رسالة من القلب إلى كل إنسان ملحد أو ملحدة

أعلم أن قلبك نافر من كل ما هو ديني أو يصلك بالدين شيئا كان أم شخصا، لذا اخترت أحدثك عما هو فطرة فيك كإنسان مفكر و شاعر يحب الفضيلة و يحب الخير و الجمال و الحقيقة.

لابد أنك لا تنكر على نفسك شيئا من ذلك، و لا تنكرينه، كما أنك لا تناقش أحدا أو تحب أن يناقشك أحد في حبك للزهرة و الطفل و السماء الزرقاء و البحر و الطير و النسمات و حلو الكلام و الطعام ...

أنت تحب ذلك بمقتضى فطرتك و من خالص كيانك .. و من أعماق قلبك أو لنقل دماغك ... كما تحب أمك .. أباك .. بنتك .. ولدك ... صديقك ....

لكن هل قلت يوما : لماذا أنا ملحد أنكر وجودا أسمى من وجودي، أنكر وجود الواهب لكل هذه النعم ؟

لا لا هذا سيفضي بنا سويا إلى الحديث عن الدين و الإيمان و الإسلام و الصلاة و و إلخ

نعم ستقول دعنا من هذا رجاء

فأقول لك : من موقعك كإنسان، و أنت لم تختر هذا الموقع طبعا بمشيئتك، هل كنت ستختار موقعا آخر غير موقعك ؟

و لنفرض أجبت بنعم، كان هذا ليبدو مستحيلا، مستحيلا عليك بطبيعتك و على طبيعتك كمخلوق،

و لنفرض أن ذلك لم يكن مستحيلا، لا بد أنك ستختار أن تعيش في موقع أفضل بكثير، بحيث تحظى بحياة أطول، و في عافية أبدا عندك كل ما تحب و من تحب !

سأسألك الآن لو وُجدنا في حياة بهذا الكمال و هذه المثالية، ما الذي كنا سنطلبه أكثر ؟

ستقول : إنني لست واقعيا كفاية، و أني أسبح في خيالات

أقول بلى زميلي، بلى زميلتي، فبحكم ما عشناه و ما عرفناه نطمح لما هو أعلى و أكمل و أسمى، و هذا من الفطرة التي فُطرنا عليها بغير هوانا ...

فلماذا لا يكون الله و ما عنده هو غاية ما نبتغيه من هذا الوجود ؟

ستقول إن إله الإسلام متطلب، لا يريد سوى التسلط و التجبر على عباده و معاقبتهم على كل خطيئة ...

فأقول لك :

إذا كان الله قد منحك كل شيء يلزمك للحياة و البقاء فهل تظن أنه سيسألك شيئا من نفسك لا تقدر عليه أو شيئا ينتفع به هو ؟

سأقول لك ماذا أراد الله من وجودك – لا أكثر - في هذا العمر القصير الذي لا يتعدى عقودا ..

أن تعلم أنه هو الذي أوجدك من عدم، و أوجدك ، و قد كنت لا شيء، و أن كل ما تستمتع به الآن من عقل يفكر و إحساس و شعور و نعيم و جمال هو أعطاك إياه فتشكره بلسانك ... لا تشكر غيره إلا عرفانا بمقدار الجميل الذي تراه منه.

أن تعبده بقلبك و جوارحك ما استطعت بفضائل الأعمال و تطهر قلبك و لسانك ما استطعت من الأذى ... فتعرف حقه و حقوق عباده و مخلوقاته جميعا، هذا ببساطة هو الإسلام.

و هناك ستدرك و ستدركين حين تصفو نفسك بالإيمان أن الله يحوطك بعنايته، يدعوك إلى جنة حقيقية و سعادة فعلية لامتناهية .. يضمنها لك بمقتضى كمال قدرته إذ خلق كل شيء من عدم، بما في ذلك موقعك كإنسان طامح إلى وجود أسمى و حياة أفضل.


أدعوك لقراءة هاته الكلمات المختارة بتدبر و سعة صدر :


''نعم الله سبحانه يجدها العبد في كل شيء يراه ويلمسه، ويسمعه، ويحسه ويذوقه ويشمه، في لسانه وبيانه وجنانه وأركانه، في عينيه وأذنيه، ويديه ورجليه، في بصره وسمعه ونطقه وفكره وفؤاده، ومعرفته مواهبه، في قوته ومقدرته، وذكائه ونبوغه وإدراكه، في غذائه وكسائه، وشرابه ومركوبه وسكنه وفراشه، في أهله وولده وزوجته وأقاربه وأصحابه، في يقظته ونومه، ووقوفه وقعوده، ومشيه وذهابه وغيابه، وعمله وصناعته ومهنته ومزاولته لكل شيء.
نعم الله في الماء والهواء، والغذاء والضياء، في المال والجمال والعيال، والحشم والخدم، والأحفاد والذرية، عين بصيرة، وأذن سميعة، وعقل مفكر، وقلب واع، ويد باطشة، ورِجْل ماشية، ولسان ناطق، وصورة حسنة، وتركيب جميل، تناسق في البنية، صوَّركم فأحسن صوركم، رأس قائم، ويد ممتدة، وساعد قوي، وجفن يرمش، وعين تتحرك، وأنف قائم، وأسنان مرصوصة، وشفتان لينتان، وأصابع بديعة الصنع، ماء في العينين مالح لغسلها من الأوساخ، ولعاب في الفم سائغ لتسهيل المضغ، وسائل مخاطي في الأنف لحبس الأدران، وصمغ لين في الأذن لحجب الداخل إليها. سبحان الخالق ملأ بطنك بالطعام، ورئتك بالهواء، ورأسك بالمعرفة.
خلقك ورزقك، أحياك وأماتك، حباك وأعطاك، أمرضك وشفاك، أجاعك وأشبعك، أظمأك وسقاك، أضحكك وأبكاك، علمك ما لم تكن تعلم، وعرفك ما كنت تجهل، أقامك وأقعدك، أنامك وأيقظك، حسّن خلقك، هيأ رزقك، سهل طريقك، أجاب دعاك، لبى نداك، وأجاب مسألتك، قهر عدوك، أرسل لك رسولاً وعلمك كتاباً وهداك منهجاً، وبعد هذا تقول أين الله!!؟ بل أين أنت منه يا مسكين؟! أوجدك من العدم ثمّ شككت في وجوده!
وأعطاك بلا حق لك عنده ثمّ أنكرت حقوقه!
وحباك بلا معروف لك لديه ثمّ جحدت معروفه!
من مشاش رأسك إلى أخمص قدميك، قد غمرك إحسانه وجميله وعطاؤه ومعروفه وتفضله فهل شكرت؟ هل آمنت؟ وهل عبدت؟

لقد بيّن سبحانه أن ما بنا من نعمة فمنه وحده، قال جل في علاه: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) (إبراهيم/ 34)، وذكر أنّه هو الخالق الرازق المحيي المميت.
فنعم الله تترى على العبد منذ كان نطفة في بطن أُمّه، ثمّ صور سمعه وبصره ونفخ فيه الروح، ثمّ غذاه وسقاه وكساه وآواه وكفاه، ومن كل ما سأل أعطاه. والله يقول للعبد: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ) (البلد/ 8-10). ويقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر/ 15)، فانظر نعمه سبحانه وتعالى كيف صورك فأحسن صورتك، ومنحك العقل، ورزقك الفهم، وحذرك من الردى، وأرسل لك الرسول، وأنزل عليك الكتاب،
فكل نعمة في قديم أو حديث جلت أو دقت، كبرت أو صغرت، ظهرت أو خفيت فهي من الله وحده ليس إلا. فإنّ العبد قد يستغني عن كل الناس قريبهم وبعيدهم، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، ملكهم ومملوكهم، لكنه لا يستغني عن ربه وخالقه طرفة عين.''