صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 16 إلى 30 من 31

الموضوع: الخلق والصدفة العشوائية

  1. #16
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    المشاركات
    1,955
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    فليلتزم الزملاء باصل الموضوع ولا داعى للتشتيت .
    الحق فضيلة واجبة الاتباع والباطل رذيلة موجبة الاقتلاع .

  2. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفرصة الأخيرة
    وبارك الله فيكم أيها الفاضل الكريم.. ولا زلنا في انتظار دخولكم هنا بشكل أكثر لنستفيد منكم إن شاء الله عز وجل.
    مع تمنياتي لك بدوام السعادة
    سيتم ذلك قريباً إن شاء الله
    وأود أعلامكم أن كتابي ( موسوعة الخلق والنشوء ) مثبته في مكتبة العقاب، ويسرني أن تقوموا بنقلها من هناك لمكتبتكم، واهداء الأخ حازم نسخة منها :

    http://www.alokab.com/almaktaba/

  3. افتراضي

    [quote=حاتم ناصر الشرباتي
    10- في حين أنّ كروية الأرض هي نظرية افتراضية وليست من الحقائق، فقد ثبت أنها بيضوية الشكل " دحي " كما وصفها القرآن الكريم ( والأرض بعد ذلك دحاها) - النازعات).[/quote]

    اخي حاتم .. اريد ان اناقشك في هذه الفكرة اذا رغبت طبعا ( مع تذكيرك بأنه تم تعيدلها بعد أن اكتشف ملحد !!!هذا اللحن في الآية التي استشهدت بها، ومر اللحن على جماهير الموحدين دون أن يفطنوا اليه !! ولعلهم لم يقرؤوا موضوعك اصلا ! )

  4. افتراضي

    [QUOTE]كمال
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حاتم ناصر الشرباتي
    10- في حين أنّ كروية الأرض هي نظرية افتراضية وليست من الحقائق، فقد ثبت أنها بيضوية الشكل " دحي " كما وصفها القرآن الكريم ( والأرض بعد ذلك دحاها) - النازعات).[/quote

    اخي حاتم .. اريد ان اناقشك في هذه الفكرة اذا رغبت طبعا ( مع تذكيرك بأنه تم تعيدلها بعد أن اكتشف ملحد !!!هذا اللحن في الآية التي استشهدت بها، ومر اللحن على جماهير الموحدين دون أن يفطنوا اليه !! ولعلهم لم يقرؤوا موضوعك اصلا ! )
    أرجوا التوضيح أخي الفاضل

  5. افتراضي

    الصـدفة المزعـومـة.. أيـن هي؟

    د. عدنان فقيه



    كثيرًا ما وردت كلمة (صدفة Chance) في الفلسفة الغربية عند الحديث عن أصل نشأة الكون وعن مدى الحاجة لوجود خالق له من الناحية العقلية وذلك بناءً على معطيات العلم الحديث والحقيقة أن هذه الكلمة اُستخدمت استخدامًا غير بريء بالكلية إذ إنها وُظِّفت لتقديم بديلٍ عن التفسير (الخلقي) لوجود الكون، ذلك أن هؤلاء المنكرين لوجود الخالق عز وجل يريدون أن يوهموا الجماهير أنهم إذ يصرفونهم عن الاعتقاد بوجود خالق للكون فإنما يحيلونهم إلى بديل (مألوف) لديهم يعرفونه ويستخدمونه في حياتهم اليومية ألا وهو مفهوم (الصدفة) والذي يضطرهم إلى هذا المسلك هو أنه من غير الممكن للفطرة السوية ولا (للحس العام) أن يقبلا بوجود شيء من لا شيء مهما تقعرت ألفاظ المتفلسفين وتعرجت بهم السبل من أجل الوصول إلى مبتغاهم، ففي نهاية المطاف يعود المرء إلى نفسه بعد قراءة طويلة لحجج هؤلاء وسفسطاتهم ليقول: أتريد أن تقنعني أن هذا الكون الهائل المحكم في بنائه قد أنشأه العدم!!؟؟، لن يقبل بهذا التفسير إلا شواذ الشواذ، ولن يقبلوه إلا وهم يكذبون على أنفسهم، ولذلك فهم لا يجرؤون على أن يصرحوا به بل يختبئون وراء ما يسمونه بجدلية (الصدفة) لتكون بديلاً عن جدلية (الخلق) لكن هؤلاء على كثرة كتاباتهم حول هذا الموضوع لا يُعرِّفون لنا معنى كلمة (صدفة)، تلك الكلمة التي يكثرون استخدامها والتعلق بها.

    ولقد تصفحت عشرات الكتب والمقالات التي تدافع عن نظرية الصدفة هذه وتعمدت أن أبحث فيها عن تعريفٍ لكلمة (صدفة) فلم أعثر على ذلك إلا في أقل القليل منها وكانت تلك التعريفات تظهر على استحياء وبشكل سطحي وغير دقيق، وأزعم أن هذا الأمر مقصود حيث إن الخوض في تعريف كلمة (صدفة) يُعرِّي قضية هؤلاء من الهدف الذي من أجله أُقحمت تلك الكلمة وهو كما أشرت سابقًا إحالة القارئ إلى معنى مألوف لديه يستخدمه في حياته العادية ليكون بديلاً عن الحقيقة الفطرية والأكثر ألفة لديه والتي تستشعر الحاجة إلى وجود خالق لهذا الكون.

    الصدفة في حياتنا اليومية

    وما دام الأمر كذلك فلنبحث إذًا عن ذلك المعنى المألوف لكلمة الصدفة في حياتنا اليومية والذي يحاول الملحدون أن يستدعوه من ذاكرتنا للهروب من الاعتراف الصريح بما تنطوي عليه مقولتهم من خلق العدم للوجود، لنرى إذا كان ذلك المعنى المألوف يسمح باستخدامه وتوظيفه بالطريقة التي يريـدون ولـو تتبعنا اسـتخدام كلمة (صدفة) في حياتنا اليومية لوجدنا أن هذه الكلمة لا تستخدم في حياتنا اليومية إلا للتعبير عن واحد من ثلاثة مفاهيم:

    1 ـ للتعبير عن عدم القصد من وراء الفعل مع إمكانية فعل الفعل بقصد، كأن تلتقي بصديق في محل تجاري من غير موعد فتقول لقيته صدفة أي بغير قصد مني أن ألقاه،

    2 ـ للتعبير عن وجود القصد لإحداث الفعل مع عدم توفر القدرة على فعله، كأن يرمي رجل لا يعرف فنون الرماية هدفًا فيصيبه من أول رمية فيقال: إن إصابته للهدف كان من قبيل الصدفة أي ليست عن استحقاق ومهارة لديه.

    3 ـ للتعبير عن عدم وجود رابط بين حدثين متزامنين أو متلاحقين أي انتفاء ما يسمى برابط السببية بينهما سواء كان هذا الرابط مباشرًا باعتبار أحدهما (سبب) والآخر (نتيجة)، أو غير مباشر باعتبار أن كليهما نتيجة مشتركة لسبب ثالث غير ظاهر، والأمثلة على ذلك كثيرة منها موت إنسان ما وصراخ امرأة تقطن المنزل المجاور له لسبب آخر فنقول: إن تزامن صراخ المرأة مع موت الرجل أو حدوثه بعد الموت مباشرة كان من قبيل الصدفة وليس بسبب حدث الموت.

    وقبل أن نشرع في النظر في علاقة استخدامنا اليومي لكلمة (صدفة) مع استخدامها في الحديث عن نشأة الكون لا بد أن نشير إلى أن هناك استخدامًا يوميٌّا لكلمة (صدفة) يندرج في حقيقته تحت النوع الثاني المشار إليه آنفًا، وإن كان يبدو للوهلة الأولى أنه يمثل صنفًا رابعًا مستقلا عن الاستخدامات التي حصرناها، ولنأخذ المثال التالي لتوضيح هذا الأمر:

    بينما كان طفل صغير يعبث بعود خشبي في الرمل الموجود على شاطئ البحر ـ إذ به يعثر على خاتم مدفون في الرمل، فيسارع به إلى أمه التي يتبين لها بعد فحصه أنه ذات الخاتم الذي فقدته في رحلة سابقة لأسرتها إلى شاطئ البحر، وإذ بها تتذكر كيف أمضت وقتًا طويلاً في محاولات العثور عليه من غير جدوى، لو أننا تأمّلنا في هذا المشهد فإننا سوف نتصور إمكانية أن نستخدم كلمة صدفة قائلين: إن الطفل وجد الخاتم عن طريق (الصدفة)، وهذه الحالة من استخدام كلمة صدفة لا تندرج ـ في الظاهر ـ مع أي من الحالات السابقة؛ فالطفل لم يكن يقصد العثور على الخاتم، بل ربما لم يكن يعلم بفقده في المقام الأول، كما أنه لم يكن يملك القدرة ـ لو علم بفقده ـ على العثور عليه، إذ إنه لم يكن يعرف مكانه، فهل يمكن أن نعد هذه حالة رابعة لاستخدام كلمة (صدفة) في حياتنا اليومية بحيث يعبر هذا الاستخدام عن عدم وجود القصد لفعل الحدث وعدم وجود القدرة على فعله؟ قبل أن نسارع لنقول بصحة هذا التصور يجب أن نتنبه إلى أننا لم نكن لنستخدم كلمة (صدفة) لو أن هذا الطفل وجد غطاءً لزجاجة أحد المشروبات الغازية مدفونًا في رمل الشاطئ بدلاً من الخاتم المفقود! مما يعني أن هناك خصوصية للعثور على الخاتم لا يوجد نظير لها في حالة غطاء المشروب الغازي؛ جعلت استخدام كلمة الصدفة سائغًا هنا وغير سائغ هناك، فما هي هذه الخصوصية؟ لا شك أن هذه الخصوصية تكمن في كون الخاتم مهمٌّا بالنسبة لأم الطفل على خلاف الغطاء، وهذه الأهمية يمكن ترجمتها في وجود (قصد) من ناحية الأم إلى الحصول على هذا الخاتم أو العثور عليه، الأمر الذي يعيدنا إلى النوع الثاني من استخدامات كلمة صدفة في حياتنا اليومية، والذي بينّا أنه يدل على وجود القصد لإحداث الفعل مع عدم وجود القدرة على إحداثه، والفرق هنا أن (القصد) لم يكن في ذهن الفاعل (الطفل) إنما كان في ذهن شخص آخر (الأم) ولذلك فإن الخاتم لو كان من النوع الرخيص ووجده رجل لا يعرف قيمته لدى أصحابه لم يكن ليستخدم كلمة صدفة لوصف حدث عثوره عليه إذ سيكون لا فرق كبيرًا عنده بين العثور على الخاتم وبين العثور على غطاء زجاجة المشروب الغازي، وكذلك الشأن لو أن رجلاً وجد قطعة ذهبية في شاطئ البحر لساغ له أن يقول: إنه وجدها عن طريق الصدفة ويكون هذا الاستخدام أيضًا من قبيل النوع الثاني من استخدامات كلمة صدفة مع ملاحظة أن (القصد) هنا لا يعود إلى رغبة العثور على تلك القطعة الذهبية بالتحديد في ذلك المكان والزمان ولكن يعود إلى كون الحصول على أي شيء من الذهب أمرًا (مقصودًا) ـ في العادة ـ بغض النظر عن الزمان والمكان، وبعبارة أخرى فكأننا نقول: إن (الحصول على الذهب) رغبة موجودة لدى كل إنسان وهي بذلك تعبر عن (قصد) كامن يتجلى في صورة الانفعال الذي يحدث له عند تحقق هذه الرغبة.

    الصدفة بين الاستعمال اليومي ومسألة نشأة الكون

    يمكننــا أن نرى بوضوح ـ مـن خلال الاســتخدامات اليومية لكلمة (صدفة)ـ أنه لا علاقة لمفهوم الصدفة الذي نستخدمه مع ما يحاول هؤلاء الملحدون أن يوهمونا به، ففي الحالتين الأوليين كان استخدام كلمة (صدفة) يقتصر على التعبير عن عدم القصد أو عدم القدرة لكنه لا يتحدث أبدًا عن عدم وجود فاعل أصلاً ولا يمت إلى هذه الفرضية بأية صلة! فكونك التقيت بصديقك في المحل التجاري صدفة لا يعني أن هذا اللقاء تم بدون أن يكون هناك فاعل له، والفاعل هنا ـ كما هو واضح ـ هو أنت وصديقك فكلاكما قام بعمل من أجل إحداث هذا اللقاء كالمشي من المنزل إلى المحل التجاري مثلاً، وغاية الأمر أنكما لم تقصدا إحداث اللقاء، وكذلك الشأن في الاستخدام الثاني لكلمة الصدفة، فكون الرمية التي رماها المبتدئ في الرماية أصابت الهدف (صدفةً) لا يعني أن ذلك حدث دون الحاجة إلى فاعل وهو الرامي في هذه الحالة، فإطلاق كلمة صدفة على هاتين الحالتين لا يعني مطلقًا عدم الحاجة إلى وجود فاعل للأحداث، وإنما يعني أحد أمرين: إما عدم القصد لإحداث الفعل وإما إحداث الفعل مع وجود القصد ولكن دون وجود القدرة على إحداثه، وفي كلتا الحالتين فإن الفاعل موجود وهو ما يريد المشككون نفيه، فأي حجة لهم في استخدام كلمة صدفة سوى تضليل الناس وإيهامهم بوجود بديل معقول لمسألة الخلق؟ وعلى ذلك فإن استخدامهم لكلمة (صدفة) بأحد هذين المعنيين في إطار مسألة نشأة الكون هو في الحقيقة مكافئ لأن يقولوا: إن للكون خالقًا ولكنه خلقه من غير قصد منه، وكان بالرغم من ذلك بهذا الإتقان والعظمة، أو أن يقولوا: إنه قُصد خلقه بهذا الإتقان والعظمة لكن خالقه لم يكن يملك القدرة على ذلك، وإنما حدث له ذلك عن طريق الصدفة، فهل يقول بهذا الكلام عاقل؟ تعالى الله عن ذلك علوٌّا كبيرا وبالرغم من ظهور فساد هاتين المقولتين، إلا أن الأمر الأهم هو كون المنكرين إنما يريدون أصلاً من وراء فكرة الصدفة نفي الحاجة إلى وجود الخالق، الأمر الذي لا يتيحه لهم استخدام كلمة (الصدفة) بأحد هذين المعنيين، أما الاستخدام الثالث لكلمة صدفة فيقتضي أن يكون هناك حدثان كما ذكرنا متزامنين أو متلاحقين والبحث حينئذٍ يكون في علاقة أحدهما بالآخر هل هي صــدفية أم سببية وهم ـ أي المتعلقون بنظرية الصدفة ـ إنما يتحدثون عن حدث واحد وهو نشأة هذا الكون، فما هو الحدث الآخر الذي يستخدمون الصدفة للتعبير عن العلاقة بينه وبين نشأة الكون؟ ليس هناك جواب إلا أن يقال: إنه وجود الحق ـ سبحانه وتعالى ـ مع اعتراضنا على تسمية ذلك حدثًا ـ وحينئذٍ لا حاجة للمناقشة معهم إذ أثبتوا وجود الخالق وهو الأمر الذي يريدون نفي الحاجة إليه، أو أن يقولوا بوجود حدث آخر قبله وهي فرضية لا دليل عليها وتستلزم التسلسل أو الدور(1) وكلاهما باطل وخلاصة القول: إن استخدام كلمة (صدفة) في حياتنا اليومية لا يطلق على إيجاد شيء من لا شيء، وبذلك لا يصح استخدامها كبديل لمقولة الخلق والتي تطلق على هذا المعنى ولو أن إنسانًا أبصر وهو يسير في الطريق بيتًا يظهر فجأة في الخلاء وأراد أن يصف هذا الحدث المذهل لربما قال: إن ظهور البيت كان من قبيل المعجزة أو الخارقة لكنه قطعًا لن يقول: إن ظهور البيت كان من قبيل الصدفة، فمن أين تسلل هذا الاستخدام لكلمة صدفة ليحل محل كلمة الخلق؟!

    قراءة أخرى لنظرية الصدفة؟

    وقد يقول قائل: إنهم إنما يريدون بمقولتهم إن الكون نشأ صدفة ـ كونه تطور من حالة أولية تسودها الفوضى إلى حالة منظمة كما نراها اليوم من دون الحاجة إلى منظم لهذا التطور ومهيمن عليه، ولا يريدون بذلك خروجه من العدم إلى الوجود، وجوابنا عن ذلك من عدة وجوه أولها أنهم قلّما يشيرون إلى هذا التفريق متعمِّدين دمج المسألتين بدليل اعتبار (نظرية الصدفة) بديلاً عن (نظرية الخلق) لديهم و(الخلق) لا ينصرف أصلاً إلى التنظيم من الفوضى فذلك (ترتيب) أو (صنع)، وإنما المعنى الأقرب تعلقًا في هذا السياق لكلمة (خلق) هو أن يُقصد بها إخراج الوجود من العدم وثانيها أنهم إن أرادوا صدفية التنظيم لا الخلق نقول لهم: إن هذا صرف للمسألة عن أصلها؛ فإن إخراج الوجود من العدم أعظم من إخراج وجود منظم من وجود غير منظم، فلماذا تركتكم أصل المسألة وأعظم جانبيها وتعلقتم بالآخر؟، وقد أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه الحقيقة حيث قال الحق سبحانه وتعالى: }لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ{، ذلك أن الإنسان خُلق من وجود سابق له وهو الحمأ المسنون كما في حالة آدم ـ عليه السلام ـ وخُلق من غيره من البشر كما هو في سائر الناس، أما السموات والأرض فقد خلقهما الله ـ تعالى ـ من العدم ومن أجل ذلك كان خلقهما أكبر من خلق الناس والله ـ تعالى ـ أعلم وثالث هذه الوجوه هو أنهم لكي يثبتوا أن الكون إنما (تطور) بمحض الصدفة، أخذوا يبحثون عن قوانين وسنن تساند قولهم وهو اتجاه في البحث يمضي على العكس من الأمر المراد إثباته، فما دامت العملية كلها عشوائية تعتمد على الصدف فلماذا نفترض هيمنة القوانين إذًا، أليس الأَوْلَى أن نقول: إن قضية الصدفة لا يمكن إثباتها لأنها عشوائية؟! وإذا وافقنا هؤلاء ـ جدلاًـ وقلنا: إن الصدفة تولد نسقًا ونظامًا فلا يمكننا أن نوافقهم على استخدام هذا النسق والنظام لإثبات الصدفة، وذلك لأن هذا النسق وذلك النظام إنما نَشَآ عن طريق الصدفة ـ على حد زعمهم ـ وليس اعتمادًا على بناء منطقي أو رابط سببي يمكن تتبعه للرجوع إلى أصل القضية والحكم عليها نعم قد نقبل ممن يعتقد أن الكون كله يسير وفقًا لنظم وقوانين أن يبحث عن النظم والقوانين، أما من يبني فلسفته في فهم سر وجود الكون على أساس الصدفة والعشوائية ثم يستدل بالأنظمة والقوانين فلا يمكن تفسير تصرفه إلا على أنه مسلك انتقائي نفعي لا يقوده إلا الهوى ولا يمت إلى السعي للوصول إلى الحقيقة بصلة.

    التنظيم الذاتي، ومحاولة أخرى فاشلة!

    ومن الحجج التي يستخدمونها للتدليل على أن الصدفة يمكنها أن تنتج نسقًا منظمًا مقولة التنظيم الذاتي (Self-organization) ومقولة التعقيد (Complexity) التي تنسب إلى نظرية الفوضى، والتي استخدمت فيها عمليات المحاكاة الحاسوبية لمحاولة إثبات أن هناك نظمًا يمكن أن تطور نفسها بنفسها ابتداءً من قواعد في غاية البساطة وبدون تدخل خارجي(2)، ولو سلمنا جدلاً بمشروعية هذه المحاولات الحاسوبية يبقى السؤال الملحّ عن تلك القواعد البسيطة، مَن الذي وضعها؟ ثم مَن الذي جعل احترامها (واجبًا) داخل تلك النظم؟ لكننا في الحقيقة لا نسلِّم بمشروعية هذه المحاولات الحاسوبية إذ إنها تبني برهانها لإثبات ما تريد على (مُسلَّمةٍ) لو صدّقنا بها لما احتجنا إلى ذلك البرهان أصلاً ذلك أن هذه (المسلَّمة) تتضمن النتيجة التي يريد البرهان إثباتها! فهي تفترض أن خلوّ هذه الأنظمة من الإرادة الإنسانية يقتضي خلوّها من الإرادة مطلقًا، ونحن لا نسلم بخلوها من الإرادة الإنسانية، فضلاً عن أن نسلم بخلوها من الإرادة مطلقًا، فالمؤمن يعتقد أن له مشيئة خاصة به، وأن المشيئة الإلهية حاضرة دائمًا ومهيمنة على مشيئته ومشيئة كل مخلوق كما قال تعالى: }وَمَا تَشَآءُونَ إِلآ أَن يَشَآءَ اللَّه رَبُّ العَالمَين {، وهو يعتقد أن هذا مما يستلزمه تصوره لوجود إله لهذا الكون، كما سوف نفصل في ذلك لاحقًا، فهذه التجارب الحاسوبية تعتمد على ما يسمى بالأرقام العشوائية، وبعبارة أدق الأرقام العشوائية الكاذبة (pseudorandom numbers)، والتي تنتج عن معادلات يصممها الإنسان لتولد هذه الأرقام، فهو (يحاول) أن يخلي هذا الأرقام من أن تكون (مقصودة) وذلك قصارى ما يمكن عمله لتُعتبر هذه الأرقام عشوائية، وهذا بحد ذاته (قصد) ـ كما هو ظاهر ـ والذي يمثل هذا (القصد) هنا هو المعادلة المولدة للأرقام العشوائية، فلا انفكاك إذًا من القصد في توليد هذه الأرقام، الأمر الذي ينفي عنها العشوائية أو بعبارة أخرى يجعلها (كاذبة العشوائية) غير أنه قد شاع مؤخرًا استخدام بعض الأرقام (العشوائية) المولدة من أنظمة طبيعية مثل الجسيمات الكمومية، لكننا لا نقر بعشوائية هذه أيضًا، إذ من أين لنا أنها عشوائية؟، إن ذلك ليس سوى افتراض محض يقوم على تصور أن عدم قدرتنا على التنبؤ بسلوك هذه الجسيمات يعني عشوائيتها، كما أن مفهوم العشوائية نفسه يفترض غياب القصد كما أسلفنا، الأمر الذي يعني ـ في التصور الإسلامي ـ خلو الكون من الإله، فلو صدقنا بهذه الفرضية لما احتجنا إلى نتائج هذه التجارب الحاسوبية أصلاً، أمَا ونحن لا نُسلِّم بها فلا قيمة إذًا لهذه النتائج المبنية عليها عندنا.

    المعنى الاصطلاحي للصدفة

    وبالطبع فيمكن لقائل أن يقول: إن القوم لا يقصدون المعنى اليومي المستخدم لكلمة (صدفة) وإنما يقصدون المعنى الاصطلاحي لها، وجوابنا عن ذلك أنه للأسف لا يوجد معنى اصطلاحي متفق عليه لكلمة (صدفة)، حتى نتمكن من مناقشتهم على أساسه، وقد سرد صاحب (موسوعة الفلسفة والفلاسفة) عددًا من التعريفات التي تنسب لكبار الفلاسفة، نَمُرُّ عليها سريعًا مبيّنين أنه لا يكمن استخدام أي واحد منها في مسألة نشأة الكون(3)، فـ(سيمون لابلاس) و(برتنارد رسل) يعرفان الحدث الصدفي على أنه (الحدث مجهول العلة) فإذا كان هذا المعنى الاصطلاحي هو المقصود فيكون استخدام كلمة صدفة هنا بمثابة قولهم: إن علة الكون (أو علة إنشائه من العدم) مجهولة وهذه العبارة ـ كما هو ظاهر ـ إنما تصف حال قائلها ولا تصف حقيقة موضوعية تتعلق بوجود الكون، إذ غاية ما تصف غياب العلم بالعلة وليس غياب العلة ذاتها، أما ما ذهب إليه (أنطوان كورنو) متابعًا (أرسطو) و(مل) من أن الصدفة هي تزامن سلسلتين علِّيّتين مستقلتين، فقد أجبنا عنه عند الحديث عن الحالة الثالثة التي نستخدم فيها كلمة صدفة في حياتنا اليومية، يبقى رأي (بيقور) و(بيرس) و(وليام جيمس) والذي يرى بأن هناك حوادث لا تعليل لها وتسمى لذلك حوادث صدفية محضة، الأمر الذي جاءت الفيزياء الكمومية لتشجعه في نظر البعض بما ينطوي عليه مبدأ عدم التحديد(4) من وضع سقف لإمكانية المعرفة بشكل عام في العالم دون الذري، وفيما يخص هذا الاستخدام لكلمة (صدفة)، فإن الزعم بأن هناك حوادث لا تعليل لها لا يستند على برهان ولا يمكننا التحقق من صحته مطلقًا، وقصارى ما يمكن أن نقوله: إنه لا (يُعرف) لهذا الحدث أو ذاك علة، لكن نفي وجود العلة مطلقًا قضية معرضة للنقض في أي وقت بإمكانية معرفة علة ما وراء الحدث مهما كانت تلك العلة غريبة أو غير مدركة، كما أن العلل عندهم تقتصر على ما يمكن للتجربة أن ترصده، وذلك افتراض نعترض عليه إذ يتضمن أنه لا وجود لغير ما تدركه الحواس، وهو أصل المسألة التي نتحدث عنها، فلو وافقنا على هذا الافتراض لما كانت بيننا وبينهم قضية أصلاً، إضافة إلى ذلك فإن الحديث عن العالم دون الذري لا يخلو من أمرين يجعلان إمكانية إثبات عدم وجود علة وراء الحدث أمرًا مستحيلاً، أولهما كون المفاهيم المستخدمة في هذا العالم الدقيق لا تعكس بالضرورة وجودًا حقيقيٌّا موضوعيٌّا، ومن ثم فإن أية محاولة لإثبات عدم العِلِّية ـ إن نجحت في ذلك ـ فإنها مرتبطة بالمفاهيم المستعملة في فهم هذه الظواهر دون الذرية، والتي هي ـ كما أسلفنا ـ مجرد مفاهيم أداتية لا مطابقة ضرورية بينها وبين الواقع الذي تحاول أن تصفه، وثانيهما هو حقيقة أن التعامل مع العالم دون الذري يتأثر ـ كما هو معلوم ـ بالمراقب نظرًا لحساسية هذا العالم لأدوات القياس، وهذا يعني انتفاء الموضوعية (التامة على الأقل) في النتائج التي يحصل عليها المراقب وبالتالي فأقصى ما يمكن قوله هو عدم إمكان معرفة العلة (بالنسبة) للمراقب لا عدم إمكان معرفتها مطلقًا، فضلاً عن القول بعدم وجودها، وقد أشار إلى مثل ذلك العالم الإنجليزي الشهير (ستيفن هوكنج) حيث قال في معرض حديثه عن الحدود التي يضربها مبدأ عدم التحديد على المعرفة المتزامنة لمكان الجسيم وطاقته ـ قال: إن ذلك لا يمنعنا أن نتصور أن هذه المعرفة ممكنة بالنسبة لمراقب فوق طبيعي خارق يمكنه أن يلاحظ الحالة الراهنة للكون دون أن يؤثر عليه(5)، ومع عدم اتفاقنا مع هذا (الشرط) للمعرفة والذي يمليه على صاحبه التصور العلمي (القاصر) لطبيعة العلاقة بين الخالق والمخلوق، إلا أن الشاهد هنا هو أنه حتى في هذا التصور العلمي المحدود، فإن المبادئ والقوانين الفيزيائية ليس لها تلك المصداقية المطلقة التي يحاول أن يروج لها البعض.

    يتبع بحول الله >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>

  6. افتراضي

    تابع لما قبله >>>>>>>>>>>>>>>>
    مبدأ عدم التحديد هل يفسر إيجاد شيء من لاشيء؟

    بقي أن نعرّج على ما يقال أحيانا من أن الفيزياء الكمومية، وبالذات مبدأ عدم التحديد يسمح بظهور جسيمات من العدم لفترات زمنية قياسية في الصغر ثم اختفائها ثانية، الأمر الذي طبّل له القائلون بنظرية الصدفة واعتبروا اكتشافه (إنجازًا) يحسب لصالح نظريتهم! وقد حاول بعض العلماء الأفاضل التشكيك في صدقية هذا الأمر باعتبار أن هذه الجسيمات لا تخرج من العدم وإنما تظهر ضمن الإطار الزماني ـ المكاني (الزمكان) المحيط بها والزمكان ليس عدمًا(6)، ومع وجاهة هذا الاعتراض إلا أننا نرى أن هذه الجسيمات إن كانت تظهر من العدم بالفعل فلن تكون إلا دليلاً جديدًا على صحة عقيدة الخلق ومثالاً مُعَايَنًا على عظمة الخالق يزيد من حاجة المنكرين إلى التبرير والتفسير، فلم يعد الأمر مقتصرًا على حدث واحد (هو خروج هذا الكون من العدم إلى الوجود) وقع منذ بلايين السنين يمكن أن نغض الطرف عنه لنتحدث بدلاً عن ذلك عن تفاصيل تطور المجرّات وخلق الإنسان ومدى إمكانية أن يحدث ذلك صدفة، بل أصبح الأمر يتطلب تفسيرًا مُلحٌّا لظهور هذه البلايين من الجسيمات التي تنشأ في كل لحظة، مَن الذي أخرجها من العدم إلى الوجود ثم من الوجود إلى العدم مرة أخرى؟! ولا تلتفت إلى التفسير الواهي الذي يردده هؤلاء من أن (مبدأ عدم التحديد يسمح بذلك)، فالمبادئ والقوانين الفيزيائية تصف فقط ما يحدث ولكن لا تفسره ولا تبرره وهو أمر معروف ومقرر عند فلاسفة العلم في العصر الحديث كافة، بل وعند العقلاء الذين يفهمون أن القانون الفيزيائي إنما هو عبارة عن وصف للعلاقة بين الأشياء ولا شيء أكثر من ذلك، ولكي ندرك مدى تهافت هذا التعليل لنتصور أن رجلاً عاد إلى منزله بعد فراغه من العمل واتجه مباشرة إلى المطبخ ليشرب كوبًا من الماء، فإذا به يفاجأ بعدم وجود الثلاجة في مكانها المعتاد، فاتجه خارجًا ليجدها قد وضعت في ركن بهو المنزل، فلما سأل زوجته من الذي أخرج الثلاجة من المطبخ إلى البهو أجابته ببرود وثقة (إن باب المطبخ يسمح بخروج الثلاجة منه)! فهل يملك مثل هذا الرجل إلا أن يعتقد أن زوجته تتغابى أو تسخر منه إذ تجيبه بهذا الجواب، أو أنها قد أصيبت بلوثة في عقلها، هذا مع استبعاده أن تكون قد تعاطت شيئًا أثّر على عقلها أثناء فترة غيابه خارج المنزل! ومهما بدا هذا المشهد مضحكًا، إلا أن موقف هؤلاء المحتجين بالقوانين والمبادئ الفيزيائية على النحو الذي أوردناه هو أعجب وأغرب، فالباب الذي يصل المطبخ بالبهو موجود وقائم ومدرك بالحواس، بينما مبدأ عدم التحديد هو مفهوم أو فكرة تصورها الفيزيائيون لتحل لهم إشكالات تجريبية في العالم دون الذري، فقولهم: إن مبدأ عدم التحديد يسمح بظهور هذه الجسيمات من العدم لا يعدو أن يكون بمثـابة طمـأـنةٍ لهم بعــدم تعــارض هذه الظــاهرة مع المبدأ الذي اقترحوه لحل الظواهر التجريبية الأخرى التي وضعوا على أساسها هذا المبدأ، ولو تعارضت لوجب إعادة النظر في وجود هذا المبدأ أصلاً إذ إن مصداقيته ناشــئة من توافقــه مع الظــواهر التجريبية، وهذا بخلاف باب المطبخ في مثال الرجل الظامئ فهو موجود وجودًا مستقلا عن الثلاجة لا يعتمد تصديقنا بوجوده على كونه يسمح بمرور الثلاجة منه أو لا، فهل بعد تلبيسهم هذا من تلبيس؟!

    عملية الخلق بين التوراة والقرآن

    والذي يظهر أن القوم قد أوتوا من فهمهم الخاطئ لعملية (الخلق) في معناها الديني عندهم إذ إنهم يصطحبون دائمًا الرؤية التوراتية (المحرفة) التي تقول: إن الله خلق الكون في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع، تاركًا الكون تحكمه القوانين التي فيه دون تدخل منه، فالذي يدير الكون وينظمه هو هذه القوانين والمخلوقات التي تسكنه فهي ـ في نظرهم ـ يؤثر بعضها على بعض تأثيرًا مستقلا تبعًا لاعتقادهم بوجودها المستقل، وهذه الرؤية تشوبها ظلال من الشرك إذ إنها تنسب إلى المخلوقات قدرة مستقلة فيكون الإيمان بوجود خالق للكون على هذا النحو إيمانًا مشوبًا بالشرك ينطبق عليه قول الله تعالى: }وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلا وَهُم مُّشْرِكُونَ{، وذلك على خلاف الرؤية الإسلامية للكون التي تكون لله فيها القيومية المتصلة على هذا الوجود فليس الوجود مستقلا بذاته وقوانينه بل هو محتاج في كل لحظة إلى الحق ـ سبحانه ـ ليمنعه من الزوال والفناء اللذين تستوجبهما حقيقة كون هذا الوجود مخلوقًا لا خالقًا ومربوبًا لا ربٌّا وبهذا المدد الإلهي المستمر والمتصل يقوم الكون ويبقى، وفي ذلك يقول الحق ـ سبحانه وتعالى: }إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مّن بَعْدِهِ{، ويقول أيضًا: }وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ{، وفي الآية الأخرى: }وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَآءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ{، وفي ظل هذه الرؤية للكون يكون ظهور تلك الجسيمات الكمومية من العدم ليس بأعجب ولا أغرب من استمرار وجود الأرض التي نسير عليها والسماء التي نستظل بها، إذ إنهما آيلان للزوال في كل لحظة من لحظات وجودهما، وبقاؤهما مرهون بإذن الله وإمساكه لهما، وبذلك فهما ليسا أقل افتقارًا لقدرته ـ سبحانه ـ من افتقارهما لها حينما كانا عدمًا فأخرجهما إلى الوجود، أو من افتقار تلك الجسيمات الكمومية لقدرته ـ سبحانه ـ لكي يخرجها من العدم إلى الوجود، ويمكننا من خلال هذه الرؤية أن نعيد النظر في كثير من المفاهيم الفيزيائية والقوانين الطبيعية بما في ذلك المشكلات التي تطرحها الفيزياء الكمومية، لنرى أن كثيرًا من الغموض والحيرة التي تكتنفها يمكن تجاوزه إذا ما استندنا على التصور الإسلامي للوجود، الأمر الذي لا نستطيع تفصيله في هذه المقالة التي لم يقصد منها أصلاً الخوض في هذا المجال.

    وخلاصة القول:

    إن إقحام كلمة صدفة في مسالة نشأة الكون ليس له مسوغ إلا إيهام الجماهير أن هناك بديلاً مألوفًا لمسألة الخلق، ذلك أن الكثير من هؤلاء الجماهير لا يدرسون هذه النظريات الملفّقة بتمحيص وتدقيق ليتأكدوا من صدقها، بل يكفيهم من الماء السراب - كما قال الشاعر-ونظرًا للانتشار الواسع لهذا التوظيف لكلمة (صدفة) لا ينبغي أن نستغرب من تُعرِّف المصادفة اصطلاحًا على أنها: (خلو النظام الكوني من الإله)!(7).

    إن هؤلاء الذين يتلاعبون بالألفاظ ليضللوا بها الجماهير لا ينبغي أن يستدرجونا إلى الخوض معهم في قضايا وهمية أو هامشية، ولا ينبغي لنا أن نسمح لهم بالتنصُّل من أصول المسائل إلى فروعها لتتحول النقاشات إلى جدل عقيم لا يسمن ولا يغني من جوع، ولنا في سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ أسوة حسنة وهو الذي قال الله تعالى عنهوَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِه)، لنا فيه أسوة حسنة في جداله مع الملك الكافرإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّىَ الَّذِى يُحْيِى وَيُمِيتُ قَالَ أَنَاْ أُحْيِى وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ{، فلم يلتفت سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ إلى محاولة استدراج الملك له بالخوض في تفاصيل الحياة والممات وفي ماهية الموت والحياة التي قصدها ـ عليه السلام ـ عندما تحدث عنهما، ولكنه وضعه مباشرة أمام القضية الأساسية مرة أخرى بطريقة لا يمكنه معها المراوغة والتخلص }فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

    فلا ينبغي لنا إذًا حينما نحاول الرد على القائلين بنظرية الصدفة في مسألة نشأة الكون أن نُستدرَج من قِبَلِهم لنجادلهم بحساب الاحتمال المتعلق بنشوء المجرّات والأرض والإنسان عن طريق الصدفة وإثبات أن هذا الاحتمال هو مقدار لا متناهٍ في الصغر، بل هو الصفر من الناحية العملية، ذلك أننا إذ نفعل ذلك نقر لهم باستخدام هذا المفهوم (المألوف) لدينا ـ وهو الصدفة ـ في مكان غير مكانه ليكون بديلاً عن المفهوم المألوف (الوحيد) الذي يمكن أن تسكن النفس إليه في قضية نشأة الكون ألا وهو وجود خالق له، كما أننا إذا سايرناهم في مسالة الصدفة هذه سوف نضطر إلى الدخول في مسألة تعريف معنى (الاحتمال) وهي مسألة شائكة في حد ذاتها، ثم في شرح كيفية حساب هذا (الاحتمال)، الأمر الذي لا يفهمه كثير من الناس والذي يغنينا عنه توضيحنا أن محصلة قول هؤلاء أنهم يزعمون أن العدم قد أنشأ الوجود، لنَقُل للناس محصلة قولهم هذه ثم لنترك الأمر بعد ذلك عند هذا الحد لنرى كم منهم يقبل بهذا التفسير.

    وقد ضرب لنا القرآن الكريم مثلاً رائعًا في هذا الباب عندما عرض قضية خلق الإنسان عرضًا محكمًا موجزًا لا يدع مجالاً للشك ولا للمراوغة فقال تعالى: (أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ)

    فإما أن يكون العدم قد أنشأهم أو هم أنشأوا أنفسهم وكلا الزعمين أمر يَمجُّه العقل السويّ، فيبقى لهم أن يقولوا إنهم نشأوا من الأرض من دون خالق (كما يزعم الدارونيون)، فيتجه السؤال حينئذٍ عن الذي خلق الأرض والسماوات، من هو؟ أيزعمون ذلك لأنفسهم؟ (بَل لا يُوقِنُونَ).

    الهوامش والمراجع:

    (1) التسلسل: هو القول بوجود سلسلة لا نهائية من الأحداث يعتمد كل حدث فيها على سابقه، وهو أمر ـ كما يدرك العقلاء ـ لا يبرر وجود هذه الأحداث ما لم ينته إلى علة أولى واجبة الوجود لا تعتمد في وجودها على غيرها، أما الدور: فهو توقف وجود الشيء على غيره وتوقف وجود هذا الغير على الشيء نفسه، كأن يقال: إن الذي يبرر وجود الحدث (أ) هو الحدث (ب) فإذا سألنا عن الذي يبرر وجود الحدث (ب) يقال لنا: إنه الحدث (أ).

    (2) ينظر في ذلك المحاولات المختلفة التي وردت في كتاب: Resnick, M،, ''Turtles, Termites, and Traffic Jams",2000, MIT Press،

    (3) عبد المنعم حنفي، (موسوعة الفلسفة والفلاسفة)، 1999م، مكتبة مدبولي، القاهرة.

    (4) يقضي مبدأ عدم التحديد بأن هناك سقفًا أعلى للدقة في قياس طاقة الجسيم ومكانه في نفس الوقت فكلما زادت دقة قياسنا لطاقته قلّت دقة قياسنا لمكانه والعكس صحيح.

    (5) ستيفن هوكنغ، (موجز في تاريخ الزمان)، ترجمة عبدالله حيدر، 1990م، أكاديميا، بيروت.

    (6) انظر كتاب (الفيزياء ووجود الخالق) للدكتور جعفر شيخ إدريس الصادر عام 1997م عن معهد العلوم الإسلامية والعربية في أمريكا، حيث استشهد الباحث باعتراض الدكتور محجوب عبيد طه على مسألة ظهور الجسيمات تحت النووية من العدم (صفحة 91).

    (7) سارة بنت عبد المحسن بن جلوي آل سعود، (قضية العناية والمصادفة في الفكر الغربي المعاصر: دراسة نقدية في ضوء الإسلام)، مكتبة العبيكان الرياض.

    بحث منقول عن:الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة

    http://www.nooran.org/O/11/11(2).htm

  7. افتراضي

    - نفيُ الصدفة:

    يقول العالم الرياضيّ والفلكيّ الإنجليزيّ المعروف (فريد هويل):

    "إنّ ظهور خليّة حيّة للوجود عن طريق الصدفة، يشبه ظهور طائرة بوينج ـ 747 عن طريق الصدفة، نتيجة هبوب عاصفة على محلات لأدوات الخردة"!!!!!!!!!!!!!



    الصدفةُ هي أيُّ أمرٍ عشوائيٍّ يحدثُ بدونِ قاعدة، أو خروجًا عن قاعدةٍ معروفة، بحيثُ لا يمكنُ التنبّؤُ به قبلَ حدوثِه، ولا يتكرّرُ حدوثُه إلا نادرًا.

    وأصدقاؤنا إيّاهم يقولونَ إنّ الكونَ نتجَ بالصدفة.. هنا لا بدَّ أن نتساءل:

    - لماذا صارتِ الطاقةُ لا تفنى ولا تستحدثُ من العدم، رغمَ أنّها نشأت من العدمِ عن طريقِ الصدفة؟

    - لماذا تشرقُ الشمسُ كلَّ يومٍ صدفة؟

    - لماذا تساوي عجلةُ الجاذبيّةِ الأرضيّة 9.8، وسرعةُ الضوء 300 ألف كيلومترا في الثانية، وعددُ ضرباتِ القلبِ 70 ضربةً في الدقيقة، صدفة؟

    - لماذا يحتوي جسدُ الإنسانِ على ملياراتِ الخلايا، كلّ خليّةٍ لها نواة، كلُّ نواةٍ بها صبغيّات، كلُّ صبغيّ عليه شريطٌ من الحمضِ النوويّ، يحتوي على 6.2 مليار قاعدةٍ نيتروجينيّة، تحتاجُ إلى 100 ألف صفحةٍ ضخمةٍ لتدوين تتابعاتِها الموجودة على شريط DNA واحد، في خليّة واحدةٍ من خلايا جسم الإنسان، التي يتجاوزُ مجموعُ أطوالِ ما بها من شرائط DNA في جسم إنسانٍ واحد المسافةَ بينَ الأرضِ والشمس.... صدفة؟!!

    - لماذا يولد أغلبنا أسوياء الجسد، رغم أنّ التشوهات لا تحتاج إلا لخلل بسيط في ترتيب قواعد DNA وهو لا يحتاج إلا.... لأتفه صدفة؟؟!

    - لماذا يميلُ الذكرُ للأنثى صدفةً؟

    - لماذا نحبُ ونشعرُ ونحلمُ ونتألّمُ صدفة؟

    - لماذا يوجدُ لدى كلِّ إنسانٍ مخٌّ صدفة؟

    - لماذا لا تظهرُ الأشياءُ وتختفي صدفة؟

    - لماذا لا يطيرُ الإنسانُ صدفة؟

    - لماذا لا ننسى التاريخَ ونبدأَ من جديدٍ صدفة؟

    - لماذا لا يوجدٌ إنسانٌ خالدٌ لا يموت صدفة؟

    - لقد طالَ انتظاري.. ألن أنتقلَ إلى المرّيخ صدفة؟؟!!

    - ها هاي.. من أينَ نبتَ هذان القرنان في رأسك؟.. طبعا صدفة!

    أعتقدُ أنّك قد فهمتَ ما أعنيه.. إنَّ الكونَ يا صديقي مبنيٌّ على "قوانين" دقيقةٍ محكمة، ولا عَلاقَةَ له بهذه الصدفةِ المزعومةِ التي حدثت مرّةً واحدةً ثمّ انتقلتْ إلى رحمةِ الله!!

    ثمّ تعالَ نتساءل: لو كانت هذه الصدفةُ موجودةً قبلَ وجودِ الكون، فمن الذي أوجدَها؟.. لا بدّ أنّ هناك إلها أوجدَ هذه الصدفة!!.. أو ربّما هي صدفةٌ أخرى أوجدت هذه الصدفة، عن طريق صدفةٍ ثالثةٍ أوجدتها صدفةٌ رابعة..... إلى ما لا نهاية!!!!

    أمّا لو كانت هذه الصدفةُ قد جاءت من تلقاءِ نفسِها وبدون أيّ صدفٍ أخرى، فهذا يعنى أنّها صدفةٌ خالقةٌ مبدعة تتحكّم في الكونِ وتضع القوانين، ولا يتحكّم فيها شيء.. أو بمعنى آخر: إله!!!.. ولو لم تدّعِ هذه الصدفةُ الألوهيّة ـ ولن يلومها أحد لو ادّعتْها ـ لكانَ من واجبِنا نحنُ أن نُقدّرَها حقَّ قدرِها ونعبدَها!!

    أليس هذا أدعى ليرفضَه هؤلاءِ الذينَ يدّعونَ التفكيرَ العلميَّ، بدلا من رفضِهم لوجود الله؟!!

    يا لهم من سذّجٍ حمقى!!!!

    إنّ هؤلاء الذين يدّعونَ المنهجَ العلميَّ في التفكير، رفضوا وجود اللهِ سبحانَه، زعما بأنّنا نهرب لهذه الفكرةِ حتّى نريح أنفسَنا من التفكير في كلّ الأسئلة التي بلا إجابة!

    المثير للسخرية ـ بل للشفقة ـ أنّهم لم يحلّوا هذه الأسئلة بدورِهم، بل وتهربوا منها بإجابة مضحكةٍ سخيفةٍ اسمها الصدفة!!!!

    كلُّ هذا حتّى يُقنعوا أنفسَهم أنّهم لن يحاسبوا بعدَ الموت؟؟؟؟!!!!!

    وبمقارنة بسيطة بين فكرة الله والصدفة، سنجد أنَّ اللهَ قد أرسلَ الرسلَ بنفسِ المنهجِ على مرّ العصور ليؤكّدَ وجودَه ويرشدَ الناس إلى عبادته، بينما الصدفة لم تفعل أيَّ شيءٍ يدلُّ على وجودِها، ولا يوجد أدنى دليلٍ على حدوثِها (مثل قطعةٍ مهملةٍ من العدمِ لم تؤثّر عليها الصدفة، مكتوب عليها بخطوط بارزة: حدث قبل الصدفة!!).

    هذا بخلاف أنّ الذين يؤمنون بالله يتّسمونَ بالاتزانِ النفسيِّ وحبّ الحياة والناس والمخلوقات جميعا، يلتزمون بالأخلاقِ التي اتّفقت كلّ الأمّم على أنّها حميدة، ويبتعدون عن الرذائل قدرَ الإمكان، ويضحّونَ بأنفسِهم في سبيلِ أهلهم وأوطانِهم وأديانِهم إذا جدّ الجدّ، لأنّهم يؤمنون بأنّ هناك حياة أخرى.

    أمّا الذين يؤمنون بالصدفة، فهم يشعرون بعبثيّةِ الحياة، ويحتقرون الدنيا بل ويحتقرون أنفسهم، ولا ينتمون لأيّ شيءٍ ولا لأيّ شخص، لأنّه لا يوجد ما يمكن أن يضحّوا في سبيله بالحياة الوحيدة التي يمتلكونَها، وإن كانت مشاعر الملل والكآبة والاكتئاب التي تزحف على نفوسهم باطّراد سببا كافيا لإقدامهم على الانتحار، مع أيّ مشكلةٍ معقّدةٍ تواجههم أو أيّ ألمٍ يلمُّ بهم!

    أعتقد أنّ على متبنّي نظريّة الصدفة أن يبحثوا عن حلّ آخر بديل، فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشكّ أنّها حلٌّ فاشلٌُ شديد الوبال على البشر والمجتمعات!!

    منقول: http://www.khayma.com/Alhkikh/Gharb/thqafa/ethbat/1.htm

  8. افتراضي

    واقع الصدفة


    خصائص حكيمة:

    إن أبعد الأمور عن القياس وأعظمها استحالة هو أن نؤمن بأن الكون وقطعيته الرياضية ، قد جاءا نتيجة (صدفة)!
    فمن الخصائص الحكيمة في هذا الكون كونه صالحا لتصرفات الإنسان عند الضرورة ، ولنأخذ النتروجين على سبيل المثال. . فإن 78%من النتروجين توجد في كل هبة من الرياح ، وكذلك توجد في أجزاء كيماوية أخرى ونسميها حينئذ (النتروجين المر كب) ، وهذه كلها يستغلها النبات لكي يهيئ لنا الجزء النتروجينى في غذائنا ؛ فلولا هذه العملية لهلك الحيوان والإنسان وكل ما يعتمد على النبات في أكله جوعا وفاقة ؛ فإن أي نبات غذائي لا ينمو بدون هذا التحليل الكيماوي.
    إن هناك طريقتين لا ثالثة لهما لتحليل النتروجين في الأرض ، والطريقة الأولى: هي (العملية الجرثومية) وتقوم بأدائها الجراثيم التي تعيش في جذور الشجرة تحت الأرض ، وهذه الجراثيم تأخذ النتروجين من الهواء وتصنع منه (النتروجين المركب)، ويبقى هذا النتروجين تحت الأرض بعد الحصاد مع الجذور. وأما العملية الثانية التي تصنع النتروجين المركب فهي (الرعد). . فكلما احتك الرعد في الفضاء مزج شيئا من الأوكسجين في النتروجين ، ويصل هذا النتروجين المركب إلى الحقول عن طريق الأمطار التي تلي العملية ، والكمية التي تحصلها الحقول من هذا المركب بسهولة كل سنة هي ما يقرب من خمسة أرطال لكل (ايكر)(60) من الأرض وهى تساوى ثلاثمائة رطل من نترات الصوديوم(61).
    ولكن هذه الكمية من النتروجين المركب لا تكفى لأن الحقول التي تزرع لمدة طويلة ينفذ ما فيها منه. ولذلك نرى الزراع يحولون المواسم الزراعية من حقل لآخر بعد وقت معلوم. وأعجب ما حدث في هذا القرن-عندما ضاقت الأرض بما رحبت على سكانها ، وقل النتروجين لكثرة الزراعة ، وخافت الإنسانية من القحط والفاقة- اكتشافنا في هذه المرحلة الخطيرة (طريقا ثالثة) لاستمداد النتروجين من الهواء وكانت الجهود الأولى التي بذلت في هذا الصد ، أنهم جربوا عملية خلق رعد صناعي في الفضاء باستعمال آلات قوتها3.000.000 حصان ؛ غير أنهم لم ينجحوا إلا في صناعة كمية ضئيلة من النتروجين المركب. وتقدم الإنسان بهذه التجارب حتى كشف الطريق الثالثة ؛ وهى استخدام الهواء في صناعة النتروجين المركب في صورة (السماد). . وهكذا استطاع أن يهيئ لغذائه جزءه الضروري ، الذي لولاه لهلك جوعا. وهذا حدث عجيب في تاريخ الأرض ؛ فإن الإنسان كشف للمرة الأولى في تاريخه حلا لأزمة الغذاء وابتعدت أشباح الكارثة عن سكان الأرض ، حين كان من المستحيل أن يتجنبوها! !

    * * *
    إن هناك أمورا كثيرة تؤكد وجود الحكمة والروح في الكون وكل ما لدينا من علم يؤكد لنا أن ما قد كشف أقل بكثير مما لم نستطع حتى الآن الكشف عنه! وبرغم ذلك فإن ما كشفه الإنسان كثير جدا ، حتى إننا لو أردنا فهرسة عناوين هذه العلوم فسنحتاج إلى سفر ضخم جدا ، بالنسبة إلى هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ ، وسوف يبقى بعد ذلك أيضا الكثير منها دون فهرسة. .
    إن كل ما يمكن للسان الإنساني أن يلفظ عن آلاء الله وآياته سوف يكون غاية في النقص فمهما فصلناها وأسهبنا في تفسيرها ، فسنخرج آخر الأمر مقتنعين بأننا لم نحط بها ، وإنما تناولنا منها (بعض الشيء).
    والحق أنه لو قدر أن تنكشف للإنسان جميع العلوم الكونية ثم يجلس سكان المعمورة ، وقد هيئت لكل فرد منهم جميع الوسائل في أكمل صورها ، فإن هؤلاء جميعا لن يستطيعوا تدوينها أبدا. .أليس هذا هو مصداق قوله تعالى:
    (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ، والبحر يمده من سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله): وقوله تعالى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)(62) ! !
    إن كل من أتيحت له الفرصة كي يطالع صفحة من هذا الكون ، سيتعرف مصدقا أنه لا مبالغة في هذه الكلمات الإلهية وإنما هي تعبير بسيط عن الحقائق الموجودة فعلا.

    * * *
    صدفة أم عمليات حكيمة؟

    إن معارضي الدين يسلمون بكل ما طرحناه في الصفحات الماضية من الأنظمة العجيبة والحكمة غير العادية والروح التي تسرى في الكون ، ولكنهم يفسرونها بطريقة أخرى ؛ إنهم عاجزون عن أن يجدوا رمزا أو إشارة لمنظم ومدبر. . فإذا بهم يرون أن كل هذا جاء نتيجة (صدفة محضة).
    واستمع إلى قول (هكسلى):
    (لو جلست ستة من القردة على آلات كاتبة ، وظلت تضرب على حروفها لملايين السنين فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة من قصائد شكسبير! فكذلك كان الكون الموجود الآن نتيجة لعمليات عمياء ، ظلت تدور في (المادة) لبلايين السنين(63)).
    إن أي كلام من هذا القبيل (لغو مثير) بكل ما تحويه هذه الكلمة من معان ؛ فإن جميع علومنا تجهل-إلى يوم الناس هذا-أية صدفة أنتجت واقعا عظيما ذا روح عجيبة ، في روعة الكون فنحن نعرف بعض الصدف وما ينشأ عنها من آثار فعندما تهب الرياح تصل (حبوب اللقاح) من وردة حمراء إلى وردة بيضاء ، فتأتى بوردة صفراء. . هذه صدفة لا تفسر قضيتنا إلا تفسيرا جزئيا استثنائيا. فإن وجود الوردة في الأرض بهذا التسلسل ، ثم ارتباطها المدهش مع نظام الكون لا يمكن تفسيره بهبة رياح صدفة. إنها تأتى بوردة صفراء ولكنها لا تأتى بالوردة نفسه! إن الحقيقة الجزئية الاستثنائية التي توجد في مصطلح (قانون الصدفة) باطلة كل البطلان ، إذا ما أردنا تفسير الكون بها.
    يقول البروفيسور ايدوين كونكلين:
    (إن القول بأن الحياة وجدت نتيجة (حادث اتفاقي) شبيه في مغزاه بأن نتوقع إعداد معجم ضخم نتيجة انفجار صدفي يقع في مطبعة(64)).
    وقد قيل:إن تفسير الكون بوساطة (قانون الصدفة) ليس (بكلام فارغ). بل هو كما يعتقد السير جيمس جينز ينطبق على (قوانين الصدفة الرياضية المحضة)
    Purely Mathematical Laws of Chance (65)
    ويقول أحد العلماء الأمريكيين:
    (إن نظرية الصدفة ليست افتراضا وإنما هي نظرية رياضية عليا ، وهى تطلق على الأمور التي لا تتوفر في بحثها معلومات قطعية ، وهى تتضمن قوانين صارمة للتمييز بين الباطل والحق ، وللتدقيق في إمكان وقوع حادث من نوع معين وللوصول إلى نتيجة هي معرفة مدى إمكان وقوع ذلك الحادث عن طريق الصدفة (66)).

    * * *
    ولو افترضنا أن المادة وجدت بنفسها في الكون وافترضنا أيضا أن تجمعها وتفاعلها كان من تلقاء نفسها (ولست أجد أساسا لأقيم عليه هذه الافتراضات) ففي تلك الحال أيضا لن نظفر بتفسير الكون ، فإن (صدفة) أخرى تحول دون طريقنا. . فلسوء حظنا: أن الرياضيات التي تعطينا نكتة (الصدفة) الثمينة هي نفسها التي تنفى أي إمكان رياضي في وجود الكون الحالي بفعل قانون الصدفة.
    لقد استطاع العلم الكشف عن عمر الكون وضخامة حجمه ، والعمر والحجم اللذان كشف عنهما العلم الحديث غير كافيين في أي حال من الأحوال ، لتسويغ إيجاد هذا الكون عن قانون الصدفة الرياضي.
    ويمكننا أن نفهم شيئا عن قانون الصدفة من المثال التالي:
    (لو تناولت عشرة دراهم ، وكتبت عليها الأعداد من1 إلى 10 ، ثم رميتها في جيبك وخلطتها جيدا ثم حاولت أن تخرجها من الواحد إلى العاشر بالترتيب العددي ، بحيث تلقى كل درهم في جيبك بعد تناوله مرة أخرى. . فإمكان أن نتناول الدرهم المكتوب عليه(67) في المحاولة الأولى ه واحد على عشرة ؛ وإمكان أن تتناول الدرهمين (2،1) بالترتيب واحد في المائة وإمكان أن تخرج الدراهم (4،3،2،1) بالترتيب هو واحد في العشرة آلاف. . حتى إن الإمكان في أن تنجح في تناول الدراهم 1إلى 10 بالترتيب واحد في عشرة بلايين من المحاولات! !).
    لقد ضرب هذا المثال العالم الأمريكي الشهير (كريسى موريسن) ، ثم استطرد قائلا:
    (إن الهدف من إثارة مسألة بسيطة كهذه ، ليس إلا أن نوضح كيف تتعقد (الوقائع) بنسبة كبيرة جدا في مقابل (الصدفة) (68).

    * * *
    ولنتأمل الآن في أمر هذا الكون فلو كان كل هذا بالصدفة والاتفاق ، فكم من الزمان استغرق تكوينه بناء على قانون الصدفة الرياضي؟
    إن الأجسام الحية تتركب من (خلايا حية) وهذه (الخلية) مركب صغير جدا ومعقد غاية التعقيد ، وهى تدرس تحت علم خاص يسمى (علم الخلايا)Cytology. ومن الأجزاء التي تحتوى عليها هذه الخلايا: البروتين وهو مركب كيماوي من خمسة عناصر هي الكربون والهيدروجين والنتروجين والأوكسجين والكبريت. . ويشمل الجزيء البروتيني الواحد أربعين ألفا من ذرات هذه العناصر! !
    وفي الكون أكثر من مائة عنصر كيماوي كلها منتشرة في أرجائه ، فأية نسبة في تركيب هذه العناصر يمكن أن تكون في صالح قانون (الصدفة)؟ أيمكن أن تتركب خمسة عناصر-من هذا العدد الكبير-لإيجاد (الجزيء البروتيني) بصدفة واتفاق محض؟ !إننا نستطيع أن نستخرج من قانون الصدفة الرياضي ذلك القدر الهائل من (المادة) الذي سنحتاجه لنحدث فيه الحركة اللازمة على الدوام ؛ كما نستطيع أن نتصور شيئا عن المدة السحيقة التي سوف تستغرقها هذه العملية.
    لقد حاول رياضي سويسري شهير هو الأستاذ (تشارلز يوجين جواي) أن يستخرج هذه المدة عن طريق الرياضة. . فانتهى في أبحاثه إلى أن (الإمكان المحض) في وقوع الحادث الاتفاقي-الذي من شأنه أن يؤدى إلى خلق كون ، إذا ما توفرت المادة-هو واحد على 60/10 (أي 10×10 مائة وستين مرة). وبعبارة أخرى:نضيف مائة وستين صفرا إلى جانب عشرة! ! وهو عدد هائل وصفه في اللغة.
    إن إمكان حدوث الجزيء البروتيني عن (صدفة) يتطلب مادة يزيد مقدارها بليون مرة عن المادة الموجودة الآن في سائر الكون ، حتى يمكن تحريكها وضخها ، وأما المدة التي يمكن ظهور نتيجة ناجحة لهذه العملية فهي أكثر من 243/10 سنة (69)!
    إن جزيء البروتين يتكون من (سلاسل) طويلة من الأحماض الأمينيةAmino-Acids وأخطر ما في هذه العملية هو الطريقة التي تختلط بها هذه السلاسل بعضها مع بعض فإنها لو اجتمعت في صورة غير صحيحة سما قاتلا ، بدل أن تصبح موجدة للحياة.
    لقد توصل البروفيسور ج. ب. ليتزG.B.Leathes إلى أنه لا يمكن تجميع هذه السلاسل فيما يقرب من 48/10 صورة وطريقة. وهو يقول: إنه من المستحيل تماما أن تجتمع هذه السلاسل-بمحض الصدفة-في صورة مخصوصة من هذه الصور التي لا حصر لها ، حتى يوجد الجزيء البروتيني الذي يحتوى أربعين ألفا من أجزاء العناصر الخمسة التي سبق ذكرها.
    ولابد أن يكون واضحا للقارئ أن القول بالإمكان في قانون الصدفة الرياضي لا يعنى أنه لابد من وقوع الحادث الذي ننتظره ، بعد تمام العمليات السابق ذكرها ، في تلك المدة السحيقة ؛ وإنما معناه أن حدوثه في تلك المدة محتمل لا بالضرورة ، فمن الممكن على الجانب الآخر من المسألة ألا يحدث شيء ما بعد تسلسل العملية إلى الأبد!

    * * *
    هذا الجزيء البروتيني ذو وجود (كيماوي) لا يتمتع بالحياة إلا عندما يصبح جزءا من الخلية ، فهنا تبدأ الحياة ، وهذا الواقع يطرح أهم سؤال في بحثنا: من أين تأتى الحرارة عندما يندمج الجزيء بالخلية؟ . . . ولا جواب عن هذا السؤال في أسفار المعارضين الملحدين.
    إن من الواضح الجلي أن التفسير الذي يزعمه هؤلاء المعارضون ، متسترين وراء قانون الصدفة الرياضي لا ينطبق على الخلية نفسها وإنما على جزء صغير منها هو الجزيء البروتيني وهو ذرة لا يمكن مشاهدتها بأقوى منظار بينما نعيش ، وفي جسد كل فرد منا ما يربو على أكثر من مئات البلايين من هذه الخلايا! !
    لقد أعد العالم الفرنسي (الكونت دى نواي) Le Cotme de Nouy بحثا وافيا حول هذا الموضوع وخلاصة البحث:أن مقادير (الوقت ، وكمية المادة ،والفضاء اللانهائي) التي يتطلبها حدوث مثل هذا الإمكان هي أكثر بكثير من المادة والفضاء الموجودين الآن ، وأكثر من الوقت الذي استغرقه نمو الحياة على ظهر الأرض وهو يرى: أن حجم هذه المقادير الذي سنحتاج إليه في عمليتنا لا يمكن تخيله أو تخطيطه في حدود العقل الذي يتمتع به الإنسان المعاصر ، فلأجل وقوع حادث-علي وجه الصدفة-من النوع الذي ندعيه ، سوف نحتاج كونا يسير الضوء في دائرته82/10 سنة ضوئية (أي:82 صفرا إلى جانب عشرة سنين ضوئية! !) وهذا الحجم أكبر بكثير جدا من حجم الضوء الموجود فعلا في كوننا الحالي ؛ فإن ضوء أبعد مجموعة للنجوم في الكون يصل إلينا في بضعة (ملايين) من السنين الضوئية فقط. . وبناءا على هذا ، فإن فكرة أينشتين عن اتساع هذا الكون لا تكفى أبدا لهذه العملية المفترضة.
    أما فيما يتعلق بهذه العملية المفترضة نفسها ، فإننا سوف نحرك المادة المفترضة في الكون المفترض ، بسرعة خمسمائة (تريليون) حركة في الثانية الواحدة ، لمدة243/10 بليون سنة (243 صفرا أمام عشرة بلايين) ، حتى يتسنى لنا حدوث إمكان في إيجاد جزيء بروتيني يمنح الحياة.
    ويقول (دى نواي) في هذا الصدد:
    (لابد ألا ننسى أن الأرض لم توجد إلا منذ بليونين من السنين ن وأن الحياة-في أي صورة من الصور-لم توجد إلا قبل بليون سنة عندما بردت الأرض)(70).
    هذا وقد حاول العلماء معرفة عمر الكون نفسه ، وأثبتت الدراسة في هذا الموضوع أن كوننا موجود منذ5.000.000.000.000 سنة. . وهى مدة قصيرة جدا ولا تكفي على أي حال من الأحوال لخلق إمكان ، يوجد فيه الجزيء البروتيني ، بناء على قانون الصدفة الرياضي.
    وأما ما يتعلق بأرضنا التي ظهرت عليها الحياة ، فقد عرفنا عمرها بصورة قاطعة ، فهذه الأرض كما يعتقد العلماء جزء من الشمس انفصل عنها نتيجة لصدام عنيف وقع بين الشمس وسيار عملاق آخر ، ومنذ ذلك الزمان أخذ هذا الجزء يدور في الفضاء ، شعلة من نار رهيبة ، ولم يكن من الممكن ظهور الحياة على ظهره حينئذ لشدة الحرارة ، وبعد مرور زمن طويل أخذت الأرض تبرد ثم تجمدت وتماسكت ، حتى ظهر إمكان بدء الحياة على سطحها.
    ونستطيع معرفة عمر الكون بشتى الطرق وأحسن طريقة عرفناها لهذه الدراسة ، هي التي توصلنا إليها بعد كشف (العناصر المشعة)Radio-Active Elements فإن الذرات الكهربية تخرج من هذه العناصر بنسبة معلومة بصفة دائمة ؛ وهذا (التحلل) Disintegration يقل الذرات الكهربية في هذه العناصر ، لتصبح تلقائيا عناصر غير مشعة عبر الزمان ، واليورانيوم أحد هذه العناصر المشعة ، وه يتحول إلى معدن (الرصاص) بنسبة معينة نتيجة لتحلل الذرات الكهربية ، وهذه النسبة في الانتشار لا تتغير تحت أي ظروف من أدنى أو أقصى درجات الحرارة أو الضغط ، ولهذا سنكون على صواب لو اعتبرنا أن سرعة تحول اليورانيوم إلى (الرصاص) محددة وثابتة لا تتغير.
    إن قطع اليورانيوم توجد في كثير من الهضبات والجبال منذ أن تجمد في شكله الأخير ، عند تجميد الأرض. . وعلى جانب هذا اليورانيوم نجد قطعا من الرصاص ، ولا نستطيع أن ندعى أن كل هذا الرصاص نتج عن تحلل اليورانيوم. والسبب في هذا أن الرصاص الذي يتكون من تحلل اليورانيوم يكون أقل وزنا من الرصاص العادي ، وبناء على هذه القاعدة الثابتة يمكننا أن نجزم بما إذا كانت أية قطعة من الرصاص من اليورانيوم ، أو أنها قطعة رصاص عادى ونحن هنا نستطيع أن نحتسب المدة التي استغرقتها عملية تحلل اليورانيوم بدقة ، فهو يوجد في الجبل من أول يوم تجمد فيه ونستطيع بذلك معرفة مدة تجمد الجبل نفسه!
    لقد أثبتت التجارب أنه قد مر ألف وأربعمائة سنة على تجمد تلك الجبال التي تعتبر-علميا- أقدم جبال الأرض ، وقد يظن البعض منا أن عمر الأرض يزيد ضعفا أو ضعفين عن عمر هذه الجبال ولكن التجارب العلمية تنفي بشدة هذه الظنون الشاذة ، ويذهب البروفيسور (سوليفان) إلى أن (المعدل المعقول) لعمر الأرض هو ألفا مليون سنة(71)!

    * * *
    ولنتأمل الآن ، بعدما تبين لنا أن المادة العادية غير ذات الروح تحتاج إلى بلايين البلايين من السنين ، حتى يتسنى مجرد إمكان لحدوث (جزيء بروتيني) فيها بالصدفة! فكيف إذن جاءت في هذه المدة القصيرة في شكل مليون من أنواع الحيوانات ، وأكثر من 200.000 ألف نوع من النبات؟ وكيف انتشرت هذه الكمية الهائلة على سطح الأرض في كل مكان؟ ثم كيف جاء من خلال هذه الأنواع الحيانية ذلك المخلوق الأعلى الذي نسميه (الإنسان)؟ ولا أدرى كيف نجرؤ على مثل هذه الاعتقادات في حين أننا نعرف جيدا أن نظرية النشوء والارتقاء تقوم على أساس (تغيرات صدفية محضة)؟ ! وأما هذه التغيرات فقد حسبها الرياضي (باتو)Patau وانتهى إلى أن اكتمال (تغير جديد) في جنس ما قد يستغرق مليونا من الأجيال(72):
    فلنفكر في أمر (الكلب) الذي يزعمون أنه جد (الحصان) الأعلى ، كم من المدة على قول الرياضي باتو سوف يستغرقها الكلب حتى يصبح حصانا؟ !
    وما أصح ما قاله عالم الأعضاء الأمريكي مارلين ب. كريدر:
    (إن الإمكان الرياضي في توفر العلل اللازمة للخلق-عن طريق الصدفة- في نسبها الصحيحة هو ما يقرب من (لا شيء)(73).

    * * *
    لقد أطلت في هذا البحث حتى نتبين مدى سخافة فكرة الخلق بالصدفة وبطلانها ولست-في الحق- أشك في أنه يستحيل وجود الجزيء البروتيني والذرة عن الصدفة كما لا يمكن أن يكون عقلك هذا-الذي يتأمل في أسرار الكون وخفاياه-من ثمار الخلق الصدفي ، مهما بالغنا في افتراضنا عن المدة الطويلة التي استغرقتها عملية المادة في الكون. ونظرية الخلق هذه ليست مستحيلة في ضوء قانون الصدفة الرياضي فحسب وإنما هي لا تتمتع بأي وزن منطقي في نفس الوقت.
    وأي كلام من هذا القبيل سخيف ومليء بالصلافة. . ومثاله كمن يزعم أن سقوط كوب مملوء بالماء أو بالقهوة سوف يرسم خريطة العالم على الأرض! ! لا مانع من أن أسأل هذا الرجل: من أين جاء بهذا الفرش الأرضي والجاذبية والماء والكوب حتى يقع هذا الاتفاق الغريب؟ !

    * * *
    ولقد ولغ عالم البيولوجيا (هيكل)Haeckel في زعمه حين قال:
    (إيتونى بالهواء وبالماء وبالأجزاء الكيماوية وبالوقت وسأخلق الإنسان). ولكن (هيكل) نسى أو تجاهل في هذه القالة: أنه بتقريره احتياجه إلى المادة والأحوال المادية ينفى زعمه من تلقاء نفسه!
    يقول الأستاذ (كريسى موريسن)(74) في هذا الصدد:
    (إن هيكل يتجاهل في دعواه: الجينات الوراثية ومسألة الحياة نفسها فإن أول شيء سيحتاج إليه عند خلق الإنسان ، هو الذرات التي لا سبيل إلى مشاهدتها ، ثم سيخلق (الجينات) ، أو حملة الاستعدادات الوراثية بعد ترتيب هذه الذرات ، حتى يعطيها ثوب الحياة. . ولكن إمكان الخلق في هذه المحولة بعد كل هذا لا يعدو واحدا على عدة بلايين ، ولو افترضنا أن (هيكل) نجح في محاولته فإنه لن يسميها (صدفة) ، بل هو حاكمه ومديره ومدبره ، بل سوف يقررها ويعدها نتيجة لعبقريته) (75).

    * * *
    ولنختم هذا البحث بقول عالم الطبيعة الأمريكي (جورج إيرل ديفيس):
    (لو كان يمكن للكون أن يخلق نفسه فإن معنى ذلك أنه يتمتع بأوصاف الخالق ، وفي هذه الحال سنضطر أن نؤمن الكون هو الإله. . وهكذا ننتهي إلى التسليم بوجود (الإله) ؛ ولكن إلهنا هذا سوف يكون عجيبا: إلها غيبيا وماديا في آن واحد! ! إننى أفضل حاكمه ومديره ومدبره ، بدلا من أن أتبنى مثل هذه الخزعبلات(76)).


    من كتاب : الاسلام يتحدى لوحيد الدين خان
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2056

  9. افتراضي

    هل للطبيعة دور في خلق الكون؟



    هناك بعض البسطاء إذا سألتهم: مَن خلقنا؟ يجيب بسرعة: الطبيعة؟.
    ولنا أن نتساءل:
    أولاً: ما هي الطبيعة؟ هل هي الهواء، والحرارة، والماء؟ إذا كان الجواب إيجابياً، فمن خلق هذه الأشياء نفسها؟.
    ثانياً: إننا نلمس آثار العلم، والحكمة في الكون مع أن الطبيعة لا تعلم، ولا تفهم، ولا تعي.
    ثالثاً: إن النظام الذي نتلمسه في كل أجزاء الكون، لا يمكن أن يكون بفعل الطبيعة، لأن الطبيعة هي خاضعة له، من دون أن تشعر بذلك!.
    فمن أوجد النظام للطبيعة؟ أي: مَن أجبر الطبيعة على الخضوع لهذا النظام المعين الذي بدأ يتكشفه الانسان، مع تقدم العلوم؟
    يقولون .. الصدفة!
    ولكن هل بإمكان الصدفة أن تصنع النظام؟
    معنى ((الصدفة)) هو الشذوذ عن النظام، وكلمة ((هذا صدفة)) تعني: هذا خلاف المقرر.
    فهل من الممكن أن يتولد النظام من اللانظام؟.

    بالإضافة إلى أن الصدفة محال رياضياً، فلو جلس مَن لا يحسن الحروف العربية وراء آلة الكاتبة وأخذ يضرب بها بصورة عميائية، فكم يحتاج من الوقت ليحدث عنده ـ صدفة ـ كتابة البيت التالي:
    ومهما تكن عند امرئ من خليقة وان خالها تخفي على الناس تعلم؟
    ثم لماذا كانت الصدفة في النظام، ولم تكن في اللانظام؟ ولماذا لا تنقلب صدفة النظام إلى صدفة اللانظام، ما دامت الصدفة هي الحاكمة، وهي المؤثرة؟.

    مثلاً إننا نعلم أن الأرض خاضعة لنظام دقيق في بعدها عن الشمس، وفي دورانها حول نفسها وحول الشمس، وفي مقدار جاذبيتها، وهذه الدقة في النظام هي التي تحفظ التوازن للأرض، وتدعها تحمل، وتولد، وتنمي، فلماذا لا تبتعد فجأة عن الشمس أكثر مما عليه الآن؟ أو لماذا لا ترتطم ـ فجأة ـ بالشمس وتذوب فيها؟.
    لماذا توقفت ((الصدفة)) عن العمل وأخذ النظام مكانها؟.
    إن الإنسان قد يدعي الصدفة في خلق جبل، أو انفتاح عين للماء، أو ما شابه ذلك أما بالنسبة إلى الأمور الدقيقة كخلق الإنسان فلا يمكن له ادعاء ذلك لأن دقة الأجهزة يحيلها، بالإضافة إلى أن الصدفة ـ على فرض الاعتراف بها ـ تكون في التركيب، أي في ترتيب الأمور حسب القانون، أما في تبدل العدم إلى الوجود، فإنه غير محتمل إطلاقاً.
    ترتبت عن هذا الطريق، ولكن بعد أن يعترف: أن هذه القطع كانت موجودة قبل ذلك على وجه الأرض، وليس هناك مَن يسمح لنفسه أن يدعي أن القطع الحديدية أيضاً وجدت عن طريق الصدفة.

    ونتساءل الآن: لنفرض أننا آمنّا بأن العشرين مليون عصب الموجودة في المخ تمّ تركيبها، وتوزيع المسؤوليات عليها عن طريق الصدفة، ولكن المشكلة ا لأساسية ليست هنا بل في كيفية وجود هذه الأعصاب، أي في سؤال: مَن أوجد المادة الأولى التي ـ لنفرض أنها ـ تحولت ـ بالتطور ـ إلى الكون المتوازن؟ أي أن المشكلة في الإجابة على سؤال: مَن أوجد الأعصاب؟.
    إن العلم الحديث يثبت: أن التركيب لا يولد الحياة، فنحن قد نركب آلات مختلفة فتصبح ((سيارة)) ولكن هل هذا التركيب يولد فيها الحياة، فتقوم السيارة مثلاً بتوليد السيارات، وتغذيتها، وهكذا؟.
    يقولون: إن الذي نراه ونلمسه لا يتعدى حدود المادة أما ما وراء المادة، فلسنا نراه، وليس هناك أية حاجة إلى الاعتراف به، خاصة وأن المؤمن كالملحد، كلاهما يتوقف عند السؤال التالي:
    ((مَن أوجد الله))؟
    أو: ((مَن أوجد المادة))؟
    فالمؤمن يقول: لا موجد لله!
    والملحد أيضاً يقول: لا موجد للمادة الأولى!

    وحسب تعبير بعضهم، فإن المؤمن يكون قد اعترف بالعجز بعد الملحد بدرجة واحدة!
    إن الذي يجعل المؤمن يعترف بالله ويكفر بالمادة هو ما يراه من آثار العقل، والعمد، والحكمة، وإذا تمكن الماديون من إثبات عقل، وفهم، وحكمة المادة، عند ذاك تنتهي المشكلة لأن النزاع يكون حينذاك في ... الاسم!

    لنأخذ العين كمثال صغير لوجود آثار العمد، والتعقل: فالشبكية التي لا يتجاوز حجمها ورقة رقيقة جداً تتكون من تسع طبقات منف3صلة، والطبقة الأخيرة منها تتكون من ثلاثين مليوناً من الأعواد وثلاثة ملايين من المخروطات، وبما أن الأشعة الضوئية ترتسم عليها بالدرجة الأولى بصورة معكوسة، فإنها زودت بجهاز إبصار وراء الشبكة، ويتألف من ملايين من خريطات الأعصاب وبفعل ذلك يحدث بعض التغييرات الكيميائية، ويحصل أخيراً إدراك الصورة بوضعها الصحيح.
    هل يمكن أن تصنع الطبيعة مثل هذه الدقة اللامتناهية؟
    إن طالب كلية الطب يدرس قرابة تسع سنوات حتى يتخصص في الأذن، أو في العين فقط، فما الذي يدرسه خلال هذه السنوات؟

    إنه يدرس النظام الموجود في هذه الجزئية الصغيرة التي لو قيست إلى الكون لانعدمت النسبة، أي يدرس النظام، وانحلال النظام، وكيفية ارجاع اللانظام إلى النظام في هذا الجزء الصغير من الكون. ترى هل كان خالق هذا الجزء، وخالق هذا الكل، جاهلاً بالنظام الموجود فيه؟ هل يمكن ـ مثلاً ـ أن يكون خالق العين غير عارف بقوانين انعكاس الضوء، والغرفة المظلمة، وارتباط الأعصاب، الخ؟

    إننا عندما نؤمن بالله إنما ننسجم مع عقولنا وضمائرنا التي تؤكد وجوده، أما الماديون فإنهم عندما يكفرون بالله إنما يخالفون عقولهم وضمائرهم. فإذا كان المؤمن يتوقف عند السؤال: مَن خلق الله، فلا يعني ذلك أن عليه أن يكفر بالله، إنما عليه أن يعتقد أنه لا يستطيع أن يفهم ذلك. كما أن الذي لا يعرف من اختراع السيارة لا يجوز له أن يكفر بمخترعه.
    أما الملحد فهو عندما يتوقف عند السؤال: مَن خلق المادة ويكفر بالله إنما يخالف عقله وضميره وكل جزء في الكون.

    منقول عن: منتديات دين ودنيا
    http://www.deenwadounia.com/viewtopi...e7e3c058de7b38

  10. افتراضي

    قانون الصدفة

    نصر القفاص


    في واحدة من الجلسات التي جمعتني برئيس وزراء الجزائر الأسبق -مولود حمروش- قلت له: لماذا كلما تصورت أنني فهمت ما يدور حولي في بلادكم.. أجدني متدحرجاً للمربع رقم واحد!! وكأنني دخلت صحراء الربع الخالي، المعروفة برمالها المتحركة.. وتركني الرجل أبوح مسترسلاً، مكتفياً بابتسامة ذات مغزي.. ثم باغتني سائلاً: والآن هل تفهم شيئاً مما يدور حولك؟! فكانت إجابتي: أشعر أنني لا أفهم شيئاً.. رغم اتصالاتي وقراءتي وحرصي علي المعرفة.. فإذا به يضحك مجلجلاً، ويقول: أنت الآن تفهم كل شيء!!

    ذهبت مع نفسي -من هول الإجابة والمفاجأة- إلي لحظة صمت، يمكن وصفها بالخرس.. وخفف عني أن «مولود حمروش» انتشلني إلي سؤال اعتقدت أنه بعيد عن موضوعنا.. فقال: هل هو غريب في المجتمعات العشوائية أن يتمكن الفرد من الارتقاء للقمة؟! رغم الديكتاتورية والجهل.. وفي المجتمعات المنظمة والديمقراطية، لايمكن للفرد الصعود لأعلي.. دون أن تدفعه جماعات الضغط أو الأحزاب.. ثم أضاف محدثي: طالما أن «قانون الصدفة» هو الذي يحكم.. فلا تستغرب شيئاً.. لا تحاول أن تشغل عقلك بالتفكير، في أي معادلات لا علاقة لها بالمنطق!!

    عندما أدركت العلاقة والسياق الحاكم لمنهج التفكير.. استرحت بنفس عميق، وضحكة حزينة تفوح منها رائحة الغضب!! واكتفيت بسؤاله: إذن معني ما تقول أنه لا داع للحيرة، وأنني لست غبياً أو مقصراً في أداء عملي الذهني والصحفي؟! فأجابني: خفف عن نفسك.. فأنت طبيعي.. أما ما يدور حولك.. فهو غير الطبيعي.. لترن في أذني مقولة «إدوارد خراط»: «لو حاولت أن تفهم ما يحدث حولك، لأصابك الجنون»!

    منذ هذه اللحظة انطلقت ممارساً رياضة عقلية جديدة.. هدفها الاعتقاد في الخطأ، والإيمان بضرورة رفضه.. ثم السعي لتطبيق الصواب دون أدني أمل في التوفيق والنجاح.. المهم أن أسعي وأحاول.. كأنني نملة تسعي إلي تخزين «فتفوتة» سكر في جحرها.. وكلما فشلت تستأنف محاولة النجاح.. وظني أن فكرتي واضحة مفهومة.. بمعني أنها ليست دعوة للاستكانة والضعف.. بل تحريض علي الأمل، واستنفار الإرادة دوماً.. وهذا جعلني أقاوم -هادئاً ومبتسماً- الأوضاع المقلوبة.. ولو ضبطتني محاصراً بالمتشائمين، أتذكر التفاؤل بكل ألوانه.. وعندما أسقط بين الفاسدين، أعيش علي أمل الاستمتاع بحلاوة الشرف.

    رياضتي الجديدة جعلتني أحتمل الأحكام التي تقبلها «المجتمعات العشوائية» لأنها صادرة عن «قانون الصدفة»!! لذلك ابتسم عندما أري «كمال الشاذلي» معارضاً تحت قبة البرلمان.. ولحظة متابعة الملياردير «أحمد عز» قائداً للأغلبية في مجتمع فقير.. ولا أندهش بتنصيب «عمرو خالد» نفسه مفتياً في دولة الأزهر الشريف.. وأقدر علي تحمل زعماء أحزاب المعارضة في شيخوختهم، وهم يؤكدون علي ضرورة منح الفرص للشباب!! وأتفهم حماس الشباب دفاعاً عن الذين يعترضون طريق مستقبلهم.. وأعرف أن نجاح الدكتور «أحمد نظيف» كرئيس للوزراء، مسألة لا علاقة لها بإجماع الشعب عليه أو رفضه له.. ولا أري غرابة في دفاع وزيرة الفقراء «عائشة عبدالهادي» عن الوزير محامي الأثرياء «محمود محيي الدين»!

    إذا كان الدكتور «زكريا عزمي» وهو من يكون؟! صاحب القول المأثور «الفساد بقي للركب»!! فعلينا أن نخلد للراحة والصمت، دون أن نفقد الأمل.. هكذا علمني «الشعب المصري الشقيق» بقدرته علي هضم ما يصعب بلعه.. لأنه الشعب الذي يسمع دروس أساتذة «الخيانة وجهة نظر» وفلسفة «ممارسة العادة الوطنية»!! لأنهم بعد أن اضطروا لقبول نجومية بلطجية السياسة والرياضة والفن والاقتصاد.. فلن يكون صعباً عليهم الاستعداد للصوم عن تعاطي المنطق.. وبالمناسبة كل عام وأنتم بخير.. رمضان علي الأبواب.. فهل من صائمين إيماناً واحتساباً؟!

    منقول:
    المصري اليوم
    نشره مالك يوم الثلاثاء, 05/09/2006 - 17:32.
    ( categories: مقالات )
    http://harakamasria.org/node/7535

  11. افتراضي

    خبط عشواء..أم تقدير حكيم؟

    أ. د. جعفر شيخ إدريس



    في العشرين من ديسمبر من السنة الماضية أصدر قاضٍ أمريكي بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة حكما بأن تدريس النظرية المسماة التصميم الذكي(1) في المدارس الحكومية (وهي نظرية معارضة لنظرية التطور) أمر مخالف للدستور. وكان السبب الذي علل به حكمه هو أن النظرية نظرية دينية لا علمية؛ لأنها تشير إلى الخالق.

    مـاذا تـقول هذه النــظرية؟ وعـلامَ يـدل هـذا الحـكم؟ ثـم مـا العلاقة بين الداروينية والمعتقدات الدينية؟

    هذا ما سنعرض له بإيجاز في هذا المقال.

    أما النـظرية فـإن أكـثر مـن اشتـهر بها من علماء الأحياء في الأيـام الأخـيرة، ودافـع عنها دفـاعاً علمـياً أقـر به خصـومه، هـوMichael Behe الأسـتاذ فـي عـلم الأحياء الكيـماويـة فـي كـتاب لـه صـدر فـي عـام 96 بـعنـوان (صـندوق دارْوِن الأسود: التحدي الأحيائي الكيماوي للتطور)(2).

    قال المؤلف في كتابه هذا إن الأحياء الدقيقة مثل الخلية كانت بالنسبة لدارْوِن أمراً مجهولاً ـ صندوقاً أسود لا تعرف محتوياته، وأن نظريته لا تفسر أشياء مهمة مثل الخلية التي هي أساس الكائنات الحية. وكانت حجته الجوهرية أن تركيب هذه الكائنات يدل على أنها لا يمكن أن تكون قد تطورت، وأنها صممت منذ البداية لتؤدي وظيفتها، وأنه لا بد أن يكون قد صممها مصمم حكيم(3).

    وذكـر فـي كتـابه بأن دارْوِن نفسه كان قد قال إنه إذا أمكن أن يقـام دليـل علـى وجـود كـائن حـي مركب ما كان من الممكن أن يتكون من تغيرات كثيرة طفيفة متتالية، فإن نظريتي ستنهار انهياراً كاملاً(4). ما طبيعة هذا الكائن الأحيائي الذي تنطبق عليه هذه الصفات؟ يقول المؤلف بإيجاز: إنه النظام المكون من أجزاء متفاعلة متوائمة يسهم كل منها في الوظيفة الأساسية للنظام، بحيث إنه لو أزيل واحد منها توقف النظام عن العمل. إذا وجد نظام أحيـائي بهذه المثابة فإنه سيمثل تحدياً عظيماً للداروينية؛ لأن الاختيار الطبيعي إنما يعمل على كائنات فاعلة، ومثل هذا الكائن لا يفعل، لا يؤدي وظيفته إلا إذا اكتمل تركيب أجزائه كلها.

    وأعطى في مقدمة كتابه فكرة مبسطة لمفهوم التركيب المعقد الذي ليست له أجزاء بسيطة. ضرب المؤلف مثلاً لنوع هذا التركيب بشَرَك اصطياد الفئران. هذا الشَّرَك مركب من خمسة أجزاء لا يعد أي منها شركاً في مرحلة بدائية؛ فالقاعدة الخشبية مثلاً لا تؤدي وحدها أي وظيفة من وظائف الشرك، وكذلك الحال بالنـسبة للزنبرك وسائر الأجزاء. إن هذه الأجزاء لا تكون شَرَكاً إلا بتركيبها هذا التركيب المعين الذي قصد منه أن يجعل منها شركاً.

    أما الكائنات التي يمكن أن تتطور والتي اعتمد عليها دارون في نظريته؛ فإن كل مكون من مكوناتها يمثل طوراً من أطوار تطورها، ويؤدي شيئاً من وظيفتها وإن كان بدائياً. ومهمة النظرية الداروينـية هي أن تفسر لنا الطريقة التي ينتقل بها هذا الكائن من طور إلى طور بما أسماه الانتخاب أو الاصطفاء الطبيعي.

    فالكائنات التي يمكن أن تصلح لتفسيرها نظرية دارون هي كائنات من هذا النوع الذي يمكن أن يتطور. أما الذي لا تنطبق عليه هذه الصفة، والذي لا تكون أجزاؤه مرحلة من مراحل نموه كالشَّرَك، فإن النظرية لا يمكن أن تفسره، بل إن تركيبه ليدل على أنه جاء نتيجة تقدير لموجد حكيم.

    لم يكتـف المـؤلف بـهذا بـل أضاف إلى أن مما يثبت قوله بأن نظرية دارون لا تستطيع تفسير مثل هذه الكائنات الجزيئية أن أحداً لم يستطع حتى الآن أن يفسرها بها. فمن بين آلاف البحوث التـي كتبـت فـي موضوع الكيمياء الحيوية، لم تكتب إلا ثلاثة بحوث في هذا الموضوع، ولم ينجح واحد منها في تطبيق الداروينية عليها.

    يبدو من هذا الكلام أن صاحب نظرية التصميم الذكي قد زعم أنه يعتمد في دعواه على حقائق حسية، واستنتاج عقلاني. فعلى الذين يخالفونه أن يبينوا زيف ما قال بحجج مماثلة. وقد حاول بعضهم أن يفعل هذا.

    وقد استمع القاضي إلى شهود من أمثال هؤلاء انتقدوا النظرية على أساس علمي. لكن القاضي لم يعتمد في حكمه على مثل هذه الشهادة، بل اعتمد على أيدلجية مادية إلحادية شاعت في عصرنا حتى صارت جزءاً من مفهوم العلم. فحوى هذه الأيدلجية هو أن الكون الطبيعي كون مكتفٍ بنفسه؛ فالتفـسير العلمـي لمـا يحـدث فيـه يجـب أن يكـون بـأسـباب مـن داخله، وأن كل إشارة إلى سبب فوق الطبيعة، كتعليل الحوادث بقدرة الله ـ تعالى ـ تعليل غير علمي. وقد عبر أحد الشـهود، وهـو أستـاذ مختص بفلسفة العلوم عن هذا الرأي؛ إذ قـرر أنـه بمـا أن القضـية الأسـاس لنـظرية التصـميم هـي أن معالم العالم الطبيعي أحدثها كائن متعال غير مادي وغير طبيعي؛ فإن نظرية التصميم هي قضية دينية بغض النظر عن كونها سميت بهذا أو لم تسمَّ(1).

    أنا لم أستغرب حجة القاضي هذه؛ لأن هذا هو المفهوم الشائع للعلم، وهو مفهوم فلسفي واعتقادي غالط لا علاقة له بالعلوم، كما كان بعضنا قد قال ذلك منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وبنوا عليه الدعوة إلى ما سمي آنذاك بأسلمة العلوم. ولم يكن القصد من الدعوة إلى الأسلمة أن نغير الحقائق العلمية كما ظن بعض من اعترضوا على الفكرة؛ لأن ديننا يقوم على الحق، فلا يحتاج إلى تغيير حقيقة مهما كان نوعها. هو أن توضع الحقائق كلها الطبيعية والاجتماعية والنفسية في إطار إيماني بدلاً من الإطار المادي الإلحادي الذي توضع فيه الآن، والذي يؤدي إلى جعل الدين بالضرورة أمراً مخالفاً للعلم الطبيعي.

    < الدارونية ووجود الخالق:

    لو أن كل الوقائع التي اعتمد عليها دارون في نظريته كانت صحيحة، ولو أن كل العلاقات السببية الطبيعية التي فسر بها تطور الكائنات الحية كانت أيضاً صحيحة، لم يكن في هذا كله ما يدل على عدم وجود الخالق، أو الاستغناء عنه. فالقول بالإلحاد ـ هو كما قلت ـ اعتقاد لا علاقة له بالعلم، ويمكن لذلك أن يضاف إلى كل نظرية علمية. فكلما اكتشف العلماء سبباً طبيعياً لظاهرة من الظواهر الكونية عزوا سببها إلى ذلك السبب الطبيعي، وزعموا أنه يغني عن القول بوجود خالق، هذا اعتقاد قديم وليس من العلم الحديث في شيء. فالذين روى الله لنا قولهم: {نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلاَّ الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] كانوا يعتقدون مثل هذا الاعتقاد، والذين فسروا التاريخ بقولهم: {قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ} [الأعراف: 95] كانوا أيضاً منكرين لوجود الخالق معتقدين أنه ليس وراء حوادث الكون مدبر وأنها تقع خبط عشواء.

    أمـا المؤمنـون فإنـهم لا ينكـرون فاعلية الأسباب الطبيعية، أو المقدرات البشرية. هل رأيت مؤمناً ينكر أن الطعام يغذي، والماء يروي، والدواء يشفي؟ لكنهم مع اعتقادهم بفاعلية الأسباب إلا أنهم مؤمنون بأن لها خالقاً هو الذي جعلها أسباباً، وأنه لا تنافي بين فاعلية الله وفاعلية الأسباب الطبيعية أو فاعلية الإرادة البشرية؛ لأن الله ـ تعالى ـ هو الذي خلق الأسباب وجعلها أسباباً، ولأنه ـ سبحانه ـ من عادته أن يفعل بالأسباب كما كان علماؤنا يقولون.

    نعود إلى نظرية دارون فنقول:

    1 ـ إنها تبدأ بالتسليم بحقائق لا تفسرها، لكنها تعتمد عليها. فهي تبدأ بأن هنالك كائنات حية، وأن هذه الكائنات تتكاثر بالتنـاسل، وأن المـولود يـرث بعـض خصائص الآباء، وأنه لا يوجد كائـنان حيـان متـماثلات تمـاثلاً كامـلاً في صـفاتهـما. وإذا كانت لا تفسر وجود هذه الحقائق فأنى لها أن تنفي أن لها خالقاً؟

    2 ـ تفترض النظرية أن للكائنات الحية كلها أصلاً واحداً تكاثرت عنه.

    3 ـ مهمة النظرية هي أن تفسر هذا التكاثر، أي أن تبحث عن الأسباب الطبيعية التي تجعله ممكناً وبهذه المثابة التي نشاهدها.

    4 ـ تقرر النظرية حقيقة مشهودة هي أن الموارد الطبيعية التي تعتـمد عليـها الكائنات الحية في وجودها محدودة، ولذلك لا يمكن أن تتكاثر تكاثراً لا يحده شيء، بل لا بد أن ينقرض بعضها ويبقى بعضها.

    5 ـ تقول النـظرية إن «الميـكانزم» الـذي يجعل هذا ممكناً هو ما أسماه دارون بالانتخاب الطبيعي. أي أن الطبيعة تنتخب بعض الكائنات للبقاء، وتحكم على بعضها بالفناء. لكن عبارة الانتخاب الطبيعي ليست عبارة علمية؛ إذ إنها تعني أن هنالك شيئاً اسمه الطبيعة هو الذي ينتخب، والانتخاب فعل إرادي؛ ولذلك قال دارون إن غيره أسمى هذه العملية بالبقاء للأصلح، ولم يعترض عليه.

    6 ـ فحوى الفكرة التي سميت خطأ بالانتخاب الطبيعي هي أن هنالك علاقة بين الكائنات الحية والبيئة التي تعيش فيها. والمقصود بالبيئة كل سبب خارجي يؤثر في حياتها؛ فهي تشمل وجود حيوانات أخرى، كما تشمل المناطق الجغرافية والأحوال المناخية، وغير ذلك. وبما أن الكائنات الحية حتى التي تنتمي إلى مجموعة واحدة كالكلاب مثلاً أو الأرانب، لها صفات مختلفة، فإن ما كانت صفاته مُعِينةً له على العيش في البيئة المعـينة التـي وجـد فيـها، كانـت فرصـته في البـقاء أحـسن مـن فرصة من كانت بعض صفاته غير مناسبة مع بيئته. فالحوانات والنباتات تخـتلف في ألوانـها مثـلاً؛ فقد يكون لونٌ ما كالبياض مثلاً مناسباً مع بيئة معينة وغير مناسب مع بيئة أخرى، أعني من حيث فرص البقاء أو الفناء. ضرب أحدهم مثلاً بأنه إذا كانت هنالك أرانب برية في الاسكيمو وكان بعضها أبيض اللون وبعضها بنياً، وكان هنالك مصطادون للأرانب، فـإنه سـيكون من السـهل عليـهم رؤيـة الأرانـب البنية، وعليه فإن عددها سيقل وربما انقرض إذا استمر الصيد.

    إن إنساناً مؤمناً قد يوافق دارون على كل هذا، ويرى فيه تفسيراً طبيعياً لظاهرة بقاء بعض الحيوانات وانقراض بعضها، بـل ولتطـورهـا، ولا يـرى فـيه ما يتناقض مع إيمانه بالخالق، بل يقول: إنه كما أن الله ـ تعالى ـ جعل النار وسيلة للإحراق، والماء وسيلة للإنبات، فقد جعل هذه أسباباً لتطور الحيوانات.

    7 ـ حتى القول بأن للحيوان كله أصلاً واحداً نما عنه وتكاثر، ليس فيه ـ سواء كان حقاً أو باطلاً ـ ما يتناقض مع وجود الخالق وفاعليته.

    8 ـ إن فكرة التطور التي رأى فيها بعض أهل الأديان غير الإسلامية ما يتناقض مع تصورهم للخلق، لا تتناقض مع التصور الإسلامي له. وذلك لأن الخلق عندنا ليس أمراً يحدث مرة واحدة كما صورته تلك المعتقدات. إن الخلق في التصور الإسـلامي أمـر مسـتـمر، فمـا مـن حـادث يحـدث في الكون إلا بمشيئة الله ـ تعالى ـ وقدرته. فالله ـ تعالى ـ خالق كل شيء. فكل مرحلة من مراحل تطور الجنين في بطن أمه مثلاً هي من خلق الله تعالى.

    9 ـ الذي يتنـاقـض مـع الإسلام في الداروينية هو القول بأن البشر تطوروا عن حيوانات قبلهم. إن الله ـ تعالى ـ قادر على أن يفعل هذا، لكنه أخبرنا بأنه كرم الإنسان فخلقه خلقاً خاصاً، ولم يجعله متطوراً عن حيوان قبله. وقد اعترف بعض من يسمون بالداروينيين الجدد بأن هنالك خطاً فاصلاً بين الإنسـان ومـا سبقه من حيوان، وأن هنالك خصائص إنسانية لا يمكن ردها إلى أصول حيوانية سابقة للإنسان.

    لكن القول بخصوصية الإنسان لا يعني أنه مختلف في كل شيء عن سائر الحيوان، ولا يعني اتفاقه معها في بعض الخصائص أنه تطور عنها. بل إن الذي خلقه هو خالق الحيـوانات قبـله، وهـو الذي جـعل بينها وبينه شبهاً. ألا ترى أن صانع السيارات ـ ولله المثل الأعلى ـ يمكن أن يصنع سيارة تمتاز عما سبقها من سيارات، لكنها تشابهها في بعض صفاتها؟

    دلالة التصميم على وجود الخالق:

    الأدلـة عـلى أن للـكون خـالقاً كثـيرة؛ لكـن مـن أشـهرها مـا يسمى بالدليل الكوني ودليل العناية. أما الدليل الكوني ففحواه أن الشيء الحادث لا يمكن أن يخلق نفسه ولا أن يأتي من العدم، بل لا بد أن يكون له صانع من غير نفسه، وأن هذا الصـانع لا بـد أن يكـون غـير حادث. المنـكرون لوجـود الخالق لا يستطيعون أن يفسروا وجود الكائنات الحادثة إلا بأن يقعوا في أحد الخيارين المستحيلين: إما أن يقولوا إن الشيء خلق نفسه، أو يقولوا إنه جاء من العدم.

    أما دليل العناية الذي اعتمد عليه صاحب كتاب (الصندوق الأسود) فدليل قديم ومعروف، فحواه أن في الكون تصميماً يدل على أنه لا يمكن أن يكون خبط عشواء وإنما هو تقدير خالق حكيم. هذا التصميم أمر يدركه كل متفكر في الكون وليس قاصراً على الأمثلة التي استدل بها صاحب الكتاب. إن هنالك شمساً، وهنالك بحراً، وهنالك سحاباً، وهنالك أرضاً، وهنالك بشـراً، وهنـالك حيـوانات يقـول لك الدلـيل الكونـي إنه لا بـد أن يكون لها خالق أزلي، ويقول لك دليل العناية إن هذه المخلوقات منسقة بحيث تؤدي إلى غايات لا يمكن أن تكون قد جاءت بالمصادفة. فالشمس تسطع على البحر فيرتفع منه بخار يتحول إلى ماء تسوقه رياح ينزل على أرض خصيبة تنبت نباتاً يأكله بشر وتأكله حيوانات يكون بعضها غذاء لبعض. المنكرون لوجود الخالق من أمثال بعض الدارونيين يعترفون بهذا لكنهم يصرون على انه جاء مصادفة ولم يأت عن تدبير. ويغلو بعضهم في هذا إلى درجة سخيفة. من ذلك أن عالم دين نصراني اسمه (بالـي) كـان قد كتـب كتـاباً نقـد فيـه فـكرة المصـادفة وقال: إن وجود هذا التصميم في الكون بالمصادفة كساعة يصنعها صانع أعمى. فكتب رجل من أكبر دعاة الإلحاد الدارويني في أيامنا كتاباً أسماه (صانع الساعات الأعمى) يدافع فيه عن فكرة المصـادفة ويـزعم فيـه أنـه وإن كـان الكـون مصمماً كالساعة فإن تصميمه جاء بالمصادفة فهو كساعة صنعها صانع أعمى!

    كتاب الله ـ تعالى ـ مليء بتوجيه الأنظار إلى هذا التصميم الذي يشهد لصانعه بالحكمة والإرادة بل والرحمة بعباده. في مثل هذا التذكير لا يلفت القرآن الكريم الأنظار إلى عجيب صنعه في المخلوق الواحد، وإنما يدعو إلى النظر في العلاقة بين عدة مخلوقات، وكيف أنها علاقة تؤدي إلى نتائج معينة هي في مصلحة الإنسان. من ذلك قوله ـ تعالى ـ: {إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الَّليْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا


    --------------------------------------------------------------------------------

    (*) رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة.

    (1) ترجمة لعبارة intelligent design وهي ترجمة غير صحيحة؛ لأن كلمة ذكي العربية لا يوصف بها الله تعالى، لكنه يوصف بكلمة intelligent في اللغة الانجليزية؛ لأن الكلمة لا تعني الذكاء فقط ،بل تعني المقدرة على العلم. لذلك أرى أن تترجم بعبارة تصميم خبير أو حكيم.

    (2) Michael J. Behe, Darwin's Black Box: The Biological Challenge to Evolution, The Free Press, 1996

    (3) استعمل هو كلمةintelligent وهي كلمة لها معان منها ذكي، ولكننا لا نصف الله تعالى بهذه الصفة وإنما نصف بها البشر وأما الله تعالى فيوصف بالحكمة. لذلك أرى أن الترجمة العربية المناسبة للعبارة هي التقدير المحكم، أو تقدير حكيم.

    (4) ص 39


    منقول: منتدى التوحيد

  12. افتراضي

    من أسرار القرآن
    الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية
    بقلم الدكتور‏:‏ زغلـول النجـار

    ‏(214‏ـ ب‏)‏ وعــلم آدم الأســماء كلهــا‏..**(‏ البقرة‏:31)*‏

    هــذا النص القرآني الكريم جاء في الربع الأول من سورة البقرة‏,‏ وهي سورة مدنية‏,‏ وآياتها‏286‏ بعد البسملة ولذلك فهي أطول سور القرآن الكريم علي الاطلاق وترتيبها في المصحف الشريف بعد فاتحة الكتاب‏.‏

    وفي المقال السابق ناقشنا سبب تسمية السورة‏,‏ وأفضالها‏,‏ وما جاء بها من ركائز كل من العقيدة والعبادة ومكارم الأخلاق‏,‏ وتشريعات المعاملات والقصص‏,‏ ونناقش هنا الدلالة العلمية للنص الذي اتخذناه عنوانا للمقال وهو قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ‏:‏ وعلم آدم الأسماء كلها‏..*(‏ البقرة‏:31)‏

    وقبل الوصول الي ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذا النص الكريم‏.‏

    من أقوال المفسرين
    في تفسير قوله ـ تعالي ـ
    وعلم آدم الأسماء كلها‏..*(‏ البقرة‏:31)‏

    ‏*‏ ذكر ابن كثير ـ يرحمه الله ـ مامختصره‏:‏ هذا مقام ذكر الله ـ تعالي ـ فيه شرف آدم علي الملائكة‏,‏ بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم‏,‏ وهذا كان بعد سجودهم له‏,‏ وإنما قدم هذا الفصل علي ذاك لمناسبة ما بين هذا المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليقة‏,‏ حين سألوا عن ذلك فأخبرهم ـ تعالي ـ بأنه يعلم ما لايعلمون‏,‏ ولهذا ذكر الله هذا المقام عقيب هذا ليبين لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم‏,‏ فقال ـ تعالي ـ‏‏ وعلم آدم الأسماء كلها‏)..,‏ والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها ذواتها وصفاتها وأفعالها‏...‏

    ‏*‏ وجاء في الظلال ـ رحم الله كاتبه برحمته الواسعة ـ ما مختصره‏:‏ ها نحن أولاء ـ بعين البصيرة في ومضات الاستشراف ـ نشهد ماشهده الملائكة في الملأ الأعلي‏..‏ ها نحن أولاء نشهد طرفا من ذلك السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله هذا الكائن البشري‏,‏ وهو يسلمه مقاليد الخلافة‏.‏ سر القدرة علي الرمز بالأسماء للمسميات‏.‏ سر القدرة علي تسمية الأشخاص والأشياء المحسوسة‏.‏ وهي قدرة ذات قيمة كبري في حياة الإنسان علي الأرض‏.‏ ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبري‏,‏ لو لم يوهب الإنسان القدرة علي الرمز بالأسماء للمسميات‏,‏ والمشقة في التفاهم والتعامل‏..‏ إنها مشقة هائلة لا تتصور معها حياة وإن الحياة ماكانت لتمضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائن القدرة علي الرمز بالأسماء للمسميات‏...‏

    ‏*‏ وجاء في بقية التفاسير كلام مشابه لا أري ضرورة لتكراره‏.‏

    من الدلالات العلمية للنص الكريم
    يؤكد هذا النص القرآني الكريم علي أن الإنسان ـ ممثلا في شخص أبينا آدم عليه السلام ـ خلق مؤمنا عالما عابدا‏,‏ ولم يخلق كافرا جاحدا جاهلا كما يدعي أغلب المشتغلين بدراسات علم الإنسان‏(Anthropology).‏ وهذه حقيقة لم تبدأ المعارف المكتسبة في التوصل إليها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ بعد سقوط كل الفروض الزائفة التي افترضها الإنسان في الحضارة المادية المعاصرة للهروب من الإيمان بالخالق ـ سبحانه وتعالي ـ والتسليم بحقيقة الخلق‏,‏ وذلك من مثل نظريات التطور العضوي‏,‏ والتطور العقلي‏,‏ والتطور اللغوي والبياني‏,‏ وهي كلها من الفرضيات والنظريات التي أدخلت علي الفكر الإنساني في زمان البعد عن الله أو الشرك به أو التشكك في حقيقة وجوده‏.‏ وكما أسقطتها النتائج الكلية في دراسات حديثة من مثل دراسات علم الأجنة‏,‏ وعلوم الوراثة وقراءة الشيفرة الوراثية للإنسان‏,‏ وعلم الكيمياء الحيوية وعلوم الحياة الجزيئية وغيرها فإن دراسات اللغة قد أبطلت كل الدعاوي الزائفة علي أن الإنسان تعلم النطق من أصوات الحيوانات وأصوات بعض الظواهر الطبيعية التي هابها في بادئ الأمر فعبدها وتعرف علي الله من خلال عبادته لها‏,‏ وفيما يلي عرض موجز لكيفية

    هدم المعطيات الكلية للعلوم لهذه الفروض والنظريات في زمن الحضارة المادية المعاصرة‏:‏

    أولا‏:‏ مقدمة لازمة‏:‏
    من المسلمات أن الإنسان لم يشهد خلق نفسه ولاخلق مختلف صور الحياة من حوله‏,‏ ولاخلق الكون الذي يحتويه ويحتويها وفي ذلك يقول ربنا ـ تبارك ـ وتعالي ـ‏:‏

    ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولاخلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا‏*(‏ الكهف‏:51).‏

    وفي نفس الوقت يأمرنا ربنا ـ سبحانه وتعالي ـ بالتفكر في الخلق وذلك في آيات عديدة منها قوله ـ تعالي ـ

    قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله علي كل شئ قدير‏*(‏ العنكبوت‏:20).‏

    وقد جاء ذكر كلمة الخلق بمشتقاتها المختلفة في مائتين وأثنتين وخمسين‏(252)‏ موضعا من كتاب الله تأكيدا علي حقيقة عملية الخلق بكلام الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ‏,‏ ومن أدري بالخليقة من خالقها؟

    والجمع بين هذه الايات القرآنية الكريمة وأشباهها كثير في كتاب الله يشير إلي حقيقة أنه علي الرغم من أن عملية الخلق بأبعادها الثلاثة‏:‏ خلق الكون‏,‏ وخلق الحياة‏,‏ وخلق الإنسان قد تمت في غيبة الإنسان إلا أن الله ـ تعالي ـ من رحمته بعباده أبقي لنا في صخور الأرض وفي صفحة السماء من الشواهد الحسية مايمكن أن يعين الإنسان ـ بحسه المحدود وقدراته المحدودة ـ علي الوصول إلي تصور ماعن عملية الخلق وعلي وضع النظريات المفسرة لها‏.‏ وتتعدد هذه النظريات بتعدد خلفية واضعيها‏,‏ ويبقي للمسلم ـ وللمسلم وحده ـ نور من الله ـ سبحانه وتعالي ـ في آية قرآنية كريمة أو حديث نبوي شريف مرفوع إلي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يعينه علي حسن الاختيار بين النظريات المطروحة فيرقي بإحداها إلي مقام الحقيقة ـ لا لأن العلوم المكتسبة قد وصلت فيها إلي ذلك‏,‏ وهو فوق إمكاناتها ـ ولكن لمجرد وجود إشارة لتلك النظرية في كتاب الله أو في سنة خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين ـ‏.‏

    ثانيا‏:‏ من الأخطاء الرئيسة في نظرية التطور العضوي‏:‏

    علي الرغم من عدم كمال السجل المتوافر لدي علماء الأحياء القديمة عن تلك الحياة‏,‏ والنقص الهائل في البقايا المحفوظة عنها في صخور الأرض أو مايعرف باسم السجل الأحفوري‏,‏ فإن هذا السجل قد أثبت بجلاء أن أرضنا قد عمرت بموجات متتابعة من صور الحياة بدأت قليلة في العدد‏,‏ وبسيطة في البناء والتركيب‏,‏ ثم تزايدت عددا‏,‏ وتعقدت بناء وتركيبا عبر فترة قدرت بنحو الأربعة بلايين من السنين‏(3.8‏ بليون سنة‏)‏ حتي وصلت إلي مستوي الحياة الأرضية الحالي التي توجها الله ـ سبحانه وتعالي ـ بخلق الإنسان‏.‏

    وهذه الملاحظة العلمية الصحيحة استخدمتها الحضارة المادية المعاصرة في محاولة يائسة لنفي عملية الخلق‏,‏ والتنكر للخالق ـ سبحانه وتعالي ـ وبنوا هذا الاستنتاج الخاطئ علي عدد من الفرضيات الضالة المبنية علي أساس من الفكر المادي المهيمن علي عقول الغالبية الساحقة من أهل الأرض في ظل الحضارة المادية المسيطرة‏.‏ ومن هذه الفرضيات الخاطئة مايلي‏:‏

    ‏(1)‏ الادعاء الباطل بعشوائية بدء الحياة علي الأرض‏:‏

    يدعي أصحاب هذه الفرضية أن تدرج عمارة الأرض بأنماط من صور الحياة التي ازدادت في العدد وفي تعقيد البناء مع الزمن عبر فترة زمنية تقدر بحوالي أربعة بلايين من السنين‏(3.8‏ بليون سنة‏)‏ قد يوحي بإمكانية ابتداء الحياة بعملية ذاتية محضة غير خارجة عن العشوائية والصدفة‏,‏ وذلك بتفاعل أشعة الشمس مع طين الأرض مما نتج عنه تكون أعداد من الأحماض الأمينية التي تجمعت بمحض الصدفة أيضا وارتبطت جزئياتها وتشابكت بواسطة الروابط الصحيحة عن طريق التجربة والخطأ لتكون عددا من الجزيئات البروتينية العملاقة التي تجمعت بالتجربة والخطأ أيضا حتي كونت جسد أول خلية حية‏.‏

    وبدأت هذه الخلية الحية في الانقسام بالتتابع لتعطي ملايين الأنواع المختلفة من صور الحياة التي مثل كل منها ببلايين الأفراد‏,‏ عبر تاريخ الأرض الطويل حتي يومنا هذا‏.‏

    وهذا افتراض ساذج ترفضه كل الملاحظات العلمية الدقيقة علي بناء كل من الأحماض الأمينية والجزيئات البروتينية والخلية الحية‏,‏ وكل منها علي قدر من التعقيد في البناء‏,‏ والضوابط المحددة لكيفيات الترابط مع بعضها البعض مما ينفي إمكانية تكوينها بمحض الصدفة نفيا قاطعا‏,‏ خاصة إذا علمنا أن بناء الخلية الحية والأنشطة التي تقوم بها يفوق كل مابناه الإنسان من مصانع‏,‏ بل يفوق كل ماطمح إلي إنشائه ولم يتمكن من تحقيقه بعد‏.‏

    ‏(2)‏ الإدعاء الباطل بعشوائية التدرج في تتابع الحياة‏:‏

    يدعي أنصار نظرية التطور العضوي أن عمليات الانقسام المتسلسل للخلية الحية الأولي أعطت هذا العدد الهائل من مختلف صور الحياة نتيجة لتفاعلها مع البيئة بشيء من العشوائية والصدفة‏.‏ ولكن الكشوف العلمية الحديثة تؤكد أن عملية انقسام الخلية الحية تتم حسب برامج محددة تحملها الشيفرة الوراثية في نواة الخلية الحية‏,‏ وهذه الشيفرة علي قدر من التعقيد في البناء والإحكام في الأداء ينفي الصدفة نفيا قاطعا‏.‏ ويضاف إلي ذلك أن كل نوع من أنواع الحياة له شيفرته الوراثية الخاصة به‏,‏ والتي تحملها أعداد محددة من الصبغيات‏(‏ حاملات المورثات‏)‏ مما ينفي أي إمكانية للعشوائية أو الصدفة‏.‏ وينفيها كذلك وجود العديد من حالات الإندثار المفاجئ والظهور المفاجئ لمجموعات من أنواع الحياة الأرضية‏,‏ وينفيها أيضا الأدوار المحددة لكل نوع من أنواع الحياة في كل مرحلة من مراحل تاريخ الأرض الطويل من مثل تهيئة الظروف البيئية لإستقبال المجموعات اللاحقة في تكامل عجيب‏.‏


    (3)‏ الإدعاء الباطل بأن الإنسان منبثق عن الحياة الحيوانية السابقة لوجوده‏:‏

    تفترض نظرية التطور العضوي‏,‏ وجود الحياة بعملية ذاتية‏,‏ عشوائية بمحض الصدفة‏,‏ كما تفترض تطورها بنفس العشوائية لتعطي ملايين الأنواع وأعدادا لاتحصي من الأفراد لكل نوع‏,‏ وأن الإنسان هو النهاية الخاتمة لهذه العملية التطورية‏.‏

    ولما أثبتت العلوم المكتسبة إفلاس الفرضين الأولين أثبتت كذلك إفلاس الإستنتاجات القائمة عليهما‏,‏ وتؤكد ذلك أن الصفات التشريحية والوراثية الخاصة بجسم الإنسان وحدها تميزه عن جميع المخلوقات السابقة علي وجوده‏,‏ فإذا أضفنا إلي ذلك ذكاء الإنسان‏,‏ وقدرته علي الادراك والشعور والإنفعال والتعبير والنطق بالكلام المنطقي المرتب‏,‏ وعلي إكتساب المعارف وتعلمها‏,‏ وإكتساب المهارات وتوريثها‏,‏ وغير ذلك من القدرات التي إختص بها الإنسان دون غيره من المخلوقات المدركة ومن أبرزها التسلسل الوراثي للإنسان والذي ينتهي بنسبه إلي أب واحد وأم واحدة هما أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ واللذان يصفهما ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بقوله العزيز‏:‏

    ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء‏...*(‏ النساء‏:1)‏

    وبذلك تنهار محاولة ربط الإنسان بالخلق الحيواني من قبله وإذا انهار هذا الإدعاء انهارت كل الافتراضات المرتبطة به من مثل الافتراض الخاطئ بأن الإنسان اكتسب اللغة عن طريق تقليده لأصوات الحيوان‏,‏ وهو وهم زائف تدفعه آيات القرآن الكريم وأحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ كما تدمغه دراسات اللغات ذاتها لإرتباطها ببعضها البعض ارتباطا يردها إلي أصل واحد‏.‏

    ثالثا‏:‏ من الأخطاء الرئيسة في نظرية نشأة اللغة‏:‏

    إنطلاقا من الإيمان بفرية ظهور الحياة الأرضية بشئ من العشوائية والصدفة والتي أشاعتها الحضارة المادية المعاصرة التي تنكرت لله ولدينه ولأنبيائه ورسله بنيت فرية أخري وهي الإدعاء الباطل بأن الإنسان الأول لم تكن له قدرة علي الكلام‏,‏ ولم تكن له لغة يتكلم بها مع غيره سوي الإشارات وفي ذلك كتب مايكل كورباليس في كتابه المعنون في نشأة اللغة‏:‏ من إشارة اليد إلي نطق الفم

    ‏MichaelC.Corballis(2002):FromHandtoMouth:theorigi nsoflanguage

    'PrincetonUniversityPress.‏

    ماترجمته‏:‏ وأنا أزعم أن اللغة في معظم هذه الفترة كانت إشارية في الدرجة الأولي‏,‏ علي الرغم من أن الأصوات أخذت تتخللها بصورة متزايدة‏.‏ إن الكلام المبين تطلب تغييرات واسعة في الجهاز الصوتي وفي السيطرة اللهائية علي كل من إنتاج الصوت والتنفس‏.‏ وتدل الشواهد علي أن ذلك لم يكتمل حتي مرحلة متأخرة نسبيا في تطور جنس الهومو

    ‏Homo‏

    وفي الحقيقة أن هذه التغييرات قد لاتكون إكتملت حتي في النياندرشال

    ‏NeanderthalMan‏

    من ذ‏35‏ ألف سنة‏,‏ مضت علي الرغم من أن هذا الإدعاء يبقي موضع جدل ونقاش‏.‏ وقد لاتكون التكيفات الضرورية لإنتاج الأصوات بشكل مبين قد أنتخبت للحلول محل الإشارات وإنما لتكون تتويجا لها‏.‏ فبعض الإشارات كان بلا شك إشارات بواسطة الوجه‏(‏ وجهيا‏)‏ مثل لغة اليوم الإشارية‏.‏

    وقد يكون إصدار الأصوات قد خدم جزئيا‏(‏ في نشأة اللغة‏)‏ لكونه إضافة إلي إشارات الوجه والفم‏(‏ واليدين‏)‏ وجعل الإشارات غير المنظورة لكل من اللسان والتجويف الفمي مسموعة‏.‏ واللغة بالطبع حتي لغة اليوم‏,‏ نادرا ماتكون صوتية خالصة‏...‏

    ويضيف ماترجمته‏...‏ إلا أننا نستطيع أن ننقل معظم الرسائل بالصوت وحده‏.‏ والتكيفات الضرورية لذلك كانت قائمة قبل أن يكتشف أجدادنا أنها ممكنة‏,‏ تماما مثل التكيفات التي كانت لازمة للكتابة‏,‏ إذ كانت قائمة قبل أن يخط الكتاب الأوائل مخطوطاتهم أو رسائلهم‏,‏ وإختراع الكلام قد يعود إلي‏(50)‏ ألف سنة مضت‏.‏

    وهذا التضارب في تحقيق قضية غيبية غيبة كاملة كقضية نشأة اللغة سببه الإنخداع بفكرة التطور العضوي التي دحضتها الكشوف العلمية مؤخرا في كل من علم الوراثة وعلم الخلية الحية وعلم الحياة الجزيئي‏.‏

    ويدحض هذه الفرية الجديدة عن نشأة اللغة التقارب بين اللغات المختلفة في العديد من الألفاظ خاصة بين اللغات القديمة وقد ثبت أن أكثر من خمسين في المائة من ألفاظ كل من اللغة العبرية واللغة السريانية عربية الأصل مما ينتهي بلغات الأرض جميعها والتي يقدر عددها بأكثر من خمسة آلاف لغة ولهجة‏.‏ إلي أصل واحد متمثل في اللغة العربية‏,‏ وهذا الاستنتاج يؤيده مع قول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في محكم كتابه‏:‏ الرحمن‏#‏ علم القرآن‏*‏ خلق الإنسان‏*‏ علمه البيان‏*(‏ الرحمن‏:1‏ ـ‏4)‏

    وهذا يبرز كذلك جانب الإعجاز في قول ربنا ـ سبحانه وتعالي ـ‏:‏ وعلم آدم الأسماء كلها‏..*(‏ البقرة‏:31)‏

    وإن تعقيد كل من الجهاز العصبي وأجهزة السمع والنطق في الإنسان ينفي أية إمكانية لتعلم الإنسان النطق باللغة بعشوائية أو صدفة‏,‏ بل هو التقدير الإلهي الدقيق‏,‏ والهبة الربانية العظمي بتعليم أبينا ادم ـ عليه السلام ـ أم اللغات كلها وهي اللغة العربية‏.‏

    ولذلك سمي‏(‏ الإعراب‏)(‏ إعرابا‏)‏ لتبينه وإيضاحه‏,‏ وكان من معاني‏(‏ العربية‏)‏ الإبانة والإيضاح ومنه حديث رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ الذي قال فيه‏:‏ فإنما كان يعرب عما في قلبه لسانه‏(‏ أخرجه الامام أحمد في مسنده‏)‏

    ومنه أيضا قوله‏:‏ كانوا يستحبون أن يلقنوا الصبي حين يعرب‏(‏ أي حين ينطق ويتكلم‏)‏ أن يقول‏:‏ لا إله إلا الله سبع مرات‏.‏

    ومنه باب خاص من أحاديث رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في مناقب فضل العرب جاء فيه مايلي‏:‏

    ‏*‏ عن سلمان ـ رضي الله عنه أنه قال‏:‏ قال لي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ ياسلمان‏!‏ لاتبغضني فتفارق ديني‏,‏ قلت‏:‏ يارسول الله‏!‏ كيف أبغضك وبك هدانا الله‏,‏ قال‏:‏ تبغض العرب فتبغضني‏(‏ الترمذي‏).‏

    ‏*‏ وعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ أنه قال‏:‏

    من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي‏(‏ الترمذي‏)‏

    من ذلك يتضح فضل العربية علي جميع لغات الأرض‏,‏ وأنها كانت لغة أبينا آدم ـ عليه السلام ـ التي ألهمه الله ـ سبحانه وتعالي ـ النطق بها‏,‏ وعلمه أسماء كل شيء بمسمياتها‏,‏ وأن بقية لغات الأرض إنبثقت منها ولذلك أنزل ربنا ـ تبارك وتعالي ـ هدايته الخاتمة للبشرية كلها بها في القرآن الكريم وفي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة النبي العربي العدنان والصلاة والسلام عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

    منقول: جريدة الأهرام - قضايا و اراء
    43617 ‏السنة 130-العدد 2006 الاثنين8 أيار / مايو - ‏10 من ربيع الآخر 1427 هـ
    التعديل الأخير تم 02-05-2007 الساعة 02:05 PM

  13. افتراضي

    بطلان الصدفة
    بقلم : الدكتور عبد العظيم المطعنى


    الله – سبحانه - موجود – وهذه حقيقة الحقائق - ؛ لان هذا الكون لابد له من خالق ، ولا يصلح له خالق الا الله ، ومحال عقلا وعلما وواقعا ان يكون هذا الكون العجيب الدقيق الصنع قد (وجد) من لا شىء ، لان (لاشىء) لا ينتج شيئا . وليس هو قد خلق نفسه . فهذا باطل عقلا وعلما وواقعا . ولا خلقته الصدفة ؛ لان الصدفة بفرض التسليم بها تجرى بين اشياء موجودة . والمشكلة – هنا – لا تتعلق بالنظام والتنسيق بين اشياء عملت فيها (الصدفة) وانما المشكلة هى مشكلة الخلق والايجاد نفسه . ولا عمل للصدفة فى الايجاد بل هى تعمل ، وفى نطاق ضيق جدا . فى اشياء سبق وجودها قبل عمل الصدفة نفسها فمثلا قد تتكون كلمة من حروف طباعة مثل (ولد) اذا تناثرت الحروف من يد من يحملها ، فالصدفة هنا عملت فى اشياء موجودة وهى حروف الطباعة ولكنها هى – الصدفة – لم تصنع اشكال حروف الطباعة ، ولا المادة التى شكلت منها .

    ومع هذا فان الصدفة تستحيل عقلا اذا زعم زاعم ان كتابا يقع من 100 صفحة مثلا وبه ثلاثون الف كلمة قد صنعته الصدفة . وللاستحالة العقلية هنا اسباب :
    احدها : ان الصدفة لا تنشىء مادة وانما يمكن ان يقع تنظيم ضئيل منها لشكل مادى . مثل تجمع الحروف : الواو ، واللام ، والدال فى المثال السابق .
    وثانيهما : ان العلماء بعد الدرس والتجربة والسبر وضعوا قانونا للصدفة قالوا فيه ( ان حظ المصادفة من الاعتبار (النجاح) يزداد وينقص بنسبة معكوسة مع عدد الامكانيات المتكافئة المتزاحمة ) .

    اى كلما قل عدد الاشياء المتكافئة المتزاحمة ازداد حظ المصادفة من النجاح وكلما زاد عددها قل حظها من النجاح .
    وتطبيق هذا القانون انك اذا رايت حجرين – مثلا – احدهما فوق الاخر كانهما بناء لا نستبعد المصادفة – بمعونة عامل اخر كالريح ، او سقوط الحجرين من عل – قد احدثت هذا الشكل لقلة التزاحم .
    اما حين تمر على حجرة مكونة من اربعة جدران ولها باب نافذ وفتحات لتمرير الهواء فان العقل يستبعد – بكل قوة – الصدفة لكثرة الاشياء المتزاحمة ولابد ان يسلم العقل بوجود صانع مريد وراء هذا البناء قد اقامه لقصد اراده .

    وماذا تكون الحجرة امام هذا الكون العظيم الهائل ذى النظام البديع الذى لم يحط به علم الانسان حتى مع تقدم البحوث والعلوم وانهم كلما ازدادوا علما ببعض اسراره ازدادوا جهلا وتبين لهم ان ما ظهر لهم منه لا يساوى شيئا مما لم يظهر . وان هذا الموقف قد فتح لهم ابواب الايمان بالخالق العظيم على مصراعيها يقول اينشتين صاحب قانون النسبية وقد عمل فيه هذا الكشف العلمى عمله قال : ( ان اجمل هزة نفسية تشعر بها هى تلك الهزة التى تعرونا عندما نقف عتب الخفاء من باب الغيب ؛ انها النواة لمعرفة الحق فى كل فن وعلم وانه لميت ذلك الذى يكون غريبا عن هذا الشعور فيعيش مستغلقا رعبا من غير ان يجد روعة التعجب الى نفسه سبيلا . ان جوهر الشعور الدينى فى صميمه هو ان نعلم بان ذلك الذى لا سبيل الى معرفة كنه ذاته (الله) موجود حقا . ويتجلى باسمى ايات الحكمة وابهى انوار الجمال التى لا تستطيع ملكاتنا العقلية المسكينة ان تدرك منها الا صورها (الظاهرة) دون الدقائق فى الاعماق )

    اجل : ما اصدق هذا الكلام وما احلاه . ولانملك امامه الا ان نتلو قول الحق تبارك وتعالى : ( سنريهم اياتنا فى الافاق وفى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ) .

    منقول : من كتاب الاسلام فى مواجهة الايدلوجيات المعاصرة ص 366
    http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?t=4445
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=2875


    __________________
    التعديل الأخير تم 04-06-2007 الساعة 08:34 AM

  14. افتراضي

    نفي الصدفة العشوائية
    في أجسامكم جهازا بإمكانه نسخ مليون صفحة مليئة بمعلومات خلال عشرين دقيقه


    إن كل خلية في جسدنا تتكاثر بالانقسام ولابد من نسخ الحامض النووي (DNA ) الذي يوجد داخل نواة
    الخلية عند الانقسام، وعملية الانقسام هذه تتم وفق نظام دقيق لا قصور فيه يصيب الإنسان بحالة
    انبهار فجزيئة (DNA ) تشبه سلماً حلزونياً يحتوي على ثلاثة مليارات حرف تعتبر مركزا للمعلومات
    ويأتي أنزيم اللولب ( هليكاز) إلى موقع الانقسام عند بداية عملية الانقسام فينقسم السلم الحلزوني
    (DNA ) إلى شريطين بعد حل اللولب المزدوج ويتم انفصال الشريطين عن بعضهما بكسر الروابط
    الهيدروجينية الموجودة بين القواعد المزدوجة في الشريطين وفي النهاية يفترق وجها (DNA ) عن
    بعضهما البعض بشكل ‘’هيلكس’’ الذي دخل في بعضهم البعض. يقوم (DNA ) بوظيفته في الوقت
    المناسب ودون تأخير وبغير تخاذل أو إهمال ودون أدنى خطأ يذكر كما لا يصاب (DNA) بأي ضرر ولو
    بسيط أما الآن فلقد جاء الدور على أنزيم ( DNA-Polymerase ) بوليميراز فوظيفته تكملة
    وجهي الـ (DNA ) الذين انقسما إلى شريطين بشريط آخر لجعلهم وحدة متكاملة.
    الأنزيم المكون من ذرات الذي يتوقع أن يكون له عقل وعلم ووعي يستطيع إن يثبت المعلومات
    اللازمة التي تأتى بها من أماكنها في الخلية وصفّها في مواقعها الصحيحة لتكملة النصف الثاني
    ويكون (DNA ) خلال هذه العملية دقـيقا كل الدقة حيث لا يوجد أدني خطأ خلال العملية وبدقة متناهية
    جداً يثبت ثلاثة مليارات حرف الواحد وراء الآخر وفي نفس اللحظة يقوم أنزيم بوليميراز آخر بنفس
    العملية لتكملة النصف الأخر (DNA ) بينما يحدث كل هذا تمسك أنزيمات الربط ( (DNA من أطرافها
    لكي لا يحدث اختلاط بين جزءين منفصلين في شريطي ( DNA) .كما نرى فإن كل أنزيم يعمل من
    خلال تنظيم عسكري صارم جداً خلال عمليه استنساخ (DNA ) الذي يحتاج إلى العقل والعلم للقيام
    بهذه العملية الدقيقة. هل لكم أن تتصوروا أن تقوموا بنسخ كتاب يحتوي على ثلاثة مليارات حرف عن
    طريق الآلة الكاتبة من غير أن يحدث خطأ في حرف من الحروف؟ طبعاً هذا مستحيل ... فبدون شك
    لابد أن يحدث خطأ في النسخ ولو بسيط. ورغم ذلك فإن أنصار النظرية الداروينية يزعمون أن العمليات
    التي تقوم بها الأنزيمات ومليارات المعلومات الموجودة في ( DNA ) خلال الاستنساخ والتنظيم الهائل
    الذي لا خلل فيه يتم بمحض الصدفة العشوائية ، إن اعتقاد أنصار النظرية بمثل هذه الظنون التي لا
    يصدقها عقل حدث ضخم مثير للاهتمام بل أنه خارق للعادة . ونحن نجد أن السبب الوحيد لأيمانهم بهذه
    المعتقدات الخاطئة العمياء ونشرها هو تمسكهم بالإلحاد وتمردهم على الاعتراف بوجود الله ومشيئته
    هل تعرفون أن في أجسامكم جهازا بإمكانه نسخ مليون صفحة مليئة بالمعلومات خلال عشرين دقيقة ؟
    وكما هو معروف بالنسبة إلينا فإن الخلايا تتكاثر بالانقسام ويتحتم عند الانقسام أو الاستنساخ وجود
    الحامض النووي (DNA) لتكوين خلية جديدة وخلال هذا الاستنساخ نقف عند حدث مثير للانتباه يستلزم
    التمحيص والتفكير .إن الحامض النووي (DNA) الذي هو بنك المعلومات الضخم والذي يحتوي على
    جميع معلومات الكائن الحي لو أردنا تحويل هذه المعلومات إلى خطوط وحروف سنجدها تحتوي على
    ثلاثة مليارات حرف يشتمل على مليون صفحة وهي عبارة عن مجموعة من المجلدات المكونة
    لموسوعة عملاقة يبلغ عددها ما يقرب من 1000 مجلّد. ومن هنا نستنتج أن عملية الاستنساخ
    للحامض النووي (DNA ) توازي عملية نسخ مليون صفحة أو ألف مجلد لموسوعة.
    هل تعرفون كم تستغرق عملية النسخ هذه ؟ إنها تستغرق ما بين 20 إلى 80 دقيقة تقريباً .
    هذا يعني أنه يتم نسخ مليون صفحة في مدة تتراوح ما بين 20 إلى 80 دقيقة دون أن يكون هناك أي
    نوع من الخطأ والنقص، فحتى وقتنا الحاضر لا يوجد أي نوع من أنواع التكنولوجيا المتطورة في
    النسخ تستطيع أن تقوم بعملية كهذه خلال مدة قصيرة، المدة التي ذكرت من قبل دون خطأ أو نقص
    ولاحظ بأن الذي يقوم بعملية النسخ (DNA)ليس أجهزة تكنولوجية بل خلايا لا يمكننا رؤيتها بالعين
    المجردة. والآن يجب علينا أن نفكر في من يمتلك العلم والعقل والتنظيم المبهر ومن الذي قرر ضرورة
    نسخ الحامض النووي (DNA) وانقسام كل الخلايا ومن قام بهذه العملية بغير خطأ وبسرعة فائقة؟
    وقام بتصويب كل عملية من هذه العمليات. فمن قال أن هذا النظام المتطور المبدع المتكامل الذي لا
    يوجد فيه أي قصور هو محض الصدفة. فإن هذا القول خارج عن إطار العقل والمنطق تماماً ، وإذا
    حاولتم جمع ذرات الكون ووفرتم الشروط اللازمة لخدمة تكوين نظام استنساخ (DNA) بالطرق
    العشوائية البحتة ما استطعتم ذلك أبدا .وهنا نرجع إلى صلب موضوعنا وهو أن من الواضح ومما لا
    ريب فيه أن خالق هذا النظام المبدع الذي مازال مستمراً في خلقه منذ مليارات السنين هو صاحب
    العلم و القدرة، هو الله جل شأنه رب العالمين. وَلِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ
    شَيْءٍ مُّحِيطاً سورة النساء آية 126


    منقول : من كتاب السلوك الواعي

  15. افتراضي

    من دلائل القدرة الإلهية في آليات الانتثار النباتية

    بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا


    السعي على الرزق سنة من سنن الله في الخلق , الكل يسعى على رزقه , فالانسان يسعى عليه بقدميه, وعلى الدواب , والعجلات , ويركب الطائرات والسفن المائية والفضائية مصداقاً لقول الله تعالى : ( فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) الجمعة 10 .

    والطير يسعى على رزقه فيطير بجناحيه , ويمشي على رجليه , فيغدوا جائعاً ويعود وقد ملأ حوصلته بعدما التقط الحب والبذور والحيوان بمنقاره ونبش الأرض بأرجله , وغاص في الماء بكل جسمه فيحضر الرزق الوفير لفراخه في اليوم مرات عده, وفي وقت الغروب يعود إلى وكره حامداً شاكراً فقد حصل رزقه والحمد لله.

    والسمك يسبح ويغوص في الأنهار والبحار والمصارف المائية والبحيرات العذبه والمالحة بحثاً عن رزقه , ويدفع الماء بذيله وزعانفه , ويغوص بعضلاته ومثانته الهوائية , ويتنفس بخياشيمه , ويصفي بها الغذاء ويقطع بأسنانه ليحصل رزقه.

    والبهائم تسعى على رزقها في حركة نشطة إيجابية , وتأكل وترعى وتفترس وتقتل , وتقضم وتقتنص بأسنانها ومخالبها وقرونها وأنيابها وبكل وسيلة هيأها الله لها.

    فماذا يفعل النبات المسكين الذي يدعي الدروانيون أنه خلق بالصدفة والعشوائية, ومن دون تدبير في هذه البيئة الأرضية الواسعة؟! وكيف يسعى إلى رزقه وقد شدته جذوره بقوة إلى الأرض , والشجرة الواحدة تنتج ملايين البذور والثمار والحبوب التي إن بقيت في مكانها بعد سقوطها هددت أمها وأخواتها ونفسها بالهلاك لنفاد الغذاء وضيق المكان وحجب الضوء؟!

    ماذا يفعل النبات في هذا المكان الضيق والمحدد والمحدود وأرض الله من حوله واسعة , والكل يسرح ويمرح وينتقل ويهاجر فيها بحثاً عن رزقه وعن المعيشه الطيبة؟!!

    هذا النبات إذا اعتمد على الصدفة والعشوائية والطفرة والانتخاب الطبيعي , كما خطط له دارون , فإن مآله إلى الجوع والضعف والهلاك والدمار والانقراض !!

    ولكن الله سبحانه وتعالى الذي غفل الدارونيون عن وجوده , والذي رزق الانسان وزوده بالعقل والأيدي والأرجل والخامات لصناعة الآلات, والذي خلق الجناحين للطير والحشرات تطير بهما , وخلق للسمك الزعانف والعضلات والمثانات ورزق الثعبان بالعضلات , والنمل بالأرجل والفكوك لم ينس هذا النبات الذي كلفه بصناعة الغذاء لكل هذه الموجودات الأرضية , الله سبحانه وتعالى الرزاق , العليم , الخبير , اللطيف المدبر لم ينس أحداً من خلقه , وشملت رحمته النبات وجميع خلقه زود النبات بآليات , ووسائل انتشار وانتثار للسعي على الرزق في أرض الله الواسعة , زوده سبحانه وتعالى وعطف عليه بهذه الآليات المعجزة التي سبق بها الانسان والحيوان في تعمير الكون فتسلق الجبال , وطار في الهواء , وسبح في الماء , وركب الانسان والحيوان , وهبط الوديان , وقطع الفيافي والمحيطات والبلدان , وانتشر في الهضاب والسهول , والحقول والصحاري , والعيون الباردة والساخنه , وفي المناطق الحارة والباردة , كل ذلك بآليات معجزة ووسائل مبدعة متقننة حملت الجراثيم والبذور والحبوب والثمار والأوراق والسيقان والجذور لكل مكان معمور وغير معمور في هذه الأرض.

    فبذور بعض النباتات دقيقة الحجم كالدقيق خفيفة الوزن فحملتها الرياح إلى مكان بعيد جداً , كما هو الحال في نباتات الأراشد (Orchids) وحبوب اللقاح (Pollen grains).

    ولثمار بعض النباتات أجنحة تحمل تلك الثمار إلى مسافات بعيدة , فعندما يحرك الهواء أغصان تلك النباتات المحملة بثمارها الجافة المجنحة الخفيفة المتزنه , فإنها تطير في الهواء بطريقة حلزونية طوربيبيه دواميه عجيبه فتصل إلى مسافات بعيدة, ومثالها نبات أبو المكارم Machaerium tipa.

    وفي نبات الحميض Romex sp. يتحول الكأس الزهري إلى أجنحة تحمل الثمار بعد تمام نضجها إلى مسافات بعيدة .

    وأما في نبات الجعضيض Sonchus sp. فقد تحول كأس الثمرة إلى شعيرات مظلية تحمل الثمار إلى آلاف الكيلومترات , وكم شاهدنا هذه الثمار الطائرة العجيبه وهي تطير في خفة ورشاقة في الهواء في اتزان بنائي وحركي عجيب , وكم جرينا خلفها في الحقول والحدائق, وهي تطير أمامنا, وكلما اقتربنا منها دفعها الهواء بعيداً عنا , وهيهات هيهات أن نلحق بها أو نمسكها , وكم كان من الجميل واللطيف أن نأتي بنوارة هذا النبات , وننثر ثماره في الهواء , فتملأ المكان في خفة مبدعة عجيبه وجمال يفوق كل لعب الأطفال الغشائية المائية الحديثة المضرة.

    ومع كل ذلك يدعي الدارونيون أن النبات غير العاقل الذي لايمتلك مصانع ولامختبرات ولا أدوات ولاباحثين طور نفسه بالمصادفة والحاجة العشوائية والمحاوله والخطأ حتى صنع هذا النظام الهندسي الفيزيائي الحيوي المبدع في انتثار البذور والثمار وانتشارها, ونسي هؤولاء ملايين المحاولات التي قام بها الانسان من وقت عباس ابن فرناس حتى استطاع أن يصنع الطائرة , فكيف لهذا النبات أن يقدر الثمار وطول الشعيرات ومراكز الثقل والاتزان لنرى هذا الاعجاز في الخلق , الرد العلمي على هؤلاء هو ما قاله موسى عليه السلام عندما حاوره فرعون ( قال فمن ربكما ياموسى ؟!! قال : ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) طه 49- 50. وخلقه : بتسكين اللام أي صورته اللائقه بخاصيته(1) .

    وهدى : أي أرشده لما يصلح له (ويصلح معيشته) ولا رد أبلغ وأعظم من هذا الرد المعجز(2).



    ولنبات الخشخاش Papaver : ثمرة كبيرة محموله على حامل طويل مرن متلاعب بالهواء وللثمرة في أعلاها ثقوب , فإذا حرك الهواء الثمار تمايلت لطول عنقها, ونثرت بذورها على اليمين وعن الشمال وفي الشرق والغرب وكل مكان حولها .

    فمن أعطى هذا النبات في الصحراء الخالية القاحلة المنقطعة هذا العلم الدقيق المتخصص لتصنع هذا التركيب العجيب من المظلات والأجنحة لاجتياز الفيافي والقفار , وعبور البحار والأنهار(3)؟!!

    وهكذا وسعت رحمة ربك , التي وسعت كل شيء , هذا النبات فطارت ثماره كما يطير الطير في الهواء بجناحيه بحثاً عن الرزق والمكان المناسب في أرض الله الواسعة , فقد شملت رحمة الله كل جنس (Genes) نباتي, وكل نوع (Species) وكل صنف (Varaites) وكأن لكل منها عناية خاصة به وحده من دون خلق الله , فمن دبر أحوال ترليونات الأجناس والأنواع والأصناف النباتية , وحسب لها الغذاء , وهيأ لها المكان , ورزقها بآليات للوصول إلى مكان الرزق؟!!.

    وبعض النباتات تركب الحيوان والانسان وتتعلق به لتصل إلى مسافات بعيده فنبات الشبيط Xanthium زوده الله سبحانه وتعالى بخطاطيف تتعلق بفراء الحيوان وشعره وصوفه وريشه , وتتعلق بملابس الانسان فتنتقل إلى كل مكان يصل إليه الحيوان والانسان , كما أنها تتعلق بأجولة التعبئة للمحاصيل لتصل إلى بلاد بعيدة عبر الشحن البري والمائي والجوي .

    كما يقوم الانسان في عمليات التصدير والاستيراد, والتهادي , والبيع والشراء بنقل النباتات والبذور والحبوب وتوزيعها على البلاد القريبة والبعيدة , وينقل الانسان والحيوان والطير البذور التي يأكلها ولاتتأثر بالعصارات الهاضمة بما وهبها الله من أغلفة حامية لها من العصارة الهاضمة , ينقل الانسان والحيوان والطير هذه البذور والحبوب إلى أماكن بعيده, وتقوم الأبقار والأغنام والخيول والغزلان بنفس الآلية مع العديد من النباتات البرية.

    ويقوم الماء في العيون والأنهار والبحار والمحيطات والسيول والمصارف وقنوات الري والصرف المنتشرة في العالم , يقوم بنقل الثمار والحبوب والبذور المهيأة للنقل المائي إلى مسافات بعيدة , وقد زود الله هذه الثمار والحبوب والبذور بأغلفة عوامة وحافظة للثمار حتى لاتتلف , وقد تتبع أحد المصورين ثمرة نبات انتقلت عبر المحيط من الهند إلى أوروبا في آلية معجزة وغريبة.

    وهناك الآليات الذاتية الميكانيكية لتفتح الثمار وانتثار البذور وانتشارها وتبدوا هذه الآليات مبكرا في الحزازيات المنبطحة (Hepaticeae or Liverworts) حيث توجد آلية ميكانيكية لتفتح الحوافظ الجرثومية (Capsule) للنبات الجرثومي (Sporophyte) حيث توجد تراكيب عقيمة ملتوية بين الجراثيم الخصبة كما في نبات الماركانتيا Marchantia sp. فإذا انفتحت الحوافظ تطايرت الخيوط العقيمة الناثرة (Elaters) بما لها من خاصية هيجروسكوبية (Hygroscopic) فتنثر الجراثيم بعيداً عن النبات الأم.


    وفي نبات الفيوناريا Funaria sp. تتكون أسنان بريستومية (Peristome teeth ) والطوق (Annulus) والغطاء (Operculum) وهي تراكيب توجد في الطور الجرثومي (Sporophyte) , تقوم بفتح الحافظة الجرثومية (Capsule) بآلية عجيبة في الجو الجاف , ناثرة الجراثيم إلى مسافات بعيده , كما تخرج الرصاصات من بندقية الصيد بالرش (الخرطوش).

    وفي السراخس (Ferns) مثل نبات كزبرة البئر Adiantum تنفتح الحافظة الجرثومية (Sporangium) بآلية تلقي بالجراثيم (Spores) بعيداً عن الأم كما تلقي الكرة بالمضرب في لعبة التنس(4) .

    وكما قلنا سابقاً فإن حبوب اللقاح نفسها خفيفة الوزن وكثيرة العدد حيث تحملها الرياح لأميال لتلقيح الأزهار المؤنثة واتمام عملية التلقيح والاخصاب.

    وهناك الفطريات التي فصلت في مملكة مستقلة كما قلنا في مقالات أخرى تلك الفطريات تنتج العديد من الجراثيم يصل عددها في فطر البافبول العملاق (Gaint puffball) إلى خمسة ترليون جرثومة(5) تطلقها في الهواء ناشرة إياها في مساحات واسعة , فتصور معي أن هذا العدد من الجراثيم قد سقط ونبت ونمى في نفس المكان فأي كارثة حيوية وبيئية تنتظر هذا الفطر الضعيف ؟!.

    كل ذلك يدلل على أن الله قد خلق هذه الكائنات وقدر لها رزقها, ووهبها على ضعفها من الأليات التي تنشرها بفضل الله في الأرض لتحصل على رزقها مصداقاً لقول الله تعالى : ( وعنده مفاتيح الغيب لايعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) الأنعام59.


    فهو سبحانه يعلم كل حبة من ترليونات الحبوب والبذور والثمار والأوراق التي تسقط على الأرض , وتنتقل في الرطب واليابس , والسهل والجبل , والبحر والهواء وتنضج وتيبس ثم تنبت وتترطب في البيئة الأرضية , فإذا كانت فطرة البافبول العملاقة Gaint puffball )) الواحدة تعطي خمس ترليون جرثومة في الثمرة الزقية (Ascocarp) الواحدة , وكل جرثومه تطير وتسقط وتنبت وتنمو وتتزاوج وتتكاثر وتنقسم حتى تعطي من جديد الثمرة الزقية (Ascocarp) كل ذلك لايمكن أن يحدث دون علم الله وتقديره وتدبيره , فالله لم يخلق الخلق عبثاً , ولم يتركهم هملا , بل خلقهم لغايات مقدره , ورعاهم برعايته , وتكفل برزقهم سبحانه وتعالى كما قال في كتابه الكريم (ومامن دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) هود 6.

    فكل بذرة تدب على الأرض , وكل ثمرة تدب على الأرض , وكل جرثومة تدب على الأرض , وإذا استطعنا أن نكبر أصوات دب تلك المخلوقات لسمعنا دبيب سقوطها , ودبيب تحرك جذورها وسيقانها , وكل هذه الترليونات على الله وحده رزقها مصداقاً لقوله تعالى ( وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) فصلت 10 (5).

    وهو سبحانه الذي هيأ لها آليات الانتثار والانتشار في الأرض لتحصل على رزقها المقدر لها , وهذا مايجب على كل مؤمن أن يتعلمه ولاتنسيه ألفة الأشياء عظمتها , فكل شيء مخلوق لغاية مقدره , وبتقدير فائق , وبحكمة بالغة , وآليات انتثار البذور والثمار والحبوب والجراثيم من دلائل القدرة الإلهية في المخلوقات النباتية

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) – انظر : كلمات القرآن, تفسير وبيان الشيخ حسنين مخلوف, الاسكندرية: دار الصفا والمروة للنشر والتوزيع.

    (2) انظر موضوع (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) في كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات.

    (3) انظر موضوع اوائل المعمرين جاءوا بالبارشوتات في كتابنا اعجاز النبات في القرآن الكريم : مكتبة النور- القاهرة.

    (4) لم أشأ أن ادخل القارئ غير المختص في تفاصيل تلك التراكيب وأجزائها حتى لاتضيع الفكرة في خضم التفاصيل العلمية.

    (5) Biology life on Earth , Teresa Audesirk and Gerald Audesirk. Prentice Hall , upper River. New jersey(1996)(P.432).

    (6) انظر موضوع ( وقدر فيها أقواتها ) من كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات


صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الحظ والصدفة
    بواسطة هارون في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-04-2011, 07:00 PM
  2. العشوائية
    بواسطة aliali في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 12-23-2009, 12:12 AM
  3. الصانع والصدفة عند الملاحدة
    بواسطة ATmaCA في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 57
    آخر مشاركة: 12-04-2009, 09:25 PM
  4. الوجود والصدفة
    بواسطة عبد الله المقصر في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-13-2008, 01:00 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء