صار الحديث عن هذا الكائن الهلامي مجلبة للسآمة ، ولكن ما يفعل المرء وهو يرى كثيرا من الناس فاغري أفواههم لعلمه المغشوش ودينه المدخول وبضاعته المزجاة ؟ لا أطيل عليكم ، فقد راعني أنه لم يكد يكتب أحد عن هذه الجزئية الخطيرة وهي أنه مرجيء جهمي إلى أبعد حد يبث في قلوب أذنابه عقيدة الإرجاء الغالية ..وإذا جاء ذكر بعض الصحابة تحول إلى خارجي أو رافضي ، وهي مفارقة مبينة عن فساد منطقه واعوجاج ناصيته ..وتراه مع أعداء الملة في غاية اللطف ومع مشايخ الإسلام في غاية العنف ..وهذه صفة المنافقين ...من آخر ما وقفت عليه وهو ما حداني للكتْب : مقطع له ينتقص فيه الشيخ المجاهد وجدي غنيم بأسلوب لا يخلو من القِحة في ازدراء الناس والزهو بنفسه ..ولأي شيء ؟!

لأن الشيخ وجدي يقول عن أعداء الشريعة من اللبراليين والعلمانيين والحداثيين إنهم كفرة-وهل يشك في صحة ما قال الشيخ وجدي أحد ذاق طعم التوحيد قط ؟!- ..وهذا ما أصاب صاحبنا الجهمي بامتعاض شديد اقتضاه أن يخرج عن رسم الوقار الزائف -كعادته -..وجعل يولول و"يردح " على هذه "الخطيئة" التي أوجعته في قلبه وأصابته في مقتل لأسباب معروفة مصورا الشيخ وجدي كأنما هو أحد أسباب انحطاط العالم الإسلامي وما درى المسكين أن ما قاله الشيخ وجدي محل إجماع أئمة المسلمين وأن انحطاط الأمة كان من أعظم أسبابه حقا فشو الإرجاء فيها..وقد أحسن الشيخ الجليل محمد قطب حين أراد تشخيص أمراض الأمة فجعل الإرجاء على رأس الانحراف العقدي . خلاصة ما أبتغي التنبيه عليه : أن الإيمان في العُرف الشرعي بإجماع علماء الإسلام أهل السنة والجماعة : قول وعمل واعتقاد ،، أو اختصرها إن تشأ في ركنين ، فقل: هو قول وعمل ، على أن تجعل القول :قول القلب واللسان ، والعمل :عمل القلب والجوارح ..وأما المرجئة فمراتب شتى كلها أخرجت العمل أو بعض مفهومه عن مسمى الإيمان ، ثم تفاوتوا بعد ذلك في مدى الضلالة ..وغلاتهم من الجهمية يجعلون حقيقة الإيمان الشرعي الذي يحق بموجبه النجاة هو المعرفة والتصديق المجرد وما أشبه ذلك ، وهو مفاد كلام عدنان..يقول الإمام الفضيل بن عياض : (أهل الإرجاء يقولون : الإيمان قول بلا عمل ، وتقول الجهمية : الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل، ويقول أهل السنة : الإيمان المعرفة والقول والعمل )

وقال الإمام أحمد : (الجهمية تقول: إذا عرف ربه بقلبه وإن لم تعمل جوارحه -يعني فهو عندهم مؤمن-) قال الإمام معقبا على عقيدتهم : (وهذا كفر، إبليس قد عرف ربه ، فقال: رب بما أغويتني). فلا تعجب أن تجد عدنان يمدح الجعد بن درهم وله مقطع فيه(أستاذ الجهم بن صفوان الذي تنسب إليه الجهمية) وهو من أجمع السلف على ذمه وبيان زندقته هو وتلميذه الجهم ، وقال غير واحد من الأئمة إن الجعد أخذ عن بيان بن سمعان ، وأخذها بيان عن طالوت ابن أخت لبيد بن أعصم ، عن خاله لبيد ، وأخذها لبيد بن أعصم الساحر الذي سحر الرسول صلى الله عليه وسلم عن يهودي باليمن.

.هذه العقيدة الخطيرة الكفرية من أعظم أسباب تردي الأمة ودخول فئام منها في الشركيات وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، واستسهال الخروج من الملة بدعوى أن الإيمان في القلب لا غير ، مع الوهم أنهم مسلمون ..وهذا بعض السر في تمجيد عدنان إبراهيم وأمثاله لبعض فلاسفة الإلحاد والكفر ونعتهم بصفات شرعية كالإيمان وغيره..وقد أطبق السلف على التحذير من المرجئة على اختلاف مراتبهم في الزيغ ، حتى سماهم سعيد بن جبير يهود القبلة ، وكفّر السلف كلهم الجهميةَ منهم على مقالتهم الغالية في الإرجاء .."وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ، "وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون"