يجب أن نعرّف كلمة معجزة ...
الكلمة لغوياً - بالإنكليزية- تأتي من كلمة ميريكيولا اليونانية والتي تعني شئ رائع ...
والتعريف الغربي التقليدي للكلمة كما لخصه ديفيد هيوم قائلاً : أنها انتهاك القانون الطبيعي ...
نحن لا نوافق على هذا التعريف !
لكن ما هي القوانين الطبيعية ؟؟؟
هي فقط طرح تعميمي للأنماط التي ندركها ونلاحظها في الكون ...
ان تغير شئ عن النمط أو اختلف عنه فهذا يعني ربما أنه جزء من النمط ، هذه القوانين مؤسسة على الاستقراء لا أكثر ...
الشئ العميق الذي فعله المفكرون الإسلاميون هو أنهم أعادوا تعريف كلمة معجزة بالاعتماد على النصوص القرآنية ...
وقد عرّفوا المعجزة بأنها الشئ الذي يحدث خارج الطاقة الإنتاجية للطبيعة ..
وهذا يعني أنك لو عدت إلى طبيعة الحدث فتستبعد كل التفسيرات الطبيعية الممكنة وليس هناك رابط بين طبيعة الحدث وبين أي مسبب طبيعي له ، وهذا تعريف متماسك ومترابط منطقياً أكثر بكثير !
القرآن تحدث عن موسى عليه السلام ...
موسى أُخبرَ بأن يرمي عصاه وتحولت فجأة إلى أفعى حية !
هذا الحدث الإعجازي يخرج عن نطاق قدرة الطبيعة على انتاج هكذا حدث لأن التركيب الكيميائي للعصا مختلف تماماً عن تركيب الأفعى ..
لأنك كنت ستحتاج إلى مزيد من المواد لتضيفها إلى تركيبة العصا كي تحصل على تركيبة الأفعى لكن لم يضف شئ ... كانت فقط العصا !
فإذا فعندما نبعد كل التفسيرات الطبيعية نجد أنه ليس هناك أي رابط بين العصا والأفعى إلا من حيث الشكل وهذا يعطينا تعريف المعجزة ....
وهذا ينطبق على استخدام القرآن للغة العربية لأن القرآن لا يمكن مقارنته بأي شكل أدبي من أشكال اللغة العربية... وهذا يتضمن السجع المرسل والمقامة والبحور الستة عشر
المثير للاهتمام أن كل تعبير في اللغة العربية يقع تحت شكل من الأشكال الغير أدبية من اللغة.
أما القرآن فيغير من وظيفة اللغة العربية ، فهو يعتبر اعجازا في هذا المنظور ، فالبرغم من أنه مكتوب بالعربية لكن ليس هناك رابط بين اللغة العربية والعربية في القرآن إلا من حيث المادة
لأننا ولو استنفذنا الأحرف ال28 والقواعد النحوية والكلمات لن نستطيع أن ننتج شكلاً أدبياً فريداً كالنصوص القرآنية ..
والمثير للاهتمام من منظور تاريخي وأدبي عندما كانت هناك محاولات للإتيان بمثله باءت كل تلك المحاولات بالفشل
وكما يقول المستشرق البريطاني فوستر فيتزليرالد أربوثنوت : وكل المحاولات الصعبة التي تمت لإنتاج ما هو مماثل أو مشابه له باءت جميعها بالفشل ..
فالشكل الأدبي للقرآن يقع خارج نطاق اللغة العربية ، شكله الأدبي لا يمكن تفسيره منطقياً حتى في اللغة العربية لهذا السبب القرآن هو معجزة ....
فمثلاً لو جاءنا سائل وقال ماذا عن كتابات شكسبير !
فنقول شكسبير ليس فريداً من نوعه من ناحية استخداماته اللغوية أو الشكل الأدبي بل على الشكل الجمالي لكتاباته ...
الحجة التي نتحدث عنها تكمن في الميزات الإنشائية للغة العربية ، ان نظرت لشكسبير ترى أنه استخدم كثيراً من الأساليب الأدبية ، والعديد من الأدباء الانكليز استخدموا أساليب من نفس النوع
وإن ذهبت إلى كتاب قاموس أكسفورد للسير الذاتية ستجد بأن شكسبير قد شُبه بفرانسيس بيمونت وجون فليتشر وكتاب آخرون إذا هو غير إعجازي غير منيع للإتيان بمثله من المنظور الذي نتحدث من خلاله ...
وربما يسأل ولكني لست عربياً كيف سأعرف ذلك !
فهنا يمكننا استخدام الاستنتاج العقلاني ؟
الاستنتاج العقلاني هو العملية التي تقوم فيها بالانطلاق من رواية مقبولة عالميا لتحصل منها على نتائج منطقية ولا أحد سينكر رواية مقبولة عالمياً لأن هذا هو دور علم فلسفة المعرفة ، والشهادات هي مصدر فعّال للمعرفة ... فإن قرأت أعمال البروفيسور كودين والبروفيسور كيث ليرر في كتاب فلسفة المعرفة عن طريق الشهادات والذي نشرته أكسفورد سوف أن ذلك جدل منطقي ...
إذا الدليل الشرعي والفعال على القرآن هو أنه لم يتمكن أحد من انتاج نص أدبي مشابه للنص القرآني ، إن صح ذلك فبإمكاننا أن نصل لنتيجة منطقية حتى دون معرفة حرف واحد في اللغة العربية !!
هل يمكن أن يكون ألفه عربي ؟؟؟
أم غير عربي ؟؟
أم محمد صلى الله عليه وسلم ؟؟؟
أم من الذات الإلهية ؟؟؟
نحن نعرف أنه لا يمكن أن يؤلفه عربي لأن العرب كلهم عجزوا عن ذلك ، ولا يمكن لغير عربي أن يؤلفه لأنه لا يتحدث العربية ولا يمكن ان يكون من محمد عليه السلام لأنه كما يقول المثل إن كنت تملك النسخة الأصلية فبإمكانك تقليدها ..
انظروا إلى لوحات بيكاسو ومونيه المقلدة !!
لذلك لا بد أن يكون القرآن من الذات الإلهية ...
يأت الرد بخصوص محلية القرآن وهذا ندرجه كرد مجمل :
1- كل شخص يعشق النبل والعظمة والتبريز العبقرية والابداع يحب ان يعرف دقائق هؤلاء العباقرة المبدعين فلا يوجد مبرز ولا عبقري الا وهو مأخوذ بمطالعة سيرة العباقرة ومجراياتهم وما الذي اتفق لهم سواء مع اسرهم او مع المجتمع يحب هذا جدا يحدوه شيء مشابه لانه ايضا هو انسان عبقري
وقصة الفيلسوف شاعر الهند الكبير في القرن العشرين المنصرم وهو من اعظم الشخصيات الفكرية على الاطلاق برنا طاغور اجاب لماذا الديانة الهندوسية رغم تسامحها المطلق من ناحية نظرية مبدأية اكثر دين متسامح مع الديانات والطوائف والمذاهب ترى ان جميع هذه الاديان والعقائد والطوائف والفلسفات هي طرق مختلفة الى غاية واحدة وهي الحقيقة المطلقة والبوذية لا تقارن بها بهذا الاعتبار لم تصب حظا من النجاح خارج حدودها الجغرافية وليست ديانة تبشيرية ولم يتأثر بها العالمون خارج سبه القارة الهندية سؤال جدا ذكي ساله هذا الشاعر الفيلسوف وكان في سفينة وكان حاضر الحوار وهو الذي نقله سليمان الندوي صاحب الكتاب الاروع في سيرة رسول الله قال انا كنت حاضرا واستمعت الى هذا السؤال المذهل الكبير فقال اجاب الفيلسوف الشاعر من فوره قال لان هذه الديانة تفتقر الى شخصيات من لحم ودم حية تجسدت فيها مبادئها كما حدث في الاسلام والمسيحية اسلام محمد ولقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا
2- لذلك بعض كبار نقاد الأدب قالوا: " من معايير عالمية الأدب وعالمية الفِكِر أن يُـحدِثَ أثراً في الآخرين و في العالم " . القرآن احدَثَ هذا أو لم يُحدِث ؟!! بل كل العالم يعرف هذا الكتاب المقدّس .. (قوتيه) الأديب والشاعر والفيلسوف والعَالِم صاحب الأدب العالمي قال في كتابه الشهير في الأدب العالمي < الديوان الشرقي للشاعر الغربي > عن القرآن : " يُقال عن هذا الكتاب مخلوق ام غير مخلوق لستُ أدري، وهذا لا يعنيني، لكن الذي أدريه أنه كتـاب العالم " . كما مَدَح الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارت فائقة .
3- يقول احد هؤلاء المعترضين من أمثال الزميل الربوبي:" أين العالمية في السورة وهي قصة زيد و زينب وحفصة وعائشة .. ؟! " . اقول له: مامعيار العالمية عندك؟ هل تفهم مامعنى العالمية؟!،، يقول ساخرا: " هذا كتاب عالمي يتحدث عن قضايا من هذا القبيل ثم يقول لك هذا كتاب عالمي!".. نحن قرأنا ماتيسر من الآداب كالأدب الياباني الأدب الصيني الأدب الهندي الأدب اللاتيني الأدب الأمريكي الأدب الأوروبي عموما يسمونها "الآداب العالمية" ... وكل شيء منها مُغرِق في محليِّته لكن يُطلَق عليه أدب عالمي ! ..
الأدب رغم طابعه القومي أو المحلي، يمكن ان يرتقي الى العالمية، اذا استطاع أن يعبر هذه الجدران المحلية والإقليمية ليُتاخِم و يُلامس المُشتَرَك الإنساني .. كل الأدباء كل العباقرة الفن والأدب والشعر الكبــار يفعلون هذا بإقتدار، و من هنا عالميّتُه !
4- مثلا لو اعترض علينا معترض بخصوص قصة أبو لهب في القرآن ومما عرفناه قريبا أنه في ( الزِّند أفيستا ) كتاب المجوس ذُكِرَ : "أن قريبا من قرابات النبي فعّالُ للشر يتصدى له اسمه ( انجرا مانيو) " ومعنى هذا الإسم بالضبط هو أبو لهب . حتى تكون علَماً من اعلام النبوة .
Bookmarks