صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 20

الموضوع: هل يطعن العقل في صحة المنهج النقدي للمحدثين?

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,207
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    5

    افتراضي هل يطعن العقل في صحة المنهج النقدي للمحدثين?

    اورد بعض الامثلة على احاديث صحيحة اعترض عليها بعض الجهلاء بعقلهم وظنوا ان لهم فيها مطعن على دقة المنهج النقدي للحديث:
    منقول:

    في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه , عن رَسُولُ الله ‏ ‏صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أنه قال : ((‏ ‏لَوْلَا ‏بَنُو إِسْرَائِيلَ ‏‏لَمْ يَخْبُثْ الطَّعَامُ وَلَمْ ‏ ‏يَخْنَز اللَّحْمُ ‏)) .

    ومعنى يخنز : يفسد بسبب الادّخار والخزْنِ خاصة ، هذا هو المعنى الدقيق لكلمة ( خنز) ، وليس معناها الدقيق هو : مطلق الفساد ، كما قد يظن غير المدقق فيها .

    قال إمام اللغة أبو العباس المبرِّد في الكامل (٢/ ١٠٠٤) : (( ويقال إذا عَـتُـقَ اللحمُ فتغيّر : خَنَـِزَ وخَـزَِنَ ، وبيت طَرَفة أحسن ما يُنشد :

    ثم لا يَخْنَزُ فينا لحمُها إنما يخنز لحمُ المدّخِر

    وأصله من الفعل اللازم غير المتعدي ( خزنَ ) بتقديم الزاي ، ولذلك يُقال في فساد اللحم : خنز وخزن ، بمعنى واحد . وهذا من القَلْبِ المعروف في اللغة كـ(جذب) و(وجبذ) و(صاعقة) و(صاقعة) . فإذا قلت : خَزَنَ اللحمُ ، فجعلتَ الفعل لازما (لا ينصب مفعولا) ، فهي بمعنى : فَسَدَ ، وإذا قلت : خزن اللحمَ (فنصبت مفعولا) ، فهي بمعنى : ادّخره ، فقط .

    وهذا يؤكد علاقة ( خنز) بالفساد الناتج عن الادخار خاصة .

    حتى كان من ألقاب اليهود ( الخُـنّاز ) ، لأنهم ادخروا اللحم حتى خنز ، كما في تهذيب اللغة ( ٧/ ٢٠٩ ) .

    وهذا الحديث هو أحد الأحاديث الصحيحة التي يطعن بعض المتعجلين فيها ، ويجعلون الطعنَ فيها سبيلا للطعن في المنهج النقدي للمحدثين ، باستنكارهم لمعنى هذا الحديث ، الذي تضمن (حسب رأيهم) خبرًا يكذبه العقل أوضح تكذيب ، وهو أن اللحم وكل طعام لا يقبل الادّخار لا بد من أن يَفْسُدَ ، وهذا مما تدركه العقولُ بداهةً : أن اللحم لا بد أن يفسد ، وأنه كذلك منذ أن وُجد اللحم ، وأنه لا علاقة لذلك ببني إسرائيل !

    يقول هؤلاء : فأدنى إعمالٍ للعقل وأول انتباهٍ للتجربة المتيقَّنة : سيدل على كذب هذا الخبر ، وأنه لا يمكن أن يكون قد صدر عن الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    ولا شك أنه لو كان معنى الحديث هو ما ذهبوا إليه لكان خبرًا بيّنَ الافتراء ظاهر البطلان ، حتى لا يكاد يختلف في كذبه رجلان ! هذا صحيح , ولا يشك في صحته عاقل !!

    فهل صححه المحدثون (وعلى رأسهم الشيخان) رغم هذا البطلان الظاهر ؟! وهل يتصور عاقل أن بعض أذكياء العالم ( كهؤلاء الأئمة ) قد صححوا هذا الحديث بهذا المعنى الفاسد ؟! فإن لم يكونوا من الأذكياء ، فهلا حسبناهم من جملة العقلاء الذين يدركون فساد هذا المعنى من معناه ببديهة العقل وقَطْعِيّةِ التجربة ؟!!

    إذن فأول خُطا إنصاف المحدّثين هي الخطوة التي تُـخرجهم من جملة المجانين إلى جملة العقلاء ؛ لأنهم عقلاء !! لتمنع عنهم تصديقَ معنى تدرك بدائهُ العقول فسادَه !!

    وهذه الخطوة ليست خطوةً عاطفية ، ولا خطوة تقوم على تنزيه الأئمة من كل الخطأ ، ولا هو حكم بعصمتهم ؛ إلا إذا لم يكن هناك فرقٌ بين حكمٍ بالعصمة وحكمٍ بالعقل وعدم الجنون فقط ! فهي إذن خطوةٌ تنزههم من خطأ لا يقع إلا من فاقد العقل ، وهؤلاء الأئمة عقلاء ( وسادة العقلاء ) ، فصار واجبُ العقل نفسه ( لا العاطفة ) هو ما يُوجب تنزيههم من مثل هذا الخطأ . وصار اتهامهم بمثل هذا الخطأ اتهاما غير عقليّ ، فلا يقبله العقل .. العقل نفسه الذي يتذرّع به من أورد هذا المعنى إلى تصحيح المحدثين لهذا الحديث .

    إذن (وبمقتضى العقل) لا يمكن أن يكون المقصود بالحديث أن اللحم لم يكن يفسد بتاتا قبل بني إسرائيل ، فهذا لا يمكن أن يتصوره عاقل ؛ إذ كل عاقل يدرك أن الصخور (وهي صخور) تتفتت ، والحديد ( وهو حديد) يصدأ ، والأجساد بلحمها وعظمها تبلى بعد الموت . ولا يمكن أن يخفى شيءٌ من ذلك على أبي هريرة رضي الله عنه (راوي هذا الحديث) , ولا على غير واحد من التابعين ممن رووه عنه , ولا على من جاء بعدهم , ولا على البخاري ومسلم وغيرهما ممن قَبِل الحديثَ وصحّحه ؛ فلا يمكن أن يَرْوُوا هذا الحديث (مُحتمِلِين فيه القبولَ والصحة) بمعنى يكذبه العقلُ والحسّ كل هذا التكذيب الظاهر .

    ولو كان أبو هريرة كذابا (وحاشاه) رضي الله عنه , فإنه لم يبلغ (حتى عند فجور من يتهمه بذلك) درجةَ أن يُشهِدَ العقلاءَ على كذبه , برواية حديث بمعنى لا يتردد العقلاء في تكذيبه , حِسًّا وعقلا !! وأما التابعون : فقد رواه عنه غير واحد من جِلتهم وأوثقهم , مما يُبعد عنهم الخطأ فيه , فضلا عن الكذب عليه . بل هذا الحديث مرويٌّ (من بين رواياته) في صحيفة همام بن منبه التابعي الجليل الذي كتب ما سمعه عن أبي هريرة , ودوّنه في صحيفته الملقّبه بـ( الصحيفة الصحيحة) , لشدة إتقانها , لتُبعد كتابةُ هذا الحديث عنه احتمالَ وقوع الغلط بسبب النسيان , فكيف إذا رواه مع همام غيره من ثقات التابعين عن أبي هريرة رضي الله عنه ؟!! فدعوى عدم الكتابة التي يتذرّع بها المشككون في إتقان المحدثين غير متحققة هنا , وانفراد الرواة به عن الصحابي الذي لا يحسن الاستفادة منها المتسوّرون على نقد الحديث ليس متحقّقًا هنا أيضًا .

    مثل هذا التتابع على الرواية يمنع العقل (قبل غيره) وقوعَ الغلط فيه . وما بقي عقلا مجرّدًا إلا اتهامُ أبي هريرة رضي الله عنه بالخطأ أو الكذب , وقد أجبنا آنفا عن احتمال الكذب , والتخطيء هو فرع استنكار اللفظ الدال على المعنى الباطل الموجب للردّ والتخطيء , فإذا رددنا على سبب التكذيب , فقد رددنا على سبب التخطيء أيضًا .

    فبأي دليل عقلي يرد احتمال الوهم أو الكذب في هذا الحديث ؟!! لا أجد إلا عدمَ التفريق بين الجهل والعلم , وعدمَ التفريق بين أمرين : دلالةِ العقل الصحيحة , وخداعِ الأمزجة والأهواء .

    وسأُورد هنا عددا من الآراء في فهم هذا الحديث ، كلها آراءٌ تجعله حديثا لا يعارض العقل . وقد تروق هذه الآراء كلها للقارئ الكريم ، أو قد يروق له بعضها ، وقد لا يروقه شيء منها . لكن عدم إعجابه بشيء منها لا يجيز له أن ينسب لقائليها أنهم صححوا ما يرفضه العقل ، وإن كان عدمُ إعجابه بها مما يُجيز له أن يقول : أخطؤوا فهمَ لفظ الخبر ، وأبعدوا النجعة في تفسيره ، وتكلفوا في تأويله , وتعسفوا في صرفه عن ظاهره ... هذا كله لا مانع منه نظريا ، لكن الممنوعَ يقينًا هو أن ينسب إلى مخالفيه في الفهم فهمًا لم يقولوا به ، وهو فهمٌ ترفضه عقول كل سويّ العقل صحيحه ، مع أنهم لم يقولوا به !! فيقوّلهم ما لم يقولوه ، ثم ينسب إليهم (بما قَوّلهم إياه) أنهم صححوا ما لا يقبله كل عقل صحيح !! هذا هو البغي باسم العلم ، وترك التعقّل باسم العقل !!

    فالفرق كبير جدا بين اتهامَينِ : اتهامٍ بعدم العقل , واتهامٍ بخطأ يقع مثله من كل العقلاء . فالأول عدوان وظلم أبدًا إذا اتُّهِم به العقلاء , والثاني قد لا يكون ظلمًا , حتى لو كان لا يوافق الحقيقة .

    ولم أقدّم بذكر هذا التفريق لضعف الآراء التالي ذكرُها ، وإنما قدمت به لكي نلتقي على كلمة سواء من العدل والحق ، ويترك بعضنا منهجَ التجهيل والاستخفاف بأئمة الدين ، بحجة النقد العقلي الذي يتهم العقلاء بعدم العقل !

    أما الآراء التفسيرية في فهم هذا الحديث ، فهي التالية :

    الرأي الأول : ذهب بعض أهل العلم إلى شرح هذا الحديث بأن المقصود فيه : أن بني إسرائيل كانوا لشُحّهم يدّخرون الأطعمة ، حتى التي يُفسدها الادخارُ ، كاللحم ، وأنهم هم أول من أشاع هذه السنة السيئة ، أو أول من سوّغها للناس باسم الدين والشريعة . فكان ادخارُهم هذا هو السببَ في أن شاع هذا الشحُّ بين الناس ، فصاروا يُقدّمون ادخارَ الأطعمة حتى تفسد على أن ينفقوها قبل فسادها .

    ولذلك صح أن يقال عنهم : إنه لولاهم لما فسد اللحم والطعام ، بمعنى لولا إشاعتهم طريقة الادخار السيئة هذه لما شاع فسادها بسببه .

    فالأولية هنا لا تحكي أولية فساد اللحم (كما ظن الطاعنون) , وإنما هي أولية إشاعة سنة الإفساد بالادّخار . كما تقول عمن اخترع طريقة جديدة في السرقة يصعب التحرّز منها , فشاعت السرقة بسببه : لولا فلان ما سرق السارقون ! والسرقة موجودة منذ وُجدت الخيانة في بني آدم .

    ولا ننسى أن مما يؤيد ذلك : أنه بسبب شهرة اليهود بشُحِّ ادّخار الأطعمة هذا كانت العربُ تُسميهم ( الخُـنّاز ) ، كما ذكرتُه كتب المعاجم القديمة .

    بل بخل اليهود هو جزاء الله تعالى لهم , وخبره سبحانه عنهم , لما وصفوا الله تعالى وتقدس بإمساك اليد عن العطاء { وقَالتِ اليَهُودُ يًدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهم }.

    ومن المعلوم من عقائد اليهود : نظرتُهم الاستعلائية على باقي شعوب الأرض الذين يسمونهم بالأُمَـمِيِّين , وهو مما أثبته ربُّنا عز وجلّ عنهم في كتابه الكريم , وهو موجود أيضًا في توراتهم المحرف حتى اليوم , ومشهودٌ في واقعنا المعاصر لدى العنصريين منهم والمتشددين . فلا يُستغرب أن يُقدّم اليهودُ فسادَ الطعام على إنفاقه , وإنتانَه على أن ينتفع به غيرُهم .

    الثاني : وقيل معناه : لولا أن الله تعالى قد علم ما سيقع من بني آدم من الشح والبخل والمنع ، وبخاصة منهم بنو إسرائيل ، لما جعل اللحم يفسد ، ولتنعّمَ الناسُ به بلا فساد . لكنه تعالى لما علم أن الشح سيجعل الأغنياء يجمعون اللحوم ويدخرونها ، وبذلك يمنعونها من الفقراء ، فمنعهم هو تعالى من ذلك بإسراع الفساد إليها .

    ويشهد لهذا المعنى ما رواه وهب بن منبه عن كتب أهل الكتاب ، أن الله تعالى قال : (( لولا أني كتبت الفساد على الطعام , لخزنه الأغنياء عن الفقراء )) .

    الثالث : وذكروا معنى آخر : وهو أن معنى الحديث : أن بني إسرائيل عندما أنزل الله عليهم المن والسلوى ( والسلوى هي طيور السمان ) ، وكان الله تعالى قد تكفّل لهم بما يكفيهم منها ، فصاروا يكنزونها ، بتجفيفها وتقديدها ، فابتلاهم الله تعالى بفسادها فسادا خارجا عن المألوف ، فكان يُسرع الفساد إلى اللحوم عندهم أسرع من فساد اللحم المعتاد عند غيرهم . ويذكرون ذلك في تفسير قوله تعالى { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .

    فليس معنى الحديث : أن اللحم لم يكن يفسد قبل بني إسرائيل ، ولكن معناه : أن اللحم لم يكن يفسد على الناس قبل بني إسرائيل فساده لهم ، كما لا يفسد على من قدّده وادخره من الأمم التي لم تُنه عن الادخار ، حتى عصا بنو إسرائيل ربهم عزوجل بادخاره ، ففسد عليهم ، عقوبة من الله تعالى { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .

    رابعا : ويظهر لي معنى آخر ، غير ما سبق ، وينفع أن يكون هذا المعنى الجديد متمما للمعنى السابق . وهو معنى محتمل أيضا ، لأنه ليس مرفوضا نظريا من الناحية العلمية , بل يشهد لمثله العلمُ الحديث : وهو أنه من المحتمل أن يكون بسبب الادخار والشح الذي كان عليه بنو إسرائيل ، وبسبب أنهم قد ضموا إلى هذه المخالفة الشرعية والسَّوْأة الأخلاقية طريقةً خاطئة في الادخار (كما هو متوقع من جهلهم وبدائية علومهم) : نشأ بسبب ذلك كله (عقوبةً إلهية وسنة كونية) نوعٌ جديد من البكتيريا أو سلالةٌ جديدة من الجراثيم تُسرع بإفساد اللحم ، لم تكن موجودة قبل زمنهم ، فأصبح اللحم يفسد بعدهم أسرع من فساده المألوف قبل ذلك , بسببهم . فصحَّ أن يُقال عنهم لذلك : ((‏ ‏لَوْلَا ‏بَنُو إِسْرَائِيلَ ‏‏لَمْ ‏يَـخْنَزِ اللَّحْمُ ‏)).

    فليس المقصود بالحديث أن اللحم لم يكن يفسد بتاتا قبل بني إسرائيل ، فهذا (كما سبق) لا يمكن أن يتصوره عاقل . وإنما المقصود : أن إسراعا بالإفساد هو الذي ظهر على الأطعمة في بني إسرائيل ، وبسببهم , وأن اللحم أصبح منذ زمنهم معرضا لسرعة الفساد ولشدته , بعد أن ظهرت تلك الأسباب التي تُسرّعه .

    وهذا ليس غريبا على العلم الحديث , فكلنا يشاهد اليوم ويطالع من حين لآخر أخبارا علمية وتقريرات مختبرات متخصصة عن ظهور أنواع جديدة من البكتيريا القاتلة والمكروبات الضارة والفيروسات الخطيرة ، وبعضها يكون بسبب تصرفات بشرية خاطئة ، بدءا بالإيدز ، وانتهاء بأنفلونزا الطيور والخنازير ، وتطوراتها المتعددة وأجيالها الخطيرة المتجددة .

    فلو قال قائل : لولا انتشار الفاحشة الشاذة في الأمة الفلانية لما ظهرت في البشرية هذه الأمراض الفتاكة ، ومر على البشرية آلاف السنين بعد هذه المقالة ، حتى نسيت البشريةُ النشأة الجديدة لهذه الأمراض ، وحتى اعتادوا على وجودها بينهم ، لربما ظن ذلك الجيل من البشرية أن هذا الإطلاق إطلاق غير معقول ! ولم يتنبهوا إلى أن هذا الإطلاق صحيح , وأن خطايا البشر قد تُحدث من الفساد ما لا يعرفه أسلافهم .

    إذن : من الممكن أن يكون المقصود بالحديث : لولا بنو إسرائيل لما أسرع الفساد إلى اللحم الإسراع الذي صار معهودا بعدما نشأت تلك المسبِّبات له على أيديهم !

    وتخيلوا لو أن العلم الحديث توصّل إلى هذا الأمر : إلى أن نوعا من البكتيريا التي تسبب إسراع فساد اللحم لم يكن موجودا في عصور بشرية سحيقة , قبل بني إسرائيل : هل سيصبح هذا الحديث حينئذٍ إعجازا علميا ودليلا من دلائل النبوة , بعد أن كان طعنا في السنة وفي منهج نقدها ؟! كما حصل ذلك في حديث الذبابة !!

    ما أضرَّ أمة بتراثها بمثل هذه الجرأة المذمومة ! وما أعقَّها بأسلافها حينما لا ترضى إلا أن تُنزلهم منزلة الحمقى والمغفلين !!
    "العبد يسير إلى اللـه بين مطالعة المنة ومشاهدة التقصير!" ابن القيم
    "عندما يمشي المرؤ على خطى الأنبياء في العفاف, يرى من نفسه القوة والعزة والكبرياء. بينما يعلم المتلوث بدنس الفحش الضعف من نفسه والضعة والتساقط أمام الشهوات"


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,207
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    5

    افتراضي

    في الصحيحين عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( أتدري أين تذهب هذه الشمس إذا غربت؟ قلت: لا. قال: إنها تنتهي فتسجد تحت العرش، ثم تستأذن، فيوشك أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت، وذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا )) . استشكل البعض هذا الحديث إذ يفهم منه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتكلم من منطلق أن الأرض مسطحة وثابتة، والشمس هي التي تدور حولها، تخرج من المشرق، وتغرب من المغرب.

    وجعله البعض الآخر دليلا على عدم دقة منهج النقد عند المحدثين.

    وبداية نقول:

    إنه إذا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أبدا أن يكون معارضًا لما هو كائن في الواقع، بل إما أن فهمنا للواقع غير صحيح، أو فهمنا للنص غير صحيح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخبر إلا بالحق، وأخبار الوحي -كتاباً وسنة- لا يمكن أن يدخلها الخطأ.

    فيبقى الأمر -في حقنا- هو: وجوب النظر فيما يزيل هذا الإشكال الذي وقع في نفوسنا.

    الطعون الموجهة للحديث :

    وأول طعن يُوجَّه إلى هذا الحديث : أنه يخالف العلم الحديث من جهة أنه جعل الشروق والغروب من فعل الشمس , مع أن الليل والنهار هو بسبب دوران الأرض , فهو من عمل الأرض , لا من عمل الشمس .

    والجواب عن هذا الطعن : أن هذا الذي توهّمه هذا الطاعن لا يختص بالسنة , بل هو وارد في القرآن أيضًا ورودا كثيرا !! حتى إن ظواهر القرآن الكريم تكاد تصل إلى حد الصراحة -وأؤكد على كلمة ظواهر- في أن الحركة إنما تصدر من الشمس لا من الأرض ، وما هذا الحديث إلا أحد نصوص الوحي التي تحدثت بهذا الأسلوب العربي عن هذه الحقيقة !

    ومن ذلك :

    أ- قوله تعالى عن حوار إبراهيم عليه السلام مع النمرود { قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ } , فوصف الله تعالى الشمس بأنها هي التي تأتي من المشرق .

    ب - قوله تعالى: "فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً" [الأنعام:78] , فنسب البزوغ لها.

    ج- قوله تعالى -في قصة أصحاب الكهف-: "وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَال" [الكهف:17] . فهذه أربعة أفعال نُسبت إلى الشمس: الطلوع، والغروب، والازورار , والقرض.

    د- وفي قصة ذي القرنين يقول تعالى: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ". إلى قوله "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ". [الكهف:86-90] , فنسب الغروب والطلوع إليها, بل وصفها الله تعالى أنها تغرب في عين حمئة !

    هـ- ومن تلك الأدلة قوله تعالى: "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ" إلى قوله سبحانه: "لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" [يس:38-40] , فنسب الجري والإدراك للشمس , والشمس وإن كانت تسبح في فلكها , لكن غياب القمر وبدوّ الليل وعود النهار لا علاقة له بجريان الشمس .



    و- وفي قصة سليمان عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى عنها: "حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ" [ص:32] , أي إن الشمس غربت، فنسب التواري إليها.

    فأنت ترى أن نسبة هذه الأفعال كلها للشمس أمر ظاهره في أنها هي التي تتحرك , وأن حركتها هذه هي التي تسبب الشروق والغروب ومجيء الليل ورجوع النهار . ونحن نعلم أن هذه الأفعال المنسوبة للشمس في كتاب ربنا إنما هي فعل الأرض في الحقيقة بدورانها على نفسها , ومع ذلك جاءت نسبتها إلى الشمس , فإذا كانت نسبة هذا الأفعال للشمس طعنا في الحديث , فستكون طعنا في القرآن قبله !!

    وقبل أن أجيب عن هذا الإشكال الظاهري (غير الحقيقي) : أود التذكير بأن القرآن الكريم لم ينف عن الأرض الحركة (كما قد يتوهم بعضهم) , بل فيه ما يشهد لحركتها , وهو العموم الوارد في قوله تعالى { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] . وعليه فلا تعارض بين القرآن والواقع العلمي الذي يثبت حركة الأرض.

    أما الجواب عن هذا الإشكال , فهو جواب سهل , لا يغيب إلا عمن أراده أن يغيب عن عقله ! فهو : أن نسبة الغروب والشروق إلى الشمس نسبةٌ صحيحةٌ ؛ باعتبار نظر العين لها . كما ينسب العقلاء إلى الظل الحركة والامتداد والنقص { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا } , فيقول الناس : زاد الظل , نقص الظل , امتدّ الظل , أظلنا الظل ... وهو عندهم جميعا وفي علم كل عاقل إنما هو انعكاس حركة الشمس حسب الظاهر , وحركة الأرض حسب الحقيقة . فنسبة الحركة للشيء حسب الظاهر الذي يبدو للعين مع العلم بأن هذه النسبة مخالفة للحقيقة ليس أمرًا تمنعه اللغة , ولا تجفوه طريقة الناس في التعبير , ولا يدل على أن قال هذا التعبير يظن خلاف الحقيقة , ولا تجد الناس يُغلّطون من قال : أظلنا الظل , فلا يقولون له : بل الذي أظلك هو دوران الأرض الذي مدّ ظل الحائط عليك !

    ولذلك لا يكون في نسبة حركة الشروق والغروب إلى الشمس , مع أنه ناتج عن حركة الأرض ودوارنها على نفسها : ما يُستنكر ؛ لأن هذه النسبة تصح في التعبير : من جهة أنها حكايةٌ لما تبصره العين وما يظهر للرؤية المجردة .

    هذا أول إشكال وارد في القرآن قبل السنة : أجبنا عليه . فمن بقي يطعن به في السنة , فليعلم أن طعنه هذا لن يقف عند الطعن في السنة , بل سيتناول طعنُه القرآن الكريم . وليسمح لنا بعد ذلك أن نصفه بالطاعن على القرآن ودين الإسلام ؛ لأن هذه هي الحقيقة .

    مع أننا قد بينا آنفًا الجواب السهل في هذا الطعن , بما لا يسمح بأن يكون طعنا في السنة والقرآن معًا ؛ إلا عند من أبى إلا الطعن !

    وعلى هذا يكون أول طعن في حديث الصحيحين حول نسبة الشروق والغروب إلى الشمس قد تم الجواب عنه .

    وبقي الطعن الثاني : وهو وصف الشمس بأنها تسجد .

    والجواب عن ذلك : أن سجود الشمس ثابت في القرآن الكريم: قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" [الحج:18] .

    فليس سجود الشمس مما انفردت به السنة , حتى يكون سجودها مطعنا في مرويات السنة .

    بل لقد أخبرنا القرآن عما سوى السجود , وما هو أعجب منه من تسبيح الجمادات والحيوانات والطيور وأجرام السموات , وقنوتها لله تعالى , وخشيتها لله تعالى , وطاعتها له عز وجل . كل هذا في كتاب الله تعالى , في آيات كثيرات .

    ومن المعلوم أن سجود هذه المخلوقات ليس هو السجود على سبعة أعضاء كبني آدم , كما أن تسبيحها ليس هو مثل تسبيح بني آدم { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } . [الإسراء : 44] .

    ولا شك أن من معاني السجود : الخضوع لسلطان الله تعالى ولسننه وقوانينه الكونية , ولقضائه وقدره. وهذا سجودٌ وعبادة تشمل الكافر والمسلم , والطائع والعاصي , والحي والجماد . وهناك سجود آخر وعبادة أخرى تخص الطائعين من الخلق دون العصاة من الثقلين خاصة , وهما سجود وعبادة وطاعة تشمل المخلوقات كلها أيضا : من حي وجماد ؛ إلا ما استُثني من عصاة المكلفين : قال تعالى { ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [فصلت : 11] . ومن المعلوم أن السموات والأرض وكل مخلوق لا يمكن أن يخرج عن سلطان الله , وهذا هو معنى قوله تعالى للسموات والأرض { ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } , ومع ذلك فقد اختارت السموات والأرض طاعةَ الاختيار فـ{ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } , فاختارتا الطاعة مع انقهارهما لسلطان الله تعالى غير الاختياري . ولذلك وقع تخصيص هذه العبادة الاختيارية بكثير من الناس دون جميعهم ودون جميع الخلق ! في قوله تعالى : "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" [الحج:18] . وهذه العبادة الاختيارية للكون كله ليس اختياره فيها كاختيار بني آدم , كما أن تسبيحه وسجوده وقنوته وخشوعه ليس كبني آدام , فقد يكون اختيارا وقع في الأزل , ثم جُبلت عليه , عندما وقع عرض الأمانة على الخلق : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب : 72] . وقد يكون أمرًا آخر , الله أعلم به .

    المهم أن نعلم : أن عبادة الشمس وسجودها لله تعالى ثابت بنص القرآن , وأن هذا السجود ليس كسجود بني آدم , وأننا لا نفقه حقيقته ولا طريقته , كما لا نفقه حقيقة تسبيحها { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } .

    وهذا ثاني طعن في السنة , يجب أن يكون بحسب سوء فهم الطاعن فيها : طعنا في القرآن الكريم أيضًا . فإن تبين أنه ليس طعنا في القرآن الكريم , فقد تبين (لزوما) أنه ليس طعنا أيضًا في السنة المشرفة !

    وبقي من الطعن ما يخص هذا الحديث , وهو :

    1- كيف يُتصور سجود الشمس عند الغروب خاصة , والشمس لا تفتأ غاربة عن قطعة من الأرض شارقة على قطعة أخرى منها ؟!

    2- وتتمة لهذا الطعن : متى تذهب الشمس تحت العرش للسجود ؟ وهي لا تبرح فلكها , ولا تبرح الأرض تدور فتغرب الشمس على جزء منها وتشرق على آخر !!

    ونبدأ بالطعن الأول : كيف يُتصور سجود الشمس عند الغروب خاصة , والشمس لا تفتأ غاربةً عن قطعة من الأرض شارقةً على قطعة أخرى منها ؟!

    فأقول : إذا تذكرنا أن للشمس سجودا وطاعة لله تعالى اختيارية (ولو باعتبار أصلها) وقهرية , وأنهما في حقيقتهما عبادة ملازمة لها أبدًا , فلا تنفك الشمس عابدة لله تعالى في كل لحظة : ساجدة مسبحة خاشعة خاضعة . فمعنى ذلك : أن الشمس لا تنفك ساجدة لله تعالى في كل حين , وأنه لا يلزم من سجودها توقفها عن سباحتها في فلكها , ولا توقف دوران الأرض ؛ فهي في حالة سجود دائم , وحالة عبادة وخضوع لا تنقطع . وهذا كله مما يدل عليه القرآن قبل السنة , كما سبق .

    بقي : لماذا جاء في السنة ما يوحي بأن هذا السجود خاص بلحظة الغروب ؟ مع أنه سجود دائم , كما دل عليه القرآن الكريم !

    ولذلك جوابان :

    الأول : أن الله تعالى يريد من عباده أن يستحضروا عبودية الشمس له تعالى في هذه اللحظة الجليلة , وهي لحظة غروبها وغيابها . خاصة مع وجود من يعبد الشمس من بني آدم , وبالأخص عند الشروق والغروب , ولذلك نُهينا عن الصلاة في هذين الوقتين , نهيا عن التشبه بعبدة الشمس .

    فالإخبار عن سجود الشمس في هذا الوقت خاصة ليس المقصود به نفي سجودها في غيره , وليس خبرًا مجرّدا عن الشمس , ولا هو محض معلومة كونية عنها (لا علاقة لها بالمعاني الإيمانية) , بل (كما هي عادة الأخبار الكونية في القرآن والسنة ) إنما تأتي هذه الأخبارُ عَرَضًا لمعانٍ إيمانية وفي سياق الهداية الربانية . فليس في كون هذا الخبر خبرًا إيمانيًّا (بمعنى : أن المقصود به الإفادة الإيمانية منه) : ما يخرج به عن سياق بقية نصوص الوحيين في استهداف الهداية , ولا ما يُستغرب في نسقهما العام عند إيراد الحقائق الكونية بقصد زيادة الإيمان .

    إذن يكون المقصود بالإخبار عن سجود الشمس لحظة الغروب : ليس هو تخصيصَ هذا الوقت باعتقاد سجودها فيه دون غيره , وإنما هو تخصيص هذا الوقت لاستحضارنا نحن سجودها فيه لله تعالى خاضعة خاشعة .

    فعلى كل مسلم غربت عليه الشمس أن يستحضر هذا المعنى , في أي بقعة كان من الأرض . وهو يعلم أن مسلما قبله قد استشعره عندما غربت عليه الشمس , ومسلما بعده سوف يستشعره إذا غربت عليه الشمس . هذه هي الحكمة من هذا الخبر النبوي , ولذلك خُصت لحظة الغروب بهذا الخبر عن سجود الشمس فيها .

    وما أعظم هذا الشعور ! عندما تستشعر في لحظة الغروب المهيبة هذا المعنى الجليل : وعندما يذهب المسلم ليصلي صلاة المغرب , فيسجد المصلون وتسجد الشمس أيضًا , والمسلم يشعر أنه يصطف مع الشمس في لحظة خشوع وخضوع كوني لله تعالى وحده ! فأي تناغم يسمو فوق تناغم هذه التسبيحات ؟! وأي محبة تعلو فوق محبة تشترك فيها كل الموجودات ؟! وأي أُنس يعيشه المؤمن وهو يتوافق ويتشارك مع هذه الأجرام العظيمة وغيرها من بقية المخلوقات ؟!!

    فلا تسمحوا لأحد أن يُفسد عليكم هذا المعنى الإيماني , باعتراضاتٍ تهوي بكم من التحليق في هذه الأجواء الروحانية إلى حضيض المادة , وتنقلكم من هذا المورد العذب من موارد الوحي إلى جفاف الظنون العقلية والغرور بها , وتختطفكم من مجلس الأنس بالعبادة مع الخلق إلى وحشة العزلة والغربة بين الخلق !

    هذا هو الجواب الأول .

    والجواب الثاني : ثبت في السنة من وجوه عديدة وعن عدد من الصحابة رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإخبار عن أن من علامات الساعة : طلوع الشمس من مغربها ؛ إيذانًا بزوال العالم وقيام الساعة . وأشارت الآية إلى ذلك , {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ } [الأنعام : 158] , وبه فسرها النبي صلى الله عليه وسلم .

    ومعنى ذلك : أنه عندما يشاء الله تعالى طلوع الشمس من مغربها , سوف يختار الله تعالى لحظة معينة من لحظات غروبها التي تمتد على مدار اليوم , لتشرق فيها بعد الغروب : أي لتعود حسب رأي العين أدراجها .

    وهذا يعني : أن هناك نقطة معينة من الأرض ستكون هي نقطة طلوع الشمس من مغربها , ليفاجأ أهل الأرض بهذا الحدث الكوني الهائل المؤذن بزوال الدنيا .

    ولذلك فقد يكون للشمس سجودٌ خاصٌّ كلما دارت الأرض فوصل غروبها عند تلك النقطة , فتسجد الشمس حينها ذلك السجود , وتستأذن الله تعالى فيما تعمل .

    ولا يلزم من هذا السجود الخاص توقف لحظة ؛ إلا إذا كنا نزعم أننا قد عرفنا حقيقة سجود الشمس ! وإذا ادعينا أن سجودها كسجودنا !! عندها فقط يصح الاعتراض على هذا السجود بأنه معارض لما نعلمه من أن الشمس لا تنفك شارقةً غاربةً بلا تَوقّفِ سجودٍ ولا ركوع ! فأما إذا اعترفنا بالعجز عن فهم حقيقة سجود الشمس , وما دام سجودها أمرًا نجهل حقيقته تمام الجهل , وما دامت تُسبّح تسبيحا لا نفقهه , فكيف إذن يعترض بعضنا على ما لا يعرف بما لا يعرف ؟! هذا هو اعتراض الجهل المركب ! اعتراض من لا يدري , ولا يدري أنه لا يدري !!

    وخلاصة هذا الجواب : أن النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن أن الشمس تسجد سجودا خاصا (لا يلزم منه توقف الزمن) عند النقطة التي ستنعكس منها حركة الغروب والشروق عند قيام الساعة . وهذا الإخبار ليس فيه ما يعارض العقل والحس , كما يزعم السطحيون في تفهم نصوص الوحي .

    وبهذين الجوابين نكون قد أجبنا على الاعتراض الأول , وبقي الاعتراض الثاني : وهو الاعتراض القائل : متى تذهب الشمس تحت العرش للسجود ؟ وهي لا تبرح فلكها , ولا تبرح الأرض تدور فتغرب الشمس على جزء منها وتشرق على آخر !!

    والحقيقة أن هذا الاعتراض نابع من عدم معرفة التصور الإسلامي الصحيح للكون , وهو : أن الكون كله وفي كل لحظة هو تحت العرش ؛ فالشمس تحت العرش دائما . وهذا هو ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة , ولا خلاف فيه بين أحد من علماء المسلمين .

    وعلى هذا : فليس في قوله صلى الله عليه وسلم عن الشمس : (( إنها تنتهي فتسجد تحت العرش )) ؛ إلا كما تقول عن المصلي : ذهب يقابل الله تعالى , ذهب يسجد تحت العرش ! ولا تعني بذلك أنه غائب عن الله تعالى لحظة , ولا أنه لم يكن تحت العرش في غير تلك اللحظة .

    وبذلك أرجو أن أكون قد أجبت عن الاعتراضات التي فهمتها من المعترضين على هذا الحديث , وأن أكون قد فكّكتها اعتراضا اعتراضا , لكي أيسّر الفهم الصحيح لهذا الخبر النبوي الصحيح .

    وهذا الفهم يكفي لبيان أنه لا يصح أن ننسب للمحدثين تصحيح ما لا يقبله العقل وما يعارض العلم ؛ لأن هذا الفهم ليس فيه ما يعارض العقل والعلم , بل بينا أن في هذه الاعتراضات هي المخالفة للمنهج العلمي الصحيح في التفهّم , وأنها تتضمن اعتراضات مبنيةً على الجهل المركب الصعب في تفكيكه وإقناعه ! وقد حاولت جهدي , فإن وفقت فبفضل الله وحمده .

    فإن انشرح الصدر لهذا الجواب فالحمد لله، وهذا هو المطلوب، وإلا فعلينا -جميعاً- أن نؤمن ونصدق وإن لم تدرك عقولنا الحقيقة، ونقول: صدق الله ورسوله، مبتعدين بذلك عن مسالك بعض الناس الذين جعلوا عقولهم حاكمة على النصوص،

    وما أعظم جناية هؤلاء على الشريعة!

    وإنني لأتعجب منهم ! هل أحاطت عقولهم بالغيب؟! أليسوا يجهلون كنه وحقيقة الروح التي بين جنوبهم؟! فكيف يتصورون أنهم لابد أن يفهموا وجهة كل نص من النصوص التي تتحدث عن الأمور الغيبية سواء في الدنيا، أو في الآخرة؟!

    وكم من الأحاديث التي تتحدث عن أمور غيبية لو حكمنا فيها عقولنا القاصرة لعجزنا عن إدراكها، ولكن معاذ الله أن نجعل عقولنا حاكمة على خبر الله ورسوله، بل نقول في باب الأخبار: آمنا وصدقنا. وفي باب الأحكام: سمعنا وأطعنا.

    وثمة قاعدة تذكر في هذا الباب -أعني باب الإشكالات التي ترد في النصوص مع الواقع وغيره - : وهي قاعدة تريح قلب المؤمن إذا أخذ بها، وهي: أنه إذا لم تزل عنك الشبهة -مع صحة النص الشرعي- فعليك بالتسليم والتصديق ولو لم تفهم، فإن هذه هي حقيقة العبودية، وقل -كما قال خيار هذه الأمة-: "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" [البقرة:285] . بل هذه هي طريقة الراسخين في العلم الذين أثنى الله عليهم بقوله: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" [آل عمران:7-8] .

    ولقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في الانقياد والتسليم، وإن كان الأمر في أول وهلة على غير ما تهواه نفوسهم، أولم يفهموا الغرض منه . وإليك هذين المثالين اللذين يجليان هذه المعاني :

    1- ففي الصحيحين أن ظهير بن رافع، وهو عم رافع بن خديج -رضي الله عنهما- لما بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صورة معينة من صور المزارعة، قال: لقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا رافقاً -يعني فيه رفق بنا- قال رضي الله عنه: وطواعية الله ورسوله أنفع لنا. صحيح البخاري (2339)، وصحيح مسلم (1548) .

    2- ولما حدّث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث الدجال، قال الصحابة -رضي الله عنهم-: وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوماً: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم". قلنا: يا رسول الله: فذلك اليوم الذي كسنةٍ أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، اقدروا له قدره". صحيح مسلم (2937) .

    فانظر إلى عمق علم الصحابة -رضي الله عنهم-، كيف لم يقولوا: كيف يكون اليوم كسنة، أو كشهر، أو كجمعة؟ لأنهم يعلمون أن الله تعالى الذي جعل اليوم (24ساعة)، قادر على جعله أسبوعاً (168ساعة)، وقادر على جعله شهراً (720 ساعة)، وهكذا، بل سألوا عما يخصهم، وهو أمر دينهم، سألوا عن صلاتهم! فرضي الله عنهم وأرضاهم، ما أعمق علمهم، وأقوى تصديقهم!

    نسأل الله تعالى أن يرزقنا السير على طريقتهم في العلم والعمل، وأن يجمعنا بهم في الجنة بحبنا إياهم، والله تعالى أعلم.
    "العبد يسير إلى اللـه بين مطالعة المنة ومشاهدة التقصير!" ابن القيم
    "عندما يمشي المرؤ على خطى الأنبياء في العفاف, يرى من نفسه القوة والعزة والكبرياء. بينما يعلم المتلوث بدنس الفحش الضعف من نفسه والضعة والتساقط أمام الشهوات"


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,207
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    5

    افتراضي

    في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه: ((أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله, مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قَالَ: وَيْلَكَ! وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ, قَالَ: إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذَلِكَ, قَالَ: نَعَمْ. فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحًا شَدِيدًا. فَمَرَّ غُلَامٌ لِلْمُغِيرَةِ, وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي, فَقَالَ: إِنْ أُخِّرَ هَذَا فَلَنْ يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)).

    انتقد البعض هذا الحديث وادعى أنه كذب, بدعوى مخالفته القطعية للواقع؛ لأن ذلك الغلام لو عمر مائة سنة بعد ذلك الحديث, فقد وقع تكذيب هذا الخبر بعدم قيام الساعة بعد شيخوخته, بل بعد موته , وحتى اليوم.

    وفي الرد على هذا الاعتراض أسأل هذا السؤال: تكذيب الواقع لهذا الخبر التكذيب القطعي متى سيظهر للعقلاء ؟

    سيقال: بعد هرم الغلام, أو قل: بعد موت الغلام دون أن تقوم الساعة.

    فأقول: ولنفترض أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام في آخر سنة قبل حجة الوداع , يعني قبل موته صلى الله عليه وسلم بأشهر فقط, يعني في سنة عشر من الهجرة.

    فستكون سنة (110) هي آخر سنة يتبين فيها كذب هذا الخبر.

    لكن الواقع أن البخاري ومسلما قد صححا هذا الحديث, بعد مرور هذا الأمد بنحو مائة وأربعين سنة. أي عندما صحح البخاري ومسلم هذا الحديث كان قد مر على ظهور كذبه (في رأي الدكتور) أكثر من قرن, ومع ذلك صححاه! وليس هذا فقط, بل صححه جمع من أهل العلم, ورووه في كتبهم. وقبلهم رواه أئمة التابعين وأتباع التابعين, رغم مخالفته القطعية للواقع !! ورغم وضوح كذبه للأعمى.

    فإما أنهم جميعا مجانين , إذ كيف يصححون ما يظهر كذبه لأغبى الخلق وأعمى الناس عن الواقع؟!

    وإما أنهم لم يجدوا فيه ما يخالف الواقع , ولذلك صححوه.

    ولا يرد هنا احتمال فوات هذا الأمر عنهم, ولا يحتمل أن يكونوا قد غفلوا عن هذا الأمر الواضح؛ لأنه أمر في غاية الوضوح, كما ترون, ولأنه لو أصيب أحدهم بالعمى والغباء في هذا الحديث, فلا يمكن عقلا أن يتغابا المحدثون كلهم ويتعاموا عن هذا الأمر الواضح ممن رواه معتقدا صحته.

    ولذلك: فمن أراد التشكيك في هذا الحديث بهذا الأمر الواضح, فعليه أن يعلم بأنه بتشكيكه هذا قد حكم على البخاري ومسلم بغباء مفرط, يصل أقصى حدود البلاهة, بل بالجنون؛ لأن إدراك عدم قيام الساعة بعد موت هذا الغلام لا يحتاج إلا شخصا له أدنى درجات العقل وإدراك الحس.

    وهذه أول فائدة نستفيدها من هذا التوضيح: وهو أن الحكم على هذا الحديث بالكذب بهذه الحجة هو حكم على كل الذين صححوه بالجنون.

    فإن كان المشكك يعتقد أن البخاري ومسلما وغيرهم من أئمة الحديث ليسوا مجانين, فعليه أن يقرر أن لهم تفسيرا للحديث لا يتعارض مع الواقع, ولذلك صححوا الحديث.

    ولا مانع بعد ذلك من أن يستضعف هذا التفسير, لكن لا يحق له أن يوهم أو يتوهم أن البخاري ومسلما ومن صحح الحديث كانوا غافلين عن هذا النقد الواضح, كأنه هو الوحيد الذي اكتشف أن القيامة لم تقم , رغم موت الغلام منذ قرون.

    فإذا رجعنا للتفسير:

    أولاً: ذكر الإمام البخاري والإمام مسلم هذا التفسير في صحيحيهما, ومن كلام هشام بن عروة بن الزبير (ت145هـ), وذلك في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْأَعْرَابِ جُفَاةً يَأْتُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْأَلُونَهُ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى أَصْغَرِهِمْ, فَيَقُولُ: إِنْ يَعِشْ هَذَا, لَا يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ, حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ)). قَالَ هِشَامٌ: يَعْنِي مَوْتَهُم.

    إذن: فلو كان البخاري لا يعي من الكلام شيئا ولا يدرك أن الساعة لم تقم بعد موت الغلام! فقد بين له هشام بن عروة هذا المعنى الواضح, وهو أن معنى الحديث: لن يهرم ذلك الغلام حتى يموت السائل, والموت هو ساعة كل إنسان.

    وكان هذا المعنى مفهوما عند هشام بن عروة, ومفهوما عند البخاري وعند مسلم أيضا, فلا يمكن المزايدة عليهم في إدراك هذا المعنى.

    ثانياً: كان هذا التفسير واضحا عند علماء الصحابة, قبل أن يهرم ذلك الغلام, وقبل أن يموت.

    ففي الصحيحين من حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَال: ((صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، صَلَاةَ الْعِشَاءِ، فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ». قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَهَلَ النَّاسُ [أي غلط الناس] فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ، فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ)) [أي الجيل].

    وعبدالله بن عمر رضي الله عنهما توفي سنة (73), أي: إنه رضي الله عنه قد فهم هذا الفهم الصحيح من الحديث قبل أن يُقطع بمجيئ الوقت المحدد حسب ذلك المعنى الذي اعتبره الدكتور معنى قاطعا في الحديث. فهذا الصحابي الجليل فهم مراد النبي صلى الله عليه وسلم, رغم وقوع الغلط في فهمه منذ زمنه وفي حياته. حيث فهم رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم لا يعني به إلا موت جيله وأصحابه, لا أنه ميعاد لقيام الساعة الكبرى.

    والغريب: أن المعنى الخاطئ الذي يتوهم من يسمع كلام الدكتور عدنان أنه معنى هو أول من اكتشفه, قد تبين أنه معنى قديم جدا, ولكنه معنى خطأ, ونبه على خطئه الصحابة والتابعون وتابعوهم والأئمة من بعدهم!! ولذلك صحح البخاري ومسلم الحديث, بناء على معناه الصحيح, لا على معناه الخطأ الذي نفاه الأئمة عن الحديث, ونزهوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم منه, وفهمه الصحابة الفهم الصحيح قبل مجيء الموعد المضروب فيه, مما يعني أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم كان مفهوما عندهم, بغير حاجة إلى تأويل أدركوه من خلال الواقع.

    وبهذا انتهينا: من أمرين:

    الأول: أن معنى الحديث ليس فيه مخالفة للواقع كما يدعي البعض, فالمقصود بالساعة ساعة السائل, وهي ساعة موته.

    الثاني: أن هذا المعنى لم نتأول به نحن الحديث للدفاع عن الصحيحين , ولا تعسفنا في تفسيره لكي لا نخطئ الشيخين (البخاري ومسلم ), كما يوهمه كلام البعض, بل كان معروفا عند الصحابة والتابعين وتابعيهم, وعند الشيخين (البخاري ومسلم), ولذلك صححوه.

    ثانيا: فلماذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الجواب ؟

    الجواب: أن الأعراب كانوا يسألون عن موعد الساعة, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يلفت انتباههم إلى أن معرفة موعد الساعة لا ينفعهم في شيء, وإنما ينفع المرء عمله, ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي الذي سأله (كما في حديث أنس الذي يحتج الدكتور به): ((وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)). فهو صلى الله عليه وسلم يقول له: إن كان موعدها قريبا أو بعيدا, ماذا ينفعك؟ فماذا سوف تستفيد إن كان موعدها بعيدا, إن أسأت العمل؟! وماذا ينقصك إن كانت قريبة: إن أحسنت العمل ؟!

    ثم أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله: ((إِنْ أُخِّرَ هَذَا فَلَنْ يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)), أي: لو كانت الساعة بعد عشرة آلاف سنة, فإنك يا أيها السائل لن تفوق في العمر عمر هذا الغلم الصغير, فسوف تموت, وهذه هي ساعتك.

    هذا هو جواب النبي صلى الله عليه وسلم, وقد فهمه علماء الصحابة كذلك, وفهمه علماء التابعين ومن بعدهم كذلك أيضا؛ لأن السياق يدل عليه؛ ولأن غياب علم الساعة عن كل الخلق من حقائق القرآن والسنة المشهورة المعلومة, وأنه من خصائص علم الله تعالى وحده الذي لا يشركه فيه أحد, وهذا كله مما يدركه جهلاء المسلمين, فضلا عن علمائهم.

    الخلاصة: أن هذا الحديث صحيح لا شك في صحته, ومعناه الصحيح الذي لا يعارض القرآن ولا الواقع معنى واضح, ولم يفهمه بالمعنى المغلوط الذي يُعترض به إلا أصحاب الغلط منذ حياة الصحابة رضي الله عنهم , ونبه الصحابة فمن بعدهم على خطأ هذا الفهم, الذي ما زال البعض يكرره.

    هذا نموذج سريع وسهل يتضح من خلاله تسرع البعض مع الأئمة وعلى مناهج علومهم, وسيتضح للكثيرين ما يدعو للتوقف عند كثير من تلك الاعتراضات؛ وعدم التعجل في تقبلها احتراماً للعلم والعقل.
    "العبد يسير إلى اللـه بين مطالعة المنة ومشاهدة التقصير!" ابن القيم
    "عندما يمشي المرؤ على خطى الأنبياء في العفاف, يرى من نفسه القوة والعزة والكبرياء. بينما يعلم المتلوث بدنس الفحش الضعف من نفسه والضعة والتساقط أمام الشهوات"


  4. #4

    افتراضي

    كلام جميل حسن ، بارك الله فيك بحسب ما مررت سريعا ، وسددك الله تعالى..ولكن وددت لو لم تكتب هذا المعنى :
    لكن عدم إعجابه بشيء منها لا يجيز له أن ينسب لقائليها أنهم صححوا ما يرفضه العقل ...إلخ
    لأنه كالتوطئة لنفسية القاريء بأن ما سيقرأ فيه تكلف ..والحق خلافه يقينا، فهذا التحرز ومافي معناه لو حذفته يكون أجود ..وأحرى ،فلا حاجة لهذا الاستدراك .. ولابد أن نكون في غاية القوة عند مجابهة الخصوم لأن الحق الذي معنا هو حقا في غاية القوة..لا ان نعبر بما قد يوحي لهم -لأجل ما هم فيه من ضحالة فهم وانهزامية نفسية- باهتزاز الموقف ..
    التعديل الأخير تم 11-13-2012 الساعة 06:36 PM
    مقالاتي
    http://www.eltwhed.com/vb/forumdispl...E3%DE%CF%D3%ED
    أقسام الوساوس
    http://www.eltwhed.com/vb/showthread...5-%E3%E4%E5%C7
    مدونة الأستاذ المهندس الأخ (أبو حب الله )
    http://abohobelah.blogspot.com/

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,312
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    5

    افتراضي

    جزاك الله خيراً موضوع قيم ؟؟وجميل؟

  6. #6

    افتراضي

    بارك الله فيك يا شيخ نور الدين على هذا الموضوع القيّم وشكر الله للأستاذ أبي القاسم تعليقة السديد.

    وأرى أنه يمكنك أن تضيف، قبل الكلام عن موقف التابعين وأصحاب الحديث من هذه الآثار ولاسيما الحديث الأول، كلامًا عن موقف الصحابة منها في أثناء تلقيهم لها من فِي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
    فلم يُروَ أنهم استوضحوه صلّى الله عليه وسلّم لفهمها، فدلّ ذلك على أنهم فهموها بلغتهم التي نزل بها الوحي.
    مع أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستوضحون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما أشكل عليهم، وكان عليه الصلاة والسلام يوضح لهم ما غمض عليهم، كقولهم لما أخبرهم بأن صلاتهم معروضة عليه بعد موته: "وكيف تعرض عليك وقد أرمت؟" وكقول أبي رزين العقيلي رضي الله عنه في حديث رؤية الله تبارك وتعالى :" وكيف يسعنا وهو واحد ونحن جميع؟" وكقول أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه: "قلت يارسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟"إلخ..
    فلما لم يرو شيء من ذلك دلّ أنهم لم يستشكلوه أصلاً.
    والله تعالى أعلم

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,207
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    5

    افتراضي

    كلام جميل حسن ، بارك الله فيك بحسب ما مررت سريعا ، وسددك الله تعالى..ولكن وددت لو لم تكتب هذا المعنى :
    بارك الله فيك استاذنا - الكلام منقول وقد ذكرت ذلك في اول المقال - واوافقك على تعليقك بارك الله فيك
    بارك الله فيك يا شيخ نور الدين على هذا الموضوع القيّم
    وفيك بارك اخي - وان لم اكن صاحب ذلك المقال - فهو منقول
    حتى لو كنت صاحب المقال - لما استحققت لقب "شيخ"
    واريد ان اكتب امرا في نفسي - اتمنى الا يحمل على غير محمله او يظن انني اقصد به احدا بشخصه في هذا المنتدى - -خصوصا انت اخي ابو سهيل

    ارجوا من الحبيب ابو القاسم ان يكتب لنا مقالا حول خطورة المنتديات وطلب العلم منها - خصوصا عندما تكون مفتوحة لمن هب ودب ان يكتب فيها - ثم اذا كتب شيئا يعجب احدا - وصف بالشيخ - ثم يدخل عضو جديد فيقرأ بأن "الشيخ" فلان كتب شيئا - فيأخذه على أنه كلام "العلماء" - وبذلك يصبح لكل من احب ان يتكلم في الدين يتكلم فيه بجهل وهوى!
    وترى كثيرا منا اليوم اذا اراد ان يستفهم في أمر دينه عن شيء - استفتى "الشيخ" جوجل - رضي الله عنه! - وغالبا ما يحيله "الشيخ" جوجل الى بعض المنتديات الاسلامية حيث يكون "الشيخ" فلان او علان قد كتب تعليقا او جوابا من رأسه - بل ووقع في فتنة ترشيح الادارة له على انه "محاور" او "شيخ" او "علامة وفهامة" او "مشرف" او غير ذلك - فيظن الجاهل منهم انه ارتقى منصب "المشيخة" وانه يمكنه الكلام في دين الله لرسوخه في العلم - بشهادة ادارة المنتدى>>> وتصبح الدنيا سلطة - والله المستعان!
    ويختم بنصيحة لطلبة العلم ان لا ياخذوا الا عمن يعرفون كامثال الشيوخ الذين يشهد لهم بالعلم والاستاذية والفضل والتقوى والورع - ولا يغتروا لا بكتاب المنتديات - ولا بابواق الاعلام الذين صاروا يظهرون لنا على الشاشات ضمن مخططات "صناعة النجوم" الذين يحشدون الناس على ما يتفق وهواهم او مصالحهم >>الخ
    ولا حول ولا قوة الا بالله!
    "العبد يسير إلى اللـه بين مطالعة المنة ومشاهدة التقصير!" ابن القيم
    "عندما يمشي المرؤ على خطى الأنبياء في العفاف, يرى من نفسه القوة والعزة والكبرياء. بينما يعلم المتلوث بدنس الفحش الضعف من نفسه والضعة والتساقط أمام الشهوات"


  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,207
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    5

    افتراضي

    مصدر النقل - والكلام للدكتور حاتم بن عارف الشريف -عضو هيئة التدريس في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى
    http://nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?id=130
    بارك الله فيكم على الاضافات المثرية

    جزاك الله خيراً موضوع قيم ؟؟وجميل؟
    وجزاك خير الجزاء اخي الكريم
    التعديل الأخير تم 11-13-2012 الساعة 09:13 PM
    "العبد يسير إلى اللـه بين مطالعة المنة ومشاهدة التقصير!" ابن القيم
    "عندما يمشي المرؤ على خطى الأنبياء في العفاف, يرى من نفسه القوة والعزة والكبرياء. بينما يعلم المتلوث بدنس الفحش الضعف من نفسه والضعة والتساقط أمام الشهوات"


  9. #9

    افتراضي

    جزاك الله خيرًا أخي الكريم وأشاطرك الرأي فيما قلت.
    ودمت لإخوانك مسدّدًا موفقًا.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    330
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

  11. افتراضي

    كل الأحاديث التي تخالف العقل ، أو تخالف نصاً صريحاً في كتاب الله

    فهي لا تصح عن رسول الله ،، صلى الله عليه وسلم ،،

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    العقل قاصر عن ادراك حقيقة الامور , والعلم لا يزال يطرح اطروحات باتت في سلة المنسيات , فضلاً عن قصور ادراكي للعوالم الغيبية , فعن أي عقل تتحدث ؟
    واصدقني القول ؛ هل تؤمن بالجنة والنار , والملائكة والجن , وانتقال عرش سبأ في ومضة عين من مكان الى مكان أم لا ؟ وهل هذا الامر في مما يحيله العقل ام يجيزه ولكنه يحار في وقوعه ؟
    وسؤال آخر : ما هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم , بعد أن حفظ الصحابة القرآن ؟ وهل وقعت عينك على امر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم يخالف نص القرآن ؟.
    مرحباً بك .
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  13. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو وسام مشاهدة المشاركة
    كل الأحاديث التي تخالف العقل ، أو تخالف نصاً صريحاً في كتاب الله

    فهي لا تصح عن رسول الله ،، صلى الله عليه وسلم ،،
    ما قد يخالف عقلك قد لا يخالف عقول اخرين ... وما قد تراه معارضا للعقل قد يراه الاخرون منسجما مع عقولهم ... وعند اهل السنة النص الصحيح يوافق العقل الصريح ولا تعارض
    رُبَّ ما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمْرِ .. لَهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقالِ

  14. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماكـولا مشاهدة المشاركة
    هل تؤمن بالجنة والنار , والملائكة والجن , وانتقال عرش سبأ في ومضة عين من مكان الى مكان أم لا ؟ وهل هذا الامر في مما يحيله العقل ام يجيزه ولكنه يحار في وقوعه ؟.

    أنت تستشهد بما في القرآن الكريم من الجنة والنار والملائكة والجن ولو جئت لك بآية صريحة تنسف حديثاً في البخاري لآمنت بما في البخاري وتركت الآية أو أولتها ،،!
    القرآن حق وكل ما فيه حق ــ ،
    والبخاري بشر وكل ما جاء به ( قابل للخطأ والصواب ) ،،
    [ فرقوا بين القرآن والحديث ] ،، لا تضعوهما في سلة واحدة ،،
    القرآن ( لا يأتيه الباطل )
    والحديث ( علم بشري ) ( يأتيه الحق والباطل ) ،،
    البخاري يا إخوة يا مسلمون ،، ليس إلهاً ،،،، ليس رباً ،، ليس معبوداً ،،،
    ،،،،،،،،،،،،،،،،، هو بشر ،،،،،،،،،،،،
    افـــهـــموا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    أفهم من ردك أنك تُسلم بما في القرآن من الجوانب الغيبية التي لا مدخل للعقل فيها , اذ هي من جملة الايمان بالغيب والماورائيات ,فحينئذٍ قد سقطت تضارباتك العقلية في فهم نصوص الوحيين.
    هذا من ناحية .. ومن ناحية أخرى من قال لك أننا نؤمن بالبخاري ؟ , وحتى تستوعب مضمون السؤال , ارجو ان تكشف لنا عن آلية وصول القرآن إليك .
    وتبقى لي سؤال -يا ابا وسام- لم يزل حائراً في المشاركة السابقة الا وهو
    وسؤال آخر : ما هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم , بعد أن حفظ الصحابة القرآن ؟ وهل وقعت عينك على امر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم يخالف نص القرآن ؟.
    أشكر لك حسن تصرف قلمك في الحوار .
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. إعلان: تحدى القرأن للبشر والجن - تحت المجهر النقدى
    بواسطة Fuhrer-Of-Arab في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 36
    آخر مشاركة: 02-19-2014, 09:13 PM
  2. الوز يطعم السمك
    بواسطة lightline في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-06-2013, 01:43 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء