النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: شبهة حول اسلوب القرآن

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    903
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي شبهة حول اسلوب القرآن

    من كتاب النبأ العظيم للدكتور دراز

    :


    سيقول السائل: ألم تقولوا لنا: إن هذه الصناعة البيانية ليست في الناس بدرجة واحدة، وإن القوى تذهب فيه متفاوتة على مراتب شتى، فما نرى إذًا علينا من حرج أن نعد الإعجاز الذي حدثتمونا عنه أمرًا مشاعًا يجري في أساليب الناس كما يجري في القرآن. ألا ترون أن كل قائل أو كاتب إنما يضع في بيانه قطعة من عقله ووجدانه على الصورة التي تهديه إليها فطرته ومواهبه؟ وأن اختلاف الناس في هذه الوسائل يتبعه البتة اختلاف طرائقهم في التعبير عن أغراضهم؟ إنكم لتستطيعون أن تحصوا في اللغة العربية صورًا كلامية بعدة الناطقين بها، بحيث لا تجدون كاتبًا يكتب كما يكتب كاتب آخر على السواء، ولا قائلًا كذلك. بل أنتم لا محالة واجدون عند كل واحد منهاجًا خاصًّا في الأداء؛ فليس البدوي كالحضري، ولا الذكي كالغبي. وليس الطائش كالحليم، ولا المريض كالسليم. وليس الأدنى في هذا الباب يستطيع الصعود إلى الأعلى، ولا الأعلى يستطيع النزول إلى الأدنى. بل المتشابهان فطرة ومزاجًا، المتساويان تربية وتعليمًا قد يشربان من كأس واحدة ثم لا يتناطقان بالكلام على صورة واحدة. فكيف تأمرون الناس أن يجيئوكم بمثل القرآن وهم لا يقدرون أن يجيء بعضهم بمثل كلام بعض؟ وكيف تعدون عجزهم عنه آية على قدسيته وأنتم لا تعدون عجز كل امرئ عن الإتيان بأسلوب غيره آية على أن ذلك الأسلوب صنع إلهي محض لا كسب فيه للذي جرى على لسانه؟ أليس هذا القياس يسوغ لنا أن نفترض القرآن كلامًا بشريًّا كسائر كلام البشر، غير أنه اختص أسلوبه بصاحبه كما اختص كل امرئ بأسلوب نفسه؟

    وجوابنا لهذا القائل أن نقول له: لسنا نماريك في أن كلام المتكلم إنما هو صورة تمليها عليه فطرته ومواهبه، ولا في أن هذه الفطر والمواهب لتفاوتها عند أكثر الناس لا بد أن تترك أثرها من التفاوت في صورة كلامهم، ولا في أن تلك الفطر والمواهب إن تشابهت عند فريق من الناس فأملت عليهم صورًا متشابهة من القول فإنها لا تخرجها في عامة الأمر صورة واحدة.
    كل هذا نسلمه ولا ننكره، ولكنه لا يضرنا ولا يوهن شيئًا من حجتنا؛ ذلك أننا حين نتحدى الناس بالقرآن لا نطالبهم أن يجيئونا بنفس صورته الكلامية، كلا، ذلك ما لا نطمع فيه، ولا ندعو المعارضين إليه، وإنما نطلب كلامًا أيًّا كان نمطه ومنهاجه، على النحو الذي يحسنه المتكلم أيًّا كانت فطرته ومزاجه، بحيث إذا قيس مع القرآن بمقياس الفضيلة البيانية حاذاه أو قاربه في ذلك المقياس وإن كان على غير صورته الخاصة، فالأمر الذي ندعوهم إلى التماثل أو المقاربة فيه هو هذا القدر الذي فيه يتنافس البلغاء، وفيه يتماثلون أو يتقاربون. وذلك غير المعارض والصور المعينة التي لا بد من الاختلاف فيها بين متكلم ومتكلم.
    فإن عسر عليك أن تفهم كيف تجيء المماثلة مع هذا الاختلاف ضربنا لك مثلًا؛ قومًا يستبقون إلى غاية محدودة، وقد اتخذوا لذلك مجالًا واسعًا لا يزاحم بعضهم فيه بعضًا، ولايضع أحدهم قدمه على موضع قدم صاحبه، بل جعل كل منهم يذهب في طريقه الخاص به موازيًا لقِرنه في المبدأ والوجهة. ثم يكون منهم المجلي والمصلي، والمقفي والتالي، ويكون منهم من لا حظَّ له في الرهان. ويكون منهم المتكافئون المتعادلون. وهكذا تراهم وهم مختلفو المنازل يقع بينهم التماثل كما يقع بينهم التفاضل بنسبة ما قطعه كل منهم من طريقه إلى الغاية المشتركة.
    فكذلك المتنافسون في حلبة البيان يعمد كل منهم إلى الغرض من الطريق التي يرضاها، وعلى الوجه الذي يستمليه من نفسه، ثم يقع بينهم التماثل أو التفاضل على قدر ما يوفون من حاجة البيان أو ينقصون منها، وإن اختلفت المذاهب التي انتحاها كل منهم.
    هب -إذًا- المدعوين لمعارضة القرآن فيهم الأكفاء والأنداء لنبي القرآن في الفطرة والسليقة العربية، أو من هم أكمل منه فيها، أو هبهم جميعًا دونه في تلك المنزلة. فأما الأعلون فسيجيئون على وفق سليقتهم بقول أحسن من قوله. وأما الأنداد فسيجيئون بشيء مثله. وأما الآخرون فلن يكبر عليهم أن يقاربوا ويجيئوا بشيء من مثله، وشيء من هذه المراتب الثلاث لو تم لكان كافيًا في رد الحجة وإبطال التحدي.
    ستقول: بل أختار الواقع، وهو أن العرب على اختلاف مراتبهم في البيان لم يرتفعوا إلى طبقة البلاغة المحمدية، وأزعم أن هذا القصور الذاتي الذي قعد بهم عن مجاراته في عامة كلامه هو الذي قعد بهم عن معارضة قرآنه. وإذًا لا يكون هذا العجز حجة لكم على قدسية الأسلوب القرآني كما لم يكن حجة عندكم على قدسية الأسلوب النبوي.
    فنجيب: أما أن محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان هو أفصح العرب، وكان له في هذه الفضيلة البيانية المقام الأول بينهم غير مزاحم، فذلك ما لا نماري -بل لا نمتري- فيه نحن ولا أحد ممن يعرف العربية، غير أننا نسأل ما مبلغ هذا التفاوت الذي كان بينهم وبينه؟ أكان مما يتفق مثله في مجاري العادات بين بعض الناس وبعض في حدود القوة البشرية، أم كان أمرًا شاذًّا خارقًا للعادة بالكلية؟ فأما إن كان كما نعهد شبيهًا بما يكون في العادة بين البليغ والأبلغ، وبين الحسن والأحسن، فلا شك أن هذا النحو من العلو إن حال بينهم وبين المجيء بمثل كلامه كله لم يكن ليحول بينهم وبين قطعة واحدة منه، ولئن أعجزهم هذا القدر اليسير أن يحتذوه على التمام لم يكن ليعجزهم أن ينزلوا منه بمكان قريب. ألا وإننا قد أرخينا لهم العنان في معارضة القرآن بهذا أو ذاك، وأغمضنا لهم فيما يجيئوننا به أن يكون كلًّا أو بعضًا، وكثيرًا أو يسيرًا، ومماثلًا أو قريبًا من المماثل، فكان عجزهم عن ذلك كله سواء.
    وأما إن قيل: إن التفاوت بينه عليه السلام وبين سائر البلغاء كان إلى حد انقطاع صلتهم به جملة؛ لاختصاصه من بين العرب ومن بين الناس بفطرة شاذة لا تنتسب إلى سائر الفطر في قليل ولا كثير إلا كما تنتسب القدرة إلى العجز، أو الإمكان إلى الاستحالة، فلا شك أن القول بذلك هو أخو القول بأن الإنسان ما ليس بإنسان، أو هو التسليم بأن ما يجيء به هذا الإنسان لا يكون من عمل الإنسان؛ ذلك أن الطبيعة الإنسانية العامة واحدة، والطبائع الشخصية تقع فيها الأشباه والأمثال في الشيء بعد الشيء وفي الواحد بعد الواحد؛ إن لم يكن ذلك في عصر ففي عصور متطاولة، وإن لم يكن في كل فنون الكلام ففي بعض فنونه. وكم رأينا من أناس كثيرة تتشابه قلوبهم وعقولهم وألسنتهم فتتوافق خواطرها وعباراتهم حينًا، وتتقارب أحيانًا، حتى لقد يخيل إليك أن الروح الساري في القولين روح واحد، وأن النفس ها هنا هو النفس هناك. وكذلك رأينا من الأدباء المتأخرين من يكتب بأسلوب ابن المقفع وعبد الحميد، ومن يكتب بأسلوب الهمذاني والخوارزمي، وهلم جرا.
    فلو كان أسلوب القرآن من عمل صاحبه الإنسان لكان خليقًا أن يجيء بشيء من مثله من كان أشبه بهذا الإنسان مزاجًا، وأقرب إليه هديًا وسمتًا، وألصق به رحمًا، وأكثر عنه أخذًا وتعلمًا، أو لكان جديرًا بأصحابه الذين نزل القرآن بين أظهرهم فقرأوه واستظهروه؛ وتذوقوا معناه وتمثلوه، وترسموا خطواته واغترفوا من مناهله -أن يدنوا أسلوبهم شيئًا من أسلوبه على ما تقضي به غريزة التأسي، وشيمة نقل الطباع من الطباع، ولكن شيئًا من ذلك كله لم يكن، وإنما كان قصارى فضل البليغ فيهم كما هو جهد البليغ فينا أن يظفر بشيء يقتبسه منه في تضاعيف مقالته ليزيدها به علوًّا ونباهة شأن.
    بل نقول: لو كان الأسلوب القرآني صورة لتلك الفطرة المحمدية لوجب على قياس ما أصلته من المقدمات أن ينطبع من هذه الصورة على سائر الكلام المحمدي ما انطبع منها على أسلوب القرآن؛ لأن الفطرة الواحدة لا تكون فطرتين، والنفس الواحدة لا تكون نفسين ونحن نرى الأسلوب القرآني فنراه ضربًا وحده، ونرى الأسلوب النبوي، فنراه ضربًا وحده لا يجري مع القرآن في ميدان إلا كما تجري محلقات الطير في جو السماء لا تستطيع إليها صعودًا، ثم نرى أساليب الناس فنراها على اختلافها ضربًا واحدًا لا تعلو عن سطح الأرض، فمنها ما يحبو حبوًا، ومنها ما يشتد عدوًا، ونسبة أقواها إلى القرآن كنسبة هذه "السيارات" الأرضية إلى تلك "السيارات" السماوية!
    نعم، لقد تقرأ القطعة من الكلام النبوي فتطمع في اقتناصها ومجاراتها كما تطمع في اقتناص الطائر أو مجاراته؛ ولقد تقرأ الكلمة من الحكمة فيشتبه عليك أمرها: أمن كلمات النبوة هي أم من كلمات الصحابة أو التابعين؟ ذلك على ما عملت من امتياز الأسلوب النبوي بمزيد الفصاحة ونقاء الديباجة وإحكام السرد. ولكنه امتياز قد يدق على غير المنتهين في هذا الفن. وقد يقصر الذوق وحده عن إدراكه، فيلجأ إلى النقل يستعينه في تمييز بعض الحديث المرفوع من الحديث الموقوف أو المقطوع .
    أما الأسلوب القرآني فإنه يحمل طابعًا لا يلتبس معه بغيره، ولا يجعل طامعًا يطمع أن يحوم حول حماه؛ بل يدع الأعناق، تشرئب إليه ثم يردها ناكسة الأذقان على الصدور.
    كل من يرى بعينين أو يسمع بأذنين إذا وضع القرآن بإزاء غير القرآن في كلفتي ميزان، ثم نظر بإحدى عينيه أو استمع بإحدى أذنيه إلى أسلوب القرآن، وبالأخرى إلى أسلوب الحديث النبوي وأساليب سائر الناس، وكان قد رزق حظ ما من الحاسة البيانية والذوق اللغوي فإنه لا محالة سيؤمن معنا بهذه الحقيقة الجلية، وهي أن أسلوب القرآن لا يدانيه شيء من هذه الأساليب كلها، ونحسب أنه بعد الإيمان بهذه الحقيقة لن يسعه إلا الإيمان بتاليتها .. استدلالًا بصنعة "ليس كمثلها شيء" على صانع {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
    ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً -- ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    903
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    تصحيح

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shahid مشاهدة المشاركة


    فلا شك أن القول بذلك هو أخو القول بأن الإنسان من ما ليس بإنسان، أو هو التسليم بأن ما يجيء به هذا الإنسان لا يكون من عمل الإنسان؛ ذلك أن الطبيعة الإنسانية
    ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً -- ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    903
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shahid مشاهدة المشاركة


    فلا شك أن القول بذلك هو أخو القول بأن من الإنسان ما ليس بإنسان،
    عفوا تصحيح للمرة الثانية ... بالأمس وانا اقوم بالتصحيح اتصل علي احد انتظره وكان على عجلة من الامر مما جعلني اضعها في غير موضعها .
    ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً -- ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ

  4. #4

    افتراضي

    نصيحتي لك أخي الحبيب شاهد للتعديل في موضوعك :
    راسل الإشراف مباشرة ً: أو عن طريق التبليغ عن مخالفة : أو في قسم الشكاوى ..

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    903
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو حب الله مشاهدة المشاركة
    نصيحتي لك أخي الحبيب شاهد للتعديل في موضوعك :
    راسل الإشراف مباشرة ً: أو عن طريق التبليغ عن مخالفة : أو في قسم الشكاوى ..

    شكرا لك ... وان شاء الله في المرات القادمة افعل ذلك .. طبعا هذا الموضوع نقلته عن طريق النسخ ولم اكتبه وانا غير متأكد هل هناك اخطاء اخرى ام لا .. وكتبت التوضيح ليساعدني غيري اذا كان ثمة خطأ فات علي .. وجزى الله كاتبه خيرا .
    ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً -- ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. دعونا نجمع القرائن هنا ولنستخدم اسلوب الخيارات
    بواسطة عبدالرحمن الحنبلي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-16-2012, 01:20 PM
  2. ملاحظات على اسلوب ((الثمرة))
    بواسطة ابو يوسف المصرى في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-30-2009, 09:07 AM
  3. اسلوب اهل الالحاد في المكر والخداع .
    بواسطة مجدي في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-27-2006, 02:12 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء