النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: (( الفن مسئولية )) للدكتور مصطفى محمود

  1. افتراضي (( الفن مسئولية )) للدكتور مصطفى محمود

    الفن مسئولية !

    الفن أحد المواهب التي يتميز بها الإنسان، و هو مهارة ينفرد بها مثل الكلام و التفكير و حرية الاختيار، فهو المخلوق الوحيد الذي يتكلم و يفكر و يبدع.

    و الفن هو تجلي أحكام الأسماء الحسنى الإلهية (( الخالق و البديع و الحكيم و العليم )) في النفس الإنسانية التي جعلها الله بحكم كرمه قابلة لعطاء الحكمة و العلم و الخلق و الإبداع.. فكما تجلى (( السميع )) في سمع الإنسان، و (( البصير )) في بصره.. كذلك تجلى (( البديع )) في إبداعه.. و تجلى (( الخالق )) فيما يخلق الإنسان من فنون، فالفنون كلها مهارات طبيعية نولد بها.. و هي بعض عطايا الله و نعمه.

    و لكن الإنسان الذي ولد حرا و مختارا و خطاء و متمردا لم يوظف تلك المهارة دائما في الخير، و إنما انحرف بها أحيانا إلى الهوى و الغرض و الغواية، و إلى مجرد جلب الشهرة و الجاه و التأثير.. أحيانا بالنفع، و أحيانا بالضرر في الآخرين.

    فالفن الذي يربي العواطف رأيناه في أكثر أفلام السينما يلعب بالعواطف و يلهو بالعقول، و الشعر الذي يسمو بالوجدان رأيناه في أكثر الأغاني يهبط بالوجدان و يسفل بالمشاعر، و الموسيقى التي ترتفع بنا إلى آفاق الجمال و التأمل رأيناها تهبط بنا إلى الترقيص و حركات النسانيس..! و قل أكثر من هذا في هزليات المسارح، و في الحوار البذيء و في المشاهد المسفة.. و في عروض أقرب إلى الأفعال الفاضحة في الطريق العام !

    و لأن الفن يدخل إلينا الآن خلسة من تحت الباب في الصحيفة اليومية و الكتاب، و يتسلل إلينا في غرفات النوم في التليفزيون و الكاسيت.. فقد تحول إلى وسيلة جهنمية في تشكيل الأجيال و في تربيتها أو إتلافها و غسل مخها.
    و بهذا أصبح الفنان قادرا على أن يقتل و أن يضيع و أن يميت أمة، كما أنه قادر على أن يحييها و يبعثها.

    و لأن الفن سلاح قاتل، فلا يصح أن يكون حرا حرية مطلقة و حرية الفنان و حرية الفن دعاوى غير صحيحة، فالفنان حر مسئول محاسب، و كحامل أي سلاح يمكن أن تسحب منه رخصة استعماله إذا أساء هذا الاستعمال.

    و إذا كان الفنان يطالبنا بأن نحميه، فالجمهور القارئ و المشاهد – و هم بالملايين – لهم هم الآخرون حق الحماية من الإسفاف الذي يعرض عليهم.

    و كلمة فنان لا تعني العصمة من المساءلة، و لا تعني الحصانة، بل على العكس تعني المسئولية.. و محكمة النقد و سيف الرقابة حماية ضرورية للمواطنين.

    و التليفزيون في حاجة إلى مجلس حكماء يمنع هذا السيل الهابط من الأفلام و العروض المبتذلة و الأغاني الساقطة و الحوار المسف و الرقص البذيء.

    و ليس هذا كلاما في الدين.. و إنما في أوليات علم الاجتماع.
    أما الفنان الذي يسألني: هل ما أفعله حلال أم حرام؟
    فأقول له: أنا لا أفتيك.. و لكن يفتيك قلبك.
    اسأل نفسك: هل ما تفعله نافع و مفيد للناس ؟ أم تراه ضارا بهم ؟!
    و ستعرف أين أنت.

    و لا مانع من أن يكسب الفنان و يزداد غنى، و لكن من طريق يجعل مشاهديه و قراءه يكسبون هم الآخرون و يزدادون به ثراء و غنى.
    أما الفنان الذي يهبط بقرائه و ينزل بمشاهديه، فإن ما يأخذه من مال لا يدخل في باب الكسب.. لكن في باب النشل !

    و الذي يسأل: هل هناك فن رديء ؟.. و كيف يمكن أن يسمى فنا برغم رداءته ؟.. أقول: بل هو فن.. و لا يمتنع على الفن أن يكون رديئا.. لأن الفن مهارة و موهبة، و الموهبة يمكن أن يوظفها صاحبها في الخير و يمكن أن يوظفها في الشر.. و هي كالقوة العضلية و كحدة البصر و حدة السمع و سرعة البديهة و الذكاء.. و كلها مواهب أحيانا توظف للخير و أحيانا للجريمة.

    و الفنان يمكن أن يكون شريرا، فيعبر عن شره في فنه.. و من الأعمال الفنية العلمية ما يقطر تشاؤما، و منها ما يسيل حقدا، و منها ما ينبض بالعدوانية، و منها ما يحض على الفوضى، و منها ما يدعو إلى المادية و الإلحاد و الرفض و العدمية.. و أصحاب هذه الأعمال فنانون عالميون من حملة النياشين و الجوائز.. و لهم جاه و شهرة و جمهور.. و لهم يخوت و قصور.
    و لكن هذا الفن السالب يدخل عند الله في باب الذنب.. و إن كان في ناموس الدنيا يدخل في باب الحسنات و يدخل أصحابه في باب العظماء !

    و مقاييس الدنيا تخطئ أحيانا، و هي تتغير دائما و في جميع الأحوال.. فكم من ملايين المشيعين ساروا يبكون خلف جنازة ستالين..! و كم كتابا مجده و كم مقالة عظمته ! و كم تمثالا ارتفع له ! و كم عملة ذهبية صكت باسمه !
    ثم تغيرت المقاييس، فأصبح الممجد ملعونا، و المعظم مطرودا ! و لا ندري ماذا يجري غدا في العالم الذي يتغير فيه كل شيء !

    و ما يجري في بورصة العظمة الفنية أعجب !
    بالأمس بيعت لوحة للفنان فان جوخ بأربعين مليون دولار.. و في حياته كان يحاول أن يبيعها برغيفين فلا يجد مشتريا !
    و بيكاسو مات في قمة مجد فني، و لا ندري بعد مائة سنة ماذا يقول الفنانون أنفسهم في تراثه الفني !
    أغلب الظن أن معظم أعماله سوف تدخل في باب العبث و التجارب العبثية.

    و يظل هناك مقياس لا يخطئ و لا يخيب لكل أعمال الإنسان – فنية كانت أو فكرية أو فلسفية أو سياسية أو اجتماعية – هو المقياس الذي جاء به القرآن.
    (( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ.. (17) )) [ الرعد ]
    فالفن الخير البناء هو الذي سيبقى لصاحبه، و هو الذي سيغدو له حسنة في الدنيا و حسنة في الآخرة.
    أما الفن الضار و الهدام و الهابط، فهو الخسارة و البوار، مهما جلب لصاحبه من ثراء و مال و مجد دنيوي، و مهما حمل له في قبره من جوائز و أوسمة و نياشين.

    و كم من فنون هي في النهاية مجرد لهو و قتل للوقت و مضيعة للعمر !
    و كم من أشعار عظيمة السبك و هي مع ذلك غزل في المذكر، أو مدح لحاكم، أو هجاء موتور، أو زهو مغرور، أو تأله فارغ !
    و هي فن متألق، و كلمات تخلب اللب.. و لكنها في الآخرة أوزار يتمنى صاحبها لو لم ينطق بها، و وصمة يتمنى لو يبرأ منها !


  2. افتراضي

    يرفع
    رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ

  3. افتراضي

    الفن حيث تحول إلى أداة علمنة تمارس على المجتمع صباح مساء، واستخدم بعض انواع الفنون لإعادة صياغة مفاهيم المجتمع وفق النظرة العلمانية للحياة، فرسخ عادات كانت قبيحة بنظر المجتمع، كخروج الفتاة بصحبة شاب مثلا، وألقى بظلال من الشبه بل والاستهزاء على أحكام شرعية ثابتة ، وغدت بعض انواع الفنون في العالم الإسلامي في الجملة معول هدم لكثير من القيم الإسلامية .
    .
    رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. ((المكر الإلهي)) للدكتور مصطفى محمود
    بواسطة فكر في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-18-2005, 11:58 PM
  2. ((العذاب ليس له طبقة)) للدكتور مصطفى محمود
    بواسطة فكر في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-27-2005, 10:00 AM
  3. (( التقدم إلى الخلف)) للدكتور مصطفى محمود
    بواسطة فكر في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-27-2005, 08:53 AM
  4. ((علم نفس قرآني جديد)) للدكتور مصطفى محمود
    بواسطة فكر في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-22-2005, 02:52 PM
  5. ((النفس و الروح)) للدكتور مصطفى محمود
    بواسطة فكر في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-19-2005, 12:13 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء