المصدر: شريط رقم ( 595 ) ضمن تسجيلات سلسلة الهدى والنور، وهو عبارة عن حوار بين الشيخ وأحد الأشخاص حول الرفق والشدة في الدعوة، وقد رمز لكلام الشيخ بكلمة ( الشيخ ) ، ولكلام المحاور بكلمة ( السائل ) .

السائل : أن السلفيين مشهور عنهم - فيما أراه أنا - الشدة وقلة الرفق في الدعوة هذا رأيي أنا ؟

الشيخ : أنت منهم ؟

السائل : أرجو ذلك .

الشيخ : ترجو ذلك ، أنت منهم يعني أنت سلفي .

السائل : نعم .

الشيخ : طيّب أنت من هؤلاء السلفيين المتشددين ؟

السائل : لا أُزكي نفسي . .

الشيخ : القضية الآن ليست قضية تزكية ، قضية بيان واقع ، وقضية كما قلنا أنت الآن تثير السؤال هذا من أجل التناصح فأنا لمّا أسألك أنت من هؤلاء المتشددين ؟ ، ما يرد هنا موضوع أنا لا أزكي نفسي ؛ لأنك تريد أن تبيّن الواقع بمعنى لو سألتني هذا السؤال أقول لك : أنا فيما أظن لست متشددا ، لكن هذا لا يعني أني أزكي نفسي لأني أخبر عن واقعي ففكر في السؤال .

السائل : نعم جوابي يا شيخ مثل جوابك .

الشيخ : إذن لا يصح أن نطلق أن السلفيين متشددون ، والصواب أن نقول : بعضهم متشددون واضح إلى هنا .

السائل : نعم .

الشيخ : فإذن نقول أن بعض السلفيين عندهم أسلوب في الشدة ، لكن تُرى هل هذه الصفة صفة اختص بها السلفيون ؟

السائل : لا .

الشيخ : فإذن ما الفائدة وما المغزى من مثل هذا السؤال ؟ ! هذا أولا . وثانيا هل اللين الذي قلنا هو الواجب هل هو واجب دائما وأبدا ؟

السائل : أبدا لا .

الشيخ : فإذن لا يصح لك ولا لغيرك أن تصف أولا نخرج بالنتيجة التالية: لا يجوز لك ولا لغيرك أن تصف طائفة من الناس بصفة تعممها على كلهم جميعا . وثانيا : لا يجوز لك أن تطلق هذه الصفة على فرد من أفراد المسلمين سواء كان سلفيا أو خلفيا في حدود تعبيرنا إلا في جزئية معيّنة مادام اتفقنا أن اللين ليس هو المشروع دائما وأبدا . فنحن نجد الرسول عليه السلام قد استعمل الشدة لو فعلها سلفيّ اليوم لكان الناس ينكرون عليه أشد الإنكار . مثلا : لعلك تعرف قصة أبي السنابل ، تذكر هذه القصة ؟

السائل : لا .

الشيخ : امرأة مات زوجها وهي حامل فوضعت فكان بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها بوضعها لولدها فيقول الحديث وهو في صحيح البخاري : أنها بعد أن وضعت تشوّفت للخطاب وتجمّلت وتكحّلت فرآها أبو السنابل وكان خطبها لنفسه فأبت عليه فقال لها : لا يحل لكِ إلا بعد أن تنقضي عدة الوفاة - كقاعدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام - وهي فيما يبدو أنها امرأة تهتم بدينها فما كان منها إلا أنها تجلببت وسارعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما قال لها أبو السنابل فقال عليه السلام : " كذب أبو السنابل " . هذه شدة أم لين ؟

السائل : نعم شدة .

الشيخ : ممن ؟ من أبو اللين { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } . إذن ليس مبدأ اللين بقاعدة مطردة كما اتفقنا آنفا . وإنما ينبغي على المسلم أن يضع اللين في محله والشدة في محلها . كذلك مثلا : كما جاء في مسند الإمام أحمد لمّا خطب عليه الصلاة والسلام خطبة قام رجل من الصحابة وقال له : ما شاء الله وشئت يا رسول الله قال : " أجعلتني لله ندا ؟! قل ما شاء الله وحده " . شدة أم لين ؟

السائل : أسلوب قول النبي صلى الله عليه وسلم .

الشيخ : يعني هذه أُسمّيها أنا حيدة ، لأنك ما أجبتني كما أجبتني من قبل ، لمّا قلتُ لك أبو السنابل قال في حقه : " كذب أبو السنابل " شدة أم لين ؟ هذه شدة .

السائل : هذه شدة نعم .

الشيخ : وهذه الثانية ؟

السائل : فقط بيّنَ له قال : " أجعلتني لله ندا " .

الشيخ : هذه حيدة - بارك الله فيك - أنا ما أسألك بيّنَ أم لم يُبيّن ، أنا أسألك شدة أم لين ؟ لماذا الآن اختلف منهجك في الجواب ؟ من قبل ما قلتَ بيّن له قال له : " كذب أبو السنابل " هو بيّن لكن هذا البيان كان بأسلوب هيّن ليّن كما اتفقنا أنه القاعدة أم كان في شدة ؟ قلتَ بكل صراحة كان فيه شدة ، والآن ما عدى عمّا بدى في السؤال الثاني ؟

السائل : السؤال الثاني لم يَقُل له كاذبا قال : " أجعلتني لله ندا " .

الشيخ : الله أكبر هذا أبلغ في الإنكار - بارك الله فيك - .

قال أحد الحضور : يا شيخنا قال : " بئس الخطيب أنت " في رواية مسلم .

الشيخ : نعم في قضية أخرى ، تذكر هذا الحديث ؟ من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى قال : " بئس الخطيب أنت " شدة أم لين ؟

السائل : شدة نعم .

الشيخ : المهم - بارك الله فيك - في هناك أسلوب لين وفي هناك أسلوب شدة . الآن بعدأن اتفقنا أنه ليس هناك قاعدة مطردة ، مطردة على طول لين لين لين على طول ، شدة شدة شدة على طول

السائل : نعم .

الشيخ : إذن تارة هكذا ، وتارة هكذا . الآن حينما يُتهم السلفيون بعامة إنهم متشددون أَلا تَرى أن السلفيين بالنسبة لبقيّة الطوائف والجماعات والأحزاب هم يهتمّون بمعرفة الأحكام الشرعية وبدعوة الناس إليها أكثر من الآخرين ؟

السائل : لا شك .

الشيخ : لا شك - بارك الله فيك - إذن بسبب هذا الاهتمام الذي فاق اهتمام الآخرين من هذه الحيثية ، الآخرون يعتبرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو كان مقرونا باللين هذا شدة بل بعضهم يقول هذا ليس زمانه اليوم بل بعضهم غلا وطغى وقال البحث في التوحيد يفرق الصفوف اليوم . فإذن - بارك الله فيك - الذي أريد أن أصل معك هو أن القضية نسبيّة يعني إنسان ليس متحمس للدعوة وخاصة للدخول في الفروع التي يسمّونها بالقشور أو أمور ثانوية فهو يعتبر البحث مقرونا بالأسلوب الحسن يعتبره شدة في غير محلها . لا ينبغي أنت سلفي مثلنا أن تشيع بين الناس ولو هؤلاء الناس القليل الآن ، وتذكر أن السلفيين متشددون . لأننا اتفقنا بعضهم متشدد وهذا لا يخلو حتى الصحابة فيهم اللين وفيهم المتشدد . ولعلك تعرف قصة الأعرابي الذي همّ بأن يبول في المسجد فماذا همّ به الصحابة ؟ همّوا بضربه هذا لين أم شدة ؟

السائل : شدة .

الشيخ : شدة ، لكن ماذا قال لهم الرسول ؟ : " دعوه " . فإذن قد لا يستطيع أن ينجو من الشدة إلا القليل من الناس ، لكن الحق أن الأصل في الدعوة : أن تكون على الحكمة والموعظة الحسنة ، ومن الحكمة أن تضع اللين في محله ، والشدة في محلها . فأن نصف إذن خير الطوائف الإسلامية التي امتازت على كل الطوائف بحرصها على اتباع الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه السلف الصالح بالشدة هكذا على الإطلاق ما أظن هذا من الإنصاف في شيء بل ومن الشرع في شيء أما أن يقال فيهم فمن الذي يستطيع ينكر ، فمادام الصحابة فيهم من كان متشددا في غير محل الشدة فأولى وأولى في الخلف من أمثالنا - خلف في المعنى اللغوي - أن يوجد فيها متشدد . ثم الآن نتكلم عن شخص بعينه هب إنه هيّن ليّن هل ينجو عن استعمال الشدة في غير محلها ؟

السائل : لا أبدا .

الشيخ : فإذن - بارك الله فيك - القضية مفروغ منها . وإن الأمر كذلك فما علينا غير أن نتناصح إذا رأينا إنسانا وعظ ونصح وذكّر بالشدة في غير محلها ذكّرناه فقد يكون له وجهة نظر فإن تذكر فجزاه الله خيرا ، وإن كان له وجهة نظر سمعناها منه وينتهي الأمر .

السائل : كثير من السلفيين يا شيخ يستخدمون الشدة ولا يستخدمون اللين ، يستخدمون الشدة في غير موضعها ولا يستخدمون الرفق في موضعه ، وليسوا قليل - نحن نقول كل الطوائف تفعل هذا- لكن ليس قليل ، وأنا في سؤالي لا أقيس السلفيين على غيرهم من الطوائف الأخرى لا يهمني أمر الطوائف الأخرى ، يهمني أمر السلفيين كثير من السلفيين وليسوا قليل يصدون عن المنهج السلفي بأسلوب دعوتهم للناس وليسوا قليل هؤلاء ، أنا قصدتُ من السؤال الذي يسجله الأخ محمد أن توجه نصيحة إلى من ابتلوا بالشدة وبضيق الصدر هذا هو المقصد من السؤال .

الشيخ : بارك الله فيك توجيه النصيحة ما يحتاج من واحد مثلي أن يوجه نصيحة والسلفيين وغير السلفيين يعلمون الآية التي ذكرناها آنفا : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } ويقرؤون أكثر من غيرهم حديث السيدة عائشة رضي الله عنها حينما جاء ذلك اليهودي مُسلّما على النبي صلى الله عليه وسلم لاويا لسانه قائلا : السام عليكم ، فسمعها هذا السلام الملوي فانتفضت وراء الحجاب حتى تكاد تنفلق فلقتين كما جاء في الحديث غضبا فكان جوابها : وعليكم السام واللعنة والغضب إخوة القردة والخنازير ، أما الرسول فما زاد على قوله له : " وعليك " فلما خرج اليهودي من عند الرسول عليه السلام أنكر عليه الصلاة والسلام عليها وقال لها : " يا عائشة ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما كان العنف في شيء إلا شانه " قالت : يا رسول الله ألم تسمع ما قال ، قال لها : " ألم تسمعي ما قلتُ " . فإذن السيدة عائشة التي رُبّيت منذ نعومة أظفارها في بيت النبوة والرسالة ما وسعها إلا أن تستعمل الشدة مكان اللين ، فماذا نقول في غيرها من السلفيين - كما تقول - وهم لم يُربّوا في بيت النبوة والرسالة بل أنا أقول الآن كلمة ربما طرقت سمعك يوما ما من بعض الأشرطة المسجلة من لساني أو لا . إن آفة العالم الإسلامي اليوم مقابل ما يقال بالصحوة الإسلامية هو أن هذه الصحوة لم تقترن بالتربية الإسلامية ما في تربية إسلامية اليوم . لذلك فأنا أعتقد أن أثر هذه الصحوة العلمية سيمضي زمن طويل حتى تظهر آثارها التربوية في الجيل الناشيء الآن في حدود الصحوة الإسلامية . إنما هي تصرفات أفراد لكن هؤلاء الأفراد يعيشون تحت رحمة الله عز وجل فمنهم القريب ، ومنهم البعيد ، ولذلك فمن الناحية الفكرية والعلمية سوف لا تجد من يخاصمك ويخالفك في أن الأصل في الدعوة أن تكون باللين والموعظة الحسنة لكن المهم التطبيق ، والتطبيق هذا يحتاج إلى مرشد إلى مربي يربي تحته عشرات من طلاب العلم وهؤلاء يخرجون من يد هذا المربي مربين لغيرهم وهكذا تنتشر التربية الإسلامية رويدا رويدا بتربية هؤلاء المرشدين لمن حولهم من التلامذة. وبلا شك الأمر كما قال تعالى : { وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم }. ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الأمة الوسط لا إفراط ولا تفريط .

السائل : جزاك الله خيرا يا شيخ .

قال أحد الحضور : يا شيخ أحيانا حينما يلاقي السّني ممن يقابله من أهل البدع عتوا واستكبارا يعني كما الله عز وجل أمر موسى باللين مع فرعون ومع ذلك قال له : { وإني لأظنك يا فرعون مثبورا } يعني يا شيخ نحن في الكلية كانوا والله دكاترة يستهزؤوا بنا حينما تقول لهم قال الرسول . . يعني فإذا خرج الإنسان عن طوره واستعمل الشدة معهم ، الشدة يعني لا يقال هنا شدة ، ويعجبني المثل سمعته منك شيخنا : قال الحائط للوتد لم تشقني قال سل من يدقني .

الشيخ : صحيح .

الشيخ : على كل حال نسأل الله أن يؤتينا الحكمة وهي أن نضع كل شيء في محله .

قال أحد الحضور : يا شيخ في أحكام الجنائز قول ابن مسعود لما قال رجل : استغفروا لأخيكم . قال : لا غفر الله له.

الشيخ : مع هذه أمثلة كثيرة جدا ، يذكرنا الأخ أبو عبد الله بأثر ، أن رجلا من الصحابة لعله عبد الله بن مسعود أو عبد الله بن عمر .

قال أحد الحضور : عمر نفسه .

الشيخ : عمر نفسه ؟

قال أحد الحضور : عمر نفسه لمّا قال رجل : استغفروا لأخيكم . قال : لا غفر الله له .

الشيخ : ما رأيك بهذا ؟ لا شك أنك أنت أول واحد لو رأيت أنا أقول هذه الكلمة ، تقول الشيخ متشدد ، لكن هنا يقوم في نفس المُنكِر الغَيرة على الشريعة فتحمله أن يقسوا في العبارة ، الآخر الذي يتفرج ليس في موضع هذه الغيرة التي ثارت في نفس هذا الإنسان فيخرج منه هذا الكلام ، وهنا يقولون عندنا في سوريا : " شو هذه الشدة يا رسول الله " ، هذه لهجة سوريا خطأ ، يخاطبوا الرسول يعني كأن هذه الشدة طالعة من الرسول وهم يعنون هذا الإنسان . فسبحان الله يعني المسألة ينبغي أن تراعى جوانبها من كل النواحي حتى الإنسان يكون حُكمه عدلا. ثم أيضا مما يبدو لي الآن من أسباب إشاعة هذه التهمة إذا صح أنها تهمة عن السلفيين ، تعرف أنت أن من كثر كلامه كثر خطؤه ، فالذين يتكلمون في المسائل الشرعية هم السلفيون ، ولذلك فلا بد لأن يخطئوا لكثرة ما يتكلمون فيتجلى خطؤهم ، ومن هذا الخطأ الشدة عند الآخرين الذين لا يجولون ولا يخوضون في هذه القضايا بينما لو نُظِرت هذه الشدة في عموم ما يصدر منهم من نصح على العدل وعلى الإنصاف واللين لوجدنا من مثل بعض التي ذكرناها عن بعض السلف وأمام الرسول عليه السلام فيها شدة ، ولكن هذه الشدة لا تسوغ لنا أن ننسب هؤلاء الصحابة الذين وقعوا في مثل هذه الشدة في جزئية معيّنة أنهم كانوا متشددين ، وإنما قد يقع كما قلنا أنا وأنت وغيرك في شيء من الشدة )) انتهى .