http://www.alokab.com/forums/index.php?showtopic=7091
خَلْقُ الإنسان في نصوص القرآن
إنّ القرآن الكريم ـ وهو المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي ـ قد تناول قصّة خَلْق الإنسان، إبتداءاً من خلق جد البشرية آدم عليه السلام، وهو أول البشر على الإطلاق، مروراً بمن خُلِقَ بعده من البشر، وصولاً إلى محمد عليه الصلاة والسّلام وأمته الكريمة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإلى أن تكف الشمس والقمر عن الدوران، فألقى ظلالاً من نور ينير ظلام قلوب النّاس.
وفيما يلي من بحثنا سننعم في هذا الفصل إن شاء الله بدراسة بعض تلك النصوص الكريمة، والتّمعن فيها حتى تتضح الصورة، ويزهق الحق الباطل، فأمّا الزبد فيذهب هباءاً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
إنَّ قصَّة خَلق آدم وما رافقها من وقائع وأحداث، قد وردت مفصلة في القرآن الكريم في عدة مواضع، شارحة ومفصلة، معلمة إيانا، مبينة لنا وقائعها الحقيقية، طالبة منا الإعتقاد الجاذم بها، فإلى النُّصوص القرآنيّة التي تقص علينا ذلك، قال تعالى:
1. من سورة البقره .
﴿وَإذْ قالَ رَبُكَ للمَلائِكَةِ إنيّ جاعِلٌ في الأرْضِ خَليفَةً قالوا أتَجْعَلَ فيها مًنْ يُفْسِدُ وَيَسْفِكَ الدِماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَعَلَمَ آدَمَ الأسْماءَوَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إنّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمونَ كُلُها ثُمَّ عَرَضَهُم عَلى المَلائِكَةِ فَقالَ أنبِؤني بِأسْماء هؤلاءِ إنْ قالوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إلا ما عَلَمْتَنا إنَّكَ أنْتَكُنْتُم صادقين قالَ يا آدَمُ أنْبِئْهُم بِأسْمائِهِم فَلَمّا أنْبَأهُمالعَليمُ الحَكيم بِأسْمائِهِم قالَ ألَم أقُلْ لَكُمْ أنّي أعْلَمُ غَيْبَ السَمَواتِ والأرْضِ وَإذْ قُلْنا لِلمَلائِكَةِوَاعْلَمُ ما تُبْدونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمون أسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلآ إبْليسَ أبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الكافرين ) ﴾[6 ]
2. من سورة الأعراف.
﴿وَلَقَدْ مَكَناكُمْ في الأرْضِ وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْوَجَعَلْنا لَكُمْ فيها مَعايِشَ قَليلاً ما تَشْكُرونَ ثُمَّ صَوَرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ أسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلآ إبليسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدينَ﴾
[ 7]
جاء في الظلال: (إنّ الخَلق قد يكون معناه: الإنشاء والتّصوير، وقد يكون معناه: إعطاء الصورة والخصائص... وهما مرتبتان في النشأة لا مرحلتان... فإنّ "ثُمّ" قد لا تكون للترتيب الزمني ولكن للترقي المعنوي، والتّصوير أرقى مرتبة من مجرد الوجود فالوجود يكون للمادة الخامة، ولكن التّصويرـ بمعنى إعطاء الصورة الإنسانية والخصائص ـ يكون درجة أعلى من من درجات الوجود. فكأنّه قال: إننا نمنحكم مجرد الوجود، ولكن جعلناه وجوداً ذا خصائص راقية، وذلك كقوله تعالى: الذي أعطى كُلَّ شَيٍْ خَلْقَهُ ثم هدى)< وعلى أية حال فإنّ مجموع النصوص القرآنية في خلق آدم عليه السلام وفي نشأة الجنس البشري، ترجح أنّ إعطاء هذا الكائن خصائصه الإنسانية ووظائفه المستقلة كان مصاحباً لخلقه. وأنّ الترقي في تاريخ الإنسان كان ترقياً في بروز الخصائص ونموها وتوزيعها واكتسابها الخبرة العالية. ولكن لم يكن ترقياً في وجود الإنسان من تطور حتى انتهت إلى الإنسانيّة كما تقول الداروينية.
ووجود أطوار مترقية من الحيوان تتبع ترتيباً زمنياً ـ بدلالة الحفريات التي تعتمد عليها نظرية النشوء والإرتقاء ـ هو مجرد نظرية ظنية وليست يقينية، لأنّ تقدير أعمار الصخور ذاته في طبقات الأرض لا يتم إلا ظناً!! أي مجرد فرضٍ كتقدير أعمار النجوم من اشعاعها. وليس ما يمنع من ظهور فروض أخرى تُعَدِلها أو تُغيرها أو تنسفها نَسْفاً. على أنّه ـ على فرض العلم اليقيني بأعمار الصخور ـ ليس هناك ما يمنع من وجود أنواع من الحيوان في أزمان متوالية بعضها أرقى من بعض... ثم انقراض بعضها.. ولكن هذا لا يحتم أن يكون بعضها متطور من بعض... لاتستطيع أن تثبت في يقين مقطوع به أنّ هذا النوع تطور تطوراً عضوياً من النوع الذي قبله من الناحية الزمنية ـ وفق شهادة الطبقة الصخرية التي يوجد فيها ـ ولكنها تثبت أنّ هناك نوعاً أرقى من النوع الذي قبله زمنياً... وعندئذٍ تكون نشأة النوع الإنساني نشأة مستقلة، في الزمن الذي علم الله أنّ ظروف الأرض تسمح بالحياة والنمو والترقي لهذا النوع، وهذا ما ترجحه النصوص القرآنية في نشأة البشرية، وتفرد الإنسان من الناحية البيولوجية والفسيولوجية والعقلية والروحية. هذا التفرد الذي اضطر الداروينيون المحدثون "وفيهم الملاحدة بالله كلية" للإعتراف به، دليل مرجح على تفرد النشأة البشرية، وعدم تداخلها مع الأنواع الأخرى في تطور عضوي.)[8 ]
وقال إبن كثير : ( وذلك انه تعالى لمّا خلق آدم عليه السّلام بيده من طين لازب ، وصَوَّرَهُ بشراً سوياً ونفخ فيه من روحه ، أمر الملائكة بالسـّجود له تعظيماً لشأن الله تعالى وجلاله، فسمعوا كلهم وأطاعوا إلآ إبليس لم يكن من الساجدين، وهذا الذي قررناه هو إختيار "إبن جرير" أنّ المراد بذلك كله آدم عليه السلام. وقال سفيان الثوري عن الأعمش بن عمرو عن سعيد بن جبير عن إبن عباس "ولقد خلقناكم ثم صورناكم" قال: خلقوا في أصلاب الرجال وصوروا في أرحام النساء... ونقل إبن جرير عن بعض السّلَف أيضاً أنّ المراد بخلقناكم ثم صورناكم: الذُّرِيَة.)[9 ]
وقال الأستاذ عبد الوهاب النّجار: (خلقنا أصلكم الذي نسلكم وكنتم من أبنائه ، فَخَلْقُنا لَهُ خَلْقٌ لَكُمْ.)[10 ]
3. من سورة الحجر.
﴿ولقد خَلَقْنا الإنسانَ مِنْ صَلْصالِ مِنْ حَمَإِ مَسْنونٍ وَإذْ قالَ رَبُّكَوالجانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمومِ فَإذالِلْمَلائِكَةِ إني خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنون فَسَجَدَسَوَيْتُهُ وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدْين إلاّ إبليسَ أبى أنْ يَكونَ مَِعَالمَلائِكَةُ كُلُهُمْ أجْمَعونَ السّاجِدينَ.﴾
الصَلصال: هو المنتن من الطين. الحمأ: هو الطين الأسود المنتن. المسنون: هو المتغير. وجاء في "لسان العرب": (الصلصال من الطين ما لم يُجعل خزفاً، وكل ما جَفَّ من طينٍ أو فخار. والمسنون هو المُصَوَرَ وهو المتغير المنتن. والحمأ هو الطين الأسود المنتن. من حمأ مسنون أي متغير منتن)[12 ]
امّا أبوبكر الرازي فيقول: (الصلصال هو الطين الحر خُلِطَ بِالرّمل فصار يتصلصل إذا جف، فإذا طبخ بالنّار فهو الفخار، والحمأ هو الطين الأسود، والحمأ المسنون هو المتغير المنتن)[13 ]
قال الدكتورمحمد البهي: (الصلصال هو الطين اليابس الذي له رنين وصوت، والحمأ هو الطين الأسود المتغيّر، والمسنون هو المصوّر والمصبوب، أي صورنا هيكل هذا المخلوق المعهود من طين يابس طال اختلاطه بالماء حتى تغير واسود لونه)[ 14]
كما ورد في تفسير إبن كثير: (من سلالة من طين وهو آدم عليه السلام، خلقه الله من صلصال من حمأ مسنون، وقال قتاده: إستلّ آدم من الطين، فإنّ آدم عليه السلام خُلق من طين لازب وهو الصلصال من الحمأ المسنون، وذلك مخلوق من التراب كما قال تعالى: [ومن آياته أن خلقكم من تراب ثمّ إذا أنتم بَشَرٌ تنتشرون][ 15])[ 16]
1. من سورة الكهف.
﴿وَإذ قلنا لِلْمَلائِكَةِ إسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلاّ إبْليسَ كانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبّهِ أفَتَتْخِذونَهُ وَذرِيَتَهُ أولياءّ مِنْ دوني وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌ بِئْسَ لِلظالِمينَ بَدَلاً﴾[17 ]
2. من سورة "ص":
﴿وَإذ قالَ فَإذا سَوَيْتُهُ وَنَفَختُرَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إنّي خالقٌ بَشَراً مِنْ طينٍ فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلهم أجْمَعونَ فيهِ مِنْ روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدينَ إلاّ إبْليسَ اسْتَكبَرَ وكانَ مِنَ الكافِرينَ﴾
3. من سورة المؤمنون.
﴿وَلَقَدْ خَلَقنا الإنسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طين ﴾
[ 19]
وفيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال :
(إنّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر والأسود والأبيض وما بين ذلك، ومنهم الخرق والسهل وبين ذلك، وإنّما سمي آدم لأنه من أديم الأرض.)[ 20]
.................................................. .................................................. .................................................. ............
(1 ) النبهاني - تقي الدين، التفكير، صفحة 6،-- سيد سابق،العقائد الاسلامية،صفحة111----
القرطبي-محمد بن أحمد، تفسير القرطبي، صفحة294
(2) حتى بلغ الكفر والصفاقة والوقاحة فيه أن تبجح الصليبي"ريجان" الرئيسالسابق للولايات المتحدة ، على ما تناقلت وكالات الأعلام، بعد الحرب التي شنوها على العراق، بالإدعاء بأنهم هم الذين يتحكمون بالقدر.
(3) البقرة 32
(4) البقرة 31
(5) تقي االدين النبهاني، الشخصية الاسلامية ، ج3 صفحة 117.
(6) البقرة 30-34.
(7) الأعراف 10-11.
(8) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج3، صفحة 1264-1265
(9) تفسير بن كثير ج2 صفحة 202-203
(10) عبد الوهاب النجار، قصص الأنبياء ، صفحة 2
(11) الحجر 26-31
(12) أبن منظور ، لسان العرب، ج11، صفحة 382
(13)الرازي- أبوبكر،تفسير الصحاح، صفحة 153 و 368
14) د. محمد البهي، تفسير سورة الحجر، صفحة 19
(15) الروم 20
(16)تفسير ابن كثير ، ج3، صفحة 551
(17) الكهف 50
(18) ص 71-72
(19) المؤمنون 12
(20) رواه مسلم في صحيحه
(21) طه 50
.................................................. .................................................. .................................................. .............
الموضوع منقول من :
موسوعة الخلق والنشوء، حاتم ناصر الشرباتي
1424هـ / 2002م. مكتبة الايمان - المنصورة
www.sharabati.org
.................................................. .................................................. .................................................. ...........
Bookmarks