اذا خلق الله الضوء قبل الدحو اذن كيف يكوت الضوء بعد التربة و الشجر؟هذا عَنْ وَقتِ الضُحى على الأرضِ ولكنَّ الآيةَ التى ذكرتَها لا تتحدَّثُ عَنْ ذلِكَ بل تتحدَّثُ عَنْ "ليلِ السماءِ وضُحاها" قال اللهُ تعالى { أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا(27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا(28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا(29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)} ( النازِعات )، فمَعنى الآيةِ الكريمةِ "أتحسبونَ أنَّكُم أشدُّ خلقا مِنَ السماءِ إذ بنيناها ورفَعنا سَمكَها وسوَّيناها وأغطشنا ليْلها وأخرَجْنا ضُحاها والأرض إذ بعدَ ذلِكَ دحوناها".
نقرأُ فى تفسيرِ الجلالين
(وأغطش ليلها) أظلمه (وأخرج ضحاها) أبرز نور شمسها وأضيف إليها الليل لأنه ظلمها والشمس لأنها سراجها
فما هوَ ضُحاها ؟
يقولُ اللهُ تعالى { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) } ( الشمس ) وفى تفسير الجلالين : (والشمس وضحاها) ضوئها
فيكونُ المعنى الظاهِرُ - والمُعجِزُ عِلميًّا - أنَّ اللهَ تعالى جعل الليلَ فى السماءِ حالِكَ السوادِ وفى ذلِكَ الليلِ البهيمِ أخرجَ ضوءَ الشمسِ وغيرِها مِنَ مَصادِرِ الضوءِ فى السماء، وهذا تراهُ وتنبهرُ بهِ عِندما تخرجُ إلى الفضاءِ الخارِجىِّ فتنظرُ فى كلِّ مكانٍ مِن حولِك فترى الليلَ البهيمَ فى كلِّ مكانٍ، وفى هذا الليل ترى ضوءَ الشمسِ والنجومِ يظهرُ ككشافاتٍ تخترقُ سوادَ هذا الليلِ دونَ أن تُبدِّدَهُ أو تجلوه، فتقولُ سُبحانَ مَن أغطش ليلها وأخرجَ ضُحاها.
وهذا لا مُتعلِّقَ لهُ بموضوعِنا إذ هوَ يتكلَّمُ عَنْ السماءِ وآياتِ اللهِ تعالى فيها لا عَنْ الأرضِ، ومعَ ذلِكَ أقولُ : إذا كانَ ضُحى السماء هو ضوء الشمسِ فإنَّه لمْ يُنازِعْ أحدٌ فى أنَّ ضوءَ الشمسِ كانَ يصلُ إلى الأرض فى الفتراتِ التى تسبِقُ وجودَ الغلافِ الجوىِّ ولكننا نقولُ أنَّه قبلَ وجودِهِ لمْ يكُن هُناكَ نورٌ على الأرضِ كالذى نراهُ اليومَ فى نهارِ الأرضِ ودليلُ ذلِك فى نصفِ القمرِ المواجِهِ للشمسِ فى إظلامِهِ الدائِم رغمَ وصول ضوءِ الشمسِ إليهِ بأشدَّ مِمَّا يصلُ إلى الأرضِ، ولو قُدِّر اليومَ وفقدَتْ الأرضُ غلافها الجوىَّ فإنَّها ستغرقُ فى الظلامِ ليلا ونهارا رغمَ أنَّ الطاقةَ الشمسيَّة التى تصلُ إليها ستكونُ أكثرَ كثيرا مِمَّا هوَ حاصِلٌ اليومَ.
فائِدة :
1) يقولُ اللهُ تعالى { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) } ( الشمس ) فإذا كانَ اللهُ تعالى قد أغطشَ ليلَ السماءِ وأخرجَ ضوءَها ومِنْ ذلكَ ضوءَ الشمسِ الذى أقسمَ بهِ ربُّ العِزَّةِ جلَّ وعلا فكيفَ يُجليها النهارُ يعنى يكشِفها ويُظهِرها ؟ وهل تحتاجُ الشمسُ بإضاءتِها إلى تجليةٍ وإظهارٍ، أوليسَ لِقائلٍ أنْ يقول "الشمسُ هى التى تُجلِّى النهار بضوئِها" ؟ فما الذى جعلَ الشمسَ مفعولا بهِ عِوضا عَن أنْ تكونَ فاعِلا ؟
قلتُ : وهلْ ينفعُ ضوءُ الشمسِ فى تبديدِ ظلامِ الأرضِ إذا فقدَت غلافها الجوىَّ ! فضوءُ الشمسِ وحدَهُ غيرُ كافٍ لتجليةِ النهار - بتمييزِهِ عَن الليل - على الأرض، ولولا الغلافُ الجوى لغرقت الأرضُ فى الظلامِ ليلا ونهارا وما تجلَّت الشمسُ ولا نفعَ ضوؤها، فالغلاف الجوىُّ هوَ الذى يُجلِّى الشمسَ حقيقةً.
2) يقولُ اللهُ تعالى { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) } ( الليل ) وهُنا يَعجبُ القارئُ ففى السورةِ السابقةِ فقط كان النَّهار فاعِلا بتجلية ضوءِ الشمسِ فإذا بهِ هُنا هو الذى يتجلَّى، فهلْ ظهرَ النهارُ وانكشفَ أمْ أظهرَ ضوءَ الشمسِ وكشفَهُ !
قلتُ : بل الفاعِلُ هُنا هو الغلافُ الجوىُّ؛ فهو الواسِطةُ بينَ الشمسِ والنهار فنقول
* فى ساعاتِ النهارِ يعملُ الغلافُ الجوىُّ على تجليةِ ضوءِ الشمس فيظهرَ وينتشر.
* إذا تجلَّت الشمسُ تميَّزَ النهارُ عن الليلِ وعرَفَ النَّاسُ الفارِق بينَ بينَ فتجلَّى النهارُ وعُرِف وأُدرِكَ.
واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
Bookmarks