كتبه/ أحمد فال ولد الدين:
- خلال الحرب العالمية الثانية، غيّر الحلفاء خُطتهم الحربية حتى لا يُلحقوا أى أذى بمدينة فلورانس الإيطالية التاريخية.
- وفى 9 أبريل من العام 2003، وقف الجنود الأميركيون يتفرجون على كنوز المتاحف العراقية وهى تنهب من دون أن يرف لهم جفن.
بين هذيْن النموذجين تكمن الحقيقة العنصرية فى طريقة النظرة الغربية إلى الحضارة العربية الإسلامية.
لقد برهن الأميركيون من خلال تغاضيهم عن نهب الحضارة والتاريخ من متاحف بغداد، وتركيزهم على حماية كل ما له علاقة بالبترول، على أنهم مقامرون باحثون عن الذهب، لا رواد حرية أو بناة حضارة.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز (16/04/2003) أن "الجنود الأميركيين كانوا داخل دبابتهم أمام المتحف الوطنى ببغداد وهو يُنهب، وأن عمّال المتحف كانوا يستجدون الجنود المساعدة" لكن (رواد الحضارة) رفضوا مجرد التدخل لإنقاذ متحف يحتوى على أول أحرف خطّها البشر على هذا الكوكب.
لقد قفّ شعرى قبل أيام وأنا أقارن بين ما كتبته الصحافة الأميركية (شاهد من أهلها) عن إضاعة كنوز المعرفة فى المتاحف العراقية على أيدى جنود الإحتلال، وبين ما كتبه بعض المؤرخين عن دخول المغول لبغداد عام 656هـ وما فعلوه بمكتباتها حينئذ.
وخرجتُ من تلك المقارنة بخاتمة مفادها أن العدو يظل عدواً بغض النظر عن كثافة الأصباغ التى يتدثر بها لتغيير ملامحه.
فما ثمَّ كبير فرق بين الجندى المغولى المتّشح بجلود النمور، وبين الجندى الأميركى القادم من أكثر دولة يلوك ساستُها مصطلحاتٍ من قبيل "الحرية" و"الديمقراطية".
قبل غزو العراق... حذرتْ منظمات ثقافية من خطر تعرض كنوز المتاحف العراقية للنهب والسلب، لكن السلطة الأميركية تجاهلت ذلك كله.
فقد اجتمع بعض الباحثين، بقيادة "مكغير غيبسون"، أستاذ الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو، مع مسؤولين في البنتاغون في يناير 2003 وحذروهم من أن تاريخ البشرية المحفوظ فى متاحف بغداد قد يتعرض للضياع إذا لم تتم حمايته من طرف الجنود الأميركيين.
كما قامت منظمة علماء الآثار البريطانية بتوجيه رسالة لتونى بلير بداية 2002 تحذره فيها من مغبة عدم حماية المتاحف العراقية.
رغم كل ذلك... وقعت الكارثة.
إذ يقول شهود عيان إن ست شاحنات خرجت تتهادى من المتحف حاملة التاريخ إلى جهة غير معروفة.
كما قدر بعض عمال المتحف العراقى القطع المسروقة بـ170000، إلا أن الأميركيين قالوا إن "الرقم مبالغ فيه وإن المفقود هو مجرد 15000" !
(نيويورك تايمز 01/04/2006).
لقد اختفت التحف النادرة، مثل أول نسخة من القرآن الكريم، وقبلها اختفت أقدم نسخة من التوراة -يقال إنها ظهرت فى إسرائيل- كما اختفت قطع الطين التى كتب عليها الإنسان أولى عباراته قبل 4000 عام.
ويرى المنشغلون بالآثار أن من قاموا بسرقة المتاحف العراقية قوم مختصون، نظراً لطبيعة الاختيار وآلية السرقة.
هذه الفاجعة الثقافية حركت كل من يفهم خطر وأهمية التحف التى كانت فى حنايا متاحف بغداد الساحرة.
لقد قام ثلاثة مستشارين ثقافيين للرئيس "بوش" بتقديم استقالاتهم إحتجاجاً على إضاعة الأميركيين لتراث البشرية قصداً.
حتى إن أحد هؤلاء المستشارين، واسمه "ريتشارد لانيير" قال: "إن الولايات المتحدة تعرف ثمن النفط، لكنها لا تعرف قيمة الآثار التاريخية".
لكن الحقيقة المرّة التى علينا أن نفهمها هى أن أميركا تعرف قيمة تاريخ وآثار الحضارة المسيحية الغربية وفضاءاتها، أما التاريخ العربى الإسلامى فلا ترى فيه غير خصم لدود يجب القضاء عليه.
ورحم الله فيلسوف الجزائر مالك بن نبى الذي قال:
{إن المستعمر لا يحمل فضائله خارج أرضه}.
Bookmarks