وبقاءه على قيد الحياة، كل أولاء تدل على خروج النظام من الفوضى، وعلى التصميم والقصد، كما تدل أيضاً على أنه طبقاً للقوانين الحسابية الصارمة ما كان يمكن حدوث كل ذلك مصادفة في وقت واحد على كوكب واحد، مرة في بليون مرة – إن كان يمكن أن يحدث هكذا – ولكن لم يحدث هذا بالتأكيد. وحين تكون الحقائق هكذا قاطعة، وحين نعترف كما ينبغي لنا بخواص عقولنا التي ليست مادية، فهل في الإمكان أن نعقل البرهان ونؤمن بمصادفة واحدة في بليون ونزعم أننا وكل ما عدانا نتائج المصادفة؟
لقد رأينا أنَّ هناك 999 999 999 فرصة ضد واحد أي ضد الاعتقاد بأنّ جميع الأمور تحدث مصادفة، والعلم لا ينكر الحقائق كما بيناها، وعلماء الحساب يقرون أن هذه الأرقام صحيحة، والآن تقابلنا مقاومة عنيدة من العقل البشري الذي يكره النزول عن أفكار مستقلة، لقد كان اليونان القدماء يعرفون أنّ الأرض كروية، ولكن مضى ألفا سنة ليؤمن الناس بصدق هذه الحقيقة.[ 10] إنّ الأفكار الجديدة تلقى معارضة وسخرية وذماً ولكن الحقيقة تبقى وتثبت.
وهنا أكرر القول بأنّ قصدي من هذه المعالجة للمصادفة هو أن أبين بطريقة علمية واضحة تلك الحدود الضيقة التي يمكن الحياة بينها أن توجَدَ على الأرض، وان اثبت بالبرهان القطعي الواقعي أنّ جميع مقومات الحياة الحقيقية ما كان يمكن أن توجد على كوكب واحد في وقت واحد بمحض المصادفة ).[ 11]
أما البروفيسور "أيودين كونكلين" فيعلق على قانون الصدفة قائلاً: (إنَّ القول بأنَّ الحياة وجدت نتيجة حادث اتفاقي شبيه في مغزاه بأن تتوقع إعداد معجم ضخم نتيجة انفجار صدفي في مطبعة).[ 12]
أما عالم الأعضاء الأمريكي "مارلين ب. كريدر" فيقول "(إنّ الإمكان الرياضي في توفر العلل اللازمة للخلق - عن طريق الصدفة - في نسبها الصحيحة هو ما يقرب من لا شيء).[13 ]، ويقول "جون كليفلاند كوثران"[ 14] في مقال له بعنوان "النتيجة الحتمية":
(إننا لنرى أنّ التطورات الهامة التي تمت في جميع العلوم الطبيعية خلال المائة سنة الماضية بما في ذلك الكيمياء قد حدثت بسبب استخدام الطريقة العلمية في المادة والطاقة. وعند استخدام هذه الطريقة تبذل كل الجهود للتخلص من كل احتمال من الاحتمالات الممكنة التي تجعل النتيجة التي نصل إليها راجعة إلى محض المصادفة. وقد أثبتت جميع الدراسات العلمية بصورة ثبتت في الماضي ولا تزال ثابتة في الحاضر أنّ سلوك أي جزء من أجزاء المادة مهما صغر أو تضائل حجمه لا يملك أن يكون سلوكاً عشوائياً، بل أنه على النقيض من ذلك يخضع لقوانين طبيعية محددة. وفي كثير من الأحيان يتم اكتشاف القانون قبل اكتشاف أسبابه أو فهم طريقة عمله بفترة طويلة من الزمن، ولكن بمجرد معرفة القانون وتحديد الظروف التي يعمل في ظلها يثق الكيمويون فيه كل الثقة، ويظل القانون عاملاً ومؤدياً إلى نفس النتائج.
وليس من المعقول أن يكون لدى الكيماويين كل هذه الثقة في القوانين الطبيعية لو أنَّ سلوك المادة والطاقة كان من النوع العشوائي الذي تتحكم فيه المصادفة، وعندما يتم أخيراً إدراك الأسباب التي تجعل هذا القانون الطبيعي عاملاً وتفسر لنا حقيقته، فإنّ أي أثر لفكرة العشوائية أو المصادفة في سلوك المادة أو الطاقة سوف يندثر اندثاراً تاماً.
ومنذ مائة سنة تقريباً رتَّبَ العالم الروسي "مانداليف" العناصر الكيماوية تبعاً لتزايد أوزانها الذرية ترتيباً دورياً، وقد وجد أن العناصر التي تقع في قسم واحد تؤلف فصيلة واحدة ويكون لها خواص متشابهة، فهل يمكن إرجاع ذلك إلى مجرد المصادفة؟
وهل يمكن أن نفسر على أساس المصادفة ما توصل إليه العلماء السابقون من تفاعل ذرات عنصر (أ) مع ذرات عنصر (ب) وعدم تفاعلها مع عنصر (ج)؟ كلا. إنهم قد فسروا ذلك على أساس أنّ هناك نوعاً من الميل أو الجاذبية بين جميع ذرات عنصر (أ) وجميع ذرات عنصر (ب)، ولكن هذا الميل أو الجاذبية منعدم بين ذرات عنصر (أ) وبين ذرات عنصر (ج) ....... فهل يتصور عاقل أو يفكر أنَّ المادة المجردة من العقل والحكمة قد أوجدت نفسها بنفسها بمحض المصادفة؟. لا شك أنَّ الجواب سيكون سلبياً. بل إنّ المادة عندما تتحول إلى طاقة أو تتحول الطاقة إلى مادة فإنَّ ذلك يتم طبقاً لقوانين معينة، والمادة الناتجة تخضع لنفس القوانين التي تخضع لهل المادة المعروفة التي وُجدت قبلها.
وتدلنا الكيمياء على أنَّ بعض المواد في سبيل الزوال أو الفناء، ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة والآخر بسرعة ضئيلة، وعلى ذلك فالمادة ليست أبدية[ 15]، ومعنى ذلك أيضاً أنها ليست أزلية[ 16] إذ أنَّ لها بداية، وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على أنَّ بداية المادة لم تكن بطيئة أو تدريجية بل
وُجدَت بصورة فجائية، وتستطيع العلوم أن تحدد الوقت الذي نشأت فيه هذه المواد، وعلى ذلك فإنَّ هذا العالَم المادي لا بُدّ أن يكون مخلوقاً، وهو منذ أن خُلق يخضع لقوانين وسنن كونية محددة ليس لعنصر المصادفة بينها مكان.
فإذا كان هذا العالَمُ المادي عاجزاً عن أن يخلق نفسه أو يحدد القوانين التي يخضع لها فلا بدَّ أن يكون الخلق قد تمَّ بقدرة كائن غير مادي. وتدل الشواهد جميعاً على أنَّ الخالق لا بُدَّ له أن يكون متصفاً بالعقل والحكمة. إلا أنَّ العقل لا يستطيع أن يعمل في العالم المادي دون أن يكون هناك إرادة. ولا بدَّ لمن يتصف بالإرادة أن يكون موجوداً وجوداً ذاتياً. وعلى ذلك فإنَّ النتيجة المنطقية الحتمية التي يفرضها علينا العقل ليست مقصورة على أنَّ لهذا الكون خالقاً فحسب، بل لا بُدَّ أن يكون هذا الخالق حكيماً عليماً قادراً على كل شيء حتى يستطيع أن يخلق هذا الكون وينظمه ويدبره، ولا بد أن يكون هذا الخالق دائم الوجود تتجلى آياته في كل مكان. وعلى ذلك فإنه لا مفر من التسليم بوجود الله خالق هذا الكون ومدبره وموجهه. إنَّ التّقدم الذي أحرزته العلوم منذ أيام "لورد كلفن" يجعلنا نؤكد بصورة لم يسبق لها مثيل ما قاله من قبل من أننا إذا فكرنا تفكيراً عميقاً فإنَّ العلوم سوف تضطرنا إلى الإيمان بالله ).[ 17]
أما "جورج هربرت بلونت" [ 18] فيقول في مقال له بعنوان "منطق الإيمان" :
(... فالأدلة الكونية تقوم على أساس أنَّ الكون متغير، وعلى ذلك لا يمكن أن يكون أبدياً، ولا بد من البحث عن حقيقة أبدية عليا، أما الأدلة التي يبنى على أدراك الحكمة فتقوم على أساس أنَّ هنالك غرضاً معيناً أو غاية وراء هذا الكون ولا بد
لذلك من حكيم أو مدبر، وتكمن الأدلة الإنسانية وراء طبيعة الإنسان الخلقية، فالشعور الإنساني في نفوس البشر إنما هو اتجاه مشروع أعظم.
ولما كان اشتغالي بالعلوم ينحصر في التحليل الفيزيائي، فإنَّ الأدلة التي يتجه إليها تفكيري تعتبر من النوع الذي يبحث عن حكمة الخالق فيما خلق. ولاكتشاف القوانين التي تخضع لها الظواهر المختلفة لا بُدَ من التسليم أولاً بأنَّ الكون أساسه النظام، ثم يتجه الباحث نحو كشف هذا النظام.... ولا يمكن أن يتصور العقل أنَّ هذا النظام قد نشأ من تلقاء نفسه من العدم أو من الفوضى، وعلى ذلك فإنَّ المفكر لا بد وأن يصل ويسلم بوجود إله منظم لهذا الكون[19 ]، وعندئذ تصير فكرة الألوهية إحدى بديهيات الحياة، بل الحقيقة العظمى التي تظهر في هذا الكون والمطابقة بين الفرض والنتيجة تعد برهاناً على صحة هذا الفرض. والمنطق الذي نستخدمه هنا هو أنه إذا كان هنالك إله فلا بد أن يكون هنالك نظام، وعلى ذلك فما دام هنالك نظام فلا بد من وجود إله.... فإذا قارنا بين الشواهد التي يستدل بها المؤمنون على وجود الله، وتلك التي يستدل بها الملحدون في إنكار ذاته العلية، يتضح لنا أنَّ وجهة نظر الملحد تحتاج إلى تسليم أكثر مما تحتاج إليه وجهة نظر المؤمن، وبعبارة أخرى نجد المؤمن يقيم إيمانه على البصيرة، أما الملحد فيقيم إلحاده على العمى، وأنا مقتنع أن الإيمان يقوم على العقل، وأنَّ العقل يدعوا إلى الإيمان)[20 ]
أما "وحيد الدين خان" فيقول: ( ولو افترضنا أنَّ المادة وُجدَت بنفسها في الكون، وافترضنا أيضاً أنَّ تَجَمعها وتفاعلها كان من تلقاء نفسها – ولست أجد أساساً لأقيم عليه هذه الافتراضات – ففي تلك الحال أيضاً لن نظفر بتفسير الكون، فإنَّ صُدفَة أخرى تحول دون طريقنا، فلسوء الحظ أنَّ الرياضيات التي تعطينا نكتة
الصُدْفَة الثمينة هي نفسها التي تنفي أي مكان رياضي في وجود الكون الحالي بفعل قانون الصدفة).[21 ]
أما العالِم الطبيعي "إسحاق نيوتن" فيقول: (لا تشكوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن تكون المصادفات وحدها هي قاعدة الوجود)[ 22].[/align]
منقول عن : موسوعة الخلق والنشوء - حاتم ناصر الشرباتي
Bookmarks