ثم بعون الله نقول :
لو كانت شهوة النكاح والتكثير من الزوجات تقتضي الفضيحة والخزي والعار كما يصورها لنا المشكك لافتضح بها الأنبياء كلهم ، بل جميع الخلق كآدم ونوح وإبراهيم ، وخصوصًا إسرائيل وداود وسليمان فإنهم كانوا كثيري النساء والسراري ، وكثرة تشاغل إبراهيم عليه السلام وبنيه بالجماع هو الذي أوجب كثرة نسلهم وانتشار الشعوب منهم ، لأن الجماع سبب النسل ، وكثرة المسبب يدل على كثرة السبب .
فإذا احتج علينا بترك عيسى عليه السلام للزواج ، نحتج عليه في فضل الزواج بفعل جميع الأنبياء له ، وليس المسيح ابن مريم بخير من جميع الأنبياء عليهم السلام ، إلا على هذيان النصارى بأنه الله وابن الله ! ثم إن المسيح لو تأسى بسائر الأنبياء في الزواج والنسل لكان ذلك أكمل له ، وربما تركه لخاصية لا يضرنا خفاها عنّا .
وعمومًا لا يجوز لنا أن نقتدي به في ترك الزواج إلا إذا قال أمركم الله ألا تزاوجوا مثلاً ، وهذا غير موجود . فضلاً عن أنه ليس لدينا دليل صريح صحيح على أن عيسى لم يتزوج لا عند النصارى ولا عند المسلمين ، بل في آية الرعد 38 ما يدل على تزوج كل الرسل والله أعلم .
وبالجملة : نرد على المشكك والمحتج بأننا لا نسلم بكون النكاح يجلب الخزي والخجل للأنبياء لأن فيه مصالح منها ما تقدم ، وغض البصر ، وكف النفس ، والقدرة على العفة من الحرام ، وتحصيل ذلك للزوجة ، فهو نفع لهما في الدنيا والآخرة . وشيء هذه مصالحه وهو مشروع للأنبياء وقد فعلوه ويحبونه يحمل المرء على الاقتداء بهم لتحصيل هذه المنافع .
يتبع بالخاتمة إن شاء الله . . .
Bookmarks