قصتي مع السلفية!
لا أذكر زمانا محددا بدأت فيه قصتي مع السلفية..!
اللهم إلا من حيث بدأتُ أنا!
ولكنني أذكر في صغري حين كنت هناك.. تلك الأيام الجميلة والرحلات الممتعة من العاصمة إلى مكة والمدينة..
اقتربنا من مكة فرأيت لافتة كبيرة مكتوبٌ عليها: "لا يُسمح بالدخول لغير المسلمين!"..
فسألني أبي ذات مرة وقد اقتربنا من الدخول: ها.. هل أنتِ مسلمة؟
فقلت وكأنما اجتاحتني رهبة وإحساس بالمسؤولية: نعم..!..
فانطلقنا داخلين.. فشعرت بالفخر والظفر أنني ممن يملكون حق الدخول إلى هذا المكان، والاستمتاع بالرحلة التي أحبها!
أدركت مبكرا أن قدماي الصغيرتان حين تطوف حول الكعبة فهي تطوف حيث طاف رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده رضوان الله عليهم.. تسعى حيث سعوا.. وتفعل كما فعلوا.. ربما وطئت أقدامي بعض مواضع أقدامهم.. كنت أدرك هذا بوضوح.. ويتردد صداه في داخلي..
أحببتُ أرض الحرم في مكة والمدينة.. تعلقت بعض المعاني الإيمانية في قلبي وصاحبتني بقية عمري..
لازلتُ أفخر من صغري أنني قبّلتُ الحجر الأسود كما قبّله الرسول صلى الله عليه وسلم.. ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلّه ما قبلناه.. كما قال عمر رضي الله عنه وكما فعل الصحابة.. فهم قدوتنا في كل شيء..
وحين مررنا على جبل أحد - لا أنسى منظره وهيبته- ورأيتُ أناسا يصعدون إليه في صف متصل.. فرجوتُ أبي أن نصعد إليه كما صعدوا!.. وكم حزنت حين أعتذر!.. وعند البقيع وقفنا ندعوا لهم!: أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون.. يا له من معنى!
رأيت مسجد "قباء" أول مسجد كأنه لؤلؤة!..
ودخلتُ المسجد النبوي ووقفتُ أمام قبره الشريف صلى الله عليه وسلم، وكانت لحظات لا تنسى حين أشاروا لي قائلين: إنـه هنا!..
أما هنا فأبو بكر.. وهنا عمر..!
أرى لهذه البداية أثر كبير في حياتي.. ارتبطتُ بها.. ولمستُ أثرها في نفسي.. وفي تكوين عقيدتي وانتمائي.. كانت تلك المناسك ومعايشة تلك الأجواء والقرب الحسي من الأماكن المقدسة والقرب المعنوي من حياة هؤلاء السلف لها أثر عظيم في غرس روح الانتماء والحب لهذا الدين.
فكرتان طرقتا ذهني في طفولتي المبكرة بعفوية ووضوح.. ولازلتُ أذكر وقعهما:
الأولى: أتلفت حولي فأشعر أن هناك شيءٌ عظيم جدا في حياتنا؛ ورغم ذلك لا يُقدّره الناس حق قدره!.. ما هو؟
فيخطر ببالي أنه ((الله))!
الثانية: ليس لزاما أن يكون والداي دوما على صواب!
ورغم بساطة هذه الأفكار إلا أنني كنت أشعر حينها بأنها شيء كبير أو كنزٌ عثرت عليه أو هدية غالية لأبعد الحدود!
نعم.. إنه (الله).. عظيم عز وجل مهيمنٌ على حياتنا..
كما أنه ليس لزاما أن يكون والداي هما القدوة المثلى لي في الحياة في كل شيء..!
وبهذه الهدية العظيمة من ربي عصمني الله تعالى من فكرة التقيد بسنة الآباء والأجداد التي اكتشفتُ بعدها عندما كبرت كم هي مذمومة في القرآن الكريم وأنها سبب في ضلال كثير من البشر.
كان صمتي طويل.. طويل جدا..
وأسئلتي كثيرة!
أذكر يوما كانت معلمتى في الابتدائية تحكي لنا موقف كفار قريش من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ورفضهم لها رغم معرفتهم أنه صادق وأنه نبي!..
وهنا وقعت في حيرة .. ولم أقتنع!.. فرفعت يدي وسألتها: كيف يعلمون في أنفسهم أنه نبي؛ ولا يؤمنون؟!
أظنها فكرت قليلا ثم قالت: لأنهم استكبروا!
لم تقنعني إجابة معلمتي ولم تدخل رأسي، قلت في نفسي: يبدو أن معلمتى لا تعرف الجواب!.. فلا يستقيم أبدا أن يعلموا في أنفسهم أنه نبي وصادق ويتوعدهم بالنار.. ثم لا يؤمنون به!.. لم أستوعب حينها هذا التناقض!
المجتمع المحافظ..
مهما قرأنا في الكتب عن مجتمع الفضيلة والستر والصون والحجاب لا يكون تأثيره وتخيله كمن عاين ذلك بنفسه وشاهد كيف تكون الحياة في ظل هذا النمط.. كيف تكون الحياة أسهل وأمتع وأسلم وأكثر صونا وأمنا للجميع وأكثر قربا من الفطرة السوية والراحة النفسية من غير كبت ولا حرمان..
بيئة تساعد على الحفاظ على بذرة الإيمان..
مجتمع يساعد على حراسة الفضيلة وصون الحياء والطهر ..
مدرسة منضبطة بآداب الشرع وأخلاقيات الإسلام..
توعية في المدرسة بقضايا الأمة مثل قضية فلسطين.. فنعيش معها ونشعر بها..
إعلام محلي منضبط إلى حد ما.. حريص على الفضيلة.
كانت هذه هي المحطة الأولى..
يتبع إن شاء الله..
Bookmarks