المصادرة الأولى: أنها تحاول إثبات وجود القوة المطلقة من خلال العلم البشري ، والذين هم انفسهم يعتبرونه قاصراً ، وبالتالي فإن هذا يؤدي إلى احتمالين متناقضين:
الاحتمال الأول: هو أن القوة المطلقة يمكن اثباتها عقلاً ويعني هذا تشويهاً وانتقاصاً من قيمة هذه القوة المطلقة حيث تصبح شيئاً ككل الأشياء قابلة للخضوع للمعرفة العلمية أي التجربة أو الملاحظة.
الاحتمال الثاني: أن القوة المطلقة لا يمكن إثباتها عقلاً ومن ثم فإن كل محاولات مثل هذه ولو كانت مستميتة فهي تفضي إلى اللا نتيجة .
هذا الكلام فيه الكثير من التخليط والتخبط الواضح بين المفاهيم والمعاني :
(1)
هو يساوي بين الاستدلال العقلي وبين التجربة والملاحظة ..
ورغم أننا لا نجادل في حقيقة أن التجربة والملاحظة قد يكونان من مكونات الاستدلال العقلي ..
لكن بالطبع لا نحصر الاستدلال العقلي في التجربة والملاحظة اللتين هما مجرد مقدمات أو معطيات للاستدلال ..
ولا يشترط حتى في الاستدلال العقلي أن يكون من مقدماته أمور تجريبية أو ملاحظة بالحس ..
بل قد تكون المقدمات عقلية خالصة (خالية من التجربة والملاحظة) ، وتنتج نتائج عقلية سليمة ..
(2)
هو لا يميز بين الخضوع بمعنى القهر والاكراه والاجبار وبينه بمعنى الاندراج في قسمة عقلية أو منطقية ..
فمسألة إثبات وجود الله قضية عقلية تندرج تحت المسائل التي يمكن الاستدلال عليها عقلاً ..
فلا يصح عندها أن نقول إن هذا يعني أن الله يخضع للعقل ، وكأن العقل يسيطر بنفوذه على الله حاشاه !!
بل الصواب أن الله تعالى خلقنا ، وأودع فينا القدرة على الاستدلال عليه ومعرفته ..
لهذا فإن عملية معرفة وجود الله هي من إمكانيات وقدرات ومهام العقل ..
ولا يعني هذا أن العقل مهيمن أو مسيطر على الله عز وجل !
(3)
قصور العقل البشري لا يعني عجزه عن إدراك وجود الله ..
فهو عاجز في مجالات معينة ليس منها إدراك وجود الله والاستدلال عليه عقلاً ..
إنما يكون عجزه في الإحاطة بالله من جهة كيفية الذات وصفات الكمال ، وليس من جهة الوجود ..
فإن إثبات وإدراك معنى الوجود يختلف عن كيفية الوجود ..
فنحن نفهم معنى أن الله موجود وحي وقادر وعليم .. إلخ ، لكننا لا نستوعب كيفية هذه المعاني على وجه التفصيل ..
فالخلاصة أن حقيقة كون العقل قاصر أو محدود لا يعني عجزه عن إدراك وجود الله وصفاته العلا ..
والله أعلم .
Bookmarks