العيال الذين ظنوا أنفسهم كبار ... بقلم د. مصطفى محمود

العيال الذين ظنوا أنفسهم كبارا
العيال الذين ظنوا أنفسهم كبار بقلم مصطفى محمود
د . مصطفى محمود
أحيانا تراودني الرغبة في البكاء مثل طفل صغير يتيم تاهت عنه أمه في الزحام. وأشعر في تلك اللحظات أننا جميعا أطفال لا فرق كبير يذكر بيننا وبين أطفالنا في علمنا ومعارفنا وأخلاقنا.
يخيل إلينا أننا اخترقنا السماوات بعلومنا. ولو فكرنا قليلا لوجدنا أننا مازلنا في حروف أ . ب . ت . ث . وأننا كأولادنا على عتبة واحدة من الحيرة والتساؤل والجهل.
العيال الذين ظنوا أنفسهم كبار بقلم مصطفى محمود
يقول لك طفلك وهو يشاور على القمر:
من أين جاءوا بهذا القمر يا أبي ؟
وتجاوب عليه بكلام كثير. وتتلو عليه نظريات

وافتراضات خلاصتها أنه لا أحد يعرف الحقيقة.
ولا حتى أينشتاين نفسه.
العيال الذين ظنوا أنفسهم كبار بقلم مصطفى محمود
ويسألك طفلك عن جده الذي مات أين ذهب منذ موته.
وعن أخيه الذي ولد أين كان قبل مولده .
فلا تعرف جوابا .
العيال الذين ظنوا أنفسهم كبار بقلم مصطفى محمود
فلا أحد يعرف ماذا قبل الميلاد ولا ماذا بعد الموت.
ولا من أين . ولا إلى أين .
ويشاور لك على الكهرباء ويقول ما هذا ؟
فتقول الكهرباء .
ويسأل ما هي الكهرباء فلا تجد جوابا .
ويسأل من أين أتت الكهرباء .
فتحكي له حكاية طويلة عن ماكينات النور ووابور النور. وأنت لا تدري ما النور. ولو سألت علماء الطبيعة كلهم ما وجدت فيهم واحدا يستطيع أن يدلك على ماهية النور وكنهه، ولا حتى نيوتن، ولا أفوجادرو، ولا فاراداي .

وما أجهلنا على الدوام .

العيال الذين ظنوا أنفسهم كبار بقلم مصطفى محمود
ابتكرنا علم النفس وكتبنا فيه المراجع و نحن لا ندري ما هي النفس .
واخترعنا الساعات لنقيس الزمن ونحن لا نعرف ما هو الزمن
العيال الذين ظنوا أنفسهم كبار بقلم مصطفى محمود
وسكنا الأرض منذ ملايين السنيين ومازلنا لا نعرف عنها إلا قشرتها .
العيال الذين ظنوا أنفسهم كبار بقلم مصطفى محمود
ويجتمع شهود الحادثة الواحدة فيختلفون في روايتها ويحكيها كل واحد بصورة . وهذا شأن الحادثة التي لم تمر عليها ساعة فما بال التاريخ الذي مر عليه ألوف السنين وكتبت فيه المجلدات، وكلها تخييل .
وما أبعدنا دائما عن الحقيقة .
العيال الذين ظنوا أنفسهم كبار بقلم مصطفى محمود
وما أقل ما نعلم .
وما أقرب الفارق بيننا وبين أطفالنا في علمنا
ومعارفنا .
العيال الذين ظنوا أنفسهم كبار بقلم مصطفى محمود
بل ما أقرب الفارق بيننا وبين أطفالنا في أخلاقنا نحن الأوصياء والمربيين وكل منا يحتضن أملاكه كما يحتضن الطفل لعبته ولا يطيق أن تمسها يد منتفع.
وفينا البخيل والشره، والأكول والطماع، ومن يسيل لعابه على المليم .
والطفل يخطف والكبير يسرق .

والطفل يضرب والكبير يقتل .
والطفل يمد يده بالإيذاء والكبير يمد عصاه وسكينه.

والطفل يرمي بحصاة والكبير العظيم يرمي بقنبلة ذرية.
ألا يحق لي بعد ذلك أن أبكي على هذا العالم من العيال الذين ظنوا أنفسهم كبارا ؟!