السيد عبد الباري بارك الله فيك هل حضرتك من أهل الاجتهاد تستطيع النظر في النص دونما الرجوع لأقوال أهل العلم حتى تعتب علينا استدلالنا بالرجال ؟ ثم هل نظرتَ في الكتاب والسنة ورأيتَ شيئا يجيز لك ما تعتقد ؟
هل عامة السلف من أهل العلم والصحابة والأعلام غفلوا عن هذا الخير كله في تهنئة الكفار بأعيادهم ولم يستنبط هذا إلا المعاصرون ؟
سيدي الكريم، مصادر التشريع الإسلامي أربعة : كتاب وسنة وإجماع وقياس، وهذه المسألة فيها أدلة عامة تضبط المعاملة بين الكفار والمسلمين، كما أننا نستدل بالإجماع على ترك تهنئة أهل الذمة والكفار بأعيادهم، والاتفاق على تحريمه من أهل العلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه لم يترك سواء أيام الدعوة السرية أو الجهرية شيئا من أساليب اللين إلا وأخذ به، لكن لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه هنأ سواء أهل الذمة أو المشركين الوثنيين في أعيادهم، سواء في أيام الضعف أو التمكين !
فلماذا في رأيك ترك صلى الله عليه وسلم هذه المسألة الصغيرة ؟ فتهنئتهم لا تتجاوز مقدار كلمة ! ولم ترك هذا الفعل الصحابة فالتابعون فالأئمة الكبار فغيرهم ؟ لأنه ليس من منهج السنة ولا الإسلام مداهنة المخالفين في أعيادهم الشركية { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } فالإدهان هو الملاينة والمصانعة والمسايرة ، فإن سألتك عن ما محل تهنئتك من الإعراب ؟ فتجدها لن تخرج عن المداهنة والمصانعة، فأنت تعتقد ببطلان دينهم وأن عيدهم ذلك كفري يبغضه الله تعالى من فوق سبع سماوات وأن تلك الأفعال التي يفعلونها ملعونة ثم تحييهم وتهنئهم وتتمنى لهم عيدا مباركا سعيدا !! فهذا عين المداهنة يقول المبرد :" يقال أدهن في دينه وداهن في أمره؛ أي خان فيه وأظهر خلاف ما يضمر. " فإن كان هذا ليس مداهنة مذمومة فلا أدري بعدها ما معنى المداهنة ؟!
وقد أثبتنا أن إحياء رأس السنة هو مأثور وثني خالص يتعبد به الرومان ويتقربون لجانيس المعبود الوثني فتابعهم النصارى فيه وتعمدوا موافقة الوثنيين وهو عيد القديس سيلفستر !! فمن الشناعة تهنئتهم تحت أي مبرر من المبرراتـ اللهم إلا من خشي على نفسه وعائلته في بلاد الغرب وغيره فينزل منزلة المضطر .
والحاصل أن من فقه مقاصد الشرع وفهم روح الإسلام وتشرب الولاء والبراء يعرف أنا مأمورون بمخالفتهم عموما ومطلقا، ومخالفتهم في أمور دينهم وأعيادهم أشد، وأن الإسلام يحرص على استقلالية المسلم في العقيدة والدين والثقافة وأنه لا يشجع على انصهار الكافرين بالمؤمنين والعكس صحيح إنما فرق بين التعايش والإندماج وبين المودة والمماهاة، وفرق بين البر بهم والإحسان إليهم وبين مداهنتهم والتحبب إليهم . وأن كل من يدعي هذه الأخيرة فما هو إلا من المصالح المتوهمة التي يلقي بها الشيطان في قلوب الناس .
فلو كان هذا من الخير لسبقنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم والسلف، ومن المحال أن يخفى هذا عليهم ولا يظهر إلا عند بعض المعاصرين ! والنبي صلى الله عليه وسلم قال " والله ما تركت شيئا يقربكم إلى الله والجنة إلا وأخبرتكم به " - النسائي-
فلو كانت التهنئة بله الاحتفال من الخير الذي يقربنا إلى الله تعالى لدلنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم يقيناً، ولو كانت من حسن الأخلاق ومكارمها لنبهنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم القائل " إنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ " - البيهقي- .
Bookmarks