بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه , من يهده الله فلا مضل له ويضلل فلا هاديَ له ,
أشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عليه الصلاة والسلام عبد الله
ورسوله . الحمد لله الذي هدانا للإيمان وما كنّا لنهتديّ لولا أنْ هدانا الله .
أما بعد : فحين أنْ منّ اللهُ عليّ بالهدايةِ وأرشدني إلى طريقِ الحقِّ , بعد تخبّطٍ في ظلماتِ الجهلِ وسراديبَ الظلالِ وعمى دام لسنوات طويلة , وحيرة لا تطاق وبحث متواصل وجهد مضنٍ وحالة من التيه والضياع قد لا يتخيّلها أحد وقد انتابني هذا التعب بعد ان أيقنتُ ان هناك خالق لهذا الكون وأن هناك إله وحاكم للعالم ومدبّر لشؤون هذا الكون , بعد ان ابصرتُ بصيص الأمل بدأتْ مشاكلي تزداد وتتعاظم ... سوف اصوّرها لكم وسأقربها لكم بالقصة التالية .
كنتُ أعيش حياتي مثل طفل كان برفقة أسرته في مركز تجاري ضخم مكوّن من عدةِ طوابق ويحوي أكثر من محل تجاري بداخله , ومزدحمٍ بالباعة والمبتاعين , فشدّ انتباه ذلك الطفل متجراً للألعاب والدُّمى فترك اسرته خلسة وذهب الى متجر الألعاب وانفصل عن اسرته ولم يسطع الى اسرته رجوعاً فضاع الطفل من والديه . وبدأ يبحثُ هنا وهناك فلم يجد أسرته فأصابه الخوف فبدأ يركض يلهث وبدأ يزيد عليه الهلع , فراح يلجأ لكل من حوله يسأل بلغته البدائيّة لغة طفل لم يصل الثالثة بعد ... يريد أمّه يريد أباه .. يريد أحداً يعرفه ويألفه أخيه أخته .. زاد خوفه وفزعه وبدأ اليأس والإحباط يدبّان في نفسه
مثل ذلك الطفل التائه الذي يتشبّث بثوب أقرب رجل تناله يده لعلّه أن يكون أباه فيرمقه بطرف عينه وإذا به يكتشف انه رجل غريب , فيتركه ليتمسّك بعباءة امرأة تقف إلى جانب ذلك الرّجل عسى أن تكون أمَّه ولكن ما أن تُكلّمه حتى يعرف من صوتها أنها ليست الأم التي ينشدها . تراه يجري تارة وهو يتلفّتُ مرعوباً ويمشي تارة وهو يفرك عينيه والدّموع تنساب على خدّيه يلتفتُ يمنةً وينظر يسرة فلا يرى مراده . وهو يعلم أن له أمُ وأبٌ وإخوة في ذلك السوق .
... له اسرة هناك ولكن ..
أين هم ..؟؟ في أي طابقٍ هم ..؟؟ كيف السبيل إلى لقائهم ..؟؟
نعم كنتُ مثلَ هذا الطفل الذي يركض بحثاً عن والديه وليس لديه اللغة التي تمكّنه من السؤال أو تمكّن الآخرين من فهمه . ربما أن صاحب متجرٍ ناوله لعبة كتلك التي كان يريدها ولكنه يرميها بكل بساطة , وقد يجد من يعطف عليه من الرّجال فيناوله قارورة ماء ليروي عطشه الذي قد بدتْ علاماته تظهر على شفتيه من كثر البكاء وما أن يأخذ منها جرعة حتى يقذفها بعيداً عنه ليواصل البحث عن ضالته . وقد تتحرّك مشاعر الأمومة في إحدى النّساء فتمسكه وتهدئ من روعه وتداعب شعر رأسه وتهمهم له وهي تسأله عن اسم أبيه... فيقول لها .. بابا .. فتحاول معه مرّة أخرى وتسأله عن اسم أمه لينادوا باسمها أو اسم أبيه أو اسمه هو فلعل ذلك يجعل لهذا البحث الدّءوب نهاية , ولكن لم يجدِ ذلك نفعا . فالطفل لا يجيد اللغة بعد . هرع بعضهم الى إدارة السوق لينادوا على الجميع بأن طفلاً تائها وعلى والديه أن يأتيا فورا لاستلامه ولكنهم يفاجئون بأن السوق ليس مزوّدا بمكبرات صوت ... كنتُ تماما كهذا الطفل الذي يبحث عن شيء هو يعلم علم اليقين ومتأكد من أن ذلك الشيء موجود ... ويريد أن يلقى ذلك الشيء الذي يبحث عنه .
أين ..؟؟ وكيف ..؟؟ ومتى ..؟؟ وهل سيجد ضالّته ..؟؟
زد على تلك الأسئلة الحائرة وذلك الهلع والخوف واليأس زد على ذلك كله أن الطفل لم يكن لديه المعرفة بأن أمه وأباه كانا يبحثان عنه وربما كان يظن أنهما كانا لاهييْن عنه ولم يفتقداه بعد ... كان يظن أن أباه وأمه مثله في الوعي والقدرة والطاقة وربما اعتقد أن والديه ليسا مهتمّين به ولا يعبها به فهو لا يزال قاصرا وتفكيره محدودا ووعيه ليس ناضجاً . كل تلك الأحاسيس والخيالات كانت تراوده لا محالة..... ولكن
وحين أخذ منه التعب كل مأخذ وأنهك السلّم المتعدّد والطويل عضلاته ومفاصله وهو بين صعود وهبوط على سلّم السّوق وبين المحلّات , حينها وبعد أن ضمّته أحداهنّ وأجلسته على أريكة كانت في باحة السوق التي تحيط بها المحلّات التجارية من كل مكان , هناك استرخى المسكين ومن جور التّعب والعناء نام مسلّما أمرَه ومستسلماً لقدره ....
فاستيقظ وإذا به في حجر أمه تحتضنه وتضمه إلى صدرها وتقبّله وتقلّبه تتفقّده وتتحسسه التفتَ حوله فلم يرى سوى والديه وإخوته ويسمع أزيز السيارة تسير بهم وهم عائدون إلى البيت بسلام تأمّل ونظر بدهشة إلى كل من حوله وبكى فرحاً... ودهشةً
وربما كانت دهشته كبيرة إذ كيف نام في سوق واستيقظ في سيارة ونام وهو تائه عن أهله يبحث عن أمه فاستيقظ وإذا به في حِجْرِها ... هل كنتُ احلم ..؟ ربما راوده هذا السؤال ...!! وربما كان هناك أسئلة كثيرة تدور في رأس ذلك الطفل .. وشعور بالعتب واللوم وأحاسيس كثيرة قد تتخيّلونها أنتم بأنها دارت في نفس ذلك الطفل عند لقائه بأمه واجتماع الأسرة ولَمّ الشمل بعد يأس . متى ولماذا افترقوا وربما كانت هناك أسئلة غيرها قد تبدوا لكم ... لكن ..
صدّقوني لم يحصل شيء من هذا , فالفرحة التي غمرتني ... عفوا غمرتْ ذلك الطفل أنْستْه كل ما وقع قبلها . فهي فرحة عارمة ليس لها مثيل ولا يمكن وصفها فرحة تجعلك تقول لا يهمني ما وقع المهم هو ما وجدتُه من الحق...!!
هكذا كنتُ وربما اشد من ذلك الطفل
وحين عرفتُ الحقَّ بفضل الله وعونه وبدا لي الحق جليّا
حينها ارتاحت نفسي واطمأنّ قلبي واستقرّت أفكاري وثبت خيالي , أصبحتُ أرى الأشياء على حقيقتها والأمور تبدوا لي كما هي على طبيعتها وفي أوضاعها الصحيحة وكل شيء له معنى.
ووجدتُ أن من الواجب علي أن أساعد كل إنسان يبحث عن الحق ويريد معرفة الحقيقة . وجدتُ أنه لزام عليّ أن لا يعاني أحدٌ مما عانيته من متاعب . وأحس في نفسي أن الواجب يدفعني بأن لا يصيب أحداً ما أصابني من هم وغم وخوف وجزع .
ولكن يجب أن تعرف أخي الإنسان أنه لا يمكن لأي مخلوق ان يساعدك ما دمتَ
أنت راضي بما أنت فيه . لا يمكن لأي شيء ان ينتشلك من وحلٍ أنت متمتّع بالبقاء فيه. ولن يُهرع الدفاع المدني ليطفئ ناراً أشعلها أناسٌ ليحتفلوا حولها .
والطفل الآنف الذِّكْر رغم جهوده البسيطة وإمكاناته المتواضعة جداً إلّا أنه كان يبحث من كل قلبه ومُصِرّ في داخله وينبع من أعماقه أنه يريد أمَّه ويبغي أباه ويتمنّى بكل حواسه لقاء أسرته ... ورغم انعدام اللغة لديه وقلة حيلته وحتى انه كان نائما إلا ان ما كان يريده الطفل قد أتى إليه ... قد أتى إليه مع أنّه كان نائما ....!!
سيقول البعضُ أن السبب في اللقاء هو بحث الأسرة عن طفلها نعم وهذا ما أريد قوله.
فلو كنتَ تريد الله صادقاً من كل قلبك فلا عليك أن تخاف ولا تقلق ولا تهتم .. فقط اصدق مع الله وصب كل مشاعرك في البحث عن الله وتوجّه في هذا الاتجاه وستجد أن الله يهيئ لك الطرق ويمنحك الفرص ويعطيك العون لتلقاه . حتى أنك ستشعر كأنّ الله سبحانه وتعالى كأنّه هو الذي يبحث عنك ولستَ انت الذي تبحث عنه . سيسهّل لك الوسائل وسيقرّب لك السّبل وسيذلّل لك الصّعاب وسيبعد عن طريقك العقبات ... كل ذلك وأكثر فقط ليقرّبك إليه .
ما أكرمك يا الله وما أرحمك يا مولاي .
فكما كانت تلك الأم وبكل عواطفها تبحث عن طفلها ومثل ما كان الأب يبذل كل ما أوتي من جهد وقوّة ليجد ابنه .... فتأكّد أن تلك العواطف والرحمة التي كانت في قلوب أسرة الطفل مضافاً إليها كل المشاعر والعواطف والأحاسيس والرحمة التي في قلوب البشر جميعاً والمخلوقات قاطبة كل تلك الرحمة التي في قلوب الخلق لا تساوي شيئا أمام رحمة الله تبارك وتعالى .. أضف إلى تلك الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء أضف إليها أيضا قوّته عزّ وجل التي لا نهاية لها ولا حدود تحدّها...
فما دامت تلك الأم الضعيفة قد بحثت عن ابنها فتأكد أن الله ( سيبحث ) عنك وسينقذك إذا كنتَ صادقاً مع الله ومتأكّدا مما يجيش في داخلك وجاداً في مسألتك ومسلّما لله الأمر كله ... فلا تقلق كما قلق الطفل الذي ضربنا به المثال ولا تجزع ولا تقنط . فقط كن جادّاً وصادقاً .
تلك كانت تجربة عشتها بنفسي وعاشها غيري ممن أرادوا الحق فدلّهم الله إلى الحق وهداهم واجتباهم اليه ... استمع الى الله وهو يقول في
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [يونس : 35]
والآيات بهذا الشأن عديدة وفي هذا الخصوص كثيرة .
واسأل الله ان يرينا الحقّ حقا ويرزقنا اتباعه وان يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه
.
Bookmarks