سبقت الإشارة في موضوع أدلة خاصة ، إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي : ".. والرؤيا ثلاثة فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ، ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث المرء نفسه.."..وهذا التقسيم الثلاثي النبويّ الجامع : وجه آخر عريض تعرف به صدق النبوة حين تقابله بأقوال الفلاسفة وأضرابهم سواء كانوا من "علماء" النفس أو نحوهم من ذوي الخلفية الغربية الإلحادية ,وعامة هذه النظريات لا تختلف كثيراً عن فلسفة أرسطو(322 ق م) القديمة البائدة فعنده أن الأحلام ليست رسائل إلهية وإنما نوع من النشاط النفسى للنائم يصدر عنه بحسب الظروف التي يكون عليها نومه وبحسب مشاعره من ألم ولذة وغير ذلك ,وفي المباحث المشرقية نقل الرازي عن الفلاسفة أن الذي (يميل مزاجه إلى الحرارة يرى النيران في النوم ومن مال مزاجه إلى البرودة يرى الثلوج ومن مزاجه إلى الرطوبة يرى الأمطار ومن مال مزاجه إلى اليبوسة يرى الأشياء المظلمة)..نطوي صفحات الزمن إلى العصر الحديث وأشهر فرضيتيتن لسيغموند فرويد (1856 - 1939),وكارل جوستاف ( 1875- 1961)..يتلخص رأي فرويد اليهودي الأصل المصاب بالهوس الجنسي في تحليلاته بأن المنامات ليست إلا تعبيراً عن الكبت (الجنسي خاصة) أثناء الوعي ولها وظيفة تنفيسية عن الكبت إشباعية للرغبات ,فتأتي الأحلام معبرة عن هذه الرغبات المكبوتة التي قد تكون ذات جذور منذ الطفولة والمرتبطة بالجنس في الغالب ..
في حين يرى تلميذه كارل أن الأمر ليس بالضرورة مرتبطاً بنوع من الكبت بل أعم من ذلك بكثير فالأحلام تعبر عن حقيقة النفسية حال اليقظة وتعطي تصورا عميقاً عن طبيعة هذه النفسية وأسرارها لا أن الأمر مجرد رغبات مكبوتة, كما أنها تمثل قدرة ذاتية للنفس على تعويض مكامن الخلل فيها أو الضعف وتعديلها...ونمضي مع العقل الغربي حتى نأتي لأحدث النظريات
ألان هوبسون -روبرت مكارلي1973 يريان :أن المنام ليس إلا إشارات كهربائية عشوائية في المخ تؤدي لعرض جملة صور مختزنة وغير منتظمة في الذاكرة , ويحاول العقل الواعي أثناء صدورها حال النوم أن يرتب هذه الصور ضمن إطار متكامل موضوعي منظم..!..
كما تلحظون لم تبرح نظرياتهم تتهادى حول الفلك نفسه منذ أرسطو إلى اليوم!..والمفارقة أن النظرية الأحدث أوغلت في البعد إلى ما وراء الجاهلية بسبب نزعة المادية الإلحادية ....وفي خضم هذا الركام من التخرصات والأوهام جاء البيان النبوي الشريف ليجمع أنواع المنامات ويصنفها إلى ثلاثة أقسام رئيسة:
-رؤى صالحة..(مصدرها الله سبحانه)
-منامات نفسية (وعليها مدار جميع نظريات علم النفس الغربية ذات الخلفية الإلحادية)
-أحلام من الشيطان يحزّن بها الإنسان ويخوفه ..
قال القاضي المالكي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: (تقسيمه صلى الله عليه وسلم الرؤيا ثلاثة أقسام هي قسمة صحيحة مستوفية للمعاني وهي عند الفلاسفة على أربعة أقسام بحسب الطبائع الأربعة)
--------
والآن السؤال :
--------
كنت في الغربة أسكن مع أخي وكان يدرس الصيدلة ، وكان عليه أكثر من امتحان في نفس اليوم وهي سنة تخرج ، فلم يكف الوقت لدراسة الجميع ، فتضرع إلى الله تعالى أن ينجحه على اعتبار أنه فعل قدر طاقته في عين نفسه ، فلما نام رأى في منامه ورقة عليها سؤال واحد من المادة التي لم يستطع دراستها كما ينبغي ، فلما صحا درسه وأتقنه وإذا بالسؤال كما هو في الامتحان وكان سبب نجاحه ولله الحمد..والله على ما أقول شهيد ..والآن أقول : لمن يصدقني ، وأما يريد أن يشكك في الرواية فأرجو ألا أراه هنا ..هذا المنام وأمثاله مما لاينحصر مما هو معروف مستفيض بين الناس عند تعبير الرؤى الصالحة ..هل يمكن تفسير هذا ونظائره المتواترة المشهورة ( كأن يرى شخص رؤيا فتعبر له بأنه سيموت قريبه أو يتزوج فلانة..إلخ ثم يقع مصداق الرؤيا) .. بأي شيء مادي إلا ان يقال بضرورة وجود شيء ذي تدبير أعلى ..نسميه إلها ؟ ، (ولا يهم ما تسمونه أنتم ..)
Bookmarks