حكم الرفع في الحديث الموقوف
وجد من أقوال الصحابة ما يكون له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولها صيغ محددة إذا ورد بها الحديث الموقوف يكون له حكم الرفع، فاهتم العلماء بهذه الصيغ وذكروها في كتب المصطلح، وممن ذكر ذلك الإمام الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث" والإمام ابن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" المشهور "بالمقدمة"، والسيوطي في كتابه "تدريب الراوي" وغيرهم. وقد أفرد هذا الموضوع بكتاب خاص فضيلة شيخنا الدكتور محمد بن مطر الزهراني رحمه الله وسماه "ما له حكم الرفع من أقوال الصحابة وأفعالهم".
ومن هذه الصيغ:
1- أن يقول الصحابي: ( كنا نقول كذا، أو كنا نفعل كذا ) ويذكر أنه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
مثاله: ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ( كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: رسول الله خير الناس، ثم أبو بكر، ثم عمر.. ).
ومثله: ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ( كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من شعير.. ).
قال الخطيب البغدادي: قول الصحابي: كنا نقول كذا وكنا نفعل كذا من ألفاظ التكثير ومما يفيد تكرار الفعل والقول واستمرارهم عليه، فمتى أضاف ذلك إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم على وجه كان يعلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره وجب القضاء بكونه شرعاً، وقام إقراره به مقام نطقه بالأمر به، ويبعد فيما كان يتكرر قول الصحابة له وفعلهم إياه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخفى عليه وقوعه ولا يعلم به.
وربما ذكر الصحابي هذا القول أو الفعل ولم ينسبه لزمن الرسول صلى الله عليه وسلم كقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: ( كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا ) رواه البخاري.
2- ومن الصيغ التي لها حكم الرفع قول الصحابي: ( أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو من السنة كذا ).
فالغالب أن الآمر لهم بذلك أو الناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن مرادهم بالسنة سنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.
ومن أمثلته: ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: ( أمرنا أن نخرج إلى العيدين العواتق وذوات الخدر ).
وكذلك ما اتفقا عليه من حديث أم عطية أيضاً قالت: ( نهينا عن اتباع الجنائز ).
قال الحاكم: قول الصحابي المعروف بالصحبة: "أمرنا أن نفعل كذا" "ونهينا عن كذا وكذا" "وكنا نؤمر بكذا" "وكنا ننهى عن كذا" وقول الصحابي: "من السنة كذا" وأشباه ما ذكرنا إذا قاله الصحابي المعروف بالصحبة فهو حديث مسند مرفوع، وكذلك مخرج في المسانيد.
3- ومن الصيغ التي لها حكم الرفع قول التابعي عن الصحابي: ( يرفع الحديث، وينميه، ويبلغ به، ورواية ).
ومثاله: ما رواه البخاري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الشفاء في ثلاث: ( شرطة محجم، ولعقة عسل، وكية نار ) رفع الحديث.
وما رواه البخاري أيضاً من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رواية: ( الفطرة خمس – أو خمس من الفطرة – الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وقص الشارب ).
قال الحافظ ابن حجر: وقد تقرر في علوم الحديث أن قول الراوي: "رواية" أو "يرويه" أو "يبلغ به" ونحو ذلك محمول على الرفع.
4- ومما له حكم الرفع: أن يقول الصحابي قولاً أو يذكر حكماً ليس للرأي فيه مجال؛ كأن يخبر عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، فالظاهر أن ذلك مما تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومثاله: ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ( من أتى ساحراً أو عرافاً فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ).
وما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال وقد رأى رجلاً يخرج من المسجد بعد الأذان: ( أما هذا فقد عصى أبا القاسم ).
قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة: ( وما جاء عن صحابي موقوفاً عليه ومثله لا يقال من قبل الرأي حكمه حكم المرفوع ).
5- ومما له حكم الرفع تفسير الصحابي للقرآن إن كان مما يتعلق بسبب نزل الآية، أو ما يتعلق بالأمور الماضية من بدء الخلق أو قصص الأنبياء، أو عن الأمور الآتية كالملاحم والفتن وصفة الجنة والنار، فهذا له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
أما إذا كان تفسير الصحابي ناشئاً عن معرفة اللغة وطرق البلاغة أو متعلق بحكم شرعي مما للرأي فيه مجال فلا يحكم له بالرفع بل هو موقوف.
وزاد بعضهم شرطاً وهو: أن لا يكون الصحابي ممن عرف عنه الأخذ عن أهل الكتاب؛ لاحتمال أن يكون أخذ هذا من الكتب السابقة.
Bookmarks