القرآن الكريم والتأويلية العلمانية

أو
" النص واللعب الحر "


د. أحمد إدريس الطعان
كلية الشريعة – جامعة دمشق
بريد إلكتروني : Ahmad_altan@maktoob.com





















تمهيد :
اللعب الحر هو مصطلح قصدنا به التعبير عن المناهج اللغوية الحديثة التي تشتغل على قراءة النصوص وتشيع اليوم في الخطاب العربي عموماً والخطـاب العلمـاني بشكل خاص مثل الهرمينوطيقا، والبنيوية، والتفكيكية ، وأحياناً التأويلية الحديثة ( ) .
ويُستغَل مفهوم التأويل لكونه مفهوماً إسلامياً قرآنياً وتراثياً كمدخل إلى الهرمينوطيقا ، وذلك من أجل قراءة النص قراءة جديدة أو معاصرة أو تنويرية أو غنوصية أو غير ذلك ، ومن ثَم تصبح المعاني القرآنية المستقرة ، والأصول الثابتة ، والأفهام السلفية الراسخة والمعلومة من الدين بالضرورة والمجمَع عليها أفهاماً تاريخية خاضعة للتجديد والتغيير والمعاصَرة ، لتحِل محلَّها معاني أكثر تطوراً وأكثر رضوخاً للعصر والواقع.
وهذه الدراسة هي محاولة للكشف عن التطور والتأثر الذي لحق الدراسات العربية الحديثة التي اشتغلت على القرآن الكريم في العقدين الأخيرين من القرن الماضي . ولا بد من الإشارة إلى بعض المحددات البحثية والمنهجية التي قيَّدت هذه الدراسة :
1 – قرأ الباحث عدداً كبيراً من المشاريع العلمانية العربية التي لم تستطع أن تجهر برفض القرآن الكريم صراحة وبشكل مباشر ، ولأن النوايا لا تهمنا أيضاً هنا فقد ركز البحث على محاولة الكشف عن الوسائل التي استُخدمت والغايات التي أُعلنت والمصادر التي استُبطنت .
2 – ربط البحث بين النسخة الغربية الأصلية وبين مُسختها العربية التي حاولت اجترار ما لفظته الثقافة الغربية . وكان الاعتماد في ذلك -غالباً - على المصادر المترجمة لعدد من أساطين المناهج التأويلية الحديثة أمثال بول ريكور ورولان بارت وجاك دريدا وميشال فوكو وغيرهم .
3 – مع أن الدراسات العلمانية العربية مختلفة بحسب الظاهر ومتناقضة أحياناً بحسب أيديولوجياتها التي تغذيها، فقد اعتبرها البحث مدرسة واحدة تصدر عن منظومة واحدة، وتعامل معها على هذا الأساس، وهو ما يبدو للوهلة الأولى على أنه خلل منهجي ، إلا أن ما رمى إليه البحث هو الكشف عن الوحدة المتخفية وراء الاختلاف الظاهري، والوصول إلى الجذور المتشابكة في الأعماق وهو هدف أساسي لهذه الدراسة ، إلى جانب الهدف الجوهري فيها وهو بيان فداحة الخلل الذي يمكن أن تؤدي إليه هذه المناهج إذا ما أُسقطت على القرآن الكريم .
4 – ليس من مقاصد البحث هنا في هذه الدراسة الخوض في تفاصيل وحيثيات المناهج التأويلية المشار إليها آنفاً، أي ليس من مهمة البحث التعريج إلى حسنات وإيجابيات هذه المناهج حين تشتغل على النصوص الأدبية والآثار الفنية، وليس الباعث على ذلك هو التجاهل والعدائية كما قد يُفهم، ذلك لأن البحث قصد هنا تناول الإسقاط العلماني في صورته العربية لهذه المناهج على القرآن الكريم ، بقطع النظر عن قيمة هذه المناهج وأهميتها ومهمتها في حقولها الأساسية وبيئتها التي نشأت وتشكلت فيها .
وقد جاءت هذه الدراسة في أربعة مطالب وخلاصة :
- المطلب الأول : من الهرمينوطيقا إلى التفكيك .
- المطلب الثاني : أسس القراءة الهرمينوطيقية .
- المطلب الثالث : المُسخة العربية والتأويل المنفلت .
- المطلب الختامي : الأبعاد الفلسفية والتوظيفات الغرضية .
- الخلاصة .









المطلب الأول
من الهرمينوطيقا إلى التفكيك
أولاً - تعريف الهرمينوطيقا :
"" الهرمينوطيقا هي فن كشف الخطاب في الأثر الأدبي "" ( ) . كما "" تعني تقليدياً فن تأويل النصوص المقدسة الإلهية أو النصوص الدنيوية البشرية ، وهي كذلك مساوية للتفسير أو للفلولوجيا بما هي تفسير حرفي أو نحوي وصرفي لغوي لبيان معاني الألفاظ والجمل والنصوص، وهذا ما يعرف بالتفسير اللفظي "" ( ) .
وهـو مصطلح مستخدم في دوائر الدراسات اللاهـوتية ليشير إلى مجموعة القواعد والمعايير التي يجب أن يتبعها المفسر لفهم النص الديني ( ) .
صحيح أن الهرمينوطيقا اتخذت بُعداً شاملاً يتعلق بكافة العلوم الإنسانية إلا أنها ارتبطت أخيراً بعلم النصوص ، وأصبحت تعني الكشف عن الطرق والوسائل التي تمكِّن من فهم النص ، ولذلك فهي أخص من السيميوطيقا التي تُعنى بالعلامات التي يبدعها البشر عموماً، وتسعى إلى تصنيفها وتحليلها ، ولكنهما منهجان يراد منهما تطوير عملية القراءة ( ). وهي كذلك تختلف عن التأويل في أن الأخير يبحث في الدلالة أما في الهرمينوطيقا فمحور البحث هو في آليات الفهم ولذلك يكون التركيز على القارئ فيها أما في التأويل فالتركيز يكون على القائل ( ). كما سنرى .
هذا هو المعنى التقليدي للهرمينوطيقا ، ولكن مع تطور نظرية النسبية أصبحت الهرمينوطيقا تُعنى بفن الفهم ، وهذا المعنى " فن الفهم " هو الذي سيؤسس له شلاير ماخر 1768 – 1834 م الذي يُعتبر أبا التأويلية الحديثة ، وأصبح فن الفهم أو فن التأويل يتناول ليس النصوص المقـدسة فقـط بل تعـدى ذلك إلى النصوص البشرية ذات المضمون الطبيعي اليومي ( ) .
ومعنى كونها تجاوزت الكتب المقدسة إلى الكلام البشري اليومي أنها أصبحت تُخضع كل شيء للتأويل ، وتعتبر التأويل هو الأصل في الكلام ، وبذلك تكون الهرمينوطيقا نمطاً من أنماط القراءة والتأويل للنصوص والتراثات الفكرية ( ) .
وتنتهي القراءة في الهرمينوطيقا إلى أن تصبح مفهوماً يمثل تصوراً أو فهماً معيناً للعالم والإنسان والتراث ، ويعكس فكر القارئ ومنهج تعامله مع النص كوجود تاريخي ، وممارسة للوجود والكون في شروط إمكان زمكانية ، وتغدو القراءة بذلك عملية تأويلية وتفسيرية للوجود والكون ( ) . "" إن البحث التاريخي في دلالة الهرمينوطيقا يجعلنا نعود إلى دلالة هذا المصطلح في أصله اللغوي إذ يعود في اللغة الإغريقية إلى فعل hermenuo الذي قد يعني traduireأي ترجم وexpliquer بمعنى فسِّر، و exprimer أي عبَّر وأفصَح وأبان ، وبذلك تفيد الهرمينوطيقا معنى القراءة بما هي تفسير وتأويل أو شرح وكشف وبيان ، أما داخل فضاء اللغة اللاتينية فإن المصادر والمراجع المعتمدة تفيد أن مصطلح الهرمينوطيقا لم يتشكل إلا في بداية العصر الحديث رغم أن فكرة فن أو نوع من التأويل موجودة منذ القدم "" ( ) . وقد استخدم المصطلح على الأرجح لأول مرة في عنوان كتاب لدانهاور سنة 1654 م ( ) .
أما غادامير فيعتبر العمل الفني أو النص كاللعبة يبدأ من المبدع أو اللاعب ، وينتهي إلى المتلقي أو المتفرج من خلال وسيط محايد إلى حد كبير هو الشكل ، هذا الوسيط ثابت مما يجعل تلقيه عملية ممكنة ومتكررة في نفس الوقت من جيل إلى جيل ، وبالتالي فالحقيقة التي يتضمنها العمل الفني حقيقة ليست ثابتة ، ولكنها تتغير من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر طبقاً لتغير أفق المتلقي وتجارب المتلقين ، ولكن الوسيط أو الشكل الفني الثابت هو الذي يجعل عملية الفهم ممكنة ( ) .
ويرفض غادمير الوظيفة الدلالية للغة مثله مثل هيدغر ويؤكد على أن اللغة لا تشير إلى الأشياء ، بل الأشياء تفصح عن نفسها من خلال اللغة ( ) .
كما يرفض فكرة التخلص من النوازع والأهواء الذاتية التي تحول دون الرؤية الموضوعية ، لأن هذه النوازع بنظره هي التي تؤسس موقفنا الوجودي الراهن الذي ننطلق منه لفهم الماضي والحاضر معاً ، كما أن محاولة إقصاء هذه النوازع لا تؤدي إلا إلى تركها تمارس فعلهـا في الخفـاء به ، ولذلك لا بد من مـواجهتهـا باعتبـارها عوامل أصيلة في تأسيس عملية الفهم ( ) .
إن غادامير متسق مع نفسه في ذلك لأنه يعتبر الفهم نوعاً من الإبداع المستقل عن العمل المراد فهمه ، وعلى ذلك فلا مانع من تجييش الإنسان لكل ما يمكنه من طاقات عاطفية وشعورية للإسهام في عملية الإبداع وتعميقها ، لأن الإبداع هنا يتم بالاستعانة بإيحاءات النص أو العمل الفني ، ولكنه يؤسس كأسلافه للقضاء تماماً على أي دور للمبدع أو قائل النص ، ويصبح النص ملْكاً تاماً للمتلقي يفعل به ما يشاء ، لأن النص عند غادمير أو العمل الفني عنده يتحول إلى علامات أو أدوات يكون بوسعنا إدارتها على هوانا ( ) .
ثانياً – الهرمينوطيقا الخاصة :
في مقابل الهرمينوطيقا العامة التي اهتمت بتفسير الوجود تقوم هرمينوطيقا خاصة تركز بالذات على تفسير النصوص ، ومن أبرز ممثليها بول ريكور [ ولد سنة " 1913م ] الذي يُعوِّل كثيراً على التفسير الرمزي ، وهو ما سيُعتَبر أساساً تقوم عليه الهرمينوطيقا ، إذ يَعتبر ريكور الرمز وسيطاً شفافاً ينم عما وراءه من معنى ، ومعنى ذلك أن يقول القائل شيئاً وهو يعني شيئاً آخر في آن واحد ، وبغير أن تتعطل الدلالة الأولى وهو ما يسمى " بالوظيفة الأليغورية " للغة بالمعنى الحرفي للكلمة ( ) . وهذه الطريقة لجأ إليها بولتمان في تحطيمه للأسطورة الدينية في العهد القديم ، والكشف عن المعاني العقلية التي تكشف عنها هذه الأساطير ( ) .
وهناك طريقة أخرى يمثلها كل من فرويد وماركس ونيتشة كما يبين ريكورنفسه ، وهي التعامل مع الرمز باعتباره حقيقة زائفة لا يجب الوثوق به ، بل يجب إزالتها وصولاً إلى المعنى المختبئ وراءها ، فالرمز في هذه الحالة لا يشف عن المعنى بل يخفيه ويطرح بدلاً منه معنى زائفاً ، ومهمة التفسير هي إزالة المعنى الزائف السطحي وصولاً إلى المعنى الباطني الصحيح . لقد شكك فرويد في الوعي باعتباره مستوى سطحياً يخفي وراءه اللاوعي ، وفسر كلٌّ من ماركس ونيتشة الحقيقة الظاهرة باعتبارها زائفة ، ووضعا نسقاً من الفكـر يقضي عليها ويكشف عن زيفها ( ) .
والرمزية الريكورية تقوم على الكشف والإبلاغ عندما تساعد في تفجير دلالات اللغة عوضاً عن انكفائها على ذاتها ( ) . وتعتمد على مفهوم العلامة عند سوسير باعتبارها ذات صلة وعلاقة مع غيرها من العلامات ( ) ، وباعتبارها ذات إمكانات استدعائية عجيبة ، وذات قدرة فريدة على تأويل بعضها البعض ( ) ، وبكون العلامة قادرة على التعبير عن شيء دون أن تتعطل عن التعبير عن شيء آخر ( ) . وبذلك يعتبر ريكور رمزيته ظاهرة ملموسة للمعنى على مستوى الخطاب ، موثقة على أرضية العمليات الأولية للعلامات ، وبذلك تكتسب رمزيته - بنظره - قيَماً وظيفية ، فلم يعد الاشتراك اللفظي ظاهرة انحراف في ذاته ، ولا الرمزية زينة في اللغة ( ) .
ويصل ريكور إلى أن القيمة الفلسفية للرمزية تكمن في كونها تعبر عن غموض الكينونة من خلال تعدد إشارية علاماتنا ( ) .
هذه الرمزية تنتهي بريكور إلى تقرير النتائج التي يتفق عليها أغلب الهرمينوطيقيين فالنص بمجرد أن يُدوَّن كتابة يصبح مستقلاً عن قصد الكاتب ، وتنفتح عندئذ إمكانيات التأويل المتعددة ( ) المفتوحة التي لا تختزلها أية رؤية ( ) ، وتكون مهمة الهرمينوطيقا هي الكشف عن "" شئ النص غير المحدود "" لا عن نفسية المؤلف ( ) ، لأن دلالة النص العميقة ليست هي ما أراد الكاتب قوله ، بل ما يقوم عليه النص بما فيه إحالاته غير المعلنة ( ) . ولذلك يعلن ريكور : "" أحياناً يطيب لي أن أقول : إن قراءة كتاب ما هي النظر إلى مؤلفه كأنه قد مات … وبالفعل تصبح العلاقة مع الكتاب تامة وثابتة بشكل ما عندما يموت الكاتب "" ( ) .
ونصل الآن إلى هيرش الفيلسوف الأمريكي الذي حاول أن يُعيد الاعتبار للنص والمؤلف بعكس ما سبق أن قرر أسلافه الهرمينوطيقييين ، ولكنه اتجه إلى التفرقة في النص بين المعنى والمغزى ، فالنص الأدبي قد يختلف ولكن معناه ثابت ، المغزى فقط هو المتغير من عصر إلى عصر ، ولا يهمنـا في النص الأدبي ما يعنيه المؤلف أو ما كان يقصده ، أو ما أراد أن يعبر عنه ، إنما الذي يعنينا بحق هو المعنى كما يعبر عنه النص ( ) .
ونحن إذا تأملنا في الفكرة الأساسية لدى أغلب الفلاسفة الذين عرضنا لهم آنفاً نتبين بوضوح أن الفكرة الأساسية الشائعة لديهم والمتفق عليها أن النص خاضع لأفق القارئ ، ومدى قدرته على استنطاقه ، ومدى قدرته على الاستدعاء من خلاله . إن مهمة القارئ مع النص هي أن يتمكن من إبداع نصوص إلى جانب النص الأصلي ، ولا يهم أن تكون ذات صلة بمقاصد المؤلف الأول أو مراميه ، المهم أن يتمكن القارئ من ربط استيحاءاته واستدعاءاته وإبداعاته بالنص بأي شكل من الأشكال ، أو بأي رمز من الرموز أو بأي علامة من العلامات "" هذه الدائرة الهرمينوطيقية ستحول الثبات إلى حركة ، نظراً لأن المعنى وقع استبداله بالفهم ، هذا الفهم مرتبط بذات بشرية متحولة ومتغيرة ، لذلك أصبح الفهم بحسب ما يريده القارئ ، لا كما يريده المؤلف ، لأن زمن التأليف غدا زمناً غائباً ينتمي إلى الماضي ، بهذا لا يمكن الاستقرار على معنى ، فهناك موت وانهدام للمعاني ، وتخلُّق جديد لدلالات أخرى ، ومن ثَّم فهذه الدائرة الهرمينوطيقية تجعلنا ندور في مجال لا نهائي "" ( ) ، ونمتعض من افتراض معنى موجود سلفاً ، لأن هذا المعنى سيكون ضد حركة الفكر ( ) .
ثالثاً– التفكيكية :
لم تعمِّر البنيوية كثيراً فقد دُفنت في سنة 1966م بعد محاضرة جاك دريدا المشهورة في مؤتمر جونزهوبكنز والتي تعتبر أساس ما يعرف الآن بالتفكيك ( ) . هذا مع أن التفكيك يرتبط بهـايدغر في الأصل ولكن جـاك دريـدا هو الذي عممه بشكل سريع في الفكر الفرنسي المعاصر ( ) .
التفكيك والبعض يطلق عليه التقويض( )هو المصطلح الذي أطلقه الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا على القراءة النقدية التي اتبعها في مهاجمته للفكر الغربي" الماورائي "منذ بداية هذا الفكر حتى يومنا هذا . والقراءة التفكيكية هي قراءة مزدوجة تسعى إلى دراسة النص أياً كان دراسة تقليدية أولاً لإثبات معانيه الصريحة، ثم تسعى إلى تقويض ما تصل إليه من نتائج في قراءة معاكسة تعتمد على ما ينطوي عليه النص من معان تتناقض مع ما يصرح به . ويمكن القول إن دريدا يسير على أثر كلٍّ من نيتشة وهايدغر في فلسفتهما العدمية والهدمية ( ).
لقد استطاع التفكيك أن يسهم في زعزعة المسلمات التقليدية الميتافيزيقية الغربية إلا أنه وصل إلى دوامة محيِّرة ، إذ إن دريدا لم يطرح بديلاً عن هذه المسلمات بعد أن قوّضها ، بل إن البديل نفسه كما يرى دريدا لا بد يتسم بسمات الميتافيزيقا لا محالة ( ) .
لقد انبثق التفكيك على يد دريدا بعد قراءة لفلسفات أفلاطون وكانط وهيجل وروسو ونيتشة وهوسرل وهايدغر ( ) . ولكن يبدو أن أكثر الفلسفات تأثيراً في التفكيك هي الفلسفة النيتشوية حتى إن دريدا يجعل النص يتماهى مع نيتشة فيقول : "" إن مستقبل النص / نيتشة لم يقفل "" ذلك لأن النص قابل لأن تعاد كتابته وقراءته ضمن سياقات جديدة ، وإن حقيقة النص لا تقتصر على إرادة مؤلفه ، وإنما على إرادة قارئه ( ) . ولذلك فإذا كان هناك من يختزل فلسفة نيتشة كلها بكونها تقوم مبدأ " إرادة القوة " ( ) ، فإن تفكيكيـة دريدا وهـايدغر يمكن أن تُختزَل بكونها إرادة الإرادة ( ) . وإذا كان نيتشة قام بتفكيك فكرة الحقيقة عن طريق جمهرة عاجَّة من الاستعارات ، فإن دريدا يمارس ذلك أيضاً على مستوى النص والفلسفة عموماً بتحويلها أيضاً إلى استعارات وإيحاءات ورموز لا يمكن أن تعني شيئاً ( ) ، وبذلك تكون التفكيكية قائمة على تلاعبات بلاغية نيتشوية بالألفاظ ( ) .
من هنا يمكننا أن نؤكـد أيضاً أن التفكيك في الواقع لا ينفصل عن محيطه الفلسفي الذي نشأ فيه ، ولا يمكن فصله عن الشك السائد في الفلسفة الغربية ، إذ تنطلق استراتيجية التفكيك من موقف فلسفي مبدئي قائم على الشك ، يمتزج هذا الشك بإحساس شديد باليأس والإحباط ، وخصوصاً بعد فشل العلم في تحقيق السعادة والأمان والمعرفة اليقينية للإنسان ، وذلك بعد إلقاء قنبلتين ذريتيين في الحرب العالمية الثانية ، وارتبط ذلك أيضاً بإحساس جديد بالخديعة ، تمخض ذلك عن تجربة الإنسان مع العلم والتكنولوجيا حيث لم يجن الإنسان بعد طول اعتداد بالعلم إلا الدمار والجهل المتفاقم ( ) .







المطلب الثاني
أسس القراءة الهرمينوطيقية
تمهيد :
لقد عرضنا موجزاً عن المنهج الهرمينوطيقي التفكيكي، لكي يكون ذلك تمهيداً لبيان الأسس التي يقوم عليها هذا المنهج ، وسوف يتبين لنا فيما بعد أن هذه الأسس نفسها هي التي سنراها عند الخطاب العلماني في ممارسة التأويل وهي المتحكمة بقراءته للقرآن الكريم .
إن هذه الأسس التي سنتحدث عنها يمكن أن تعتبر من حيثية أخرى مآلات آلت إليها الفلسفة الغربية عموماً ، وانعكس ذلك بشكل مباشر على قراءة النص ، ولكن لا يعني اختيارنا لهذه الأسس بالتوضيح والبيان أنها ثابتة ومستقرة ونهائية في الفكر الغربي ، لأن الانتقادات تكتنفها من كل جهة ، وتكاد تكون أُجهضت دون أن يُطرح بديل ، وإنما القصد هو أن نكشف أن هذه الآليات المستهلَكة في الفكر الغربي لا يزال الخطاب العلماني العربي يجترها ويتقمصها على أنها آخر ما توصلت إليه المنهجيات الحديثة ، وعلى أنها الوسائل الضرورية اللازمة لفهم النص وتحليل الخطاب .
ونوجز الآن أهم هذه الأسس :
أولاً – انعدام البراءة في القراءة " وكل قراءة هي إساءة قراءة " :
إن من أخطر الأفكار التي شاعت بعد سيطرة الحداثة وما بعدها هو أن القراءة لا يمكن أن تكون بريئة ، لقد كان قبل ذلك روبرت شولز يسلم بوجود قراءة بريئة للنص ، ولكن هذه القراءة البريئة ماتت مع الحداثة ، ولم يعد بمقدور المتلقي أن يتعامل مع النص باعتباره علامات شفافة تدل على معنى، وأصبح الاتجاه الشائع بين الحداثيين الجدد أن كل قراءة تعتبر إساءة قراءة ( ).
إنها في الحقيقة فكرة ترتبط بموقف فلسفي يسيطر على العقل الغربي وهو اليأس من تحصيل اليقين ، مما جعل المعرفة كلها ذات طبيعة افتراضية ، فهي دائماً بانتظار التعديل والتغيير ، وانهارت مقولة المعرفة الموضوعية ، أو المعرفة اليقينية ( ) .
بهذا الشكل تصبح القراءة عملية تغيير للحقيقة ، وليست نقلاً أو تفسيراً لها ، إن خلق القراءة وهو فعل تنبؤي وبلاغي ينتج عن خطأ ، إنه حالة الحافة ، ولذلك فكل القراءات خطأ قراءات بالضرورة لأن النصوص غير قابلة للقراءة ( ) .
والقول بأن كل قراءة إساءة قراءة إذ تأملنا فيه قليلاً لا يختلف عن القول بأن كل القراءات صحيحة ، مع أن الظاهر أن هذه المقولة بعكس سابقتها ، إن المعنى في المقولتين واحد وهو أن كل قراءة صحيحة إلى حين إلى أن تجيء قراءة أخرى بتفسيرٍ آخر للنص تُحوِّل القراءة الأولى إلى إساءة قراءة ، وتنتظر هي الأخرى قراءة جديدة تُحوِّلها إلى إساءة قراءة وهكذا ( ) . "" إن خاصية اللغة الأدبية تكمن في إمكانية إساءة القراءة وإساءة الفهم "" وإن النص الذي لا يسمح بإساءة القراءة لا يدخل في دائرة الأدب وإن قيمة النص تعتمـد على تشجيعه لخطأ القراءة المستمر ( ) .
ويعرف دي مان صاحب فكرة إساءة القراءة فكرته هذه بقوله : "" إنني أعني بإساءة القراءة الجيدة نصاً يُنتِج نصاً آخر يمكن اعتباره هو الآخر مثيراً للاهتمام ، نصاً يولد نصوصاً أخرى "" ( ) . "" إن إساءة القراءة ليست قراءة خاطئة ، بل عملية الخروج عن المألوف لكل قراءة "" ( ) .
لهذه الطريقة في تصور النص وقراءته تراث طويل يعود وفقاً لـ هارولد بلوم إلى القبلانية اليهودية الرمزية ، وإلى فكر دي فيكو 1668 – 1744 م مؤسس فلسفة التاريخ وعلم نفس الأمم ، وبخصوص القبلانية كتب بلوم في مؤلف عن والاس ستيفن "" إن القبلانية تسيء قراءة كل لغة ليست قبلانية وأنا أؤكد أن كل شعر قوي متأخرٍ يسيء قراءة كل كـلام ليس شعـراً "" ( ) .
وفكرة إساءة القراءة أدخلها إلى الأدب التفكيكي هارولد بلوم كما يشير بيرف . زيما ( ) . وتعني أن الشاعر القوي يكيف النص السابق " الأب "( ) مع حاجاته الأدبية والجمالية الخاصة به بهدف التخلص من التأثير المُشل الذي تمارسه عبقرية الأب ، إنها ليست قراءة مغلوطة بل هي تكييف شخصي ومتميز يمكن مقارنته بما يسميه روبير إيسكاربيت " خيانة خلاقة " ( ) .
أخيراً : ألا يمكن أن نربط بين هذه الفكرة وبين التحليل النفسي الفرويدي باعتبار فرويد رسَّخ في الشعور الغربي المعاني السلبية للنفس البشرية  إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ  ( ) وغلَّب هذا السوء دائماً على الإيجابيات الأخرى الموجودة في النفس( ) ، ومن هنا جاءت إساءة القراءة لسوء الظن المتفاقم بالنفس الإنسانية ، ألم يقل فرويد بأن الاستعداد للانحراف إنما هو خاصية إنسانية أساسية وعامة وأنه جزء من الجبلة ( ) . فلا بد على ضوء ذلك أن نبحث في النص عما يخفيه ، وعما يفلت من صاحبه بدافع من سوء الظن ، وغلبة الخيانة ، وندرة الأمانة .
هذا بالإضافة إلى أن نظام التأويل عند فرويد يقوم على البحث عن الباطن أولاً ، كسلاح تشكيكي ضد الوعي المزيف ، وحل رموز النفس ( ) . ويقوم على كشف الخداع والقسوة والريب والمناوأة والمراوغة وغير ذلك عن طريق كشف المعنى في الأحلام وزلات اللسان وعدم الثقة في المستوى السطحي أو الفهم الواعي ( ) .
وهكذا فالقراءة بالمفهوم البنيوي والتفكيكي لا يمكن أن تكون بريئة ، وهو ما أكده ممثلو البنيوية بشكل دائم ( ) . وعدم وجود قراءة بريئة لا يعني أن القراءة خاطئة ، فلا توجد قراءة خاطئة لأنه لا وجود لقراءة صحيحة أصلاً ( ) .
وهكذا تضرب البنيوية بجذورها في أعماق النسبية .


ثانياً - موت المؤلف :
إذا كان الإله قد مات في الفكر الغربي منذ بداية عصر النهضة ، وكانت صرخة نيتشة " مات الله " [سبحانه وتعالى] بمثابة تصريح رسمي بالوفاة وأصبحت الصورة الأكثر وضوحاً في الفلسفة الغربية من هيجل إلى نيتشة هي فكرة موت الله [سبحانه وتعالى] وأنه ليس أكثر من اختراع ، أو حيلة شيطانية ( ) ، فإن الإنسان بعد أن احتل المركز في الفلسفات الإنسية الغربية، ووضع نفسه مركز الكون ، وفرض نفسه كمرجعية نهائية ( ) ، عادت فلسفة الحداثة فقتلت الإنسان وأزاحته عن المركز وجعلته شيئاً ضمن أشياء ، مجرداً من خصائصه الإنسانية ، ومندمجاً ضمن أنماط وسلع مختلفة دون أي تميز ( ) .
انعكست هذه العدمية على عملية قراءة النصوص ، فمع التركيز على اللغة وكيفية عملها ودلالاتها ، ومع تطور المنهج البنيوي ودعوته إلى محاربة المذهب الإنساني ، ومع شيوع الطرح التفكيكي ، لم يعد المؤلف يتمتع بالميزات التي كان يحظى بها من قبل ، فلم يعد يُنظر إليه على أنه عبقري ، وإنما هو مستخدم للغة ، لم يبتدعها بل ورثها مثلما ورثها غيره ، ولذلك فهو ليس منشئاً للنص أو مصدراً له ، يحتكر معناه ويوجه قارئه ، وإنما أصبح المعنى يعتمد على القارئ الذي يستمد معرفته من الدربة والموهبة والكفاءة ، وما المؤلف إلا ناسخ يعتمد على مخزون هائل من اللغة الموروثة ، وهذه اللغة هي التي تنطق وتتكلم وليس المؤلف ، أدى كل ذلك في النهاية إلى استبعاد المؤلف ثم إعلان موته ( ) .
ومن أبرز الفلسفات التي أعلنت موت الإنسان كانت البنيوية ( ) وتزامن ذلك مع موت المؤلف وموت الذات ، ولعل كلود ليفي ستروس قد قنن هذا الموت حين قال "" إن هدف العلوم الإنسانية ليس بناء الإنسان وإنما تذويبه "" ( ) ، وانعكس ذلك على الأدب فكان إعلان رولان بارت سنة 1968 م عن موت المؤلف بمثابة تصريح رسمي آخر بالوفاة في مجال الأدب ( ) شبيه بتصريح نيتشة في حقل الفلسفة . "" لقد مات المؤلف بوصفه مؤسساً للنص ، ولذا لم يعد في مقدوره أن يمارس تلك الأبوة الرائعة "" ( ) . "" إن اللسانيات قدمت أداة تحليلية نفيسة لتدمير المؤلف ، فقد أوضحت أن التعبير في جملته إنما هو سيرورة فارغة تعمل بشكل كامل دون أن تكون ثمة ضرورة لكي تُملأ بشخص المخاطَبين ، فالمؤلف لسانياً لم يكن قط أكثر من ذلك الذي يكتب "" ( ) .
ولكي يصل القارئ إلى معشوقه " النص " لا بد من موت المؤلف ، وعندئذ تنقطع الصلة بين النص وقائله ، فتصبح اللغة هي التي تتكلم وليس المؤلف ، فيقتل رولان بارت المؤلف ليستأثر هو بحب معشوقه النص ، وينتصر القارئ على المؤلف ، ويخلو الجو للعاشق لكي يمـارس حبه مع محبوبه ( ) ، ومن هنـا فإن "" مـوت الكاتب هو الثمن الذي تتطلبه ولادة القارئ "" ( ) . "" لأن الكتابة هدم لكل صوت ولكل أصل . فالكتابة هي هذا الانحراف الذي تهرب فيه ذواتنا ، الكتابة هي السواد والبياض الذي تضيع فيه كل هوية "" ( ) .
لقد كان مالارميه هو أول من رأى في فرنسا وتنبأ بضرورة وضع اللغة نفسها مكان ذلك الذي اعتُبر إلى هذا الوقت مالكاً – أي المؤلف - فاللغة بالنسبة إليه كما هي الحال بالنسبة إلينا هي التي تتكلم وليس المؤلف ( ) . ومن هذا المنطلق قرأنا آنفاً قول بول ريكور : "" أحياناً يطيب لي أن أقول إن قراءة كتاب ، ما هي إلا النظر إلى مؤلفه وكأنه قد مات ... وبالفعل تصبح العلاقة مع الكتاب تامة وثابتة بشكل ما عندما يموت الكاتب "" ( ) . لقد كان هذا الشعار موت المؤلف سبباً في انهيار البنيوية ( ) ، ومع أن التفكيكية قامت على أنقاض البنيوية ،إلا أنها لم تتخل عن هذا الشعار بل أضافت إليه موت النص نفسه ( ) .
وهكذا يمكن القول إن الفلسفة الغربية أماتت الله [عز وجل] من أجل أن تحيي الإنسان وترفع من قدره وتتيح له الحرية الكاملة في تفسير الكون وإنكار غائيته ، ولكن الإنسان فشل بعد ذلك فقتلته البنيوية وأزاحته عن المركز ، وكذلك قتلت الفلسفات اللغوية المؤلف من أجل أن تُتيح للقارئ أكبر قدر ممكن من الحرية والإبداع ولكن ذلك أدى في النهاية إلى موت المؤلف في البنيوية ثم موته مع نصه في التفكيكية .
ثالثاً - خرافة القصدية :
لقد درسنا في مكان آخر موقف الخطاب العلماني من المقاصد ، وبيّنا هناك كيف يشيدون بالمقاصد ، ويعوِّلون عليها كثيراً ، ولربما يخطر في البال أن هذا العنوان خرافة القصدية الذي نعتبره أصلاً غربياً للقراءة العلمانية العربية يتناقض مع ما قررناه هناك من دعوة العلمانيين إلى المقاصد ، ولكن هذا الإشكال يزول سريعاً إذا تذكرنا أننا نبهنا مراراً إلى أن المقاصد التي يريدها العلمانيون ليست هي مقاصد الباري عز وجل قائل النص ومنزله ، وليست مقاصد النص منطوقاً أو مفهوماً ، وإنما مقاصدهم هم كقراء يسهمون في إنتاج دلالة النص ، وهذه الفقرة ستزيد ما نقوله وضوحاً .
شاع مصطلح " خرافة القصدية " منـذ استخدمها كلينث بروكس لأول مرة سنة 1954م "" وكان الهدف من ذلك تحقيق درجة من الموضوعية العلمية القائمة على التجرد من الذات ، ذات المبدع وذات المتلقي والاحتكام فقط إلى النص في حد ذاته ، ولكن نقاد الحداثة والتفكيكيين على وجه الخصوص طوروا مبدأ انتفاء القصدية إلى درجة من فوضى التفسير ، فقصد المؤلف غير موجود في النص ، والنص نفسه لا وجـود له ، وفي وجود ذلك الفراغ الجديد الذي جاء مع موت المؤلف وغياب النص تصبح قـراءة القـارئ هي الحضـور الوحيد "" ( ) .
كان القراء يستقبلون النصوص وكأنها رسائل من مُرسِل يُركِّزون فيها على المرسِل فيدرسون سيرته وعصره ، ويحللون نفسيته ، ويبحثون عن مقاصده ، حتى ليجعلون النص وثيقة تاريخية تدل على زمنها ، ولذلك يتم التركيز على الكاتب أكثر من الاهتمام بالنص ، ويجعلون نية الكاتب أساساً لتفسير النصوص ، وهذا يجعل الكاتب فوق النص ، وفوق القارئ ، ويجعله متسلِّطاً على حركة اللغة والذهن ، وهذا تسبب في كبح معالم الشاعرية والإبداع في القراء ، مما أدى في النهاية إلى ردة فعل قوية أخذت تنظر إلى النص على أنه عمل منعزل عن مؤلفه وعصره ، وعلى القارئ أن يضفي عليه الدلالات التي يرغب بها ، ويُسقـط عليه مـا يشـاء من أفكار ( ) . وبذلك يصبح القراء أحراراً في قراءة النص لهم أن يفعلوا به ما يشاؤون، ولهم أن يتجاهلوا قصد المؤلف، وأن يقوِّلوا النص ما يريدون( )، ويصبح النص خاضعاً لصنع القارئ، يُقرأ بطريقة تجعل المؤلف غائباً على كافة المستويات( ) "" وإن الناسخ أو القارئ حين يخلُف المؤلف لا يجد في نفسه انفعالات ولا بشائر ولا مشاعر ولا انطباعات، ولكنه يجد هذا القاموس
الهائل فينهل منه كتابة لا تعرف أي توقف "" ( ) . أما نية المؤلف فلا يجب استحضارها إطلاقاً ( ) ، والبحث عنها وهم ( ) . وعلى ذلك فليس لنا الحق في أن نسأل من إذن هذا الذي يؤول ؟ فالذي يوجد هو التأويل نفسه ، وهو شكل من أشكال إرادة القوة ، ولا يوجد بوصفه كائناً ، ولكن بوصفه سيرورة وصيرورة ( ) .
فتحليل الخطاب يتم إذن دون إرجاعه إلى الكوجيطو ، فهو لا يطرح مسألة : من يتكلم ؟ ومن يتجلى أو يختفي في ما يقال ، ومن يمارس حريته المطلقة حين يتكلم ، أو من يخضع لضغوط ، إنها بنظره [أي بنظر المنهج البنيوي] أقوال مبنية للمجهول ( ) . وعلى القارئ أن يتخيل أن كل سطرٍ يخفي دلالة خفية ، وأن النصوص يمكن أن تقول كل شيء باستثناء ما يود الكاتب التدليل عليه ( ) .
ففي اللحظة التي يتم فيها الكشف عن دلالة ما ، ندرك أنها ليست الدلالة الجيدة ، إن الدلالة الجيدة هي التي ستأتي بعد ذلك ، وهكذا دواليك "" إن الأغبياء أي الخاسرين هم الذين يُنهون السيرورة قائلين لقد فهمنا "" ( ) ، فالتأويل بذلك إجراء مفتوح لا تختزله أية رؤية ( ) . ومهمته الكشف عن "" شيء النص غير محدود "" ( ) ، وفهم النص أحسن ما يفهمه مؤلفة ( ) .
لأن النص أياً كان نوعه - في المنظـار البنيوي – ما إن يتقدم به صاحبه حتى يغدو مشاعاً بين كل متقبليه ، بل لنقل إن صاحب النص يتخلى بمجرد إفضائه بنصه عن ملكيته ، ويفوِّض لكل قارئ حق التصرف فيه ، وهذا يعني أن كل قارئ لأي نص إنما هو مالك له في لحظة قراءته إياه ( ) .
وتتحول بذلك علاقة النص بصاحبه إلى علاقة ناسخ ومنسوخ أي أن دور المؤلف كان مجرد أن نسخ النص بيده أو قاله بلسانه ( ) .
رابعاً - لا نهائية المعنى :
إذا كان المؤلف قد مات ، والبحث عن مقاصده وهم ، ولا توجد قراءة بريئة ، واللغة نظام من الرموز والإشارات، فإن النهاية لابد أن تكون " لا نهائية المعنى " ، وهي عبارة تساوي في حقيقتها رغم التناقض الظاهري "نهائية المعنى "، لأن النص بالفعل لم يبق له معنى، والمعاني التي تلحق به ليست للنص، وإنما معاني ألصقها القراء بالنص ، يمكن القول إنها إبداعات تبحث عن أصل ، فلا تجد إلا النص تجعله مركزاً لنفسها مهما كانت المسافة بينها وبينه غاية في البعد، لأن الانفصام قد حصل بين الكلمة والشيء، بين الدال والمدلول، بين الذات والموضوع فأصبح المجال رحباً للذاتية والمزاجية، والعدمية والنسبية ( ).
ولم يعد المقصود من قراءة النص هو الوصول إلى معنى أو البحث عن العمق لأنه "" ليس ثمة عمق لذلك ، فالمطلوب هو أن نجوب فضاء الكتابة لا أن نخترقه والكتابة تضع المعنى باستمرار ، ولكن قصدها من ذلك هو تبخيره "" وإن رفض المعنى النهائي يعتبر نشاطاً ثورياً ، لأنه في النهاية رفض لللاهوت ولأقانيمه ورفض للعقل والعلم والقانون ( ) .
إن النص أصبح إشارات ودوال حرة لا تقيِّدها حدود المعاني المعجمية ، وأصبح للنص فعالية قرائية إبداعية تعتمد على الطاقة التخييلية للإشارة في تلاقي بواعثها مع بواعث ذهن المتلقي ، وأصبح القارئ المدرب هو صانع النص ، والقراءة تغدو عملاً إبداعياً كإنشاء النص ، لأن النص جنين يبحث عن أب يتبناه ، وما ذلك الأب إلا القارئ المدرب ( ) .
إن هذا هو جوهر التفكيك حيث يغيب المركز الثابت للنص ، ولا تبقى أي نقطة ارتكاز يمكن الانطلاق منها لتقديم تفسير معتمد أو قراءة موثوق بها ، إنه ما يسميه التفكيكيون " اللعب الحر للغة " ولذلك فلا توجد قراءة واحدة ، بل كل قراءة نقدية هي في حقيقة الأمر فشل قراءة ، أو إساءة قراءة كم أسلفنا ( ) .
وهكذا في ظل ارتباط العلامة في النسق الأدبي بعدم القدرة على تحديد مشار إليه بعينه ، أو الإشارة إلى أكثر من مدلول في نفس الوقت تتحول القراءة الحديثة إلى ما يشبه لعبة مكعبات الصور الخشبية ، مفتوحة النهاية ، كما تقول إديت كروزويل . ولمواجهة تلك المراوغة التي تمارسها الدلالة يلجأ النقاد الحداثيون إلى مجموعة من حيل القراءة التي تساعدهم في إنطاق النص بدلالة ما أو بإحدى دلالاته ( ) .
ويمثَّل لهذه العلاقة بين التفكيكي والنص بصورة راقصين يُراقص كل منهما الآخر في حركة مراوغة مستمرة يهتز كل منهما إلى الجانب المعاكس من جانب رفيقه دون أن يتقابلا في منتصف الطريق إلا لثوان عابرة لا يمكن وصفها بالثبات ، والطرف الذي يُرهَق في هذه الرقصة المتكررة كل ليلة هو النص ، لأنه مضطر لمراقصـة كـل الحـاضرين وفي كل ليلة ( ) .
لكن الأمر في الحقيقة أكثر فوضوية من هذه الصورة ، فالتفكيكية تخرِّب كل شيء، وتشكك في كل الأفكار المستقرة عن العلامة واللغة والنص والسياق والمؤلف والقارئ والتاريخ ، وتقوِّض كل شيء دون أن تبني شيئاً ( ) . إنها قادرة على الهدم الذي لا يعجز عنه أحد ، ولكنها لم تقدم خياراً ذا قيمة ( ). لقد اختـرع مؤسس التفكيك دريدا معنى المعنى( ) ويعني به العلاقة التضمينية اللامتناهية، والإحالة غير المحدودة من دالٍّ إلى دال، وقوته هي نوع من الالتباس الخالص واللامتناهي، والذي لا يستقر على مدلول ( ).
وتكـون النصوص بذلك في نظر التفكيكيين ذات بنى مأزقية غير قابلة للاختزال( ) بسبب " انزلاقات المعنى " التي تُنتجها قابلية التكرار والقراءة مما يجدد دلالات العلامات والإشارات باستمرار ودون توقف ( ) . إن كلمة دون توقف تعني أنه ليس هناك معنى للنص ، لأن المعنى لا يستقر ، وحضور المعنى غير قابل للتحقيق أبداً ، لأنه يكون قد بات في حالة إرجاء دائم كما يقول دريدا ( ) . ومن هنا بنظر دريدا فإن " المشروع التأويلي الهرمينوطيقي " الذي يفترض معنى حقيقياً للنص لا أساس له في هذا النظام " ( )، والقول بلا نهائية المعنى هو المدخل الرئيس للتفكيك ( ).
فإذا كان القارئ قديماً يقرأ النص بوصفه يحمل معنى ودلالة ، فإن التركيز الآن يتم في داخل نسيج النص على الفكرة التوليدية التي يتخذها النص لنفسه ، ويشتغل بها من خلال تشبيك دائم ، إن النص أصبح مثل نسيج العنكبوت الذي يزداد تشابكاً ، وقائله مثل العنكبوت التي تذوب بين خيوطها ( ) .
وهكذا فالمبدأ الأساسي الذي يسيطر على عملية الفهم المعاصرة هو الإعراض عن قوانين التأويل ونظام الخطاب ( ) ، بل إن التأويل أصبح منذ ماركس ثم فرويد ونيتشة مهمة لا نهاية لها، وأصبح لدى هؤلاء أن الخطر الأساسي الذي تجب محاربته هو الإيمان بوجود علامات تتمتع بوجود أصلي أولي حقيقي ، ومهما تعددت التأويلات فإن كل تأويل يجد نفسه مرغماً على أن يُؤوِّل ذاته إلى ما لا نهاية ، وإن يجدد نفسه دائماً يقول فوكو "" .. أن نتمكن ذات يوم من وضع نوع من المجامع العامة ومن الموسوعات التي تضم جميع تقنيات التأويل التي أمكننا معرفتها ... إني أظن أن هذه المدونة الضخمة التي تضم جميع هذه التقنيات لم يكتب منها حتى الآن إلا فصولاً قليلة "" ( ) .
أخيراً يلخص هارتمان بكلمة مختصرة علاقة القارئ بالنص في الفكر الحداثي حين يقول: "" إن من حق القارئ العنيد أن يجد في النص ما يصبو إليه "" ( ) . وهكذا يريد العلمانيون من القرآن الكريم .
خامساً - التناص :
ويقال أحياناً "البين نصية " وهما بنفس المعنى ترجمة لكلمة واحدة هي intertexfuality التناص أو البين نصية كلمة مناقضة لـ " النصية " ففي هذه الأخيرة النص منتَج مغلق ، فهو نسق نهائي يمكن تحليله وتفسيره في ضوء علاقات وحداته داخل نسقه الأصغر " النص " بعضها ببعض ، وفي ضوء علاقته كنسق بالنسق الأكبر أو نظام اللغة التي ينتمي إليها وتحدد قواعد تشكيله ( ) .
أما التناص فهو نقيض ذلك تماماً فالنص ليس تشكيلاً مغلقاً أو نهائياً ، ولكنه يحمل آثار نصوص سابقة تسهم في تشكيله ، وحيث إن القارئ أيضاً له أفقه وتوقعاته وتشكُّلاته فمعنى ذلك لا يوجد نص وإنما يوجد " بين نص " فقط وهذا " البين نص " كائن متغير مراوغ ، ويزداد مراوغة نتيجة الحوار بينه وبين القارئ ، وبهذا يصبح التناص الأساس الأول لـ " لا نهائية المعنى " في استراتيجية التفكيك ( ) .
إن النص على ذلك ليس ذاتاً مستقلة أو مادة موحدة، ولكنه سلسلة من العلاقات مع نصوص أخرى، ومقتطفات أخرى، يحتوي على كم هائل من الأفكار والمعتقدات والإرجاعات التي لا تتآلف، تشكلت من نصوص سابقة، وتسهم في تشكيل نصوص لاحقة ( ).
فالتناص إذن في التأويليات الحديثة هو علاقة النص أو الكلمة بالقارئ وبالنصوص الأخرى وبالثقافة "" إن كل كلمة وهي تتجه نحو هدفها تدخل بيئة حوار مضطرب مليئة بالتواترات ، بيئة من كلمات غريبة ، ومن أحكام القيمة والتأكيدات ، وتتداخل مع علاقات معقدة وتتملص من أخرى ، تختلط بالبعض ، وتنفر من البعض الآخر ، وتتقاطع مع مجموعة ثالثة "" ( ) . يعني أن كـل نص صدى لنص آخر( ) ، لأن كل كلمة في النص سبق استخدامها وهكذا إلى ما لا نهاية ( ) . "" إننا لنعرف الآن أن النص ليس سطراً من الكلمات ينتج عنه معنى أحادي … ولكنه فضاء لأبعاد متعددة تتزاوج فيها كتابات مختلفة ، وتتنازع دون أن يكون أي منها أصلياً : فالنص نسيج لأقوال ناتجة عن ألف بؤرة من بؤر الثقافة . إن الكاتب لا يستطيع إلا أن يحاكي حركة سابقة له على الدوام ، دون أن تكون هذه الحركة أصلية "" ( ) . "" النص مصنوع من كتابات مضاعفة ، وهو نتيجة لثقافات متعددة تدخل كلها بعضها مع بعض في حوار ، ومحاكاة ساخرة ، وتعارض . ولكن ثمة مكان تجتمـع فيـه هـذه التعـددية ، وهـذا المكـان ليس الكاتب كما قيل إلى الـوقت الحاضر ، إنه القارئ "" ( ) .
سادساً - الفراغات :
ميشال فوكو الذي يعتبره البعض مخترع نظرية الفراغ ( ) يحدد معنى هذه المقولة بقوله : "" إن وراء كل بداية مظهرية يكمن دائماً وباستمرار أصل خفي ، بلغ من الخفاء والعمق حداً يصعب معه علينا تملكه وإحكام القبضة عليه ، حتى أننا لننساق رغما عنا عبر وهم سذاجة التسلسل التاريخي والزماني للأحداث نحو نقطة تتباعد بشكل محدود نحو نقطة لم يعرف لها التاريخ مكاناً ولا زمناً ، أي نقطة لن تكون سوى فراغ ... إن كل خطاب ظاهر ينطلق سراً وخفية من شيء ما تم قوله ، وهذا " الما سبق قوله " ليس مجرد جملة تم التلفظ بها ، أو مجرد نص سبقت كتابته ، بل هو شيء " لم يُقل أبداً " إنه خطابٌ بلا نص ، وصوت هامس همس النسمة، ثم التلفظ به في هـذا الصمت شبه المطبق … فالخطاب الظاهر ليس في نهاية المطاف سوى الحضور المانع لما لا يقولهـ، وهـذا " الما لا يقال "هـو باطن يُلغِّـم ومن الداخـل كل ما يقال""( ) .
فهي مقولة إذن تعني أن "" النص يحفل بفجوات ومناطق صمت يجب على الناقد أن يملأها ويُنطقها ، وأن وجود هذه الفجوات والصوامت يعني أن النص غير مكتمل "" ( ) .
هذه الفراغات هي التي تمنح القارئ الحرية في تقويل النص وإنطاقه هي التي تمنح النص لا نهائية المعنى أما المؤلف المسكين فقد مات ، إنها تتيح له أن يتصرف بالنص كما يحلو له ، يحذف مالا يروق له ، وينشئ ما يطيب له لأن "" التعطش إلى المعرفة ليدفع بنا أن نخلق بعض الفقرات أو نتجاوزها ، تلك التي نشعر بأنها مملة ، لكي نصل بسرعة إلى مواضع الطرفة المحرقة ... وإننا لنقفز بسرعة دون خوف من عقاب ، فلا أحد يرانا ، كمشاهد يستعجل الراقصة لكي تنزع عنها ملابسها ، ولكن ضمن أصول الطقس الرقصي "" ( ) .
سابعاً - الرمزية :
إن كل ما أفضنا فيه حتى الآن من حديث عن الهرمينوطيقا واللسانيات والبنيوية والتفكيكية والمآلات التي آلت إليها قراءة النص يستند في أساسه على اعتبار اللغة نظاماً من العلامات والرموز والإشارات الاعتباطية ( ) ، والدوال الحرة التي لا تقيدها المعاني المعجمية ( ) إنه "" لن يكون في مقدورنا تحقيق نمو العلاقات داخل النص إلا إذا نحن أخذنا بمبدأ " الإشارة الحرة " ذلك لأن المدلول المعجمي للعنصر اللغوي يظل قيداً يحاصر نبض النص "" ( ) .
لقد رأينا كيف يولي بول ريكور أهمية كبيرة للرمز ، ويستفيد أيضاً حتى من التحليل الفرويدي للأحلام ( ) .
ثم دفعت البنيوية بذلك إلى حدود قصوى حين اعتبرت الدوال "" قرائن تحل محل ما هي دالة عليه ، فالبنيوية بذلك تبوئ الرمز منزلة عليا ، بل كأنما تجعل الرمز موجوداً لذاته أكثر مما هو موجود لغيره أي المرموز إليه "" ( ) .
ثم تحول ذلك لدى التفكيكيين إلى أن الرموز أصبحت منخرطة في اللعب الحر اللانهائي للمدلولات ، وتحولت اللغة إلى أنساق من الرموز تقوم فقط بدور الدوال ، أما المدلولات فهي من إلصاق القارئ ، وهكذا "" يتخلى الاستقرار عن مكانه للدوامة ، والهويات للاختلاف ، والوحدات للمتعددات ، والمركز للمراكز اللانهائية ، والوجود لفلسفة اللغة ، والمعرفة للبلاغة ، والتصوف للكشف ، والألفة للفراغ ، والشعر للبينصية ، والملئ للفارغ ، والحقيقة للعب الحر ، والصواب للخطأ ، والتفسيرية للتفكيك ، والواحد - ليس للمتعدد - بل للانهائي "" ( ) .










المطلب الثالث
المسخة( ) العربية والتأويل المنفلت
أولاً – تمهيد :
التعويل على التأويل :
يُعوِّل الخطاب العلماني كثيراً على التأويل في قراءته للقرآن الكريم ، لأن التأويل مفهوم قرآني يمكن الولوج منه بسهولة إلى الغايات التي يبحث عنها هذا الخطاب وتحت هذه المظلة يمارس هذا الخطاب آلياته في القراءة والتي لا صلة لها بالمفهوم القرآني مطلقاً .
لقد قال هاملتون جب بصراحة : "" .. لكن الأجيال الإسلامية المعاصرة تحتاج إلى أكثر من هذا القول ، فيجب أن يُثبَت لها أن لا شيء في القرآن من التناقض ولا من الباطل ... وأن الفكر العلمي أو الروائي التاريخي المعاصر لم يكتشف شيئاً يعارض سلطة القرآن وأوامره ، لنصل بها إلى نتيجة لا نبلغها إلا إذا اعتمدنا على القول بأنه من كلام الله ، وأنه لا يجوز الخوض فيه قليلاً أو كثيراً ... فالمطلوب أساساً هو التأويل "" ( ) . وعلى هذا الدرب يخطو الخطاب العلماني حين يقرر "" .. ولهذا كان التأويل الطريق الملَكيُّ الذي انتهجه العقل العربي في طلب الحق ، بل إنه في النهاية طريق كل عقل في تعامله مع النص وفي قراءته لتاريخه "" ( ) .
هكذا فالتأويل طريق ملكي ، ثم إنه الطريق الوحيد لأنه طريق كل عقل ، وفي طلب الحق أيضاً ، ولكن التأويل عند الخطاب الآنف الذكر هو التحريف ، والنسخ ، والتزوير ، والتقويل !! ربما يظن القارئ أنني أتجنى وأبالغ ، ولكن لنقرأ النص التالي : "" مع أن مبرر كل مفكر جدير بلقبه أن يمارس التفكير بطريقة مغايرة للذين سبقوه إذا لم يشأ أن يكون مجرد شارح مبسط أو تابع مقلد ، أو حارس مدافع عن العقيدة والحقيقة ، والتفكير بصورة مغايرة يعني أن نُبدِّل وننسخ أو نُحرِّف ونُحوِّر أو نُزحزح ونُقلِّب أو نُنقِّب ونكشف أو نحفر ونُفكِّك ، أو نُرمِّم ونُطعِّم ، أو نُفسِّر ونُؤوِّل، فهذه وجوه للتفكير وللقراءة في النصوص لا أزعم أني أقوم بحصرها واستقصائها ""( ). إنها جميعاً معاني وآليات ممكنة لقراءة النصوص والتفكير فيها ومن هنا نجد أركون "" منشغل منذ زمن بتأويل النص المقدس أو الذي قدسه تراكم الزمن ومرور القرون "" ( ) .
ربما يكون ذلك لأن التأويل بنظر الخطاب العلماني "" هو الصخرة العاتية التي تكسرت عليها وحدة الفكر الإسلامي"" ( ). وبالتالي يمكن لهذا الخطاب أن يُسهم بدوره في تكسير هذه الوحدة "" إن التأويل إحياء لثقافتنا، بل لا إحياء دون تأويل، التأويل هو طريقنا إلى الحياة ""( ). وذلك لأنه عن طريقه يتم اختراق النص بأفق اجتهادي تجديدي، وإقامة توازن بينه وبين الـواقع المتغير ( ).
هذا هو - إذن - الباعث الذي يدفع الخطاب العلماني للدفاع عن مفهوم التأويل ووضْعه في موضع المظلوم والمُدان في تراثنا وثقافتنا ، فالفكرة الشائعة – بنظره - في تراثنا تُعلي من قيمة التفسير، وتغض من قيمة التأويل ( )، وتتقبل الأول وترفض الثاني وتصمه بأنه ضلال وزيغ ( ) .
حصل هذا – بنظره - في مرحلة متأخرة وخصوصاً على أيدي الأشاعرة ، ولذلك فالعودة إلى التأويل عودة إلى الأصل ، لأن السلف - وفيهم الطبري ومن قبْله - كانوا يستخدمون التفسير والتأويل بمعنى واحد ( )، ولأن كلمة تفسير وردت مرة واحدة في القرآن ، وكلمة تأويل وردت سبع عشرة مرة ، مما يدل على أن التأويل أكثر لزوماً وضرورة من التفسير ( ) .
كما أن كلمة تفسير في أصل استخدامها تعني الواضح البين ، وهي بهذا المعنى لا تعكس المعنى المقصود من حركة الذهن المعرفية إزاء موضوع المعرفة وهو المعنى الذي تدل عليه كلمة تأويل ( ) . التفسير يرمي فقط إلى الكشف عن مراد قائل النص ومعنى الخطاب وهو ما لا يكتفي به الخطاب العلماني ، لأنه يطمح إلى أكثر من ذلك ، إلى انتهاك النص عن طريق التأويل، لأن التأويل صرفٌ للفظ إلى معنى يحتمله . بل يطمح إلى أكثر من ذلك ، إلى التفكيك الذي يقْطع الصلة بين النص وقائله وبين المعنى واحتمالاته ( ) .
هذا هو التأويل في المفهوم العلماني من حيث المبدأ وهو يبدو لنا جلياً من خلال الأسس التي يقوم عليها .
ثانياً - أسس التأويل في الخطاب العلماني العربي :
إننا هنا مضطرون لإعادة نفس الكلام الذي قرأناه حين تحدثنا عن أسس التأويل الهرمينوطيقي ، ولكن ستختلف إحالات الهوامش فقط ، فبدلاً من الحداثيين الغربيين أمثال دريدا وريكور ورولان بارت وميشيل فوكو سنجد هنا الأبواق العربية أمثال أركون وأبو زيد وطيب تيزيني وحسن حنفي وعلي حرب وغيرهم . إنها أسسٌ واحدة ، تنتمي إلى أرضية فلسفية واحدة ، فما هي هذه الأسس ؟
1 – الأصل في الكلام التأويل :
كل كلام يُتأول لأننا نتعامل مع لغة بشرية نسبية ، فالتأويل لازم من لوازم اللغة ، وهو صفة ملازمة لكل خطاب دون تفريق بين النص الواضح، النص " النص " في المصطلح الأصولي، وبين المجمل أو المبهم أو المتشابه ( ) . ودون تفريق أيضاً بين العقائد والأمور المعلومة من الدين بالضرورة والمجمع عليها ، وبين غيرها مما هو خاضع للاجتهاد والرأي . "" ومن ثم فالتأويل ضرورة للنص ، ولا يوجد نص إلا ويمكن تأويله من أجل إيجاد الواقع الخاص به ... حتى النصوص الجلية الواضحة التي لا تحتاج في فهمها إلى تأويل ... حتى هذه النصوص لفهمها حدساً تحتاج إلى مضمون معاصر يكون أساس الحدس "" ( )
وعلى ذلك يُعتبر أي شرح وأي تفسير نوعاً من التأويل لأن فيه اختياراً بين الألفاظ والكلمات ، وترجيحاً بين الآراء وهذا كله يعكس موقف الباحث ، فلا بد - بنظر الخطاب العلماني - من ملازمة التأويل لذاتية المفسر ( ) . لأن فهم النص لا يبدأ من قراءة النص وإنما يبدأ من خلفية القارئ وثقافته والدوال المكونة لهذه الثقـافة وآفـاقه المعـرفيـة وبين النص ( ) .
والقرآن على ذلك كله متشابه وفيه دلالات محتملة لا تحصى ، وتتيح للكل أن ينطقوا باسمه ( ) . وعلى ذلك لا يوجد نص مُحكم أو بالتعبير الأصولي " نصٌّ نص " يدل بمنطوقه على مفهومه دلالة مباشرة ولا يحتمل إلا وجهاً واحداً ، وإن وُجد فهو نادر جداً ، لأن طبيعة اللغة تعتمد على التجريد والتعميم في دلالتها ، ""وهذا من شأنه أن يجعل إنتاج الدلالة في اللغة بشكل عام وفي النصوص الممتازة بشكل خاص لا يفارق جدلية النص / القارئ . إن تحديد المعنى المرجوح من المعنى الراجح في الظاهر أو المؤول تحديد مرهون بأفق القارئ وعقله "" ( ) .
إن النص المحكم - بنظر الخطاب العلماني - الذي لا يحتمل إلا دلالة واحدة لا وجود له في الأرض ، قد يكون موجوداً السماء ، وليكن أما أهل الأرض فيريدون النص المتشابه المتعدد الاحتمالات الذي يلبي حاجات الواقع في كل تغيراته وتطوراته ( ) ، لأن النص المحكم ذو البعد الواحد الذي يكون أُحادي التصور نص إمبريالي دكتاتوري ، أما النص المتشابه المراوغ فهو النص الثري الذي يستجيب لإمكانيات القراءة المتعددة ( ) .
إن قوة النص في حجبه ومخاتلته لا في إفصاحه وبيانه ، في اشتباهه والتباسه ، لا في إحكامه وأحكامه ( ) ، فالنص ليس نصاً على المراد بقدر ما هو حيِّز لممارسة آلياته المختلفة في الحجب والخداع والتحوير ، والكبت والاستبعاد ، وهذا شأن كلمة الحقيقة ذاتها فهي تُخفي بالضبط ما تشير إليه ( ) .
ولشدة وقع الكلام الآنف الذكر قد يظن القارئ المسلم أن هذا الكلام بما أنه صادر عن مسلمين لا يمكن أن يكون القرآن داخلاً فيه ، أي لعل المقصود هو النصوص الأدبية وغيرها من نصوص البشر ؟ ولكن الحقيقة أن الخطاب المذكور يصرح بأنه لا يفرق بين النص القرآني وغيره من نصوص البشر "" فالنصوص جميعها سواء "" ( ) والقرآن ليس بمنأى عن ذلك ولا عبرة بكلام مفسري القرآن التقليديين ( ) .
2 - لا توجد قراءة بريئة :
هذا منطلق الخطاب العلماني لأن أي تأويل بنظره لابد من أن يستر وراءه بواعث أو غايات " أيديولوجية " فالقراءة لا يمكن أن تكون حيادية على ذلك لأنها تستند إلى ثقافة القارئ ومكوناته الفكرية والعلمية ( ) . وإن القول بقراءة بريئة أو خطاب برئ على صعيد الفكر الإسلامي يمثل خطلاً معرفياً لا بد أن يتحدر من موقع " إيديولوجي " وهمي إيهامي ( ) .
ومن هنا ذهب الخطاب العلماني يردد في مواطن كثيرة هذه الكلمة التي قالها آلتوسير وهي أنه لا توجد قراءة بريئة ( ) .

3 - ليس للنصوص معاني ثابتة أو دلالات ذاتية :
فلا توجد عناصر جوهرية ثابتة للنصوص ، بل لكل قراءة بالمعنى التاريخي ، الاجتماعي جوهرها الذي تكشفه في النص ( ) ، وليس للألفاظ أي دلالة ذاتية ( ) ، فالنص لا يحمل في ذاته دلالة جاهزة ونهائية ، بل هو فضاء دلالي ، وإمكان تأويلي ( ) .
والقراءة لا تخرج من مأزقها إلا إذا توقفنا عن النظر إلى النص بوصفه أُحادي المعنى ، وإلى القراءة بوصفها تتطابق مع النص ( ) ، لأن أحادية المعنى خداع على المستوى المعرفي ، وأحادية المعنى تعني حقاً إمبريالية النص ( ) ، ولذلك فالنص الذي ينص على الحقيقة ينتهي بانتهائها ، ولكن النص لا يقول الحقيقة ( ) . إن النص صورة ، بلا مضمون وروح بلا جسد ، والقـراءة هي التي تعطيه المعنى ، لأنه عمل إنساني خالص منذ تدوينه الأول حتى قراءته الأخيرة ، ولا يحتوي على معنى موضوعي ، والقراءة هي التي تحيله إلى معنى ، النص عمل إيديولوجي صرف ( ) . ولا يمكن الوصول إلى المعنى الحقيقي الموضوعي للنص ، والقصد الإلهي منه ( ) ، لأنه لا وجود لهذا المعنى فالمعنى متغير من عصر إلى عصر ( ) .
4 - تأنسن النص القرآني :
إن القرآن الكريم في منظور الخطاب العلماني كما أسلفنا لا يفلت من هذه القراءة النسبية المفتوحة فهو "" ما إن انتقل من فضائه الإلهي إلى الفضاء الإنساني حتى أخذ يعيش حالة من التشظي الدلالي المعنمي [!!] عبر البشر الفرادى والمجتمعين المتشظين وفق مواقعهم المجتمعية [!!] والمعرفية الأيديولوجية "" ( ) .
فمنذ أن نزل القرآن إلى البشر أصبح نصاً تاريخياً لأنه تحول من كتاب تنزيل إلى كتاب تأويل فأصبح كتاباً بشرياً "" تاريخياً واجتماعياً وتراثياً "" ( ) . إن كتاب التنزيل أطلق كتاب التأويل وأحدث معه نمطاً من القطيعة الإبستمولوجية النسبية ( ) وتحول "" النص منذ لحظة نزوله الأولى - أي مع قراءة النبي له لحظة الوحي - تحول من كونه نصاً إلهياً ، وصار فهماً " نصاً إنسانياً " لأنه تحول من التنزيل إلى التأويل . إن فهم النبي للنص يمثل أولى مراحل حركة النص في تفاعله بالعقل البشري "" لقد " تأنسن " النص . ( ) .
فالنص تدوين لروح العصر من خلال تجارب فردية وجماعية في مواقف معينة متعددة متباينة ( ) فهو عمل إنساني خالص ( ) لأنه يتحدث بلغة إنسانية نسبية ( ) ، فالوحي على ذلك تأنسن عندما تحول عبر الرسول إلى كلمة إنسانية ( ) "" إن النصوص الدينية ... تأنست منذ تجسدت في التاريخ واللغة وتوجهت بمنطوقها ومدلولها إلى البشر في واقع تاريخي محدد ، إنها محكومة بجدلية الثبات والتغير ، فالنصوص ثابتة في المنطوق متغيرة في المفهوم "" ( ) .
5 - النسبية :
ما دام القرآن تأنسن فليس من حق أحد من البشر في منظور الخطاب العلماني أن يُقرر معنىً نهائياً للقرآن ، لأنه عندئذ سيضع نفسه وصياً على الناس بوصاية إلهية .
حتى على مستوى العقائد لا يمكن لأحد من الناس أن يتكلم باسم الله لأنه سيجعل من نفسه نائباً عن الإله ، ومن هنا فليس من حق أحد أن يفرض تصوراً معيناً لله ، لأن الله بعيد عن المنال ، بعيد عن التصور ، ولا يمكن للبشر أن يصلوا إليه بشكل مباشر ، وإنما يقدمون عنه تصورات مختلفة بحسب المجتمعات والعصور ، ثم يتخيلون أن هذه الصورة هي الله ذاته، إن البشر لا يمكنهم أن يتوصلوا إلى الله إلا عن طريق وساطة بشرية هي اللغة ، وهي لغة نسبية خاضعة للتأويل ، ولذلك على المسلمين أن يُعيدوا النظر في العلاقة القديمة بين الإنسان والله ، كما فعل نيتشة ، عليهم أن يقوموا بتأويل التصور الموروث عن العصور الوسطى ، لأن هذا التصور مرعب مخيف يشل حركة الإنسان .
وعندما أعلن نيتشة عن موت الله فهو يعني موت تصور معين لله ، ذلك التصور كان ينبغي أن يموت لأنه تصور مظلم قمعي ، ليحل محله تصور أكثر محبة ورحمة وغفراناً . ويمكن القول إن التصور الحديث يتجلى بالأمل ، والخلود ، والحرية والعدالة ، هذا هو الله بالنسبة للتصور الحديث والعالم الحديث ( ) .
هذا هو التأويل العلماني لقضية الألوهية - أهم قضية يتحدث عنها القرآن الكريم - فليس من الضروري أن تظل كما فهمها النبي  وصحابته والتابعون ، لأن تصورهم لله تصور قروسطي ، قمعي ، مظلم ، عنيف ، مرعب "" إذ لا شك أن أي مؤمن وأي شاك ستطيب نفسه إن تمَكَّن من تفسير الحكمة الإلهية في إهلاك شعب مقابل ناقة تلدها صخرة ، كما لا جدال أن إيجاد تفسير معقول لإفناء قوم نوح في ضوء المعقول الآني الذي يفرض حرية الاعتقاد سيكون مريحاً لكثير من النفوس الحيرى والقلقة "" ( ) .
ومن هنا فإن القرآن بنظر الخطاب العلماني ليس له ثوابت ، بل هو مجموعة من المتغيرات يَقرأ كل عصر فيه نفسه ( ) ، وهو قابل لكل ما يُراد منه ، وهكذا وُظِّف في التاريخ ، ولا توجد قراءات صحيحة وأخرى خاطئة ، فالقراءات كلها صحيحة ، والخطأ هو قراءة المعاصرين للقرآن بمنظور غير عصري ( ) . ولذلك فمن "" السخف الحقيقي الذي نأباه على أنفسنا أن نحدد أخيراً المعنى الحقيقي للقرآن "" ( ) ، فليس للقرآن معنى محدد نهائي إنه "" يقول كل شيءٍ دون أن يقول شيئاً "" ( ) . إنه مفتوح على جميع المعاني ، إنه كون من العلامات والرموز ( ) ، ويمكن أن يتسع حتى لتأويلات المخالفين للإسلام ، ويتكيف مع كل الاتجاهات والأغراض ( )، لأنه من حق غير المسلمين الذين يعيشون في المجتمع الإسلامي أن يفسروا القرآن بما يوافق ثقافاتهم ومعتقداتهم ، ولذلك جاء النص مجملاً عاماً كلياً لأنه رحمة للعالمين وهداية للناس ( ) ، ومن يتمسك بفهم خاص يعتبره هو الفهم الصحيح بإطلاق يخرج من مظلة الرحمة الإلهية ( ) ، ذلك أن القرآن الكريم - بنظر الخطاب العلماني – "" لا ينُص على الحقيقة ، لأن الخطاب الذي يكون مجرد نص على الحقيقة ينتهي بانتهاء الوقائع التي هي إجراءات للحقيقة ... النص لا يقول الحقيقة بل يفتح علاقة مع الحقيقة "" ( ) .
ولذلك فالتأويل يعني أن الحقيقة لم تُقَل مرة واحدة ، وأن كل تأويل هو إعادة تَأَوُّل( ) ، ولا مانع أن يأتي التأويل بالمتناقضات، وكلما كان النص عصيِّاً على الفهم كلما أمكن توظيفه بشكل أكثر ( ) والنص القرآني قادر على توليد مختلف القراءات والتأويلات حتى التعارض والشقاق( )
6 - لا نهائية المعنى :
مضمون هذه الفقرة في الواقع لا يختلف عن مضمون الفقرة السابقة ، ولكننا أفردناها مستقلة فقط للتأكيد على أن النسبية التي يتحدث عنها الخطاب العلماني تؤدي إلى هذه النتيجة " الهرمينوطيقية " كما رأينا في المبحث السابق بشكل أكثر تفصيلاً .
فما دام القرآن كما رأينا لا ينص على الحقيقة ، ولا يقول شيئاً ويقول كل شيءٍ فإن المعاني فيه لا نهائية ولا تقف عند حد "" والذين يسعون لإرجاع نص حر غير منتظم تتفجر منه آلاف المعاني ... إلى عرض منهجي خطي إنما يقعون في تناقض لغوي سمج ، فلا يمكن نقل الكلام ذي البنية الأسطورية إلى مجرد كلام دال بدون إفقار قصي لجملة معقدة من المفاهيم ""( ) ولذلك فلا يحق لأي تفسير أن يُغلق القرآن، لأن النصوص تُنتِج دائماً دلالات جديدة مفتوحة مطردة( )،والركون إلى التفسير الحرفي موت للنص( ). ولذلك يجب أن يكون التأويل بلا حدود ( ) حيث تصل الكلمة إلى مرحلة التحرير ، تحرير الكلمة وإطلاق قيدها لتصل إلى درجة الصفر درجة اللامعنى ، أي درجة كل الاحتمالات الممكنة ، فالكلمة حرة مطلقة من كل ما يُقيِّدها، وبذلك فهي لا تعني شيئاً ، وهي قادرة في نفس الوقت على أن تعني كل شيء ( ) .
7 - الفراغات أو ما بين السطور :
لا يثق الخطاب العلماني بالنص القرآني ، لماذا ؟ بسبب قوته وممارسته للحجب والاستبعاد "" نحن لا نثق بالنصوص كل الثقة ، ليس لأنها تتصف بالضعف والركاكة ، بل بالعكس بسبب من قوتها بالذات ... ذلك أن الكلام القوي يمارس سلطته في الحجب والمنع والاستبعاد … يصدق هذا على كل النصوص التي تحتمل التأويل وبنوع خاص على النصوص الشعرية والنبوية والفلسفية "" ( ) .
ولأنه خطاب مثله مثل غيره في كونه إنتاجاً معرفياً ضمن منتوجات أخرى خاضع لإكراهات اللغة ، بالإضافة إلى كون النص القرآني - بنظر الخطاب العلماني - ذا بنية أسطورية فإنه يمارس آليات الحجب والطمس والتحوير والتحويل ( ) .
ولذلك على القارئ - بنظر الخطاب العلماني - أن لا يُعنى ""بما ينطق به الخطاب بقدر ما يُعنى بما يسكت عنه ويحجبه من بداهات ومصادرات "" ( ) . لأن "" مهمة الفهم هي السعي لكشف الغامض والمستتر من خلال الواضح المكشوف ، اكتشاف ما لم يقله النص من خلال ما يقوله بالفعل "" ( ) لأن ""الكلام مخادع مخاتل، والنص عمل متشابه مراوغ...فهو يلعب من وراء الذات "" "" وإذا كان النص لا يقول الحقيقة بل يخلق حقيقته فلا ينبغي التعامل مع النصوص بما تقول وتنص عليه، أو بما تعلنه وتصرح به، بل بما تسكت عنه ولا تقوله، بما تخفيه وتستبعده""( )."" يجب أن نبحث في النص عما لم يقله المؤلف ، فنجد فيه عكس ما يصرح به"" ( ) "" فالنص يحتاج إلى عين ترى فيه ما لم يره المؤلف ، وما لم يخطر له "" ( ) . ""مهمة القارئ الناقد أن لا يؤخذ بما يقوله النص ، مهمته أن يتحرر من سلطة النص لكي يقرأ ما لا يقوله "" ( ) "" إن نقد النص هو قراءة ما لم يقرأ "" ( ) وذلك حتى نعثر على معنى المعنى ، فنتحرر من سلطة النصوص ، ونكف عن التعامل معها وكأنها أوثان تعبد ( ) .
هذه هي إذن المعاصرة التي يتوخاها الخطاب العلماني في قراءة النص ، فلكي يكون النص معاصراً لنا علينا أن نضفي عليه ما نريده نحن ، ونُقوِّله ما لم يقل( ) .
8 - التأويل إنتاج للنص :
التفسير والشرح للنص في منظور الخطاب العلماني خُدعة، لأن الشرح يحل محل النص، ويعيد إنتاج النص ، فهو نص جديد ، لأنه لا ترادف في اللغة ولا اشتراك ( ) . إن القارئ يخلق النص ، فهو خلاق آخر يواكب خلاق النص ( ) حيث "" يصبح القارئ مؤلفاً كما كان المؤلف قارئاً، ويتحول العمل الفردي إلى عمل جماعي ، النص إذن إبداع مستمر ، وخلق جمـاعي ، لا فرق بين تأليفه وقراءاته ، بين وضعه وانتحـاله ، بين فهمـه وشرحـه"" ( ) .
فالقراءة للنص هي عملية إكمال من خلال التراكم المعرفي ، تتم في الزمانين الوجودي والتاريخي من خلال شعور الفرد والجماعة وتراكم الخبرات فيهما معاً ، وبعد كل تراكم معرفي يأخذ النص أبعاداً جديدة لم تكن مقروءة فيه من قبل ، ولا تكون موجودة في النواة الأولى للنص ، وهذا هو معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف أي على مستويات تفسير النص طبقاً لأعماق الشعور ، وطبقاً لتراكم المعرفة من عصر إلى عصر ( ) ، فالآيات ليس لها حقيقة معينة إلا ما في شعور الإنسان ، وقراءتها لا تحتاج إلا إلى خبرة القارئ الشخصية واليومية التي يكتسبها من خلال تجربته ومعايشته للحياة والواقع ( ) .
وهكذا في منظور الخطاب العلماني فإن الشرح " الفرع " ينسخ الأصل ، أي أن النص الشارح ينسخ النص المشروح ، فالمؤلف الذي يؤلف كتاباً لكي ينقذك من ضلالك ( ) يصبح كلامه أولى من الكلام الإلهي ، وهذا شأن كل خطاب يدور حول النبوة والله والأصول ، إنه يعمل للحلول محل النصوص التي سبقتـه بـدءاً مـن النص القـرآني حتى آخـر كـلام قيل حوله ( ) ، لأنه من المستحيل حصول تطابق دلالي بين خطاب التفسير ، والنص المراد تفسيره ( ) .
وبذلك تتحول علاقة القارئ بالنص إلى علاقة ناسخ بمنسوخ ( ) ، لأن القراءة للنص ليست استهلاكاً ، وإنما إعادة إنتاج وإعادة كتابة له ( ) ، وعليه فلا سبيل إلى إيجاد قراءة موضوعية لأي نص ، وستظل القراءة تجربة شخصيته ( ) ، ويظل إنتاج الدلالة فعلاً مشتركاً بين القارئ والنص، ويظل النص متجدداً بتعدد القراء من جهة ، وباختلاف الظروف من جهة أخرى ( ) .
9 - الرمزية :
الإنسان في الخطاب العلماني "" يحيا بالرمز وفي الرمز وللرمز "" ( ) . ومن هنا يلح هذا الخطاب على جعل القرآن الكريم مجموعة رموز أو مجازات لكي يستطيع أن يرمز بها لما يريد ، ويضمنها بما يرغب ، فالرمزية تُتيح للقارئ حرية أوسع في تقويل النص ، وعليه فالقرآن - بنظر الخطاب العلماني - كالأناجيل ليس إلا "" مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري ، إن هذه المجازات لا يمكن أن تكون قانوناً واضحاً "" ( ). ولغة القرآن بنظر هذا الخطاب نادراً ما تكون تصريحية، وإنما هي تلميحية في معظم الأحيان ولذلك فإنها قابلة للتعميم على الأحوال المختلفة( ).
ومن هنا يستدل الخطاب العلماني بأحاديث منسوبة إلى النبي  مثل "" لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة "" ( ) . وأيضاً "" القرآن نزل على وجوه كثيرة فخذوا بوجهه الحسن أو الأحسن "" ( ) . يقولون ذلك من أجل أن يقبل القرآن التعددية القرائية ( ) ويقبل عملية التشظي إلى ما لا نهاية ( ) أي"" قابليته لأن يعني باستمرار "" ( ) . "" لو لم نتخذ هذا الموقف التعددي منهجياً لكنا طمسنا إحدى خصائص القرآن الأساسية ألا وهي قابليته لأن يعني ، أي لأن يعطي معنى باستمرار ويولد هذا المعنى ""( ) أي "" قابليته لتوليد المعنى وللإيحاء...هذه الفكرة الغالية جداً على رولان بارت "" ( ) .
10- التناص :
ويعنون بذلك أن القرآن الكريم أسهمت في تشكيله نصوص سابقة عليه كالتوراة والإنجيل والشعر الجاهلي والسجع وغير ذلك . وهو ما حاول أن يؤسس له من خلفية ماركسية نصر حامد أبو زيد ( ).
هذه هي الأسس التأويلية التي تتم قراءة القرآن الكريم من خلالها وهي أسس هرمينوطيقية - كما اتضح لنا في المبحث السابق - لا صلة لها بمفهوم التأويل في الإسلام ولكن لابد من الإشارة إلى أن هذه التأويلية العلمانية المفتوحة تستند في قراءتها للنص القرآني على بعض المفاهيم الأصولية والصوفية وذلك لتقويل القرآن بكل ما يرغب به قراؤه ومن ثم تكريس تاريخيته ونسبيته ومن هذه المفاهيم :
- الكلية والإجمالية التي تبدو في القرآن " المجمل في أصول الفقه ".
- المحكم والمتشابه .
- الظاهر والباطن .
- القـراءات والأحـرف السبعة ، وهو ما يسميه طيب تيزيني "" اختراق النص متـنياً "" .
- العموم والخصوص .
هذه بنظر الخطاب العلماني مداخل كبرى لجعل النص مرناً مطواعاً لكل التأويلات والتفسيرات والاجتهادات ( ) .
أخيراً نختم هذا المبحث بالقول : إن غموض العلامة ، وتشتت النص ، والرمزية المطلقة ، ولا نهائية المعنى ، وموت المؤلف ، وخرافة القصدية ، وانعدام البراءة في القراءة ، كل هذه الأسس التي تقوم عليها الهرمينوطيقا الغربية والتي تغذى عليها الخطاب العلماني العربي تمتد بجذورها في العمق لتستند على أرضية تتكون من طبقتين : الأولى : الغنوصية . والثانية : النسبية . وهاتان الطبقتان تعتبـران أساساً للخطاب العلماني بشكل عام ، ولقراءته للقرآن الكريم بشكل خاص . ومهما حاول الخطاب العلماني جاهداً أن يخفي أيديولوجياته ، ويتستر على تسوُّلاته ، فإن الحقيقة لا بد أن تمزق الأقنعة . والله أعلم .








المطلب الختامي
الأبعاد الفلسفية والتوظيفات الغرضية
تمهيد :
لا أظن أننا بحاجة إلى الإفاضة في المقارنة بين أسس التأويل الهرمينوطيقية الغربية ، وأسس التأويل العلماني العربي فهما نسختان متشابهتان تماماً ، ولكن إحداهما أصلية " غربية " والأخرى صورة عربية عنها ، تختلف الأسماء فقط ، فبدلاً من رولان بارت وبول ريكور وهيرش وفوكو وشلاير ماخر وديلتاي ودريدا ، وهيدغر وغادمير نجد أسماء عربية أركون ونصر حامد أبو زيد وطيب تيزيني وعبد الهادي عبد الرحمن وعلي حرب وغيرهم .
وليس من جديد في هذه المسخة العربية إلا العجرفة والادعاء ، والتبجح بالألفاظ والأسماء والمصطلحات الأجنبية التي تُضفى عليها هالة من القداسة والتفخيم والتعظيم ، في حين تُكال التهم جزافاً ، وتُلاك الأكاذيب تباعاً ، وتنثال الافتراءات سحاباً في حق أسلافنا الصالحين ، وعلمائنا العاملين المخلصين .
وإلا ففي أي قانون وفي أي منطق - من منظار المسلم المؤمن - يُفسَّر القرآن بناءً على خواطر وهواجس تحدث بها شلايرماخر ، أو هايدغر ، أو رولان بارت أو دريدا ؟!
أمن المنطق والإنصاف أن يُسلَّم مع غادامير وهايدغر ودريدا وبارت وغيرهم من الهرمينوطيقيين أنه لا توجد قراءة بريئة ، بينما يُضرب بقواعد الشافعي وأصوله عرض الحائط ، ويُقال بأنه يحتال على الأمة ، أو أنه يُكرس الشعوبية لأنه يضع ضوابط لفهم النص، وأصولاً لتفسير الخطاب ؟!
أم أنه من الإنصاف أن يُسلَّم مع هؤلاء بأن فهم الخطاب لا يتم إلا إذا نحينا مقاصد القائل جانباً ، وافترضنا أنه قد مات ؟ ! في حين أن المقصد والغاية من بعثة الرسل والأنبياء والوحي عموماً هو الفهم عن الله عز وجل، وإنزال هذا الفهم تطبيقاً وعملاً وسلوكاً على أرض الواقع ؟! .
أولاً – الهرمينوطيقا المُطعَّمة بالماركسية :
من خلال منظور هرمينوطيقي يبدأ ويقرر الخطاب العلماني أن يقرأ النص القرآني بناءً على مقررات فوكو وباختين وبارت وريكور ودريدا ، محيِّداً بذلك الشافعي ومالك وأبو حنيفة والغزالي والرازي وغيرهم .
فالهرمينوطيقا بنظر هذا الخطاب ليست ضرورية لفهم النصوص الأدبية فقط بل لفهم القرآن الكريم يقول د. أبو زيد : "" وتعد الهرمينوطيقا الجدلية عند غادامر بعد تعديلها من خلال منظور جدلي مادي نقطة بدء أصيلة للنظر إلى علاقة المفسر بالنص لا في النصوص الأدبية ونظرية الأدب فحسب ، بل في إعادة النظر في تراثنا الديني حول تفسير القرآن منذ أقدم عصوره حتى الآن "" ( ) .
ومع أن خطاب د. حسن حنفي بعيد كل البعد عن السلفية إلا أن تلميذه د. أبو زيد يرى فيه ميلاً إلى السلفية المتزمتة ومن هنا فإن "" مهمة القراءة التأويلية المنتجة [ أي قراءة أبو زيد الهرمينوطيقية ] أن تنقل الخطاب اليساري من وهدة التلوين إلى أفق التأويل في إدراك الواقع والتراث معاً "" ( ) .
هذه الهرمينوطيقا الغادامرية التي يعتبرها أبو زيد ضرورية لفهم النص القرآني لا بد بنظره حتى تكون منتِجة أن تُطعَّم بالمنهج الجدلي المادي ، وذلك حتى لا ينفصل التأويل عن الواقع ، وتظل المركسة هي المهيمن على عناصر هذا المنهج .
إنها نفس الفكرة التي ينادي بها د. طيب تيزيني فهو بعد أن أقصى المناهج السلفية الأصولية باعتبارها وهماً تتنكر للوضعية الاجتماعية المشخَّصة أي الواقع ( ) ، وتتحدث حيص بيص ، وتهرف بما لا تعرف ( ) ، ذهب يستنجد بمن يعرف ، فوجد من يعرف قليلاً ومن يعرف كثيراً ، أما من يعرف قليلاً فإنه ميشال فوكو الذي دعا إلى البحث في الخطاب عن "" الطبقات الرسوبية المتباينة داخل التاريخ "" ( ) ولكن مشكلته أنه رغم أهمية وخصوصية هذا الطرح بنظر الخطاب العلماني لأنه يسمح باستقصاء ما وراء السطوح فيلبي الطموح المعرفي التاريخي إلى استنطاق الخفي والغائب والمغَيَّب والاحتمالي عبر المعلن ( ) مشكلته أنه لا يستمر في ذلك إلى النهاية ، فيقرر أن "" حفريات المعرفة ليست مبحثاً تأويلياً "" لأنها لا تسعى إلى اكتشاف خطاب آخر يتوارى خلف الخطاب الظاهر ، أي أن فوكو يرفض أن تكون حفرياته تبحث عن المعنى الحقيقي الكامن وراء المعنى السطحي ( ) وهو ما يعني - بنظر الخطاب العلماني - أن عمق الطبقات الرسوبية الفوكوية يصبح - والحالة هذه - أمراً مفترَضاً دونما دلالة فعلية على صعيد الحدث المشخَّص ( ) .
أما من يعرف كثيراً فهو ميخائيل باختين الشكلاني الروسي الذي يُمحور بحثه " الماركسية وفلسفة اللغة " حول علاقة اللغة بالمجتمع فينظر إليها من موقع "" جدلية الدليل اللغوي كمفعول للبنيات الاجتماعية "" وبذلك تكون الفكرة الرئيسة عنده "" الدور المنتِج والطبيعة المنتِجة للتحدُّث "" وهو ما يفضي بدوره إلى "" أن الوعي نفسه لا يمكنه أن ينبثق ويترسخ كواقع إلا بواسطة التجسُّد المـادي في الأدلة ... داخـل سيرورة التفـاعل المجتمعي "" ( ) .
إن تيزيني أيضاً يفضل منهج باختين في دراسة النص القرآني لأن هرمينوطيقيته مطعَّمة بالمنهج الجدلي التاريخي المادي بعكس فوكو الذي يميل منهجه إلى الميتافيزيقا التجزيئية وبالتالي لا نستفيد كثيراً من طبقاته الرسوبية ( ) .
وهكذا يظل الخطاب العلماني ممثلاً بأبي زيد والتيزيني وفياً " لأيديولوجيته " الماركسية ومخلصاً لها ، دون أن يحرِم نفسه من التسوُّل لدى ممثلين آخرين للهرمينوطيقا أمثال بارت حيث المنهج البنيوي البارتي يعلن أن "" النص يفقد انتماءه لكاتبه بعد كتابته إياه ، فيصبح جثة هامدة لا حراك فيها "" ( ) وجوليا كريستيفا ودريدا ( ) . ومن أجل ماذا ؟ من أجل قراءة القرآن الكريم! وبذلك "" يحاول الماركسي العربي تطبيق منهجه للبرهنة عربياً على صحته "" ( ) ولكن قراءته قراءة ميتة منذ البداية لأنها تستبطن أيديولوجيتها وتقوم "" بأدلجة النص وقولبته أو مسخه ""( ) بتحويله إلى منظومة غريبة ضائعة في وسط نسق فكري أصولي محكم.
ولكن يظل التأويل في منظور هذا الخطاب " لا نهائياً " مادام خـاضعاً لجدلية الواقع المادية والتاريخية ويأخذ التأويل بذلك شكل الصيرورة المستمرة التي لا تتوقف ، والحاكم عليه هو الواقع " الأمبيريقي " الذي يُنتِج النص ويشكِّله . إن التأويل مستمر أبداً في سيرورة دائمة لا تتوقف ، تظل تعيد إنتاج النص عبر " الدائرة الهرمينوطيقية " وفي انسيابية دائمة ولكن بدون ضـوابط إلا ضـابط واحد هو التلاؤم مع الواقع ، والاستجـابة للقيـم الحديثة ، والانسجـام مع " العصرنة " ، ولا يهم بعد ذلك أن يكون هذا التأويل منسجماً مع النص أم لا ، متناغماً معه أم لا ، المهم أن يكون القارئ ذا قدرة على تحوير النص وتحريفه وقلبه ، وتفكيكية ومخاتلته للاستجابة لهذا الواقع أياً كان ( ) .
ثانياً – الهرمينوطيقا لتقويض قداسة القرآن الكريم :
إن الهرمينوطيقا اختُرعت في الأصل لقراءة النصوص الأدبية والشعرية ، نعم يوجد في الغرب من حاول قراءة الكتاب المقدس من خلالها ، ولكن ذلك حصل بعد أن انهارت قداسة الكتاب المقدس في الغرب ، وتخلى الغربيون عن الإيمان بهذه القداسة بعد عصر النهضة وتفاقم الشك والإلحاد ، فأصبح الكتاب المقدس كأي كتاب أدبي آخر يُدرس من منظور إنساني دون أي اعتبار للبعد الغيبي الإلهي .
هذا أمر ، والأمر الآخر أن الغاية من الهرمينوطيقا - كما أشرنا سابقاً - في الأساس ليس هو فهم النص أو البحث عن معناه ، وإنما الغاية الأولى هو تنمية الموهبة الإبداعية ، والقدرة القولية ، بتحريض من النص نفسه وتشجيع من خلال رموزه وعلاماته ، وإثراء الفكر ، وإثارة الذاكرة من خلال إيحاءاته واستدعاءاته .
ولكن القـرآن الكريم يُقرأ لكي يُفهم وتقوم عليه عقيدة وشريعة وسلوك في المقام الأول ، أما ما يتحصل بعد ذلك من فوائد أخرى رمزية أو تخييلية أو إشارية فهي تابعة للمقاصد الأولى والأساسية والجوهرية ، ويجب أن لا تتناقض معها أو تُصادمها .
إن قداسة القرآن هي بعد بدهي لا يمكن لأي مسلم أن يتجاوزه أو يَغضَّ الطرف عنه ، ولا بد لكل مسلم حتى يكون مسلماً أن ينطوي في قلبه على تبجيل شديد لكتاب الله عز وجل ، وتمجيد وتعظيم لكلماته سبحانه وتعالى ، ولا يوجد أي تناقض بين هذه القداسة ، وبين الشرح والفهم عن الله عز وجل ، فالباري عز وجل أنزل كلامه ليُفهم أولاً ، وأحال في ذلك إلى أهل الذكر ، وأهل العلم  فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) )  فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ  ( ) لكن الخطاب العلماني لا يعجبه ذلك، فقداسة القرآن حاجز بينه وبين العبث ، وسد عظيم يحول بينه وبين اللعب ، وليس أي لعب بل اللعب الحر ، ولذلك فهو يبحث بين المناهج الحديثة عن أكثر المناهج إجداء في تحطيم هذه القداسة وتهشيمها فوجد ذلك بحسب تصوره في اللسانيات فهي أولاً - بحسب ظنه – "" ساهمت في تقويض أُحادية المعنى للنص الديني ، وجعلته يخضع لفهم القارئ وظروفه وقدرته على توليد المعنى "" ( ) .
وكأن المنهج الأصولي الإسلامي منهج أُحادي المعنى ، لكن المراد في الخطاب العلماني ليس تعدد المعنى واحتمالات المعنى ، وإنما فوضى المعنى أو نسبية المعنى . إن المنهج الأصولي الإسلامي يذكر للكلمة المعاني التي تحتملها ثم يرجح المعنى المراد بناء على المرجِّحات الموجودة في النص ، أو القرائن الحافة به ، أو السياق والسباق ، أو الأصول العامة للشريعة ، وليس الاستدلال بالتشِّهي أو العبث أو الخيال أو الموهبة ، وإنما بالدليل .
إن ما يراد من اللسانيات هو تكريس التاريخية عن طريق نزع هيبة القرآن الكريم ، وتقويص قداسته ، وهو ما لا يخجل الخطاب العلماني من المصارحة به حين يقول : "" إن دراسة القرآن دراسة ألسنية لغوية محضة الغاية منها التحرر من هيبة النصوص اللاهوتية ، وتجلية حقيقتها ، لأنها تبدو فوق الزمان والمكان والمشروطيات اللغوية ، وهذه الدراسة تبين أنها نصوص كغيرها من النصوص اللغوية تنطبق عليهـا القوانين النحوية والصرفية نفسها التي تنطبق على غيرها "" ( ) .
ويؤكد ذلك بشكل أكثر صراحة "" الألسنية فائدتها أنها تزحزح كثيراً من قداسة النص وهيبته المفروضة علينا ، حتى أننا أصبحنا نتخيـل أن القـرآن ليس مؤلفـاً من حـروف وألفـاظ ، فالألسنية تحيِّد الأحكام اللاهوتية أو الشحنات اللاهـوتية الثقيلـة التي تحيط بالنص عبر القرون "" ( ) .
المراد إذن هو خلخلة الإيمان بالنص ، والمقصود بالإيمان طبعاً الإيمان التقليدي ، لأن هناك مفهوماً جديداً للإيمان هو إيمان ما بعد التحرير ، والألسنيات تساعد على ذلك "" التحليل الألسني أو السيميائي الدلالي يساعدنا على إقامة مسافة بيننا وبين العقائد الإيمانية الموروثة منذ نعومة أظافرنا دون أن يعني ذلك القضاء على الإيمان على الإطلاق ، فالإيمان يبقى مشروعاً ولكنه إيمان ما بعد التحرير لا ما قبله "" ( ) .
ويعبر هاشم صالح عن فرحته بجهود أركون اللسانية "" وحسناً فعل - أركون - فهو بذلك قـد حـررنا ولـو للحظة من الهيبـة الساحقـة للنص ، هذه الهيبة التي تحجب عنا حقيقة ماديته اللغوية "" ( ) ، لأننا نستطيع بهذا المنهج الألسني اكتشاف مدى تاريخية هذه النصوص وعلاقتها بالواقع ، أو الظرفية التاريخية والجغرافية والثقـافية والاجتمـاعية والنفسية التي أنتجتَها ( ) . وتفكيك لغة النص القرآني ألسنياً تحقق لنا هذه الغاية إذا تكشف لنا عن لحظته التاريخية التي أسَّسته أو ساهمت في تأسيسه وتشكيله وتشكُّله ( ) "" لأنها تدرس النص بطريقة تشريحية مزعجة لنا نحن الذين تعودنا على جمالية النص الأدبي ولم نفكر في تفكيكه وتقطيع أوصاله وتحويله إلى جثة هامدة "" ( ) ، وتقوم بتعرية القـراءة التقليدية التي تفصل النص الرئيس - القرآن - عن العملية الاجتماعية التاريخية لإنجازه النصي ، وذلك من أجل إنتاج نصوص أخرى ( ) .
ذلك هو المنهج البنيوي البارتي – نسبة إلى رولان بارت - الذي يتبناه الخطاب العلماني وهذه هي اللسانيات الأركونية التي يُراد أن يُفسَّر القرآن الكريم على أساسها بحيث تستحيل القراءة البريئة ، ويفقد النص انتماءه إلى كاتبه بعد كتابته ، ويفقد مصدره الإلهي بعد تنزله وتأنسنه ، ويصبح عرضةً للذبح وتقطيع الأوصال بسكاكين الجزارين ، وياليته يُذكى بطريقة صحيحة ، وإنما يصعق صعقاً ، أو بشكل أكثر توحشاً حيث يُنهش نهشاً في كل أطرافه وأجزائه ، فتسيل دماؤه حتى "" يصبح جثة هامدة لا حراك فيها "" كما رأينا .
ثالثاً – التنطع والتفيهق الكاذب :
لا تختلف لسانيات أركون عن أدبيات أبي زيد فالغاية لديهما جميعاً واحدة وهي زحزحة قداسة النص وطمس البعد الإلهي فيه ، ودمجه في مجموعة النصوص المعاصرة له ليكون منتَجاً ثقافياً ولكنه "" يعيد إنتاج الثقافة "" ، أما أن يظل الإيمان بالله عز وجل كمنزِّل للنص ، وقائل له قارّاً في شعور القارئ وكيانه فهذا ما يسعى الخطاب العلماني إلى التحرر منه لأن "" الإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق للنص يعود لكي يطمس هذه الحقيقة البديهية [ حقيقة كونه منتَجاً ثقافياً ] ويعكِّر من ثَمّ إمكانية الفهم العلمي لظاهرة النص "" ( ) .
ولذلك فليس في لسانيات أركون من إضافة أو جديد ، لأنه يمكن لأي منهج أن يحقق الغاية التي يريدها أركون أو أبو زيد إذا انطوت خلفية الباحث على إيمان مزعزع ، أو اعتقاد متذبذب متشكك ، لأن ثقافة القارئ وتكوينه الفكري والعقدي ، وتشكيله الفلسفي والاجتماعي والديني هو الذي يسهم غالباً في توجيه مراحل المنهج وخطواته ، وتحديد نتائجه وخلاصاته ، وتبرير مقاصده وغاياته .
ولكن لابد من الإشارة إلى أن التبجح المستمر لأركون باللسانيات والسيميائيات وغيرها من المناهج إذا ما اطلع عليه الباحث في كل دراساته وبحوثه وأراد أن يجمعه فإنه لا يجد إلا نُتَـفاً مبعثرة منقولة عن بعض الباحثين الغربيين ، وإذا ما أراد الباحث أن يجد شيئاً إضافياً يمكن أن يُثري البحث العلمي أو التنقيب والاستقصاء والكشف فإنه لا يجد إلا شيئاً واحداً هو الطعن في مصدر القرآن الكريم ، والرسالة الإسلامية ككل . وهذه النتيجة ليس سببها اللسانيات أو أي منهجٍ يسلكه أركون أو غيره ، وإنما سببها هو الخلفية المرتابة التي يستبطنها الباحث والمتوثِّبة للمصادمة ، والمتحفِّزة لرفض كل ما هو سلفي أو أصولي.
إن تواتر الأسماء العديدة للمناهج المختلفة في كتابات أركون دون أي ثمرة لذلك لَيَكْشف أن القصد لا يعدو شكل التجمُّل ببعض الأسماء ، والتفاخر ببعض المصطلحات ، ذلك لأنه "" إذا كان استيعاب نظرية لغوية واحدة لمدرسة واحدة يتطلب جهوداً مضنية ووقتاً مديداً ، فإن ما يُحتِّمه تفهُّم نظريات مختلفة يفوق ذلك أضعافاً مضاعفة "" ( ) .
الخلاصة :
وهنا نتساءل هل القرآن الكريم نزل للبشر ليكون عقيدة وقانوناً وتشريعاً يمكن تطبيقه في الحياة العملية السلوكية أم أنه نزل لمجرد الترف الفكري والتأمل العقلي والأدبي المجرد ؟
وهل يمكن لنا أن نفسر القوانين الوضعية التي تنظم حياة البشر بناء على ما تقرر في المناهج التأويلية الحديثة كما رأينا ؟ وهل يمكن للمحامي البارع أن يستخدم هذه التأويلات في الدفاع عن المجرمين مثلاً ؟
وأيضاً : هل يمكن لنا أن نفهم القوانين الأوربية بل حتى الروايات العالمية كروايات شكسبير بناء على القواعد والمناهج الأصولية واللغوية الإسلامية، ألا يدخلنا ذلك في دوامات من التيه الفكري، والخطل المعرفي ؟
وهل من حقنا تجاهل الإحالات التي يؤكد عليها القرآن الكريم دائماً لفهمه وتنزيله ومن أبرز هذه الإحالات اللغة العربية والسنة النبوية ؟ وهل القصد هو الفهم والتنزيل على الواقع حقاً أم مجرد السياحة الفكرية ؟ !! .
إن المناهج الحديثة بمقدار ما تكون مفيدة ونافعة في حفز الفكر على التأمل والتجديد ، وتنشيط الخيال الإنساني ، وإثراء النصوص الأدبية بألوان من التداعيات الإبداعية تكون وبالاً إذا نقلت من وظيفتها الإبداعية هذه لتكون أداة تقويلية أو تحريفية في النصوص الدينية أو القانونية .
بقي أن أشير إلى أن هذا البحث يحتاج إلى بحث متمم له يتناول الجانب التطبيقي للقراءات التأويلية العلمانية للقرآن الكريم ومقارنة ذلك بالمنهجية الأصولية الإسلامية ، وهو ما أرجو من الله عز وجل أن يوفقني لإتمامه .
كما ألفت نظر الباحثين إلى أننا بحاجة إلى دراسات مقارنة مكثفة بين المنهجية الأصولية الإسلامية وبين المناهج اللغوية الحديثة الغربية لعلنا نتمكن من ملاحظة أوجه الاتفاق والافتراق والاتصال والانفصال بينهما مما يعزز إمكانية التلاقح والتناصح بين هاتين المدرستين اللتان تمثلان حضارتين ما فتئتا متناحرتين . والله أعلم .

وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين

الهوامش

( ) وهناك مصطلحات مثل القراءة وهو مصطلح متداول كثيراً لدى الخطاب العلماني والمعاصر عموماً وفيه موضوعات مسجلة يمكن مراجعتها في مصادر هذه الدراسة .و المقاربة يقول خالد السعيداني "" نعني بها محاولة الفهم وفق شروط تاريخية ومعطيات معرفية معينة وبذلك لا يدعي هذا الفهم الإمساك النهائي بحقيقة الظاهرة المدروسسة "" وهي تستخدم بهذا المعنى في الخطـاب العلمـاني انظر : خـالد السعيداني " إشكالية القراءة النص " ص 31 . والتأويلية الحديثة تأتي مرادفة للهرمينوطيقا في أغلب الأحوال .أما التأويل فهو مصطلح قرآني وإسلامي يُستغل في الخطاب العلماني كمدخل إلى الهرمينوطيقا . وهذه المصطلحات يُراد بها أحياناً معنى واحداً وأحياناً تختلف المعاني بحسب السياق الذي يُتحدَّث فيه .
( ) انظر : بول ريكور " من النص إلى الفعل " ص 85 .
( ) نقلاً عن خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 64 يحيل إلى مصادر أجنبية . يميز بول ريكور بين الهرمينوطيقا العلمانية والهرمينوطيقا الدينية ، أو الهرمينوطيقا الفلسفية والهرمينوطيقا التوراتية الأولى تذهب من القطب الفلسفي إلى القطب التوراتي ، أما الثانية فهي هرمينوطيقا إقليمية مقارنة مع نظيرتها الفلسفية ، ويمكن اعتبار الهرمينوطيقا التوراتية أو الدينية تابعة للأولى ، وبذلك تكون هرمينوطيقا تطبيقية انظر : بول ريكور " من النص إلى الفعل " ص 91 ، وله " إشكالية ثنائية المعنى " مقال في مجلة الهرمينوطيقا والتأويل تصدر عن ألف في الجامعة الأمـريكية بالقاهرة – ترجمة فريال جبوري غزول ص 137وهناك الهرمينوطيقا الرومانسية وهي هرمينوطيقا ديلتاي ومعارضي البنيوية انظر : ريكور " من النص إلى الفعل " ص 86 ويسميها البعض هرمينوطيقا عامة وأخرى مقدسة الأولى تضع قواعد عامة لتفسير أي نص ، والثانية تضع القواعد الخاصة لتفسير النصوص الدينية والكتب المقدسة وحدها . انظر : حسن حنفي " قراءة النص " ص 10 مقال ضمن مجلة " الهرمينوطيقا والتأويل " .
( ) انظر : إشكاليات القراءة نصر حامد ص 13 وانظر له : الخطاب والتأويل ص 173 . وانظر : د . عبد الوهاب المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " 1 / 88 .
( ) انظر : سيزا قاسم " القارئ والنص " ص 11 المجلس الأعلى للثقافة 2002 د . ط
( ) انظر : السابق ص 125 .
( ) انظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 64 ويحيل إلى بعض المصادر الأجنبية وانظر : د. المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " 1 / 88 .
( ) انظر : السابق ص 66 . وانظر : د. عبد الوهاب المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " 1 / 88 .
( ) انظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 66 وانظر : جابر عصفور " قراءة جديدة لتراثنا النقدي " ص 112 .
( ) نقلاً عن خالد السعيداني ص 72 .
( ) انظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 72 . وحول الهرمينوطيقا كتب د . عبد الوهاب المسيري في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية "" هرمنيوطيقا : من الكلمة اليونانية " هرمنويين " بمعنى يفسِّر أو يوضح والفعل مشتق من كلمة " هرمنيوس وهي كلمة مجهولة الأصل وإن كان يقال أنها تعود إلى الإله هرميس رسول الإله زيوس ""ص1 / 88 .
( ) أبو زيد السابق ص 41 وهذه الفكرة أسقطها أبو زيد على القرآن الكريم فالشكل عنده ثابت والمعاني متغيرة . وانظر : مصطفى ناصف " نظرية التأويل " ص 103 ، 110 فما بعد .
( ) السابق ص 42 . وناصف " السابق " ص 117 فما بعد .
( ) السابق ص 41 .
( ) انظر : بول ريكور " من النص إلى الفعل " ص 77 .
( ) انظر : بول ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " مقال له ضمن الهرمينوطيقا والتأويل تصدر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة ص 139 . alle-gorie أليغوري تعني : قول شيء عبر شيء مغاير .
( ) وهي الطريقة نفسها التي يحاول الخطاب العلماني عموماً وأركون خصوصاً أن يطبقها على النص القرآني ، والأساطير المراد تحطيمها هي كل ما لا يقبله العقل العلماني من أمور الغيب .
( ) انظر : بول ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " ص 139 ، 140 وانظر : له أيضاً " من النص إلى الفعل " ص 101 . وانظر : نصر حامد أبو زيد " إشكاليات القـراءة " ص 44 ، 45 .
( ) انظر : ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " ص 141 .
( ) انظر : السابق ص 143 .
( ) انظر : السابق ص 146 .
( ) انظر : السابق ص 144
( ) انظر : السابق ص 145 .
( ) انظر : السابق ص 146 .
( ) انظر : بول ريكور : من النص إلى الفعل " ص 38 .
( ) انظر : السابق نفسه .
( ) السابق ص 58 .
( ) السابق ص 160
( ) السابق ص 116 .
( ) انظر : نصر حامد أبو زيد " إشكاليات القراءة وآليات التاويل " ص 48 وانظر : مصطفى ناصف " نظرية التاويل " ص 41 النادي الدبي الثقافي بجدة 1420 ، 2000 م / ط 1 . لعلنا ندرك هنا أن فكرة الوسيط " الشكل " والحقيقة " المضمون " في العمل الفني عند غادامير ، وفكرة المغزى والمعنى عند هيرش هي الأساس الذي يتعامل نصر حامد أبو زيد من خلاله مع القرآن الكريم وغيره من العلمانيين أمثال شحرور عندما يفرغون النص من معانيه الحقيقية تحت دعوى ثبات الشكل وحركة المحتوى .
( ) انظر : إلياس قويسم " إشكالية قراءة النص " ص 88 .
( ) انظر : مصطفى ناصف " نظرية التأويل " ص 187 .
( ) انظر : حمودة " السابق " ص 15 وانظر : ميجان الرديلي " سعد البازعي " دليل الناقد الأدبي " ص 273 .
( ) انظر : هاشم صالح " هوامشه على تاريخية الفكر لأركون " ص 256 .
( ) انظر : ميجان الرويلي وسعد البازعي " دليل الناقد الأدبي " ص 53 .
( ) انظر : بييرف " زيما " التفكيكية دراسة نقدية " ص 9 انظر : ميجان الرديلي ، سعد البازغي " دليل الناقد الأدبي " ص 53 ، 54 .
( ) انظر : السابق ص 57 .
( ) انظر : بييرف زيما " التفكيكية دراسة نقدية " ص 6 تعريب أسامة الحاج " مجمع مؤسسة الجامعة الدراسات النشر والتوزيع ط 1 / 1417 هـ 1996 م .
( ) انظر : بييرف " زيما " التفكيكية دراسة نقدية " ص 69 .
( ) السابق ص 67 .
( ) السابق ص 157 ، 158 .
( ) انظر : السابق ص 119 ، 121 ، 129 ، 71 .
( ) انظر : السابق ص 169 .
( ) انظر : عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 300 – 306 . أكتب هذه الكلمات في الوقت الذي تتجلى فيه غطرسة القوة والعلم في أسوأ أشكالها ذلك أن أمريكا الآن تقصف العراق بكل أنواع الأسلحة وعلى مرأى ومسمع من كل دول العالم والقتلى والجرحى بالمئات ، وقد أطلق في يومين ألفي صاروخ كروز ، وآلاف القنابل وما يسمى بالقنابل الذكية التي يزن بعضها عشرة أطنان ، والمظاهرات المناهضة للحرب تعم العالم دون أن تلتفت أمريكا إلى أحد 23 / 3 / 2003.
( ) انظر : عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " 104 ، 106 ، 175 وانظر بييرف . زيما " التفكيكية . دراسة نقدية " ص 148فما بعد .
( ) انظر : عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 105 ، 106 .
( ) انظر : حمودة " السابق " ص 339 ، 340 .
( ) انظر : حمودة " السابق " ص 392 ، 393 .
( ) انظر : حمودة " السابق " ص 394 ولنقارن هنا بقول علي حرب : "إن النص المحكم نص إمبريالي " .
( ) انظر : عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 396 .
( ) انظر : السابق نفسه .
( ) بييرف . زيما " التفكيكية ، دراسة نقدية " ص 150 ، 151 تعريب أسامة الحاج .
( ) انظر : السابق ص 150 .
( ) الأب هنا فكرة فرويدية يراد بها أن النص السابق يمارس دوراً سلطوياً أو توجيهياً على النص اللاحق ولذلك يجب كسر سلطته بالإساءة إليه عن طريق قراءته قراءة معاكسة لما يصرح به .
( ) السابق نفسه . أما نصر حامد أبو زيد فيسمي الترجمة " الخيانة البريئة للنص " .
( ) سورة يوسف آية 53 .
( ) لكن النفس الإنسانية في القرآن الكريم ليست شراً مطلقاً وليست أمارة بالسوء دائماً فهي تسمو في مدارج الكمال فتصبح نقساً لوامة أي تلوم صاحبها دائماً على تقصيره أو انحرافه وذلك كما في قوله تعالى : " ولا أقسم بالنفس اللوامة " سورة القيامة آية : 2 فهي استحقت أن يقسم الباري عز وجل بها . كذلك ترقى النفس لتصبح نفساً مطمئنة هادئة راضية بالله عز وجل وراضية عن الله عز وجل في كل الأحوال كما في قوله تعالى : " ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي "" سورة الفجر آية : 27 – 30 .
( ) انظر : فرويد " ثلاث رسائل في الجنس " ص 86 ، 117 .
( ) انظر : بول ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " ص 140 ضمن " الهرمينوطيقا والتأويل " ترجمة فريال جبوري غزول .
( ) انظر : مصطفى ناصف " نظرية التأويل " ص 34 .
( ) انظر : عبد السلام المسدي " البنيوية " ص 58 ، 85 .
( ) انظر : عبد الله الغذامي " الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية " ص 279 ، 13 .
( ) انظر : بيرف ، زيما " التفكيكية . دراسة نقدية " ص 37 .
( ) انظر : د ، عبد الوهاب المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " ص 261 .
( ) انظر : السابق ص 260 .
( ) انظر : ميجان الرويلي وسعد البازعي " دليل الناقد الأدبي " ص 152 .
( ) انظر : عبد السلام المسدي " البنيوية " ص 75 . وانظر : أركون : " القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني " ص 34.
( ) ميجان الرويلي ، سعد البازعي " دليل الناقد الأدبي " ص 154 .
( ) انظر : عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 340 ، 336 .
( ) رولان بارت " لذة النص " ص 56 يقصد أن المؤلف هو الأب بالنسبة للنص وهي فكرة شائعة لدى الحداثيين حيث يعتبر أن المؤلف بمثابة الأب يمارس دوراً تسلطياً على القارئ ، ولذلك يجب التخلص منه لكي يجد القارئ حريته في العبث بالنص كما يشاء لأن الأب " المؤلف " يراقب القراء ويشتبه بقراءاتهم ويحكم عليها ، وتشبيه المؤلف بالأب شائع عند دريدا خصوصاً . انظر : بييرف . زيما " التفكيكية دراسة نقدية " ص 58 ، 59 وعند رولان بارت انظر " هسهسة اللغة " ص 79 يقول : "" وإنه ليقف في علاقته مع كتابه موقف الأب من طفله "" ولكن الفكرة في الأساس مأخوذة من التحليل النفسي الفرويدي الفردي والجماعي عندما يعتبر نشوء المحرمات والأديان نتيجة لتسلط الأب وديكتاتوريته في المجموعة البشرية الأولى . انظر : فرويد " الطوطم والتابو " ص 22 فما بعد وله : موسى والتوحيد " ص 103 فما بعد .
( ) رولان بارت " هسهسة اللغة " ص 78 ترجمة منذر عياشي .
( ) انظر : عبد الله الغذامي " الخطيئة والتكفير . من البنيوية إلى التشريحية " ص 71 .
( ) رولان بارت " هسهسة اللغة " ص 83 . وانظر : عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 340 وانظر : عبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة " ص 46 .
( ) رولان بارت " هسهسة اللغة " ص 75 ترجمة منذر عياشي مركز الإنماء الحضاري – سوريا – حلب ط 1 / 1999 .
( ) انظر: السابق ص 77 .
( ) بول ريكور " من النص إلى الفعل " ص 106 .
( ) انظر : عبد السلام المسدي " قضية البنيوية " ص 48 وانظر : عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 288 .
( ) انظر : عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 57 .
( ) د . عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 58 - 59 ، 399 وانظر : رولان بارت " هسهسة اللغة " ص 77 .
( ) انظر : عبد الله الغـذامي " الخطيئة والتكفير من البنيـوية إلى التشريحيـة " ص 26 ، 27 ، وانظـر : رولان بـارت " هسهسة اللغة " ص 76 .
( ) انظر : حمودة " المرايا المحدبة "ص 336 والكلام لرولان بارت .
( ) رولان بارت " هسهسة اللغة " ص 79 .
( ) السابق ص 81 .
( ) انظر : بييرف . زيما " التفكيكية دراسة نقدية " ص 79 ، والكلام لجاك دريدا .
( ) انظر : السابق ص 70 والكلام " لحاك دريدا " .
( ) انظر : رولان بارت " لذة النص " ص 106 ترجمة منذر عياشي .
( ) انظر : ميشال فوكو " حفريات المعرفة " ص 114 ، ترجمة سالم يفوت – المركز الثقافي العربي . ط 2 / 1987 – بيروت – المغرب .
( ) انظر : إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 43 ترجمة وتقديم : سعيد بنكراد ط 1 / 2000 المركز الثقافي العربي والكلام ينقله إيكو على لسان التفكيكيين .
( ) السابق ص 43 .
( ) انظر : بول ريكور " من النص إلى الفعل " ص 38 .
( ) السابق ص 41 .
( ) انظر : السابق ص 110
( ) انظر : عبد السلام المسدي " قضية البنيوية "ص 68 وانظر : رولان بارت " هسهسة اللغة " ص 76 .
( ) انظر : عبد الله الغذامي " الخطيئة والتكفير من البنيوية والتشريحية " ص 72 .
( ) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 67 .
( ) انظر : رولان بارت " هسهسة اللغة " ص 82 .
( ) انظـر : عبد الله الغذامي " الخطيئة والتفكير " ص 49 وانظر : رولان بارت " هسهة اللغة " ص 79 وانظر : هوماس " القراءة الجديدة " ص 46 .
( ) انظر : حمودة " المرايا لمحدبة " ص 55 .
( ) انظر : السابق ص 242 .
( ) انظر : السابق ص 291 ، 56 ، 57 .
( ) انظر : السابق ص 292 .
( ) انظر : بييرف . زيما " التفكيكية دراسة نقدية " ص 167 .
( ) وهو ما سنجد علي حرب يتحدث عنه ولكن معنى المعنى هنا لامتناهي ملتبس جداً وهو بعكس معنى المعنى الذي يتحدث عنه عبد القاهر الجرجاني " أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر كالذي فسرت لك " عبد القاهر دلائل الإعجاز " ص 262 مكتبة الخانجي القاهرة 1984 نقلاً عن أبو زيد " النص ، السلطة " ص 218 تحقيق محمود محمد شاكر.
( ) انظر : بييرف زيما " التفكيكية دراسة نقدية " ص 77 .
( ) انظر : بييرف . زيما " التفكيكية " ص 119 ، 129 .
( ) انظر : السابق ص 81 والكلام لمؤسس التفكيك دريدا .
( ) انظر : السابق ص 77 .
( ) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 344 .
( ) السابق ص 151 .
( ) انظر : رولان بارت " لذة النص " ص 109 .
( ) انظر : ميشال فوكو " نظام الخطاب وإرادة المعرفة " ص 75 / 79 ، ترجمة : السطاتي وبن عبد العال ، دار النشر المغربية 1985 .
( ) فوكو السابق ص 67 وانظر " هوماس " القراءة الجديدة " ص 271 .
( ) انظر : إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 74 ، 75 هذا الكلام ليس لهارتمان نفسه وإنما هي خلاصة رأيه كما يعبر عنها امبرتو إيكو .
( ) لنلاحظ هنا كيف يسطو العلمانيون على هذا المعنى الحداثي ثم يصمون به المسلمين السلفيين بقولهم : إنهم " نصيون " أي منغلقون على أنفسهم .
( ) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 362 .
( ) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 372 وعبد الغذامي " الخطيئة والتكفير " ص 321 . علينا أن نقارن مع نصر حامد أبو زيد وغيره من العلمانيين الذين يعتبرون النص منتَجاً ثقافياً أي له أصوله الثقافية التي تشكل منها كسجع الكهان ، وشعر الشعراء ، ثم أصبح منتِجاً للثقافة ومحوراً لها فيما بعد ، إنه سطو على فكرة التناص هذه مع تطعيمها بالفكرانية الماركسية .
( ) حمودة " المرايا المحدبة " ص 362 .
( ) انظر : السابق نفسه .
( ) انظر : السابق ص 372 ، 373 .
( ) رولان بارت " هسهسة اللغة " ص 80 .
( ) رولان بارت " هسهسة اللغة " ص 83 .
( ) انظر " المرايا المحدبة " ص 246 .
( ) ميشال فوكو " حفريات المعرفة " ص 25 .
( ) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 242 والكلام لـ تيري إيجلتون وبيرماشيري .
( ) رولان بارت " لذة النص " ص 35 .
( ) انظر : في اعتبـاطية الإشـارة عنـد دي سوسير له " دروس في الألسنية العامة " ص 111 ، 118 " رونالد إيلـوار " مدخل إلى اللسانيات " ص 57 ، 58 وانظر " ليونارد جاكسون " بؤس البنيوية " ص 84 لابد من التنبيه هنا إلى أن سوسير يعني باعتباطية الإشارة أن الكلمة وضعت بإزاء المعنى بشكل عفوي ودون قصد نتيجة التواصل الاجتماعي "" يعني أن الارتباط بين الدليل والمدلول ليس بينهما رابط طبيعي موجود في الواقع "" سوسير " دروس في الألسنية العامة " ص 113 . ، وهو رأي ليس جديداً بل قال به جمهرة من الأصوليين المسلمين وهو الرأي القائل بأن اللغة وضعية وليست توقيفية من تعليم الله عز وجل ، ولكن اعتباطية الإشارة عند الهرمينوطيقيين واللسانيين والحداثيين بعد سوسير لا تقف عند هذا وإنما تعني أن القارئ يمكنه أن يستنبط منها ما يشاء بناء على مهارته الفكرية ، وقدرته على الإبداع دون تقيد بقواعد الخطاب ونظام اللغة .
( ) انظر : عبد الله الغذامي " الخطيئة والتفكير " ص 49 .
( ) عبد الله الغذامي " تشريح النص " ص 78 – بيروت – دار الطليعة ط 1 / 1987 وانظر : عبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة " ص 46 .
( ) انظر : بول ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " ص 139 -140 مقال في " الهرمينوطيقا والتأويل " تصدر عن ألف – الجامعة الأمريكية بالقاهرة .
( ) انظر : عبد السلام المسدي " قضية البنيوية " ص 30 .
( ) عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 41 . والكلام لـ : ليتش .
كلمة مسخة قصدت بها أنها نسخة عن المناهج الغربية ولكنها مضطربة ومركبة من فلسفات مختلفة وغير متلائمة مع النص القرآني الذي تريد أن تطبق عليه، وغير متلائمة مع بيئة النص وواقعه أيضا، فكانت نسخة ممسوخة .
( ) هاملتون جب " الاتجاهات الحديثة في الإسلام " ص 126 دار الحياة 1954 ترجمة كامل سليمان . وانظر : عبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة .. " ص 44 .
( ) علي حرب " التأويل والحقيقة "ص 14 دار التنوير – بيروت ط 2 / 1995 وانظر : خالد السعيداني " إشكاليات القراءة " ص 142.
( ) علي حرب " نقد النص " ص 133 .
( ) أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 21 وهو يعني كما هو واضح أن النص ليس له قداسة ذاتية لكونه كلام الله عز وجل ، وإنما أضفيت عليه القداسة بفعل التاريخ والزمن . أيمكن لمسلم أن يعتقد ذلك ؟ ويضيف أركون بعد هذا النص مباشرة "" وأنا أعلم أن الغاية المستمرة لهذا النص المقدس تكمن في ترسيخ معنى نهائي وفوق تاريخي للوجود البشري "" والسؤال : مادمتَ مسلماً وتعلم هذا فلماذا تسلك غاية مناقضة لقصد القرآن في دعوتك الملحة إلى تاريخيته ؟ .
( ) طيب تيزيني " النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة " ص 264 وانظر " الإسلام والعصر " ص 117 . ملاحظة : النص المذكور ينقله طيب تيزيني عن أحد الإسلاميين المتشددين بنظره والذين يرفضون التأويل ولكن تيزيني من حيث النتيجة يعتبر التأويل كذلك .
( ) مصطفى ناصف " نظرية التأويل " ص 5 .
( ) انظر : طيب تيزيني " النص القرآني " ص 419 .
( ) انظر: نصر حامد أبو زيد " فلسفة التأويل " ص 11 وانظر : طيب تيزيني " النص القرآني " ص 265 .
( ) انظر : نصر حامد أبو زيد " التأويل في كتابه سيبويه " ص 88 ، 89 مقال في " الهرمينوطيقا والتأويل " مجلة ألف تصدر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة .
( ) انظر : السابق نفسه . ويقال له هنا بأن مؤلفات الأشاعرة تفيض بالحديث عن التأويل ، وتفيض بالتأويل قديماً وحديثاً وأن ما ذمه المسلمون قديماً وحديثاً وأهل السنة عموماً هو التأويل المنفلت وهو المذموم في القرآن وليس التأويل المنضبط ، والقائم على أسس وأصول الشريعة .
( ) انظر : نصر حامد أبو زيد " مفهوم النص " ص 256 والتفسير حتى عند المتأخرين من الأشاعرة هو التأويل ، ولكن التفسير حين يُعدل به عن المعنى الظاهر لدليل أو لقرينة أو لتعذر الظاهر يسمى عندئذ تأويلاً ، قال الرازي : إعلم أن التأويل هو التفسير " مفاتح الغيب 7 / 152 وقال القرطبي : "" والتأويل يكون بمعنى التفسبر ""4 / 16 وقال الجرجاني : "" التأويل في الأصل : الترجيع وفي الشرع : صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقاً للكتاب والسنة مثل قوله تعالى " يخرج الحي من الميت " إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيراً ، وإن أراد به إخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلاً "" الجرجاني " التعريفات " ص 72 .
( ) انظر : أبو زيد " التأويل في كتاب سيبويه " ص 88 مقال في مجلة ألف " الهرمينوطيقا والتأويل " .
( ) انظر: علي حرب " الممنوع والممتنع " ص 22 .
( ) انظر : عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " ص 19 فما بعد
( ) د. حسن حنفي " من العقيدة إلى الثورة " 1 / 398 .
( ) انظر : نصر حامد أبو زيد " فلسفة التأويل " ص 12 .
( ) انظر : " نصر حامد " مفهوم النص " ص 101 .
( ) انظر : طيب تيزيني " النص القرآني " ص 242 .
( ) نصر حامد أبو زيد " مفهوم النص " ص 204 ، 205 .
( ) انظر : طيب تيزيني " النص القرآني " ص 261 .
( ) انظر : علي حرب " نقد النص " ص 20 .
( ) انظر : علي حرب " نقد النص " ص 18 .
( ) انظر : علي حرب " نقد الحقيقة " ص 1 .
( ) علي حرب " نقد النص " ص 11 ، وانظر : نصر حامد أبو زيد " مفهوم النص " ص 21 .
( ) انظر : علي حرب " السابق " ص 15 .
( ) انظر : د. نصر حامد أبو زيد " مفهوم النص " ص 205 وطيب تيزيني " النص القرآني " ص 39 .
( ) انظر : د. طيب تيزيني " الإسلام والعصر " ص 129 .
( ) انظر : د. طيب تيزيني " الإسلام والعصر " ص 129 وعبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " ص 202 ، 203 . و د. نصر حامد أبو زيد " إشكاليات القراءة " ص 228 و د. جابر عصفور " قراءة جديدة لتراثنا النقدي " 1 / 147 وهاشم صالح في هوامشه على أركون انظر " من فيصل التفرقة إلى فصل المقال ..أين هو الفكر الإسلامي المعاصر " ص 14 يقول هاشم صالح : "" لا توجد أي كلمة بريئة على عكس ما يتوهم وعينا الساذج الذي يعتقد أنه فهم معنى الكلمة في حين أنه فهم عكسها أو شيئاً آخر غيرها ، كل كلمة لها تاريخها وتحولات معانيها وتقلباتها "" وانظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 259 وعبد الله الغذامي " الخطيئة والتكفير " ص 13 . والجابري " نحن والتراث " ص 83 .
( ) انظر : نصر حامد أبو زيد " نقد الخطاب الديني " ص 118 .
( ) انظر : نصر حامد " إشكاليات القراءة " ص 77 .
( ) انظر : علي حرب " نقد الحقيقة " ص 9 .
( ) انظر: السابق ص 18 .
( ) انظر : السابق ص 27 .
( ) انظر : علي حرب " نقد النص " ص 14 .
( ) انظر : حسن حنفي " قراءة النص " ص 15 ، 16 مقال في مجلة الهرمينوطيقا والتأويل .
( ) انظر : نصر حامد أبو زيد " إشكاليات القراءة " ص 15 .
( ) انظر : السابق ص 47 .
( ) طيب تيزيني " الإسلام والعصر " ص 111 . وإشارات التعجب من وضعنا أردنا أن نلفت نظر القارئ إلى هذه المصطلحات العجيبة " المعنمي بدلاً من المعنى أو المعنوي والمجتمعية بدلاً من الاجتماعي " .
( ) السابق ص 120 .
( ) انظر : السابق ص 122 .
( ) نصر حامد أبو زيد " نقد الخطاب الديني " ص 126 .
( ) انظر : حسن حنفي " قراءة النص " ص 11 مقال في مجلة ألف الهرمينوطيقا والتأويل .
( ) انظر : السابق ص 15 .
( ) انظر : عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " ص 17 .
( ) انظر : طيب تيزيني " الإسلام والعصر " ص 110 .
( ) نصر حامد أبو زيد " نقد الخطاب الديني " ص 118 - 119 .
( ) انظر : د. أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 279 - 282 .
( ) سيد القمني " الأسطورة والتراث " ص 27 .
( ) انظر : د.حسن حنفي " قراءة النص " ص 17 مقال في مجلة الهرمينوطيقا والتأويل تصدر عن ألف في الجامعة الأمريكية بالقاهرة .
( ) انظر : د.حسن حنفي " التراث والتجديد " ص 112 .
( ) د. أركون " الوحي، الحقيقة، التاريخ، نحو قراءة جديدة للقرآن " ص 36 . مقال في مجلة الثقافة الجديدة ص - ترجمة العربي الوافي ، العدد 26 / 27 السنة السادسة ، المغرب وانظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 206.
( ) د. طيب تيزيني " النص القرآني .. " ص 243 لقد كررنا هذا النص لطيب تيزيني عدة مرات ليس عن غفلة أو نسيان ، وإنما لأنه مثال لكل هذه الأفكار التي نطرحه في سياقها فهو مثال للتاريخية ، والنسبية ، والمعنى اللانهائي ، واللا معنى .
( ) انظر : علي حرب " نقد النص " ص 87 وهو كلام لأركون ينقله علي حرب موافقاً ومؤيداً .
( ) انظر : د. طيب تيزيني " النص القرآني " ص 285 .
( ) انظر : السابق ص 226 .
( ) انظر : السابق ص 348 ، 200 .
( ) علي حرب " نقد النص " ص 14 .
( ) علي حرب " نقد الحقيقة " ص 12 .
( ) انظر : عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " ص 20 .
( ) انظر : علي حرب " نقد النص " ص 63 .
( ) أركون " الفكر العربي " ص 43 ترجمة : عادل العوا – سلسلة زدني علماً – بيروت ط 3 وانظر : هوماس " القراءة الجديدة "ص 187.
( ) انظر : طيب تيزيني " النص القرآني " ص 54 .
( ) انظر : حسن حنفي " قراءة النص " ص 17 مقال ضمن مجلة الهرمينوطيقا والتأويل .
( ) انظر : عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " ص 202 ، 203 .
( ) انظر : عبد الله الغذامي " الخطيئة والتكفير " ص 70 .
( ) علي حرب "نقد النص " ص 276 وانظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 157 ، 158 وهو يتفق مع علي حرب في ذلك . ملاحظة : يقصد علي حرب بالنص النبوي القرآن الكريم .
( ) انظر : علي حرب " نقد النص " ص 106 - 107 .
( ) السابق ص 150 .
( ) نصر حامد أبو زيد " إشكاليات القراءة " ص 36 .
( ) علي حرب " نقد النص " ص 15 .
( ) السابق نفسه .
( ) السابق ص 22 .
( ) السابق نفسه .
( ) السابق ص 20 .
( ) انظر : السابق ص 24 - 25 .
( ) انظر : عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " ص 32 .
( ) انظر : علي حرب " نقد النص " ص 9 ، 10 .
( ) انظر : د. نصر حامد أبو زيد " إشكاليات القراءة " ص 241 .
( ) د. حسن حنفي " قراءة النص " ص 12 ضمن مجلة ألف الهرمينوطيقا والتأويل .
( ) انظر : السابق ص 11 .
( ) انظر : د. حنفي " في فكرنا المعاصر " ص 180 وعبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة .. " ص 188 .
( ) ينبز بالإمام الغزالي وكتابه المنقذ من الضلال .
( ) انظر : علي حرب " نقد النص " ص 19 . وانظر " تركي علي الربيعو " العنف والمقدس والجنس في الميثولوجيا الإسلامية " ص 33 .
( ) انظر : علي حرب " الممنوع والممتنع " ص 30 .
( ) انظر : عبد الله الغذامي " الخطيئة والتكفير " ص 72 .
( ) انظر : السابق ص 73 .
( ) انظر : السابق ص 83 .
( ) انظر : د. نصر حامد أبو زيد " مفهوم النص " ص 200 ، 201 .
( ) علي حرب " التأويل والحقيقة " ص 19 ، دار التنوير العربي ط 1 / 1985 – بيروت وانظر : آسيا المخلبي " مبحث التأويل في الفكر العربي المعاصر ، نصر حامد أبو زيد نموذجاً " ص 58 .
( ) أركون " تاريخية الفكر " ص 299 .
( ) انظر : هاشم صالح هوامشه على كتاب أركون " القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني " ص 154 .
( ) انظر : د. أركون " الفكر الإسلامي . قراءة علمية " ص 245 . .
( ) انظر : د. طيب تيزيني " الإسلام والعصر " ص 103 . والحديث لم أجده في الكتب التسعة ولكن قال الحافظ العرقي عنه أخرجه ابن عبد البر من حديث شداد بن أوس وقال لا يصح مرفوعاً وهو بلفظ ""لا يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله وحتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة "" انظر : للحافظ للعراقي " المغني في حمل الأسفار في الأسفار "بهامش إحياء علوم الدين الجزء الأول كتاب العلم.
( ) انظر : د. طيب تيزيني " الإسلام والعصر " ص 112 ، 113 ، 123 , وأركون " الفكر الإسلامي قراءة علمية " ص 274 وخالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 223 .
( ) انظر : د. تيزيني " النص القرآني " ص 160.وانظر له : " الإسلام والعصر "ص 112 وانظر : علي حرب " نقد النص "ص 81 .
( ) خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 223 .
( ) د. محمد أركون " الفكر الإسلامي قراءة علمية " ص 274 وانظر : علي حب " نقد النص " ص 81 .
( ) السابق نفسه والكلام لهاشم صالح في الهامش .
( ) انظر : د. أبو زيد " مفهوم النص " ص 38 فما بعد و ص 70 فما بعد و ص 157 فما بعد .
( ) انظر : طيب تيزيني " النص القرآني " ص 429 .
( ) نصر حامد أبو زيد " إشكاليات القراءة " ص 49 .
( ) نصر حامد أبو زيد " نقد الخطاب الديني " ص 193 .
( ) انظر : طيب تيزيني " النص القرآني " ص 29 ، 11 " يتحدث عن الوهم السلفوي !! " .
( ) انظر : السابق ص 28 .
( ) ميشال فوكو " حفريات المعرفة " ص 5 . وطيب تيزيني " النص القرآني " ص 44 .
( ) انظر : طيب تيزيني " النص القرآني " ص 44 - 45 .
( ) انظر : فوكو " حفريات المعرفة " ص 128 .
( ) انظر : تيزيني " السابق " ص 45 .
( ) تيزيني " النص القرآني " ص 49 .
( ) انظر : تيزيني " السابق ص 48 .
( ) تيزيني " الإسلام والعصر " ص 132 .
( ) انظر : تيزيني " النص القرآني " ص 51 - 53 .
( ) انظر : الجابري " الخطاب العربي المعاصر " ص 164 – مركز دراسات الوحدة العربية بيروت ، ط 4 / 1992 وانظر : إلياس قويسم " إشكالية قراءة النص " ص 167 .
( ) انظر : علي حرب " نقد النص " ص 204 .
( ) انظر : إلياس قويسم " إشكالية قراءة النص " ص 92 .
( ) سورة النحل آية 43 .
( ) سورة يونس آية 94 .
( ) انظر : عبد المجيد الشرفي " لبنات " ص 24 .
( ) هاشم صالح على محمد أركون " القرآن من التفسير الموروث " ص 102 .
( ) السابق ص 62 وانظر : عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " ص 189 .
( ) هاشم صالح على أركون " من فيصل التفرقة إلى فصل المقال .. أين هو الفكر الإسلامي المعاصر " ص 13 وانظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة .. " ص 194 .
( ) هاشم صالح " السابق " نفسه .
( ) انظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 194 .
( ) السابق نفسه ص 195 .
( ) هاشم صالح على أركون " القرآن من التفسير الموروث " ص 36.نتذكر هنا طيب تيزيني قبل قليل وإشادته بهذا المنهج البارتي.
( ) انظر : أركون " الفكر الإسلامي قراءة علمية " ص 260 .
( ) نصر حامد " مفهوم النص " ص 27 .
( ) محمد مفتاح " تحليل الخطاب الشعري " ص 7 دار التنوير – بيروت ط 1 / 1985 وانظر : عبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة " ص 199 إن علم الألسنيات كما يشير هاشم صالح لوحده تفرع عدة فروع " السيميائيات " أي العلامات والرموز " و "السيمانتيك أي " المعاني " والسيمولوجيا " أي الـدلالة والإشارة ، وفي داخل كل فرع من هـذه الفروع مدارس مختلفة . انظر : هاشم صالح على أركون " القرآن من التفسير الموروث " ص 36 .