من أهم الأهداف التي سعى إليها الإسلام تحرير عقلية المسلم من قيود الأسطورة والخرافة، فالعقل الذي تعشش فيه الأساطير لا يمكن له أن يتقدم ،ولا أن ينتج، لأنه يحلل الظواهر الكونية والاجتماعية والاقتصادية... تحليلاً خرافيًا ،فيحيد عن جادة الطريق ، وعوضاً أن يتقدم يرجع إلى الوراء ، وتصبح أمة الإسلام أمة متخلفة ، أمة تضحك من جهلها الأمم، والواقع الذي نحياه الآن هو واقع فكري متخلف لأنه مازال التحليل الأسطوري أو الخرافي يتدخل في كل تفاصل حياتنا : الاجتماعية والسياسية ، والفكرية ،والاقتصادية، ... وبذلك تكون عقولنا مشلولة عن كل حركة ذات جدوى في الحياة . من منا لم يخاف من الغول والأشباح والجن؟؟ من منا لم يسمع قصص تقمص الجن للبشر؟... وكثير من الناس حين يفشل في دراسته أو عمله أو حياته الزوجية يوعز ذلك الفشل إلى تدخل الجن في حياته ، حتى صارت تلك الخرافات جزء لا يتجزأ من حياتنا وخاصة أنه توجد كثير من المنابر المفروض تكون للثقافة الدينية الصحيحة أصبحت تغرس ثقافة السحر والخرافة بأشكال مختلفة ، ونرى ذلك في الكتب التجارية المبسوطة في كل مكان ، وبعض القنوات الفضائية كل برامجها في نفس الموضوع ، فعوضاً أن تسد الفارغ الثقافي لدى الناشئة ، وما تعانيه من انحراف نتيجة ذلك الفراغ ، نراها نزيد الوضع سوءاً ببث ثقافة الخرافة ، ولكي نقف على تفاصيل هذا الموضوع ،يجب أولا أن نعرف الأسطورة والخرافة.
ولقد وردت كلمة أساطير في القرآن الكريم مضافة إلى الأولين،ووردت في تسعة مواقع
نذكر منها على سبيل الذكر لا على سبيل الحصر:
(وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًۭا ۚ وَإِن يَرَوْا۟ كُلَّ ءَايَةٍۢ لَّا يُؤْمِنُوا۟ بِهَا ۚ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوكَ يُجَـٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِنْ هَـٰذَآ إِلَّآ أَسَـٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ)
- الأنعام 25-
(وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا قَالُوا۟ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَآ ۙ إِنْ هَـٰذَآ إِلَّآ أَسَـٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ)
- الانفال 31-
فكفار قريش يدركون جيدا أن القرآن ليس بأساطير الأولين ، وأنه معجزة ببيانه ، ولا يمكن لهم أن يجاروه أو أن يأتوا بمثله ، وكعادة كل من يخونه عقله وذكاؤه بأن يردّ على متحديه
فلتجأ إلى عالم الأساطير لعله يجد مبررا لنفسه وللمجتمع عن عجزه في التحدي،وكما يقول الشهيد السيد قطب: -في ظلال القرآن-" وهم كانوا يعلمون جيدا أن هذا القرآن ليس بأساطير الأولين . ولكنهم إنما كانوا يجادلون ; ويبحثون عن أسباب الرد والتكذيب ; ويتلمسون أوجه الشبهات البعيدة . . وكانوا يجدون فيما يتلى عليهم من القرآن قصصا عن الرسل وأقوامهم ; وعن مصارع الغابرين من المكذبين . فمن باب التمحل والتماس أوهى الأسباب , قالوا عن هذا القصص وعن القرآن كله: (إن هذا إلا أساطير الأولين")
والعقل الذي تسيطر عليه الأسطورة يصبح تفكيره وتصرفاته وتخيلاته كلها تمتد من إيمانه بالأساطير التي ملأت عقله، وسيطرت على كل كيانه، وربما وُظِفَت هذه الأسطورة توظيفا تاريخيا ، وأدبيا، سياسياً و مذهبياً... فيصبح النص المقدس خادما لاعتقاداته الأسطورية ، وبذلك يلوي أعناق الآيات من أجل تشكيلها على هوى معتقده ، فيصبح مصدر الأساس لعقله ليس القرآن والحديث، بل تخيلات الأساطير التي يحاول أن يشكل منها عالم جديد ، فبذلك يتغير مجرى العقل من عقل سليم إلى عقل مشوه ، وإنسان مشوه ، وبالتالي اعتقاد مشوه ، فتوظيف الأسطورة في فهم النص المقدس يحيل إلى تفسير غير منطقي وغير واقعي لذلك النص، وبالتالي يتج لنا ثقافة دينية منحرفة ولا ينتج لنا إلا أناس قد وقع اغتيال عقولهم ، وأصبحوا ضحية لمؤامرة خبيثة غايتها إخلال البناء الإنساني الذي بناه الإسلام داخل المسلم ، وحرص كل الحرص على صيانته ورعايته من كل هدم وتشويه وتغيير ملامحه، لا أنكر أن عرب الجاهلية لما دخلوا الإسلام – الدين الجديد- لم يستطع بعضهم أن يتخلى عن كل معتقداته الأسطورية في تفسير بعض الظواهر، أو قل حتى في فهم بعض آيات الكتاب الكريم ، ولما مات سيدنا إبراهيم ابن رسول الله ،وصادف يوما ان خسفت القمر ،فقال بعض الصحابة :خسفت القمر لموت إبراهيم فقال لهم رسول الله: إنَّ الشَّمسَ والقمرَ لا ينخسِفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتِهِ ولَكنَّهُما آيتانِ من آياتِ اللَّهِ ،، وهكذا نرى بعض الصحابة حاول أن يربط خسوف القمر وموت سيدنا ابراهيم ربطا أسطوريا ، ولكن المعلم الأول –ص- رفض هذا التفسير ، وحثهم على التفكير المنطقي، وألاّ يجنحوا إلى التفكير الأسطوري،وبذلك يكونوا قد إنبتّوا عن واقعهم ،ومن انفصل عن واقعه لا يمكن له أن يحرز أي تقدم ، لأن فهمه للواقع فهم خيالي .
Bookmarks