أولا: يجب عليه تصحيح النية، والإخلاص لله تعالى في طلبه والحذر من التوصل به إلى أغراض الدنيا، ويسأل الله تعالى التوفيق والتسديد والتيسير، وليستعمل الأخلاق الجميلة والآداب، ثم ليفرغ جهده في تحصيله بالسماع من أرجح شيوخ بلده إسناداً وعلماً وشهرة وديناً وغيره، فإذا فرغ من مهماتهم فليرحل على عادة الحفاظ المبرزين، ولا يحملنه الشره على التساهل في التحمل بشيء من شروطه،
وينبغي أن يستعمل ما يسمعه من أحاديث العبادات والآداب، فذلك زكاة الحديث وسبب حفظه.

ثانيا: قال النووي رحمه الله - وينبغي أن يعظم شيخه ومن يسمع منه فذلك من إجلال العلم وأسباب الانتفاع، ويعتقد جلالة شيخه ورجحانه ويتحرى رضاه ولا يطول عليه بحيث يضجره وليستشره في أموره وما يشتغل فيه، وكيفية اشتغاله، وينبغي له إذا ظفر بسماع أن يرشد إليه غيره فإن كتمانه لؤم يقع فيه جهلة الطلبة فيخاف على كاتمه عدم الانتفاع فإن من بركة الحديث إفادته وبنشره ينمى، وليحذر كل الحذر من أن يمنعه الحياء والكبر من السعي التام في التحصيل وأخذ العلم ممن دونه في نسب أو سن أو غيره، وليصبر على جفاء شيخه، وليعتن بالمهم، ولا يضيع وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد اسم الكثرة، وليكتب وليسمع ما يقع له من كتاب أو جزء بكماله ,

ثالثا: ولا ينبغي أن يقتصر على سماعه وكتابته دون معرفته وفهمه فليتعرف صحته وفقهه ومعانيه ولغته وإعرابه وأسماء رجاله محققاً كل ذلك معتنياً بإتقان مشكلها حفظاً ؛وأن يكتب مقدماً الصحيحين، ثم سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، ثم السنن الكبرى للبيهقي، وليحرص عليه فلم يصنف مثله، ثم ما تمس الحاجة إليه، ثم من المسانيد مسند أحمد بن حنبل وغيره، ثم من العلل كتابه، وكتاب الدارقطني، ومن الأسماء تاريخ البخاري، وابن أبي خيثمة، وكتاب ابن أبي حاتم ومن ضبط الأسماء كتاب ابن ماكولا، وليعتن بكتب غريب الحديث، وشروحه، وليكن الاتقان من شأنه، وليذاكر بمحفوظه، ويباحث أهل المعرفة.

رابعا: وليشتغل بالتخريج والتصنيف إذا تأهل له، وليعتن بالتصنيف في شرحه وبيان مشكله متقناً واضحاً فقلما يمهر في علم الحديث من لم يفعل هذا، وللعلماء في تصنيف الحديث طريقان: أجودهما تصنيفه على الأبواب فيذكر في كل باب ما حضره فيه، والثانية تصنيفه على المسانيد فيجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديثه صحيحه وضعيفه، وعلى هذا له أن يرتبه على الحروف أو على القبائل فيبدأ ببني هاشم ثم بالأقرب فالأقرب نسباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو على السوابق، فبالعشرة، ثم أهل بدر، ثم الحديبية، ثم المهاجرين بينها وبين الفتح، ثم أصاغر الصحابة، ثم النساء بادئاً بأمهات المؤمنين، ومن أحسنه تصنيفه معللاً، بأن يجمع في كل حديث أو باب طرقه واختلاف رواته، ويجمعون أيضاً حديث كل شيخ على انفراده: كمالك وسفيان وغيرهما، والتراجم: كمالك عن نافع عن ابن عمر، والمساواة عن أبيه عن عائشة، والأبواب: كرؤية الله تعالى ورفع اليدين في الصلاة. وليحذر إخراج تصنيفه إلا بعد تهذيبه وتحريره وتكرير النظر فيه، وليحذر من تصنيف ما لم يتأهل له، وينبغي أن يتحرى العبارات الواضحة، والاصطلاحات المستعملة، ولا بأس ان يقوم بعرضه علي شيخه ليصحح له خطأً أوفهماً - والله أعلم.