النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: عقائد فلسفيه خلف صياغة القوانين الطبيعيه (2)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    الدولة
    السودان
    المشاركات
    92
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي عقائد فلسفيه خلف صياغة القوانين الطبيعيه (2)

    عقائد فلسفية خلف صياغة القوانين الطبيعية 2
    بقلم أ.د.محجوب عبيد طه
    2- الخلفية الفلسفية في صياغة القانون الطبيعي:
    هناك افتراض أساسي يقوم عليه العلم الطبيعي , هو الافتراض بمعقولية العالم , أي الافتراض بأن الظواهر الطبيعية مترابطة و هو افتراض طبيعي و لعله في فطرة الانسان و تكوينه العقلي و في صورته المتطرفه هو اعتقاد بحتمية التبعية السببية : أي الاعتقاد بأن حالة معينه للنظام الطبيعي تقود دائما و بالضرورة لحالة أخرى تليها. و هذا الاعتقاد بالحتمية المطلقة للقانون الطبيعي هو الذي ساد حتى بداية القرن الحالي , و لقد تغلغل في المنهج العلمي بحيث أن علماء كثيرين باتوا يعتقدون أن احساس الانسان بالحرية في الاختيار ليس الا خديعة نفسية. و في بداية القرن الحالي اتضح أن الحتمية المطلقة تناقض التجربة . و اذ ان التبعية السببية , على نحو أو آخر , لابد منها للعمل العلمي فان التعديل الذي أدخل على فرضية الحتمية كان في أضيق الحدود التي تضمن الاتساق مع التجارب .و أصبح الأمر بعد مقدم النسبية الخاصة أن هناك اتصالا سببيا , لا يعتمد على المشاهد , لكل ظاهرة مع مجموعة معينة من الظواهر, ثم بعد مقدم نظرية الكم , أن هناك حتمية في تطور حالات النظام و لكن هذه الحالات لا تحدد تماما قيم المقادير المقيسة و انما تعطي احتمالات الحصول على قيم معينة لهذه المقادير . و هذا التراجع عن الحتمية المطلقة أفسح المجال لبعض العفوية و سمح بقدر من " حرية الاختيار" للجسيمات الدقيقة , و لكنه أزعج الحس الفطري للفيزيائيين الذي يفضل أن تكون الظواهر الدقيقة منضبطة تماما بالحالات الابتدائية و القوانين التي تحدد مسار التطور.
    هذا موقف فلسفي في طبيعة العمل العلمي و يشترك فيه الجميع بحكم المهنة . و مع ذلك فمن غير الممكن أن يدافع عنه بمنطق مقنع . و انه لمن حسن الحظ أن قدر العفوية المكتشف لم يحل دون فهم الانسان للظواهر الكونية و الاستفادة من خيرات الأرض و السماء.
    و يحدث أحيانا أن يعترض على نظرية علمية متفقه تماما مع التجارب ,في حدود الصحة التجريبية , من مدخل فلسفي ! فلقد انتقدت نظرية نيوتن في الجاذبية الكونية , قبل أن يكتشف لها أي تعارض مع التجربة , بسبب أنها تقول بالتأثير عن بعد , أي تأثير الجسيمات على بعضها البعض دون وسيط . كما عد الباحثون من ميزات النظرية النسبية العامة أنها تحقق , بصورة ما , فكرة ماخ بأن الأجسام البعيده في الكون هي التي تعطي خصائص القصور الذاتي للجسيمات ذات الكتلة . و فكرة ماخ ليست الا أمنية بوجود ترابط وثيق بين البعيد و القريب رأى أنه يعمق مفهوم الكتلة و يجعل تصورنا لأصلها جميلا و رائعا .
    نخلص من هذا الى أن البحث العلمي , على مستوى التفاعلات الأساسيه , كان دائما مقترنا بفرضيات فلسفية أو مواقف عقدية لا تقتضيها بالضرورة التجارب المعملية . و هذا الاقتران مهم لأنه يعطي امتدادا فكريا و حضاريا للمجهود البحثي في العلوم الطبيعية و يمكنه من الاسهام , ليس فقط في مجال التطبيقات التقنية , و انما في مجال الفكر الانساني الذي يطمح في التعمق في فهم الحياة و تنظيمها . و لذلك فاننا نجد أن صياغة كثير من القوانين العلمية الأساسية تجنح لشمولية واسعة , و تقرر مبادئ فوق أبعاد التجربه , فتحدد بذلك مواقف فلسفية معينة و تترك انطباعا واضحا بأن هذه المبادئ الفلسفية بعينها هي ثمرة العلم التجريبي و ما عداها باطل . و لعلي أضرب لذلك أمثلة .
    مثالي الأول من علم التحريك الحراري : كانت الصياغات التقليدية للقانون الثاني في التحريك الحراري منذ البداية شمولية و كاسحة :" من المستحيل صنع ماكينة تحول كل الحرارة الى عمل " أو " يستحيل أن تبلغ الكفاءة قيمتها الكاملة عند انتاج العمل من الطاقة الحرارية " أو " ليست هناك على الاطلاق عملية طبيعية نتيجتها الوحيدة نقل الحرارة من جسم لآخر أعلى منه درجة حرارة ". و واضح أنه ليس سهلا تسويغ مثل هذه العبارات على أساس تجارب محدوده أجريت داخل معمل في مكان ما على الأرض . فهي فرضيات كونية شاملة تتحدث عن طبيعة الموجودات في أي مكان و زمان , و تحقق طموح الانسان في أن يحلق بفكره فوق الآماد و الأبعاد و الكل يفضلها على التقرير المتواضع بأن عددا من الباحثين أجروا تجارب على مواد معينة تحت ظروف معينة محاولين تحقيق الكفاءة التامة عند تحويل الحرارة الى عمل و فشلوا في ذلك ! البون الشاسع بين هذا التقرير و العبارات السابقة لا يرد الى التجارب و انما مرده الى اعمال الفكر البشري و اتخاذ موقف عقدي فلسفي : ما فشلنا في تحقيقه يستحيل أن يتحقق اطلاقا . و الفرضية الأساسية التي " تحصلنا " عليها بهذه الكيفية غنية و يمكن تطبيقها على كل ما في الكون من الظواهر الحرارية , بل و على الكون بأكمله على أنه نظام حراري مغلق يخضع لقوانين معاملنا , فنتنبأ مثلا بالفناء الحراري للكون .
    المثال الثاني من نظرية الكم . هناك قرين لمبدأ اللاتحدديه المشهور , المتعلق بالارتباط بين درجتي الدقة في قياس الموضع و الاندفاع في آن واحد . هذا القرين يربط بين الطاقة و الزمن على نحو الصلة بين الموضع و الاندفاع و يمكن استنتاجه من أسس نظرية الكم بصورة مماثلة و لا يتطلب فرضية اضافية .و العبارة الرياضية التي يرد بها الارتباط بين درجتي الدقة الممكنتين في قياس الطاقة و الزمن معا عبارة بسيطه و متفق عليها تماما , كما هو الحال مع التجارب المعمليه في المثال الأول . اذا قصرنا هذه العباره على حدها المشروع , حسب شروط استنتاجها , نجدها تحدد مدى عدم التوافق بين المتغيرات غير المتوافقه في القياس , في هذه الحالة بين متغيري الطاقة و الزمن . فمتى ورد هذان المتغيران , مع أي مجموعه من المتغيرات الأخرى , في وصف حالة نظام طبيعي فلابد أن يردَا بحيث ان درجتي الدقه في قياسهما ترتبطان بالعلاقة الرياضية المعطاة , و بصفة خاصة لا يردان بقيم محدده تماما و انما بقيم تقريبية متوسطة . و هذا في الأساس من خصائص نظرية الكم . فاذا افترضنا أن نظرية الكم تمثل حقيقة الظواهر اعتبرناه من خصائص الطبيعة المشاهدة و وضعنا بذلك قيدا على امكانية القياس بدقة مطلقة بالنسبة للمتغيرات غير المتوافقة متى اجتمعت في وصف حالة واحدة . غير أن الفرضية الكونية الشاملة التي بنيت على هذا الأمر جاءت كاسحة و تعدت هذه الحدود ببون شاسع : "من الممكن دائما أن يظهر من العدم مقدار معين من الطاقة و يتلاشى خلال فترة زمنية معينه متى ما ارتبط مقدار الطاقة و فترة بقائها بالعلاقة الرياضية المعطاة " . اننا الآن لا نتحدث عن خصائص نظرية تفسر الظواهر المعملية و لا نتحدث عن حدود القياس التجريبي للمتغيرات المقيسه المشتركه في وصف حالة النظام و لكننا نتحدث عن الظهور من العدم و عن الفناء و البقاء . , لا نتحدث عن حدود الانسان و لكن عن مدى الامكان , امكان الوجود الفجائي و التلاشي الفجائي . نستطيع الآن أن نفسر ظهور الطاقة من العدم اذ لدينا قانون طبيعي , محدد بعلاقة رياضية , يوضح امكانية ذلك , بل اننا نتخذ موقفا فلسفيا حول أساس العلم التجريبي : القانون الطبيعي لا يشترط التسبيب . ذلك أن العلاقة الرياضية تربط بين متغيري الطاقة و الومن حيثما وجدا , فان امتدت لتعني امكانية ظهور الطاقة من محض العدم جاز أن يكون ذلك في أي مكان و زمان و بصورة فجائية دون ربط سببي بين هذا الحدث و سوابقه . و رغم أن قدر العفويه و مدى كسر التسبيب ضئيل جدا وفق العلاقة الرياضية , و رغم أن هذه الفرضية على ما فيها من اكتساح تختص بما يمكن أن يشاهده الانسان و يدرسه , الا أن هذا لم يمنع عددا من الباحثين من تقديم نظريات مبنية على هذه الفرضية تفر ظهور الكون كله من العدم , لمدى عمره المديد , دون مؤثر و بلا سبب .
    مثالي الثالث و الأخير من علم الكون : المبدأ الكوني العام . تدل المشاهدات الفلكية على أن المجرات و مجموعات المجرات , و كذلك الاشعاع الخافت الذي يصلنا من كافة أرجاء السماء , موزعا حولنا توزيعا منتظم الكثافة لأقصى المسافات التي تمكن الفلكيون من رصدها . على أساس هذه الحقيقة صيغت فرضية شاملة تعتبر من أعمدة علم الكون المعاصر , هي المبدأ الكوني العام :" يبدو الكون منتظما و متجانسا من أي موضع فيه في كل وقت " . هذه الفرضية تعميم كاسح و تمديد شامل للانتظام و التجانس المشاهد الآن في رقعة محددة من العالم يجعل منه خاصية أساسية لكل الزمان و المكان. و ما من أنموذج رياضي لنشأة العالم و تطوره الا و يعتمد هذا المبدأ و يبني عليه . و الموقف الفلسفي العقدي هنا جلي : ربما يكون صحيحا أننا لا نستطيع أن نشاهد كل الكون و لكن ما يغيب عنا لا يختلف عما يظهر لنا منه . و هذا يعني أن الأشياء و الظواهر التي تثير فكرنا و تستحق اهتمامنا هي تلك التي أثبتت وجودها بالظهور في مراصدنا و أن ما وراءها لا يخفي سرا و لا يحجب مجهودا . و يتيح هذا الموقف للباحثين قاعدة مريحة لتقديم نظريات عن الكون بدلا من العالم المشاهد , الكون الشامخ الفريد الذي يحوي بدايته و نهايته بدلا من العالم المشاهد الذي تتصل أطرافه بالمجهول غير المشاهد و قد تدخله تأثيرات لا يتحكم فيها فكر و لا تجريب .
    في كل هذه الأمثلة الثلاثة طفرة فكرية تجاوزت حدود التجربة و المشاهدة و صيغت بحيث عبرت عن عقيدة فلسفية تعطي الفكر البشري مقدرات لا حدود لها في فهم و تصور و سبر غور الظواهر الطبيعية . و لا شك أن العالم الباحث ينزع دائما لأن يعبر عن الفرضيات العامة بعبارات تمكن من تطبيقها على أوسع نطاق ممكن , ثم هو يمتحن صحتها على هذا المدى الافتراضي بمواجهتها بمزيد من التجريب فيعدلها أو يقلص من نطاق صحتها متى ما اضطر لذلك و أجبر عليه . و لسنا هنا بصدد توجيه النقد لهذا الاسلوب , و لعله في طبيعة تفكير البشر , و لكننا ندل عليها و نبينه و نوضح بصفة خاصة أنه يدخل زيادة كبيرة على مقتضى التجريب و المشاهدة , و أن صياغات القوانين و الفرضيات العامة يمكن أن تتخذ أشكالا مختلفة تعبر عن خلفيات فلسفية مختلفة , هي مواقف عقدية مسبقة لا صلة للعلم بها . و المواقف العقدية التي انطلقت منها الصياغات الواردة في الأمثلة التي ذكرناها متقاربة و تعبر عن الايمان بمقدرات الفكر الانساني : فما يستحيل على البشر هو المستحيل المطلق (المثال الأول) و العقل البشري يدرك كل شئ بما في ذلك القانون الطبيعي الذي بموجبه تظهر الطاقة من العدم ( المثال الثاني ) و المعرفة البشرية تشمل الكون بأكمله و لا يخفى على الانسان من الموجود شئ ذو بال (المثال الثالث).
    هذه في جملتها عقيدة تؤمن بأن ذكاء الانسان و فكره و تدبيره أعلى مراتب الذكاء و الفكر و التدبير في الوجود , و أن ليست هناك خفايا و لا أسرار لا تدركها أجهزتنا و وسائلنا . و ليس غريبا على من اعتقد هذا و آمن به , قبل بدء البحث و الدراسة , أن يأتي بتعميمات و فرضيات صيغت بحيث تعكس هذه العقيده بصورة تلقائية . و يجدر أن نلاحظ هنا بصفة خاصة أن الذي يؤمن بأن تدبير الانسان هو التدبير الأرقى في الوجود و يعلم أن الانسان لم يدبر للكون مساره لن يزعجه أن يجد أي قدر من العفوية في الطبيعة من منطلق فكري غير ايماني .
    غير أن هذه الفلسفة لا يقتضيها العلم الطبيعي و لا تؤثر على تطوره و فعاليته . و ليس هناك ما يمنع من صياغة ذات التعميمات و القوانين بحيث تعكس فلسفة ايمانية تنطلق من وجود الله الواحد الذي خلق السماوات و الأرض و ما بينهما و أوحى للرسل من بني البشر ما أوحى . في الجزء الثاني من هذه المقالة نستعرض هذه الأمثله الثلاثة من هذا المنطلق الايماني باذن الله
    قال الكريم العظيم : " الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً " سورة الفرقان الآية 26
    تأمل كيف جعل صفة مالك ذلك اليوم الرحمن ولم يقل الجبار ولا العادل والمنتقم , ثم تأمل كيف توعد الكافرين في ذلك اليوم الذي جعل صفته فيه الرحمة , إنها عندي أرجى وأخوف آية في كتاب الله .
    My facebook
    My youtube

  2. #2

    افتراضي

    موضوع جميل ودسم قراته وفهمه وأستيعابة براي تحتاج إلى تسخين عقلي وهو يثير الرغبة في المزيد من البحث حول ماله علاقة بهذا الخصوص

    سلمت يداك على النقل وسلمت يدى أ. د. محجوب

    تقبل تحيتي وأحترامي

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. رابط اضافي الةالموحديين لمواجهة خرافة الطبيعين
    بواسطة فارس حسن في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-05-2014, 09:22 PM
  2. عقائد فلسفيه خلف صياغة القوانين الطبيعيه (1)
    بواسطة خالد الفيل في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-27-2013, 12:18 AM
  3. لماذا تريدون هدم عقائد الآخرين ؟
    بواسطة elmorsy في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 26
    آخر مشاركة: 07-26-2012, 03:07 PM
  4. عقائد الائمة / أبي حنيفة / مالك بن أنس / الشافعي
    بواسطة السالم في المنتدى قسم السنة وعلومها
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 09-04-2008, 03:13 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء