النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: تعظيم الله -تعالى - وشعائره

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي تعظيم الله -تعالى - وشعائره

    إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد :

    فإن تعظيم الله (تعالى) وتعظيم ما يستلزم ذلك من شعائر الله (تعالى) وحدوده من أجلّ العبادات القلبية وأهم أعمال القلوب ، التي يتعين تحقيقها والقيام بها ، وتربية الناس عليها ،وبالذات في هذا الزمان الذي ظهر فيه ما يخالف تعظيم الله (تعالى) : من الاستخفاف والاستهزاء بشعائر الله (تعالى) ، والتسفيه والازدراء لدين الله (تعالى) وأهله .

    إنّ الإيمان بالله (تعالى) مبني على التعظيم والإجلال له (عزّ وجل) [1] ، قال الله (تعالى) : { تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } [مريم : 90] . قال الضحاك بن مزاحم في تفسير هذه الآية : (يتشققن من عظمة الله (عز وجل } [2] .

    ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية أهمية تعظيم الله (سبحانه) وإجلاله فيقول : ( فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله (سبحانه وتعالى) ، والرسالة لعبده ورسوله ، ثم لم يُتبع هذا الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام ، الذي هو حال في القلب يظهر أثره على الجوارح ، بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول أو بالفعل ، كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه ، وكان ذلك موجباً لفساد ذلك الاعتقاد ومزيلاً لما فيه من المنفعة والصلاح) . [3]

    ومما قاله ابن القيّم عن منزلة التعظيم : (هذه المنزلة تابعة للمعرفة ، فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الربّ (تعالى) في القلب ، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيمّاً وإجلالاً ، وقد ذم الله (تعالى) من لم يعظمه حق عظمته ، ولا عرفه حق معرفته ، ولا وصفه حق صفته ، قال (تعالى) : { مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [نوح : 13] ، قال ابن عباس ومجاهد : لا ترجون لله عظمة ، وقال سعيد بن جبير : ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته ، وروح العبادة هو الإجلال والمحبة ، فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت .. ) [4] .

    وتعظيم الله وإجلاله لا يتحقق إلا بإثبات الصفات لله (تعالى) ، كما يليق به (سبحانه) ، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، والذين ينكرون بعض صفاته (تعالى) ، ما قدروا الله (عز وجل) حق قدره ، وما عرفوه حق معرفته [5] ، ولما كان من أسماء الله (تعالى) الحسنى : (المجيد) و (الكبير) و ( العظيم) فإن (معنى هذه الأسماء : أن الله (عز وجل) هو الموصوف بصفات المجد والكبرياء والعظمة والجلال ، الذي هو أكبر من كل شيء ، وأعظم من كل شيء ، وأجلّ وأعلى ، وله التعظيم والإجلال ، في قلوب أوليائه وأصفيائه ، قد ملئت قلوبهم من تعظيمه ، وإجلاله ، والخضوع له ، والتذلل لكبريائه) [6] .

    ويقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي في هذا المقام : (إن الإنسان إذا سمع وصفاً وصف به خالق السموات والأرض نفسه ، أو وصفه به رسوله ، فليملأ صدره من التعظيم ، ويجزم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والجلال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين ، فيكون القلب منزهاً معظماً له (جلّ وعلا) ، غير متنجّس بأقذار التشبيه ... ) [7] .

    ومما يوجب تعظيم الله (تعالى) وإجلاله :

    أن نتعّرف على نعم الله (تعالى) ، ونتذكرّ آلاء الله (عزّ وجلّ) ، ومما قاله أبو الوفاء ابن عقيل في ذلك : (لقد عظم الله (سبحانه) الحيوان ، لا سيما ابن آدم ، حيث أباحه الشرك عند الإكراه وخوف الضرر على نفسه ، فقال : { إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ } [النحل : 106] : من قدّم حرمة نفسك على حرمته ، حتى أباحك أن تتوقى وتحامى عن نفسك بذكره ، بما لا ينبغي له (سبحانه) ، لحقيق أن تعظم شعائره ، وتوقر أوامره وزواجره ، وعصم عرضك بإيجاب الحدّ بقذفك ، وعَصَم مالك بقطع مسلم في سرقته ، وأسقط شطر الصلاة لأجل مشقتك ، وأباحك الميتة سدّاً لرمقك ، وحفظاً لصحتك ، وزجرك عن مضارك بحد عاجل ، ووعيد آجل ، وخَرقَ العوائد لأجلك ، وأنزل الكتب إليك ، أيحسن بك مع هذا الإكرام أن تُرى على ما نهاك منهمكاً ، وعما أمرك متنكبّاً ، وعن داعيه معرضاً ، ولسنته هاجراً ، ولداعي عدوك فيه مطيعاً ؟ . يعظمك وهُوَ هُوَ ، وتهمل أمره وأنت أنت ، هو حطّ رتب عباده لأجلك ، وأهبط إلى الأرض من امتنع من سجدة يسجُدها لك . ما أوحش ما تلاعب الشيطان بالإنسان بينا يكون بحضرة الحق ، وملائكة السماء سجود له ، تترامى به الأحوال والجهالات بالمبدأ والمآل ، إلى أن يوجد ساجداً لصورة في حجر ، أو لشمس أو لقمر ، أو لشجرة من الشجر ، ما أوحش زوال النعم ، وتغيّر الأحوال ، والحور بعد الكور ) . [8]

    ولقد كان نبينا محمد يربي أمته على وجوب تعظيم الله (تعالى) ، ففي حديث ابن مسعود (رضي الله عنه) قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال : يا محمد ، إنّا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء على إصبع ، والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ، فيقول : أنا الملك ، فضحك النبي-صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه ، تصديقاً لقول الحبر ، ثم قرأ { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ... } [الزمر : 67] .
    وما في الآية يدل على أن عظمة الله (تعالى) أعظم مما وصف ذلك الحبر ، ففي الآية الكريمة تقرير لعظمة الله (تعالى) نفسه ، وما يستحقه من الصفات ، وأن لله (عز وجل) قدراً عظيماً ، فيجب على كل مؤمن أن يقدر الله حق قدره [9] .

    يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، عند هذه الآية الكريمة : ( ما ذكر الله (تبارك وتعالى) من عظمته وجلاله أنه يوم القيامة يفعل هذا ، وهذا قَدْر ما تحتمله العقول ، وإلا فعظمة الله وجلاله أجل من أن يحيط بها عقل ... فَمَن هذا بعض عظمته وجلاله كيف يُجعل في رتبته مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرًّا ؟ ) [10] .

    ولما قال الأعرابي لرسول الله-صلى الله عليه وسلم- : (فإنا نستشفع بالله عليك ، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم- : سبحان الله ، سبحان الله ! فما زال يسبّح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ، ثم قال : ويحك ، أتدري ما الله ؟ إن شأن الله أعظم من ذلك ، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه) [11] .


    وقد اقتفى الصحابة (رضي الله عنهم) ومن تبعهم بإحسان هذا المسلك
    فعظّموا الله حق تعظيمه ، وعُمرت قلوبهم بإجلال الله (تعالى) وتوقيره : فهذا ابن عباس (رضي الله عنهما) يقول لبعض أصحاب المراء والجدل : (أما علمتم أن لله عباداً أصمتهم خشية الله (تعالى) من غير عيّ ولا بكم ، وإنهم لَهُمُ العلماء العصماء النبلاء الطلقاء ، غير أنهم إذا تذكروا عظمة الله (تعالى) انكسرت قلوبهم ، وانقطعت ألسنتهم ، حتى إذا استفاقوا من ذلك ، تسارعوا إلى الله بالأعمال الزاكية ، فأين أنتم منهم ؟ ) . [12]


    وكان أهل العلم يعظمون ربهم

    ويقدرونه (عزّ وجل) حق قدره ، حتى قال عون بن عبد الله : (ليعظم أحدكم ربه ، أن يذكر اسمه في كل شيء حتى يقول : أخزى الله الكلب ، وفعل الله به كذا) [13] .

    ويقول الخطابي : (وكان بعض من أدركنا من مشايخنا قلّ ما يذكر اسم الله (تعالى) إلا فيما يتصل بطاعة) [14] .

    (وكان أبو بكر الشاشي يعيب على أهل الكلام كثرة خوضهم في الله (تعالى) ، إجلالاً لاسمه (تعالى) ، ويقول : (هؤلاء يتمندلون [15] بالله (عزّ وجلّ) [16] .


    من أروع الأمثلة التي دوّنها التاريخ عن سلفنا الصالح وتعظيمهم لله (عزّ وجلّ)


    ما وقع لإمام دار الهجرة مالك بن أنس (رحمه الله تعالى) ، لما سأله أحدهم عن قوله (تعالى) : { الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى } [طه : 5] كيف استوى ؟ . فما كان موقف الإمام مالك إزاء هذا السؤال ؟ يقول الرواي : (فما رأيته وجد (غضب) من شيء كوجده من مقالته ، وعلاه الرحضاء (العرق) ، وأطرق القوم ، فجعلوا ينتظرون الأمر به فيه ، ثم سُرّي عن مالك ، فقال : الكيف غير معلوم ، والاستواء غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وإنى لأخاف أن تكون ضالاًّ ، ثم أُمر به فأُخرج) . [17]
    فتأمّل (رحمك الله) ما أصاب الإمام مالك (رحمه الله) من شدة الغضب وتصبب العرق إجلالاً وتعظيماً لله (تعالى) وإنكاراً لهذا السؤال عن كيفية استواء الربّ (تعالى) .

    ومن الأمثلة في هذا الباب:. ( ما جرى للإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله تعالى) ، لما مر مع ابنه (عبدالله) على قاص يقص حديث النزول فيقول : إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله (عزّ وجلّ) إلى سماء الدنيا بلا زوال ولا انتقال ولا تغير حال ، يقول عبدالله : فارتعد أبي ، واصفر لونه ، ولزم يدي ، وأمسكته حتى سكن ، ثم قال : قف بنا على هذا المتخرص ، فلما حاذاه قال : يا هذا رسول الله أغير على ربه (عزّ وجلّ) منك ، قل كما قال رسول الله) [18] .

    ومن تعظيم الله (تعالى) :


    تعظيم كلامه ، وتحقيق النصيحة لكتابه تلاوة وتدبراً وعملاً ، وقد حقق سلفنا الصالح الواجب نحو كتاب الله (تعالى) من التعظيم والإجلال ، حتى إن بعض السلف كانوا يكرهون أن يصغروا المصحف . [19]وقال بعضهم : والله ما نمت في بيت فيه كتاب الله ، أو حديث رسول الله احتراماً لهما [20] .

    ومما يجب تعظيمه وتوقيره ::. تعظيم رسول الله وتوقيره ، وتعظيم سنته وحديثه يقول (ابن تيمية) في تقرير وجوب توقيره وإجلاله : ( إن الله أمر بتعزيره وتوقيره ، فقال : { وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } [الفتح : 9] والتعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه ، والتوقير اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار

    ومن ذلك : أنه خصّه في المخاطبة بما يليق به ، فقال : { لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً } [النور : 63] ، فنهى أن يقولوا : يا محمد ، أو يا أحمد ، أو يا أبا القاسم ، ولكن يقولوا : يا رسول الله ، يانبي الله ، وكيف لا يخاطبونه بذلك والله (سبحانه وتعالى) أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحداً من الأنبياء ، فلم يَدْعُه باسمه في القرآن قط ...
    ومن ذلك : أنه حرّم التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذَن ، وحرم رفع الصوت فوق صوته ، وأن يُجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل ... ومن ذلك : أن الله رفع له ذكره ، فلا يُذكر الله (سبحانه) إلا ذكر معه ، وأوجب ذكره في الشهادتين اللتين هما أساس الإسلام ، وفي الأذان الذي هو شعار الإسلام ، وفي الصلاة التي هي عماد الدين ... ) . [21]

    ومما يجدر التنبيه عليه :
    أن التعظيم المشروع لرسول الله هو تعظيمه بما يحبه المعظّم ويرضاه ويأمر به ويثني على فاعله ، وأما تعظيمه بما يكرهه ويبغضه ويذم فاعله ، فهذا ليس بتعظيم ، بل هو غلو منافٍ للتعظيم . [22]

    وعقد الدرامي في سننه باباً بعنوان : باب تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي حديث فلم يعظمه ، ولم يوقره [23] ، وأورد الدرامي جملة من الآثار التي تضمنت عقوبات ومثلات في حق من لم يعظّم حديث رسول الله .

    وقد عني السلف الصالح بتعظيم السنة النبوية وإجلال رسول الله ، ومن ذلك :

    ما قاله عبد الله بن المبارك عن الإمام مالك بن أنس : (كنت عند مالك وهو يحدثنا حديث رسول الله فلدغته عقرب ست عشرة مرة ، ومالك يتغير لونه ويصفر ، ولا يقطع حديث رسول الله ، فلما فرغ من المجلس وتفرق الناس ، قلت : يا أبا عبدالله ، لقد رأيت منك عجباً ! فقال : (نعم إنما صبرت إجلالاً لحديث رسول الله-صلى
    الله عليه وسلم-) [24] .

    وقال الشافعي (رحمه الله تعالى) : (يكره للرجل أن يقول : قال رسول الله ، ولكن يقول رسول الله ؛ تعظيماً لرسول الله) . [25]


    وممن يجب تعظيمهم وإجلالهم : صحابة رسول الله


    فيتعين احترامهم وتوقيرهم ، وتقديرهم حق قدرهم ، والقيام بحقوقهم (رضي الله عنهم) .
    وقد خرج جرير بن عبد الله البجلي ، وعدي بن حاتم ، وحنظلة الكاتب (رضي الله عنهم) من الكوفة حتى نزلوا قرقيساء وقالوا لا نقيم ببلدة يشتم فيها عثمان بن عفان . [26]
    وباعد محمد عبد العزيز التيمي داره وقال : لا أقيم ببلدة يشتم فيها أصحاب رسول الله . [27]

    ولما أظهر ابن الصاحُب الرفضَ ببغداد (سنة 583 هـ) جاء الطالقاني إلى صديق فودّعه ، وذكر أنه متوجه إلى بلاد قزوين .
    فقال صديقه : إنك ههنا طيّب ، وتنفع الناس .
    فقال الطالقاني : معاذ الله أن أقيم ببلدة يجهر فيها بسبّ أصحاب رسول الله ، ثم خرج من بغداد إلى قزوين ، وأقام بها إلى أن توفي بها . [28]
    وبالجملة يجب تعظيم شعائر الله (تعالى) جميعها ، كما قال (تعالى) : { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ } [الحج : 32] .
    ويلحظ الناظر في حال المسلمين أن ثمة مخالفات تنافي تعظيم الله (تعالى) وشعائره كالاستهزاء ، أو الاستخفاف ، أو الازدراء ، أو الانتقاص لدين الله (تعالى) وشعائره . وتظهر هذه المخالفات عبر وسائل الإعلام المختلفة ، ومن خلال منابر ثقافية ومؤسسات علمية مشبوهة وغيرها .

    ويمكن أن نشير في خاتمة هذه المقالة إلى أهم أسباب وقوع تلك المخالفات المنافية للتعظيم ، ومنها :
    الجهل بدين الله (تعالى) ، وقلة العلم الشرعي ، وضعف التفقه في هذا الأصل الكبير ، ومنها : غلبة نزعة الإرجاء في هذا الزمان ، فمرجئة هذا الزمان الذين يقررون أن الإيمان تصديق فقط ، ويهملون العبادات القلبية ، كانوا سبباً رئيساً في ظهور وجود هذه المخالفات ... فيمكن أن يكون الرجل عندهم مؤمناً ما دام مصدقاً ، وإن استخف بالله (تعالى) ، أو استهزأ برسوله أو دينه ! ! ومن أسباب هذه الظاهرة : وجود علم الكلام قديماً ، الذي لا يزال أثره باقياً إلى هذا العصر ، فأهل الكلام يخوضون في الله (تعالى) وصفاته ، مما أورثهم سوء أدب مع الله .

    وأخيراً : فإن من أسباب ذلك : كثرة الترخص والمداهنات والتنازلات من علماء السوء الذين أُشربوا حب الدنيا والرياسة ، فجعلوا الدين ألعوبة يأخذون منه ويدعون .

    ورحم الله ابن القيّم حيث يقول : (كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها ، فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه ؛ لأن أحكام الرب (سبحانه) كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس ... ) . [29]


    بقلم : عبد العزيز بن محمد آل عبداللطيف
    --------------------------------------

    (1) انظر تفسير السعدي : 3/259 .
    (2) العظمة لأبي الشيخ : 1/341 .
    (3) الصارم المسلوم .
    (4) مدارج السالكين : 2/495 .
    (5) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية : 13/60 .
    (6) تفسير السعدي : 5/622 .
    (7) منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات : ص36 .
    (8) الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب : 1/153 .
    (9) انظر : فتاوى ابن تيمية ، مجلد 13/160162 .
    (10) مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب : 4/346 .
    (11) سنن أبي داود : كتاب السنة ، ح/4726 .
    (12) أخرجه الهروي في ذم الكلام ص184 .
    (13) شأن الدعاء للخطابي ص18 ، ووردت هذه المقالة عن مطرف بن عبدالله بن الشخير ، كما في الحلية لأبي نعيم 2/209 ، وذم الكلام للهروي ص190 .
    (14) شأن الدعاء ص 18 ، 19 .
    (15) من المنديل ، يريد الامتهان والابتذال .
    (16) الشفا للقاضي عياض 2/1096 .
    (17) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص17 ، 18 .
    (18) (أورد هذه القصة عبدالغني المقدسي في كتابه (الاقتصاد في الاعتقاد) ص 110 .
    (19) انظر الحلية لأبي نعيم 4/230 .
    (20) انظر طبقات السبكي 6/82 .
    (21) الصارم المسلول في الرد على شاتم الرسول ص422- 424 باختصار .
    (22) انظر تفصيل ذلك في الصارم المنكي في الرد على السبكي لابن عبدالهادي ص385 .
    (23) انظر سنن الدارمي 1/116 فما بعدها .
    (24) الديباج المذهب لابن فرحون 1/104 .
    (25) أخرجه الهروي في ذم الكلام ص225 .
    (26) انظر الإبانة الصغرى لابن بطة ص164 .
    (27) انظر الإبانة الصغرى لابن بطة ص164 .
    (28) طبقات السبكي 6/11 .
    (29) الفوائد ص93 .
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    274
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا موضوع ذو أهمية، متناول بطريقة جميلة وسلسة وعظيم النفع إن شاء الله..

    استوقفتني هذه المقولة للإمام الشافعي رحمه الله:
    اقتباس: وقال الشافعي (رحمه الله تعالى) : (يكره للرجل أن يقول : قال رسول الله ، ولكن يقول رسول الله ؛ تعظيماً لرسول الله) . [25]
    إذ لا فرق بين ما كرهه الشافعي وبين ما ندب إليه في الظاهر، وفي المحاضرة الصوتية لذات الموضوع يقول الشيخ : يكره للرجل أن يقول: قال رسول الله ولكن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وفي طبقات الشافعية الكبرى جاء عن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن يزيد أَبُو عَلِيّ الكرابيسي ...: قَالَ الْحُسَيْن : سمعت الشافعي يقول : يكره للرجل أن يقول : قَالَ الرسول ، ولكن يقول : قَالَ : رَسُول اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ليكون معظما.رَوَاهُ البيهقي ، وغيره ، وَهُوَ فِي كتاب أَبِي عاصم.إهـ


    -وهذا البحث قادني إلى محاضرة آخرى منسوبة لباحث آخر، وأقول غير جازمة أنها إن لم تكن هي نفسها فقد اقتُبس أغلبها؛ بما في ذلك الخلل في عبارة الإمام الشافعي رحمه الله ، وهي موجودة في موقعه الخاص وجزء منها منشور في موقع صيد الفوائد، إن كان يهمكم الأمر..
    التعديل الأخير تم 01-14-2013 الساعة 12:33 PM
    إنَّ سيرةَ محمّدٍ -صلى الله عليه وسلّم- تقتضي تصديقَهُ ضرورةً وتشهد له بأنَّه رسول الله حقًّا، فلو لم تكن له معجزةٌ غير سيرتِه لكفى. ابن حزم/ الفصل.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    وفقكم الرحمن وبارك فيكم

    ولقد استوقفني هذا الذي استوقفك ! الا اني مضيت الى انه يريد بذلك الفعل المضارع لا ماضي القول ! باعتبار ان قول النبي صلى الله عليه وسلم وسنته ماضيّة بيننا في كل حين , وان قول المكلف ( يقول النبي صلى الله عليه وسلم) بمثابة ان سنته قائمة بيننا كحال حياته , فما ينبغي للمكلف التجاسر على قول المعصوم او فعله او اقراره صلوات ربي وسلامه عليه ! وما استدركتيه هو المثبت فجازك الله خيراً , وإن كنتُ قد استبعدته لعدم تصوري لرجل يروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصلي عليه ! سواءاً ما كانت الرواية كتابةً او مشافهةً او حتى مدراسةً ! فإنا لله ..

    وقد قال الشيخ الفاضل بكر بن عبد الله ابو زيد -رحمه الله برحمته الواسعة - في معجم المناهي اللفظية بعد ان ساق الاثر السابق :.
    ويتعلق بهذا عدة أبحاث : قال ابن خير في فهرسته : ( أجمع العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا ، حتى يكون عنده ذلك القول مروياً ولو على أقل وجوه الرواية ..... ) ا هـ .
    قال الكتاني بعده : ( ولنا رسالة في المعنى اسمها : رفع الضير عن إجماع الحافظ ابن خير . انظر فيها بسط ما له وما عليه ) ا هـ .
    وهل يجوز تغيير : ( قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ) بلفظ : ( قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ) ؟
    في حديث عمر - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إنما الأعمال بالنيات ... ) الحديث . وفي بعضها قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول .... الحديث . والروايتان في البخاري .

    وقد قال العيني في شرحه له : ( عمدة القاري ) ويتعلق بذلك مسألة ، وهي : هل يجوز تغيير ( قال النبي ) إلى ( قال الرسول ) أو عكسه ؟ فقال ابن الصلاح : والظاهر أنه لا يجوز ، وإن جازت الرواية بالمعنى ؛ لاختلاف معنى الرسالة والنبوة . وسهل في ذلك الإمام أحمد - رحمه الله - ، وحماد بن سلمة ، والخطيب . وصوبه النووي - رحمهم الله - قلت : كان ينبغي أن يجوز التغيير مطلقاً لعدم اختلاف المعنى ههنا ، وإن كانت الرسالة أخص من النبوة ، وقد قلنا : إن كل رسول نبي من غير عكس ، وهو الذي عليه المحققون ومنهم من لم يفرق بينهما وهو غير صحيح)أ.ه


    وعلى الهامش :.
    ثمة اقتباس في البحث عند قوله [ ولقد كان نبينا محمد يربي أمته على وجوب تعظيم الله (تعالى) ، ففي حديث ابن مسعود (رضي الله عنه) قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال : يا محمد ، إنّا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء على إصبع ، والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ، فيقول : أنا الملك ، فضحك النبي-صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه ، تصديقاً لقول الحبر ، ثم قرأ { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ... } [الزمر : 67] .
    وما في الآية يدل على أن عظمة الله (تعالى) أعظم مما وصف ذلك الحبر ، ففي الآية الكريمة تقرير لعظمة الله (تعالى) نفسه ، وما يستحقه من الصفات ، وأن لله (عز وجل) قدراً عظيماً ، فيجب على كل مؤمن أن يقدر الله حق قدره ]

    فقد يُفهم من العبارة السابقة أن في مقابلة النبي صلى الله عليه وسلم بالاية لما ساقه الحَبر تصديقاً لمجمل قوله , إذ عول على الاية التي تشير الى قبض السماوات والارض
    في مقابلة جعل الحبر بعض المخلوقات على اصابع الخالق ! فقد يكون النبي صلى الله عليه وسلم تعجب تعَجُب الموافق لمجمل خبر الحبر ومشابهة لذلك بما جاءت به الرسل وما جاء في الكتب , ثم صدقه ببعض خبره مما اوحي اليه في خبر قبض السماوات والارض ! إذ ليس في الاية ما عرج عليه الحَبر في بعض تفاصيل خبره !

    خلافاً لما يعتقده المؤولة , من ان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم كان انكاراً او استهزاءاً ! وقد صرح الصحابي بخلاف ذلك فقال " فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً وتصديقاً " والصحابة ادرى بالقرائن الدالة على الخبر لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم وملازمتهم اياهم , ومعرفتهم بعلامات النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على القبول او الرفض !

    فقد يكون ما قاله الحبر تفسيراً ضمنياً لما يؤول اليه الامر قبل قبض الرحمن السماوات والارض من عرض الجبار لحال المخلوقات التي اوجدها ثم بعد ذلك يكون القبض , وخاصة اذا أُعملت قاعدة ان الصحابي ادرى بمرويّه , وترجيح امارت التصديق في مجموع ما قاله الحَبر !

    أو ان النبي صلى الله عليه وسلم قابله بصحيح ما تعرض له الحَبر , من القبض دون جعلِ افراد المخلوقات على عدة اصابع , جرياً على قوله صلى الله عليه وسلم " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فان كان حقا لم تكذبوهم وان كان باطلا لم تصدقوهم " رواه احمد

    فكان الاعتماد على كتاب الله ولم يكن على إخبار الحَبر بما روى , ولم يكن تكذيباً ولا تصديقاً , بل التصديق قائم على ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من كلام ربه !
    هذا وان الصحيح انه يجوز الاجتهاد فيما انقطع فيه الوحي او سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم وتوقف فيه , كحال الخضر , واختلاف الصحابة ومن بعدهم في ذي القرنين فمن قائل بنبوته , ومن قائل بأنه كان ملكاً ورجلاً صالحاً , وقد قال صلى الله عليه وسلم " وما أدري ذا القرنين نبيا كان أم لا" رواه البيهقي وغيره وحسنه الالباني
    وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في حال ابن الصياد مع ان الفاروق كان يقسم بأنه الدجال ! ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه , حتى هم الفاروق بقتله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله " بخاري

    فالقرائن ترجح ان الخضر كان نبياً وذا القرنين وهو اختيار بعض السلف والتابعين وان ابن الصياد ليس الدجال بل دجال من الدجاجلة
    والعلم عند الله
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    دار الممر
    المشاركات
    1,715
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    6

    افتراضي

    بارك الله فيكم ونفع بكم
    ليس فى تلك الحياة كلها شيء اغلى من الدين
    فهو من أجله خُلقت ومن أجله تموت ومن أجله تُبعث


    فإ ن المتتبع للفتن العظيمة التي ألمت
    بأمة الإسلام على مدار تاريَخها؛ لا يكاد
    يجد فتنة منها إلا وقد قيض الله لها )إمام
    هدًى( يلي الأمر بالمعروف والنهي عن
    المنكر حقًا، ويسلك سبيل أئمة الهدى
    قبله في الأخذ بيد )العامة والخاصة( على
    طريق النجاة من الفتنة، لا بشيء سوى
    بالدلالة على )الوحي( و)معنى الوحي(
    و)مقتضى الوحي(


    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/forumd...aysprune=&f=27

  5. افتراضي

    ما شاء الله - شكرا اخى الكريم على الموضوع الرائع جعله الله فى ميزان حسناتك

  6. افتراضي

    ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير
    cctv

  7. افتراضي

    بارك الله فيك اخي جزاكم الله خيرا
    تحميل العاب
    العاب مجانا

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. شبهات وردود .....حول تعظيم الحجر الأسود
    بواسطة ومضة في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-10-2013, 04:56 PM
  2. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-25-2011, 12:52 PM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-16-2010, 07:04 AM
  4. فعاليات مؤتمر تعظيم حرمات الإسلام
    بواسطة محمد بن شاكر الشريف في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-17-2007, 11:30 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء