زراعة الأعضاء بعد قطعها في حدٍ أو قصاص :
تصوير المسألة:
إذا قطعت يد شخصٍ إما حداً أو قصاصاً فهل يجوز له إعادتها شرعاً.
قبل البدء في المسألة من الناحية الشرعية نوضحها من الناحية الطبية فنقول:
تقوم هذه المهمة على تهيئة الطرفين الذين يراد وصلهما -طرف العضو المبتور ومكانه- ثم يقوم الطبيب الجراح بتوصيل الأوعية الدموية وخياطة الأعصاب والأوتار.
وليس كل الأعضاء المبتورة يمكن إعادتها إلى موضعها بل ذلك مختص بأعضاء معينة وشروط لابد من توفرها في ذلك العضو المبتور من أهمها عدم تلوثه بصورة تمنع من إعادته وعدم وجود فاصل زمني طويل لأن ذلك يحول دون نجاح عملية الوصل التي تحتاج إلى طراوة الموضع وقرب عهده بحادث البتر.

وهذا البحث متعلق بمن وجب عليه الحد وبالجاني أما المجني عليه فيجوز له إعادة العضو المقطوع منه:
**جواز إعادة المجني عليه للعضو المقطوع والأدلة عليه:
1- أن ذلك متفق مع رفع الحرج الذي جاءت به الشريعة.
2- أنه إذا جاز بتر العضو وإبانته من الجسم عند الحاجة فلأن يجوز ردها عند وجودهما أولى.
**وأما القول بعدم الجواز وهو قول الشافعي وعطاء وسعيد بن المسيب (رحمهم الله) فحجتهم بأن المقطوع صار نجساً بالانفصال فلم تجز إعادته لئلا يؤدي إلى بطلان العبادة . ويجاب عنه بما يلي:
1- أن ما أبين من حي فهو كميتته، وميتة الآدمي طاهرة، فوجب أن يكون ذلك العضو الذي أبين طاهراً، وإذا كان كذلك انتفى ماذكروه من الحكم بنجاسته ومن ثم لم تلزم إبانتها ثانيةً لما سبق، ولما في الإبانة ثانية من الحرج.
2- على فرض نجاسته بالإبانة فإنه بعد إعادته لم يعد مباناً فزال عنه موجب النجاسة، قال ابن العربي (رحمه الله) رداً على قول من احتج بالنجاسة: (وهذا غلط، وقد جهل من خفي عليه أن ردها وعودها بصورتها لا يوجب عودها بحكمها، لأن النجاسة كانت فيها للانفصال، وقد عادت متصلة، وأحكام الشريعة ليست صفةً للأعيان، وإنما هي أحكام تعود إلى قول الله سبحانه فيها وإخباره عنها)
وإذا أعاد المجني عليه العضو المقطوع فإن ذلك لا يسقط القصاص أو الأرش من الجاني عند الجمهور لأن القصاص جزاء للاعتداء الذي حصل بإبانة العضو.

هل تجوز إعادة العضو المقطوع حداً أو قصاصاً:؟
أفوال العلماء السابقين في إعادة العضو بعد القصاص:
1- قال الشافعي في الأم: لا يقتص منه مرةً أخرى وكذا في روضة الطالبين، لأن القصاص حاصلٌ بالإبانة، وإن كان الشافعي يرى تحريم الإعادة لأنه يرى أن العضو المبان نجساً وهذا خلاف مذهب الشافعية فإنهم يرون أن ما أبين من طاهرٍ حال الحياة فهو طاهر.
2- وقال الجمهور: يقتص من الجاني مرةً ثانيةً لو أعاد العضو، جزم به ابن مفلح واختاره البهوتي والمرداوي.
وأما في الحد فلم أجد لهم كلاماً.
أقوال علماء العصر في مسألة إعادة العضو المقطوع في حدٍ أو قصاص:
القول الأول: لا يجوز وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، واختاره جمعٌ من العلماء .
القول الثاني: يجوز إلا أنه يشترط في القصاص رضى المجني عليه، وهو قول الشيخ/ وهبة الزحيلي. ومن العلماء من أجازه في القصاص ومنع منه في الحد.

أدلة القول الأول:
1- أن الله تعالى قال (ولا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين الله) وقال سبحانه (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم) فلا تشرع الرأفة بإعادة ما أبين منه بعد إقامة حد الله _عز وجل_ عليه. كما أن الجزاء لا يتم إلا بالقطع، والنكال لا يتم إلا برؤية اليد المقطوعة. ثم إن هذا الحكم بالقطع يوجب فصلها عن البدن على التأبيد، وفي إعادتها مخالفة لحكم الشرع فلا يجوز فعلها.
2- قوله تعالى (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عاقبتم به) وقوله سبحانه (والجروح قصاص) وإعادة العضو تؤدي إلى عدم المماثلة.
3- من السنة حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) وفيه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال في السارق: اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ؛ والحسم مانع من إعادتها.
وأجيب بأن الحسم شرع رحمةً به لئلا يسري الجرح فيموت فيكون حجةً للقائلين بالجواز.
4- ولحديث فضالة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أتي بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه. فتعليق يد السارق في عنقه حكم شرعي يعتبر من تمام العقوبة والحد وإعادتها توجب تفويت ذلك فلا يجوز فعلها.
5- أن الإعادة مفوتة للحكمة من إيجاب الحد والقصاص وهي الردع والزجر، كما أنها تشجع أهل الإجرام على فعل الجرائم وارتكابها.
6- أن بقاء اليد مقطوعة يذكر الجاني بالعقوبة فيرتدع عن تكرارها.
7- أن إعادتها ليس من حق المقطوع منه بعد أن حكم الشرع بإبانته.
8- أن الله تعالى قد أمر بقطع اليد في الحرابة ثم بقطع الرجل وهذا يعني أن اليد غير موجودة.

أدلة القول الثاني:
1- قياساً على مالو نبتت سن جديدة أو أصبع جديدة بعد القصاص أو الحد فإنها لا تستأصل وليس للمجني عليه قلعها وليس هو في حكم المقطوع كذلك هنا. ونوقش هذا الدليل بأن هذه نعمة متجددة ولم يرد النص بقطعها وهذا بخلاف ما نحن فيه.
2- أنه لا سلطان للحاكم على المحكوم بعد تنفيذ الحد كما لا يحق له منعه من تركيب يدٍ صناعية. ونوقش بأنه قياس مع الفارق لأن العضو المعاد ثبت بالنص إبعاده عن الجسم.
3- أن النص الشرعي أمر بمجرد الحد فيبقى ما عداه على أصل الإباحة الشرعية.
4- أن الأهداف من الحد وهي الزجر والإيلام والتشهير قد تحققت.
5- القياس على نقل الأعضاء من إنسانٍ لإنقاذ آخر فمن باب أولى أن يجوز للإنسان أن يعيد ما قطع من أعضائه.
6- أن في الإعادة مصلحة ضرورية لصاحبها ولا تتصادم مع نصٍ شرعي.
7- أن حقوق الله تعالى مبنية على الدرء والإسقاط والمسامحة خلافاً لحقوق الآدميين.
ومن أدلة القائلين بالجواز في القصاص دون الحد:
نقل عنه في الغزوات إعادة العضو ولم يرد مثله في الحد. فقد نقل أن قتادة بن النعمان سقطت عينه على وجنته يوم أحد فردها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكانت أحسن عينٍ وأحدها. واشتراط الرضا منعاً للثأر، وقياساً للعفو بعد القصاص على العفو قبله.
وقد أصدر مجمع الفقه قراراً برقم (60/9/6) ومما جاء فيه:
بمراعاة مقاصد الشريعة من تطبيق الحد في الزجر والردع والنكال، وإبقاء المراد من العقوبة بدوام أثرها للعبرة والعظة وقطع دابر الجريمة، ونظراً إلى أن إعادة العضو المقطوع تتطلب الفورية في عرف الطب الحديث فلا يكون ذلك إلا بتواطؤ وإعداد طبي خاص ينبيء عن التهاون في جدية إقامة الحد وفاعليته؛ قرر:
1- لا يجوز شرعاً إعادة العضو المقطوع تنفيذاً للحد لأن في بقاء أثر الحد تحقيقاً كاملاً للعقوبة المقررة شرعاً، ومنعاً للتهاون في استيفائها، وتفادياً لمصادمة حكم الشرع في الظاهر.
2- بما أن القصاص قد شرع لإقامة العدل وإنصاف المجني عليه، وصون حق الحياة للمجتمع وتوفير الأمن والاستقرار، فإنه لا يجوز إعادة عضو استؤصل تنفيذاً للقصاص إلا في الحالات التالية:
أ- أن يأذن المجني عليه بعد تنفيذ القصاص بإعادة العضو المقطوع.
ب- أن يكون المجني عليه قد تمكن من إعادة العضو المقطوع منه.
3- يجوز إعادة العضو الذي استؤصل في حدٍ أو قصاص بسبب خطأ في الحكم أو في التنفيذ.
وقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة قراراً برقم (136) بشأن إعادة العضو المقطوع في الحدود والتعزيرات ومما جاء فيه: قرر المجلس بالإجماع أنه لا يجوز إعادة اليد المقطوعة في حدٍ إلى صاحبها، لأن المقصود من القطع الزجر والردع لا الإيلام فقط.
الترجيح:
ترجيح أحد القولين مبني على معرفة المقصود بالحد فإن كان هو إيلام الجاني فهذا متحقق بمجرد القطع وإن كان المقصود تفويت عضو بالكلية فإعادته منافٍ لمقصود الشارع وكلا الأمرين محتمل ومما يؤيد الثاني ما ورد من الحسم والتعليق لكنه ليس مأموراً به في كل الأحوال، ثم إنه ليس المراد بالحسم منعه من إعادة العضو المقطوع بل المراد تخفيف الدم وقطع الألم عنه فهو من باب الرحمة فقد يكون حجةً للقول بالجواز لكن يبقى في القول بالإباحة ما يشجع أهل الإجرام على الاستهانة بالعقوبة والله أعلم .

المصدر مدونتي عبر الشبكة ,,