لا يفهم الملحد حقيقة امتلاك المؤمن لليقين, فإن من يحيا بالشك لا يتصور الناس إلا مثله, فالمؤمن يؤسس عقيدته على أساس من العلم متين, يشهد له النقل الصحيح والعقل الصريح, أما الملحد فلا يجاوز قط عتبة الظن والتخمين كما قرر ذلك القرآن في مواضع منها آية الرد على الدهرية في سورة الجاثية:
(وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاّ الدّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنّونَ) الجاثية: 24
قال الطبري في تفسيره: { وَما يُهْلِكُنا إلاَّ الدَّهْرُ } يقول تعالى ذكره مخبراً عن هؤلاء المشركين أنهم قالوا: وما يهلكنا فيفنينا إلا مرّ الليالي والأيام وطول العمر، إنكاراً منهم أن يكون لهم ربّ يفنيهم ويهلكهم. انتهى
وهم لا يملكون دليلا على شبهتهم: (وما يهلكنا إلا الدهر) وليس لهم إلا الظن وإنكار ما غاب عن حسهم من أمر البعث. وقد جمعوا في قولهم هذا ألوانا من الجهل. فأنكروا الحياة الأخرى بمحض الجهل و نسبوا فعل الإماتة -لغلبة الحس- إلى مرور الأيام والأعوام, رغم أنهم يرون مدة حياتهم أن الموت لا يميز بين شاب وشيخ, وأنْ ليس له عمر معلوم ولا زمان محدود, فقد يعمّر الشيخ الهرم, و يموت الفتى اليافع بغتة, وغاية ما هنالك أن لكل إنسانا أجلا محددا لا يجاوزه, فإذ جاء أجله قُبضت روحه, وهذا يشهد له الشرع والعقل كما يوافق -بحمد الله- الحسّ, بخلاف قول الزنادقة الذي لا سند له إلا الظن والتقليد وهذا رأس مال الملاحدة وإن تشدقوا بالعلم والبرهان, فإنما هي أسماء لا معاني لها ودعاوى لا حقيقة لها.
Bookmarks