كلمات خاطفة..في بيان نبوة الرسول

[أبو القـاسم]

قد يكون البصر فيه ضعف فيكون في حكمه على الدقائق نظر..كتمييز درجات الألوان ، أو استبانة الكلم في الصحائف ..ومهما يكن من ضعف فيه ..لو أنك أتيت بورقة ناصعة البياض وأخرى حالكة السواد ، فلن يكون عسيرًا أن يفرق بينهما كتفريقه بين بياض النهار وسواد الليل ..

-كلما كانت الكذبة أكبر كان انكشافها أيسر ، وما ثَمّ شيء أعظم من دعوى النبوة ، فمن يدعيها وهو كاذب ، إنما يأتي بما تفنيده من أيسر الأشياء..ألا ترى أن أمريكا بكل جبروتها وإداراتها وخبرائها وأجهزتها ، يكشف تضليلها الإعلامي آحادُ عوام المسلمين رغم كل مساحيق التجميل ؟

-أبوجهل كان يكذّب النبي ، ورسول الله كان يقول إنه نبي ، لو حلّ بأرضنا شخص من المريخ وسمع الدعْويين فسيعلم ابتداء أن أحدهما صادق والآخر كاذب ..فيقال له :إذا كنت عاقلًا فانظر إلى حاليهما وتأمل ما بينهما من بون عظيم..ينكشف لك الفرق هائلًا حتى لو كنت مصابًا بآفة في النظر ، ومجالات النظر : التاريخ والسنن الإلهية فيه ، النصر والتمكين وضده، الآيات ، المعجزات ، كرامات الأصحاب ، الفتوحات ، الأخلاق والسيرة ، السمت والهدي ، البلاغة والأدب ، الشريعة ، العقيدة ، حفظ الدين ، التوفيق الإلهي والعناية ، حصول الطمأنينة والسعادة في اتباعه.. إلخ ..ثم إن شئت: استبدل بأبي جهل غيره ممن تشاء ..تجد النتيجة هي هي..في كل مرة

-يقول ابن تيميّة عليه سحائب الرحمة والرضوان في تبيان حقيقة ما أريد (ولما كان هذا -يعني مدعي النبوة الصادق-من أعلى الدرجات ، وهذا-يعني مدعي النبوة الكاذب- من أسفل الدركات ، كان بينهما من الفروق ، والدلائل ، والبراهين التي تدل على صدق أحدها وكذب الآخر ما يظهر لكل من عرف حالهما . ولهذا كانت دلائل الأنبياء وأعلامهم الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة ، كما أن دلائل كذب المتنبئين كثيرة متنوعة)

-ادعى غير واحد النبوة كمسيلمة بن ثمامة الحنفي والأسود العنسي ..والقائمة للمدعين طويلة عريضة، وازن أحوالهم برسل الله : ساداتنا محمد وعيسى وموسى وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام ..أما موسى وعيسى وإبراهيم فلن تظفر بشيء ذي بال بخصوص تراثهم لبعد الشقة الإسنادية ..وإن كانت شهادة التواتر على فضائلهم منقولة في الجملة ، لكنك ستجد في السنة المشرفة المحفوظة ما ينبيك عن تفاصيل أحوال الرسول منذ ولادته إلى وفاته صلى الله عليه وسلم

قد يقول قائل الفضلاء كثر ، وهذا لا يعني النبوة ..فالجواب : من تسميه فاضلا إذا ادعى النبوة ولم يكن كذلك ، كان من أعظم المجرمين ، وإذا لم يدع النبوة ، لم يكن فضله المدعى حقيقا بالاتباع إذ ليس من شرط الفضل العصمة من الزلل ، وجوهر النبوة الصلة بالرب الذي له حق الأمر وحده كما له الخلق وحده..على أن هؤلاء الفضلاء :إما أن يكونوا متبعين للرسل ..فالأمر فيهم واضح ويقال :كن فاضلا مثلهم ..وإما أن يستنكفوا عن ذلك ..وهم إذًا سفهاء ، لأنهم إذا دعوا الناس إلى اتباعهم كان هذا منهم غرورًا لظنهم في عقول أنفسهم أنها مثابةٌ للناس، وكانت أقوالهم مفتقرة إلى مرجعية الحق المطلقة التي توجب الإذعان ..أي الله سبحانه وتعالى

-الرسول محمد قال إنه نبي -وصدق عليه السلام- وقبله قال عيسى -وصدق عليه السلام- وقبله قال أنبياء كثر ورسل كثر..فدعوى النبوة شيء عريق بقدم تاريخ الإنسان ..مركوز في نفوس الناس أجمعين صحة معناه ..وغاية ما كان يقول الجاحدون :أما وجد ربك غيرك ليرسلك ؟ حسدا من عند أنفسهم ، ولم يكونوا يجحدون أصل النبوة ..

-الرسول صلى الله عليه وسلم ..مذكور في كتب الناس المقدسة عندهم..إي والله مذكور ..مذكور قبل أن يأتي برسمه ووصفه واسمه ..ولم يلتبس ما جاء في نعته بأي نبي آخر فضلا عن ان يلتبس بأي شخص آخر ..ومن تحدى المسلمين في هذا ممن كفر :كان مصيره ولابد "فبهت الذي كفر "

-عند بحث السيرة والدرس في حياة الرسول أعلن غير واحد من المستشرقين الذين تجردوا قليلا من نزعة الحقد الدفين الذي يكفر نتائج الفكر ..أنه حقا نبي ..وهاهي كلماتهم منثورة مشهورة ..مرصعة بالأدلة ..أما إنه لم يكن أحد منهم يقبض راتبا شهريا من المسلمين ليجامل أو يداهن ..بل لم يلجوا باب الاستشراق أصالة إلا لحماية قومهم من الانسياق إلى الإسلام