الزميل ملحد مؤدب ،
من الطيب أن ترسم لنفسك خريطة ، وهذا - أحسبه - علامة على صدق الرغبة في بلوغ الحق ..
حسنٌ ، سأضع لك رؤوس أقلام بخصوص السبيل لبلوغ الغاية النهائية وهي الإسلام واعتناقه عقلاً وقلبًا ..
الخطوة الأولى هي إثبات وجود الله عز وجل ، وهي تعتمد في جوهرها على مقدمتين :
المقدمة الأولى : بديهة منطقية عقلية أولية ، وهي أن لكل حادث محدث ولكل فعل فاعل ولكل أثر مؤثر ..
والمقدمة الثانية : حقيقة واقعية مشاهدة وثابتة بالحس والتجربة ، وهي أن كل ما في هذا العالم عبارة عن حوادث ومفعولات ومتغيرات ..
فالنتيجة هي أن هذا العالم له موجد أو خالق أو باريء ..
الخطوة الثانية هي إثبات صفات الكمال لهذا الخالق وأبرزها صفات العلم والحكمة والقدرة والإرادة ..
والمقصود بالحكمة هنا نقيض العبث والسخف ، وقد يعبر عنها البعض بالغائية أو القصدية في الأفعال ..
وإثبات هذه الصفات يكون عن طريق التأمل والتدبر في العالم المخلوق ..
فدراسة المصباح الكهربائي مثلاً تدلنا على أن صانعه عالم بالضوء والكهرباء وبكيفية تشكيل الزجاج وصناعة الدوائر الكهربية ..
وهو في نفس الوقت حكيم وضع كل جزء من أجزاء المصباح في موضعه الصحيح بحيث يحقق الهدف أو الغاية المقصودة من صناعة المصباح ..
وهو كذلك يملك القدرة على صناعة المصباح أي تحويل العلم والحكمة إلى فعل وإنجاز ..
والانتقال من حالة القدرة على صناعة المصباح إلى صناعته فعليًا تحتاج إلى عزم وإرادة ..
فصانع المصباح الكهربائي توفرت فيه كل هذه الصفات التي استنبطناها من مجرد دراسة المصباح ..
كذلك ففي الكون والعالم المخلوق آيات وبراهين ودلالات على علم وحكمة وقدرة الله تبارك وتعالى ..
الخطوة الثالثة هي إثبات جواز إرسال الرسل ..
وهي أسهل خطوة لأن إرسال الرسل إما أن يكون جائزًا أو واجبًا أو مستحيلاً ..
ونحن نقول إنه ليس مستحيلاً عقلاً وليس واجبًا كذلك ..
فالنتيجة أنه جائز عقلاً ..
الخطوة الرابعة هي إثبات صحة رسالة الإسلام أي صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكون القرآن منزل من عند الله عز وجل ..
وهذه عليها براهين كثيرة مثل إعجاز القرآن والمعجزات الحسية المادية ونبوءات الغيب وتصديق الكشوف العلمية للقرآن والأحاديث وغيرها ..
وأرجو ألا تتعجل الحكم على المسائل قبل دراستها جيدًا ، ففي كل يوم - بل كل ساعة - تزداد معارف المرء ويكتشف كم كان جاهلاً في الماضي ، وكيف غابت عنه حقائق مهمة كان من الممكن أن تغير حياته ..
ونصيحتي لك هي الصدق مع الله وطلب العون والمدد منه (نصيحة غالية جدا) ..
طيب ، أنتقل للخطوات 3 و4 التي سألت عنها ..
والحقيقة أننا لا نقول بوجوب إرسال الرسل على الله كما يقول المعتزلة مثلاً ، بل هو جائز عقلاً ؛ لأنه يجوز أن يخلق الله البشر ولا يوحي إليهم ولا يرسل لهم الرسل كما هو حال سائر المخلوقات من الحيوان والطير والنبات ..
لهذا فإرسال الله ليس واجبًا على الله من هذه الجهة ..
لكن في نفس الوقت البشر في حاجة إلى الرسالة لأجل الهداية في دنياهم وإقامة العدل وبيان سبيل النجاة ومراد الله من عباده ..
وهذه قضية دقيقة إن أردت الاستفسار عنها فأنا مستعد للتفصيل إن شاء الله ..
وخلاصتها أن إرسال الرسل منة من الله وفضل ورحمة لا واجب عليه ، بينما هي للناس ضرورة لا غنى عنها ..
لأجل هذا : نحن لا نسلك هذا المسلك الذي وضعته أنت ، بل ننتقل بسرعة إلى إثبات صحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأن إثبات إرسال الرسل يكون بإثبات حصول رسالة واحدة على الأقل ، والرسالة الوحيدة التي حفظها لنا الزمن والتاريخ بأدلتها وبراهينها وجوهرها بدون تحريف هي الإسلام ، فيكون إثبات صحة الإسلام كافيًا لإثبات كل ما سبقه إن شاء الله ..
Bookmarks