النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: هل سمعتم ببلاد "توافا"

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي هل سمعتم ببلاد "توافا"

    أيها الفضلاء:
    هذا نص أحكي فيه واقعة عشتها بالفعل, وحين فرغت من كتابتها أهديتها لصديقي الحبيب عبد الرحمن. وهئنذا أضعها بين أيديكم:


    "توافا"


    أخي الحبيب عبد الرحمن,

    هذه الكلمة ليست عربية كما قد يسبق إلى الذهن, ولو كانت كذلك لكتبتها بالألف المقصور: "توافى", نحو توافى القوم, أي تتامّوا, ولو كانت إخبارا عن اثنين لقلت: توافيا. أما عن نطق هذه الكلمة العجيبة فإن واوها في أعلى درجات الترقيق, وليس فيها مد على الحقيقة, بل إن صوت الواو المفتوحة يكاد يعانق الفاء دون جريان للنفس كما هو الحال مع حروف المد.

    إنها كلمة لم أعثر عليها في قاموس ولم أطالعها في كتاب, ولم يخبرني بها جن ولا إنس. إنها كلمة وردتني من عالم لا ندري كيف نلجه ولا بأي عين نبصره ولا بأي حاسة ندركه, ولفرط غرابة ذلك العالم فإنا لا نبصر أشكاله وألوانه حتى تنطبق منا الجفون وتسترخي منا الأعضاء وتتعطل الحواس, فإذا عجزت العين الباصرة عن تمييز قسمات هذا العالم الممدود بين أيدينا, انفتحت بدواخلنا عين أخرى نحس بها ولا ندركها, لتنقل إلينا صورا من عالم آخر: عالم الحلم.

    من ذلك العالم استقيت الكلمة التي حركتني لأخط لك هذه الكلمات. رأيتني أحادثك فقلت في ثنايا كلامي: "هذا الحاسوب المحمول الذي اقتنيتَه قد يشغلك عن القراءة." فسألتني: "ولِم؟" فأجبتك: "لأنه يغري لصغر حجمه وخفة محمله على مداومة النظر في شاشته والإبحار على متنه عبر أمواج من أرقام هي قوام البحار الإفتراضية, فتظل تنقر وتنظر هنا وهناك, حتى يصل بك القطار إلى وجهتك, وقد تقرأ من شاشة الحاسوب نفسه, لكن ذلك كله لا يغني عن حمل كتاب صحائفه من ورق, تقرأها وتقلبها, تراها وتسمع أصواتها, تمسها بأناملك, وتشتم ريحها, فتحدثك دونما لسان, فأين ذلك كله من صحائف افتراضية صماء خرساء لا طعم لها ولا رائحة, بل هي أشبه شيء بالسراب؟"

    قطعا لم أقل ذلك بحذافيره في الحلم, فذلك عالم مبناه على الرمز والإشارة ومستلطف العبارة, عالم يعشق الإيجاز, فينبئك في طرفة عين بما قد يستغرق زمانا طويلا, كمثل رؤيا عزيز مصر.
    وحين سمعت مني ذلك, أجبتني قائلا: "إني أقرأ هذه الأيام كتابا عن بلد من البلدان, عنوانه بلسان الأمازيغ: "تَوَافَا", خمّن أيّ البلاد هي؟"
    فقلت على البديهة: "إنها أمريكا لأنها كانت مجهولة فوجدوها, وبالأمازيغي: "أُوفَانْتّْ", فمن هذا الفعل اشتق لها اسم "توافا". ولما قلت ذلك تبدّت لي أرض شمال أمريكا تحفّها المياه.

    إنه حلم طريف عن أرض فُقدت ثم وجدت, وجُهلت ثم عرفت, وخملت ثم اشتهرت, فكأنها من عدم قد ظهرت, وما لبثت أن علت واستعلت, واستكبرت وعتت, فيا "لتوافا" كم أراقت من دماء, وكم سببت من عناء, وكم جرت من بلاء, بذرت الشقاق في الأرض بذرا, ونثرت الأضغان في العالم نثرا, لسان حالها: "أنا عنقاء زمان التقنية, لن أرضى حتى لا تدينوا بغير المادية, ولا تلبسوا غير "الجينز" ولا تأكلوا غير "البورجر" ولا تشربوا غير "الكولا", لا لن أرضى عنكم أيها العبيد حتى تكونوا على ملة "توافا", ومن أبى فسأصليه حمما ونارا تقذفها "الإف 16" و "الأباتشي".
    تلكم "توافا" فيا ليتهم أنكروها أول مرة وما عرفوها, وليتهم فقدوها وما وجدوها, وبلسان الأمازيغ:
    "كُنْ غِيرْ أُورْ تُّوفانْ, أُورْ أُوفانْ تَاغَوْسَا." 1
    وفي حرف آخر:
    "أورْ أُوفانْ أَمْيَا." 2


    ومن عجيب ما اتفق لي أني حين حكيت هذا الحلم لأخي عبد الرحمن, كان قد اشترى بالفعل حاسوبا صغيرا, فصار يحمله معه ويقرأ منه أثناء تنقله إلى العمل, فهو مدمن مطالعة, وهو للإشارة لا يتقن الأمازيغية جيدا, لكني وجدت الأمر في غاية الطرافة, فأهديته هذا النص, ثم ارتأيت أن أنشره هنا.

    تنبيه: كلمة "توافا" لم أسمع بها إلا في حلمي, ولا تعني أمريكا قطعا.
    التعديل الأخير تم 11-01-2012 الساعة 04:29 PM
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    861
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جميل...
    الأستاذ هشام بن الزبير يتفنن حقا في مواضيعه
    ابداع.
    هنيئا لأخي عبد الرحمن هذه الهدية
    ولكن ...أين هو ؟!
    التعديل الأخير تم 11-02-2012 الساعة 11:47 AM


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    2,867
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    19

    افتراضي

    بارك الله فيك أختي الفاضلة.
    الأخ عبد الرحمن هناك في بلد بعيد, لكنه ليس "توافا".
    {‏ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} إبراهيم: 41

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    الدولة
    مغربي فاسي و لكن دولتي من طنجة الى جاكارتا
    المشاركات
    459
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    أسلوب رائع أستادي هشام . و صراحة ياليتها لم تكتشف هده توافا اللعينة .
    عندما كان الناس أكتر روحانية و سيطرت عليهم الكنيسة كانوا تحت رحمة صكوك الغفران التي ما أنزل الله بها من سلطان. فلما أنتقلوا الى المادية و الحداثة أستقبلتهم الأبناك بصكوك أخرى بمسمى الفوائد لتحكم أيضا عليهم بالرضوخ لها. فلا فرق بين صك استعبادي يعطى لفرج كرب روحاني و بين صك استعبادي أخر يأخد لفرج كرب مادي .

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. إعلان: هل سمعتم عن "انفجار بركان في الإسكندرية الجمعة القادمة"؟!
    بواسطة واحد من المسلمين في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-04-2010, 01:55 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء