الطعن في أحاديث عذاب القبر ونعيمه ...

(لا عذاب في القبر) جواد عفانة، جمعية عمال المطابع التعاونية، الأردن، ط1، 1421هـ/ 2000م. (الحق أبلج والباطل لجلج) جواد عفانة، دار جواد للنشر، الأردن، ط1، 1427هـ/ 2006م. (دور السنة في إعادة بناء الأمة) جواد عفانة، جمعية عمال المطابع التعاونية، الأردن، ط1، 1419هـ/ 1999م، (الإسلام وصياح الديك) جواد عفانة، دار جواد، الأردن، ط1، 1427هـ/ 2006م.

نقلا عن شبكة : بيان الإسلام للرد على الشبهات من الرابط التالي :
http://www.bayanelislam.net/Suspicio...type=#_ednref1
-------------------

مضمون الشبهة:
يطعن منكرو السنة في صحة أحاديث عذاب القبر، ويقولون: إنها خرافة لم تظهر إلا في نهاية القرن الثاني الهجري في حديثين عند مالك، ثم ظهرت واضحة عند البخاري ومسلم في القرن الثالث الهجري، ولم ينته القرن الخامس حتى نشر البيهقي كتابه (إثبات عذاب القبر).
ويستدلون على ذلك بأن هذه الأحاديث تعارض القرآن والعقل، فضلا عن تعارضها فيما بينها.
كما يستدلون على ذلك بقوله تعالى: )قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل (11)( (غافر) ويقولون: لو كان الميت يحيا في قبره للزم أن يحيا ثلاث مرات ويموت ثلاثا، وهذا خلاف النص، ويعارض قوله تعالى: )وإنما توفون أجوركم يوم القيامة( (آل عمران:185) فكل يحاسب يوم القيامة وفقط، وقوله: )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة( (إبراهيم: 27(، فالقول الثابت للأحياء في الدنيا أو يوم القيامة، وليس هناك دليل على أنه في القبر، وهذه الآيات في جملتها تنفي وجود عذاب في القبر.
ومن الأحاديث التي يستدلون بها، ويقولون: إنها ناسخة لأحاديث عذاب القبر ومتعارضة معها - قوله صلى الله عليه وسلم: «لا عذاب دون يوم القيامة»، كما أنها أخبار آحاد لا يؤخذ بها في العقائد، ورجالها ضعفاء.
ومن الأدلة العقلية التي يوردونها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر، وعذاب القبر غيب لم يطلع عليه بشر، فكيف يخبر النبي أصحابه بهذه الأمور، ولو كان عذاب القبر له أصل لرأى النباش في القبور آثارا للعقاب على الميت، فيشاهد عليه أثر الضرب أو ضم الأضلاع واختلافها، وكيف يكون هناك ميتان بجوار بعضهما أحدهما يعذب والآخر ينعم؟ وهل كل ميت يعذب، أم أن العذاب واقع على المقبور فقط؟ وكيف تتسع الأرض وتضيق، وقد أخبر الله أنها هامدة؟ فما القبر إلا موضع ليواري سوأة الميت.
رامين من وراء ذلك إلى إنكار عذاب القبر ونعيمه، ومن ثم الطعن في السنة النبوية.

وجوه إبطال الشبهة:
1) لقد جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تثبت حقيقة عذاب القبر ونعيمه، وقد فسرها العلماء بما يفيد أن هناك حياة برزخية لها أحكامها الخاصة بها، وأنها فيها امتحان وسؤال وجزاء، فمن ثبته الله جازاه بالنعيم في القبر، ومن كان غير ذلك بقي في العذاب إلى يوم القيامة بما لا يعارض الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا المعنى.
2) الأحاديث الواردة في عذاب القبر ونعيمه أحاديث صحيحة متواترة، غير منسوخة، ومن خلالها أجمع العلماء قديما وحديثا على ثبوت عذاب القبر ونعيمه، ولم ينكر ذلك إلا جاحد لا يؤمن بالغيب، ولا يسلم لله ورسوله.
3) إن الشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، وعليه فإن العقل الصريح لا ينكر عذاب القبر ونعيمه بدعوى أنه غير محسوس؛ ذلك لأن حياة البرزخ من الغيبيات التي يجب الإيمان بها مطلقا دون اعتراض، وقد أعطانا الله صورة محسوسة لذلك، وهي صورة النائم الحالم.
-------------

التفصيل:
أولا. إثبات القرآن حقيقة عذاب القبر بما لا يعارض الاحاديث الواردة في هذا الشأن:
إن عقيدة أهل السنة والجماعة قائمة على الإيمان بالله - عز وجل - وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، والقبر من الحقائق والغيبيات التي تتعلق بركن اليوم الآخر، فلابد لكل مؤمن بالله - عز وجل - أن يؤمن بحقيقة القبر وما يحدث فيه من عذاب ونعيم؛ فالمنكر لعذاب القبر ونعيمه منكر لجزء من أركان الإيمان بالله تعالى، والإيمان بالغيب من أول الصفات التي امتدح الله - عز وجل - بها عباده المؤمنين فقال: )الم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2) الذين يؤمنون بالغيب( (البقرة).
ولقد أثبت القرآن الكريم حقيقة عذاب القبر ونعيمه بما يتفق مع ما جاءت به السنة النبوية في هذا المعنى دون تعارض أو اختلاف؛ فقد جاءت آيات عديدة في هذا الشأن، ثم بينها ووضحها المفسرون على أنها تثبت عذاب القبر وتؤكده، ومن هذه الآيات:
----
· قوله تعالى: )كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (185)( (آل عمران).
يقول الألوسي رحمه الله: ")وإنما توفون أجوركم( (آل عمران: 185) أي: تعطون أجزية أعمالكم وافية تامة، )يوم القيامة( (آل عمران: 185) أي: وقت قيامكم من القبور، فالقيامة مصدر والوحدة لقيامهم دفعة واحدة، وفي لفظ التوفية إشارة إلى أن بعض أجورهم من خير أو شر تصل إليهم قبل ذلك اليوم...وقيل: النكتة في ذلك أنه قد يقع الجزاء ببعض الأعمال في الدنيا، ولعل من ينكر عذاب القبر تتعين عنده هذه النكتة"[1].
ويقول البقاعي رحمه الله: " )وإنما توفون( أي: تعطون )أجوركم( على التمام جزاء على ما عملتموه من خير وشر )يوم القيامة(، وأما ما يكون قبل ذلك من نعيم القبر ونحوه فبعض لا وفاء"[2].
ويقول الزمخشري: "كلمة التوفية تزيل الوهم، لأن المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم، وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور[3].
ويقول السعدي رحمه الله: " )وإنما توفون أجوركم يوم القيامة( (آل عمران: 185)، أي توفية الأعمال التامة، إنما يكون يوم القيامة، وأما ما دون ذلك فيكون في البرزخ"[4].
وهذه الآية قد احتج بها الطاعنون على أنه لا عذاب في القبر، وقالوا: إن توفية الأجور يوم القيامة وفقط، والكل يحاسب يوم القيامة، وقد رد المفسرون بالكلام السابق على هذا الطعن، وأوضحوا أن هناك عذابا في القبر، وهو جزء من العذاب الأوفى والأكبر يوم القيامة.
----
· قوله تعالى: )ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون (93)( (الأنعام)، "وهذا خطاب لهم عند الموت، وقد أخبرت الملائكة - وهم الصادقون - أنهم حينئذ يجزون عذاب الهون، ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا لما صح أن يقال لهم: )اليوم تجزون("[5] فدل ذلك على أن المراد به عذاب القبر، وفي هذا يقول الشيخ صديق حسن: ")اليوم(؛ أي: اليوم الذي تقبض فيه أرواحكم، أو أرادوا باليوم: الوقت الذي يعذبون فيه الذي مبدؤه عذاب القبر"[6].
وقد استهل الإمام البخاري الحديث عن عذاب القبر بترجمة فقهية بليغة تكفي للرد على من أنكر عذاب القبر، وقد أسمى هذه المقدمة "باب ما جاء في عذاب القبر، وقوله تعالى: )ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون( (الأنعام: 93) هو الهوان، والهون: الرق. وقوله جل ذكره: )سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم (101)( (التوبة)، وقوله تعالى: )وحاق بآل فرعون سوء العذاب (45) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب (46)( (غافر)"[7].
يقول ابن حجر - رحمه الله - تعليقا على تبويب البخاري: "قوله: (وقوله تعالى) بالجر عطفا على عذاب القبر، أي ما ورد في تفسير الآيات المذكورة، وكأن المصنف قدم ذكر هذه الآيات لينبه على ثبوت ذكره في القرآن، خلافا لمن رده، وزعم أنه لم يرد ذكره إلا من أخبار الآحاد، فأما الآية التي في الأنعام، فروى الطبراني وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: )ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم( (الأنعام: 93)، قال: هذا عند الموت، والبسط: الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم. ويشهد له قوله تعالى في سورة القتال: )فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (27)( (محمد)، وهذا وإن كان قبل الدفن فهو من جملة العذاب الواقع قبل يوم القيامة، وإنما أضيف العذاب إلى القبر لكون معظمه يقع فيه، ولكون الغالب على الموتى أن يقبروا، وإلا فالكافر ومن شاء الله تعذيبه من العصاة يعذب بعد موته ولو لم يدفن، ولكن ذلك محجوب عن الخلق إلا من شاء الله"[8].
----
· قوله تعالى: )وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم (101)( (التوبة).
اتفق المفسرون قديما وحديثا في تفسير هذه الآية على أن العذاب الأول في الدنيا، بالحدود أو الجوع، والعذاب الثاني هو عذاب القبر، ومن ذلك ما أورده الإمام الطبري - رحمه الله - من آثار في تفسير هذه الآية، ومنها قوله: "وقوله: )سنعذبهم مرتين(، يقول: سنعذب هؤلاء المنافقين مرتين، إحداهما في الدنيا، والأخرى في القبر"[9].
وقال آخرون: بالحدود وعذاب القبر، وقال غيرهم: بالجوع وعذاب القبر.
"قال مجاهد في قوله: )سنعذبهم مرتين(: يعني القتل والسبي، وقال في رواية: بالجوع وعذاب القبر، ثم يردون إلى عذاب عظيم، وقال ابن جريج: عذاب الدنيا وعذاب القبر. وقال الحسن البصري: عذاب في الدنيا وعذاب في القبر[10].
وقال ابن إسحاق: هو ما يدخل عليهم من غيظ الإسلام، ودخولهم فيه من غير حسبة، ثم عذاب القبر[11].
فاختلفوا بذلك في عذاب المرة الأولى، ولكنهم اتفقوا على أن عذاب المرة الثانية هو عذاب القبر.
----
· قوله تعالى: )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء (27)( (إبراهيم).
روى الإمام الطبري - رحمه الله - بسنده إلى البراء بن عازب في قوله تعالى: )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا( (إبراهيم:27)، قال: "التثبيت في الحياة إذا أتاه الملكان في القبر فقالا له: من ربك؟ فقال: ربي الله، فقالا له: ما دينك؟ قال: ديني الإسلام، فقالا له: من نبيك؟ قال: نبيي محمد - صلى الله عليه وسلم - فذلك التثبيت في الحياة الدنيا"[12].
ويقول القرطبي رحمه الله: "روى النسائي عن البراء قال: )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة( (إبراهيم: 27)، نزلت في عذاب القبر... وقيل: يثبتهم الله في الدارين جزاء لهم على القول الثابت، وقال القفال وجماعة: )في الحياة الدنيا(؛ أي في القبر؛ لأن الموتى في الدنيا إلى أن يبعثوا، )وفي الآخرة( أي عند الحساب"[13].
وعلى هذا فلا يحق الاعتراض بأن الآية لم يأت فيها لفظ القبر، وقد فسرها المفسرون بأن عذاب القبر ورد فيها ضمنا.
----
· قوله تعالى: )ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (124)( (طه).
روى الإمام الطبري - رحمه الله - بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال في قول الله تعالى: )معيشة ضنكا( قال: عذاب القبر.
وروى عنه - أيضا - أنه قال في تفسيرها: يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، وقال أيضا: المعيشة الضنك: عذاب القبر، إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتخدش لحمه حتى يبعث، وكان يقال: لو أن تنينا منها نفخ الأرض لم تنبت زرعا[14].
----
· قوله تعالى: )ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون (21)( (السجدة).
روى الطبري - رحمه الله - بسنده عن مجاهد في هذه الآية، أنه قال: "الأدنى في القبور وعذاب الدنيا"[15].
"وقال البراء بن عازب ومجاهد وأبو عبيدة: يعني به عذاب القبر"[16] ويقول السعدي رحمه الله: "وهذه الآية من الأدلة على إثبات عذاب القبر، ودلالتها ظاهرة، فإنه قال: )ولنذيقنهم من العذاب( (السجدة: 21)؛ أي: بعض وجزء منه، فدل على أن ثم عذابا أدنى قبل العذاب الأكبر وهو عذاب النار[17].
----
· قوله تعالى: )قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل (11)( (غافر)، وقوله تعالى: )كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (28)( (البقرة).
روى الطبري - رحمه الله - بسنده إلى السدي في قوله: )أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين( (غافر:11)، "قال: أميتوا في الدنيا، ثم أحيوا في قبورهم، فسئلوا أو خوطبوا، ثم أميتوا في قبورهم، ثم أحيوا في الآخرة"[18].
وما قاله ابن كثير والبغوي وغيرهما من المفسرين - رحمهم الله - هو عين ما قاله الطبري - رحمه الله، والآيتان متشابهتان، كما قال ابن عباس وقتادة والضحاك.
ويروي الطبري أيضا في تفسير آية البقرة بسنده إلى أبي صالح أنه قال: "يحييكم في القبر ثم يميتكم"[19].
ولقد طعن بعض المشككين في عذاب القبر مستدلين بهاتين الآيتين وقالوا: لو كان الإنسان يحيا في قبره للزم أن يحيا ثلاث مرات، ويموت ثلاثا، وهذا خلاف النص.
والحق أن هذا الطعن مردود بلا شك، ويؤيد ذلك ما أورده الطبري - رحمه الله - بسنده إلى ابن عباس في تفسير آية البقرة قال: "كنتم ترابا قبل أن يخلقكم، فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم، فهذه إحياءة، ثم يميتكم، فترجعون إلى القبور، فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه إحياءة، فهما ميتتان وحياتان"[20].
وكذلك ما أورده الطبري بسنده إلى قتادة في هذه الآية، قال: "كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم، فأحياهم الله وخلقهم، ثم أماتهم الموتة التي لابد منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما حياتان وموتتان"[21].
والذي يقرأ كلام الطبري - رحمه الله - الذي رواه عن السدي، يظن أن هناك حياة ثالثة وموتة ثالثة، مع أنه يقول: إنما هما حياتان وموتتان، وقد فصل ابن حجر هذا التعارض والإشكال وأوضحه بقوله: "إن المراد بالحياة في القبر للمسألة ليست الحياة المستقرة المعهودة في الدنيا التي تقوم فيها الروح بالبدن وتدبيره وتصرفه، وتحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء، بل هي مجرد إعادة لفائدة الامتحان الذي وردت به الأحاديث الصحيحة، فهي إعادة عارضة، كما حيي خلق لكثير من الأنبياء لمسألتهم لهم عن أشياء ثم عادوا موتى"[22].
فحياة القبور وما فيها من نعيم أو عذاب تختلف عن حياة الدنيا وحياة الآخرة، فهي حياة برزخية لا طاقة للعقل في إدراكها، ولا يمكنه أن يصل إلى كيفيتها، وإنما يتوقف الإيمان بهذه الحياة على النصوص الواردة، قال تعالى: )ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون (100)( (المؤمنون).
----
· قوله تعالى: )النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب (46)( (غافر).
إن هذه الآية لهي أعظم دليل على عذاب القبر ونعيمه، ولا يظنن ظان أن هذه الآية خاصة بآل فرعون فقط، وإنما هي لعموم من كتب عليه العذاب في القبر، ويقول ابن مسعود: أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود يعرضون على النار كل يوم مرتين، تغدو وتروح إلى النار، ويقال: يا آل فرعون هذه منازلكم حتى تقوم الساعة[23].
يقول القرطبي - رحمه الله: "والجمهور على أن هذا العرض في البرزخ، واحتج بعض أهل العلم في تثبيت عذاب القبر بقوله: )النار يعرضون عليها غدوا وعشيا( (غافر:46) ما دامت الدنيا. كذلك قال مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب، كلهم قال: هذه الآية تدل على عذاب القبر في الدنيا؛ ألا تراه يقول عن عذاب الآخرة: )ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب (46)( (غافر)؟"[24].
----
· قوله تعالى: )فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون (45) يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون (46) وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون (47)( (الطور).
يقول الإمام الطبري - رحمه الله: "حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء: )عذابا دون ذلك( (الطور: 47)، قال: عذاب القبر، وقال حدثني علي بسنده إلى ابن عباس: وقوله: )وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك( (الطور:47)، يقول: عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة، وعن قتادة أن ابن عباس كان يقول: إنكم لتجدون عذاب القبر في كتاب الله: )وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك( (الطور:47)"[25].
----
· قوله تعالى: )مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا( (نوح: 25)، والفاء تدل في اللغة العربية على الترتيب والتعقيب، أو تدل على السرعة، فدخول النار في الآية عقب الغرق مباشرة، ويكون في البرزخ وليس في يوم القيامة[26].
ويقول الشيخ صديق حسن خان في تفسيرها: "قيل: عذاب القبر، وعلى هذا هو على بابه، كقوله في آل فرعون: )النار يعرضون عليها غدوا وعشيا( (غافر: 46)"[27].
----
· قوله تعالى: )ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون (154)( (البقرة)، وقوله تعالى: )ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169)( (آل عمران).
وهذه الآية دليل على أن الشهداء يحيون حياة برزخية في قبورهم، ولكن هذا ليس خاصا بالشهداء فقط دون غيرهم، ودليل ذلك ما أورده الإمام الطبري - رحمه الله: "فإن قال لنا قائل: وما في قوله: )ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء( (البقرة:154) من خصوصية الخبر عن المقتول في سبيل الله الذي لم يعم به غيره، وقد علمت تظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه وصف حال المؤمنين والكافرين بعد وفاتهم، فأخبر عن المؤمنين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى الجنة يشمون منها روحها، ويستعجلون الله قيام الساعة، ليصيروا إلى مساكنهم منها، ويجمع بينهم وبين أهاليهم وأولادهم فيها، وعن الكافرين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى النار ينظرون إليها، ويصيبهم من نتنها ومكروهها، ويسلط عليهم فيها إلى قيام الساعة من يقمعهم فيها، ويسألون الله فيها تأخير قيام الساعة، حذرا من المصير إلى ما أعد الله لهم فيها، مع أشباه ذلك من الأخبار، وإذا كانت الأخبار بذلك متظاهرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما الذي خص به القتيل في سبيل الله، مما لم يعم به سائر البشر غيره من الحياة؟ وسائر الكفار والمؤمنين غيره أحياء في البرزخ، أما الكفار فمعذبون بالمعيشة الضنك، وأما المؤمنون فمنعمون بالروح والريحان ونسيم الجنان"[28].
إن كلام الإمام الطبري - رحمه الله - ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إقرار ورد وسؤال، أما الإقرار فهو أن عذاب القبر واقع لكل كافر، ونعيمه واقع لكل مؤمن، وهذا لا شك فيه، وقد أثبتناه بأدلة الكتاب السابقة، وسنثبته - إن شاء الله تعالى - بأدلة السنة النبوية والأدلة العقلية.
أما الرد فكان على من ظن أن الحياة البرزخية في القبور مقصورة على الشهداء فقط، وأما السؤال فهو عن المزية التي اختص الله بها الشهداء، وقد قلنا أن الحياة البرزخية في القبر تكون للمؤمنين والكافرين.
وقد أجاب الإمام - رحمه الله - عن هذا السؤال بقوله: "إن الذي خص الله به الشهداء في ذلك، وأفاد المؤمنين بخبره عنهم - تعالى ذكره - إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في برزخهم قبل بعثهم، ومنعمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر، من لذيذ مطاعمها الذي لم يطعمها الله أحدا غيرهم في برزخه قبل بعثه، فذلك هو الفضيلة التي فضلهم بها وخصهم بها عن غيرهم، والفائدة التي أفاد المؤمنين بالخبر عنهم، فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: )ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما آتاهم الله من فضله( (آل عمران)[29].
وقد جاءت عدة آثار من آيات قرآنية وأحاديث نبوية تثبت فضل هؤلاء الشهداء ودرجتهم ومنزلتهم عند الله عز وجل.
وخلاصة القول: أن عذاب القبر ونعيمه، ثابتان بنصوص القرآن الكريم الصريحة في هذا الشأن، وهذا ما أكدت عليه السنة النبوية ووافقته دون اختلاف أو تعارض، كما سيأتي بيانه، ولا مجال للطعن في هذه الحقائق الغيبية.
-----------------------

ثانيا. أحاديث القبر - عذابه ونعيمه - أحاديث صحيحة متواترة غير منسوخة:
إن ما قيل بأن أحاديث عذاب القبر خرافات وخزعبلات لهو قول باطل ومردود وليس عليه أي دليل صحيح، وإن ما يسطر من صفحات سوداء في إنكار عذاب القبر لهي سطور مردودة على أصحابها، لأن ما أوردناه من آيات قرآنية دالة على إثبات عذاب القبر فيه الكفاية في هذا الشأن، ولتأييد هذه الأدلة نتبعها بأدلة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
أما عن الأحاديث فهي:

§ ما رواه الإمام البخاري عن حفص بن عمر عن شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أقعد المؤمن في قبره أتي، ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت( (إبراهيم: 27)، حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة بهذا، وزاد: )يثبت الله الذين آمنوا( (إبراهيم: 27)، نزلت في عذاب القبر»[30].
وهذا الحديث خبر آحاد مداره على صحابي واحد هو البراء بن عازب - رضي الله عنه - ومع أنه خبر آحاد إلا أن الإمام البخاري بدأ به ما جاء في عذاب القبر من أحاديث؛ ولذا فقد بدأنا به، ومن المعلوم عندنا أن خبر الآحاد ما دام صحيحا فإنه معمول به في العقائد.
----
§ جاء في الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه مر بقبرين يعذبان، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما، فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة، فشقها بنصفين، ثم غرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ فقال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا»[31].
----
§ وفي صحيح الإمام مسلم عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: «بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في حائط لبني النجار على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به، فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟. فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه...»[32] الحديث.
----
§ وفي الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: "خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وجبت الشمس، فسمع صوتا، فقال: يهود تعذب في قبورها"[33].
----
§ وفي الصحيحين كذلك عن عائشة - رضي الله عنها: «أن يهودية دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة - رضي الله عنها - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر، فقال: نعم، عذاب القبر. قالت عائشة - رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر»، زاد غندر: «عذاب القبر حق»[34].
----
§ وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال»[35].
هذه بعض الأحاديث التي وردت بشأن العذاب في القبر، وهي كلها في غاية الصحة سندا ومتنا، وبها أجمع المحدثون على ثبوت ذلك.
----
§ وقد ذكرت لنا كتب السنة الصحاح حديثا جمع بين فتنة القبر وعذابه ونعيمه معا، فعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: «خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولـما يلحد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا. ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت - عليه السلام - حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان. قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض. قال: فيصعدون بها فلا يمرون - يعني بها - على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة. قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير. فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي. قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح[36]، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: )لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط( (الأعراف:40)، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى؛ فتطرح روحه طرحا، ثم قرأ: )ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق (31)( (الحج)، فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري؛ فينادي مناد من السماء: أن كذب؛ فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابا إلى النار؛ فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر. فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة»[37].
----
§ ومما يدل دلالة واضحة على ما أثبتته الأحاديث السابقة من وجود حياة برزخية منعمة أو معذبة - ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون»[38].
----
§ وقد جاء في حادثة عين أمام الصحابة - رضي الله عنهم - مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - الأموات من الكفار بأسمائهم، فقد روى ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك قتلى بدر ثلاثا، ثم أتاهم، فقام عليهم فناداهم، فقال: يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فسمع عمرـ رضي الله عنه - قول النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله كيف يسمعوا، وأنى يجيبوا وقد جيفوا؟ قال: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا، ثم أمر بهم فسحبوا، فألقوا في قليب بدر»[39].
----
§ وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله»[40].
----
وتلك جملة من الأحاديث ذكرناها للتأكيد على هذه الحقيقة الغيبية التي لا يعلم حقيقتها إلا علام الغيوب، وباستقصاء الأدلة في هذه الحياة البرزخية لم نجد الأدلة فيها مجردة عن التمثيل وإثبات الحقيقة لهذا الأمر، بل وجدنا من الأدلة قرآنا أو سنة أمثلة واضحة تعطينا صورة جلية وحقيقية لهذا الأمر مثل:
· حال أهل فرعون، فقد أخبر القرآن عن حالهم بعد موتهم.
· الميتان اللذان أخبر عنهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنهما يعذبان في القبر.
· موتى المشركين في غزوة بدر.

وبهذه الأدلة كلها أجمع العلماء قديما وحديثا على تواتر أحاديث ثبوت عذاب القبر ونعيمه.
يقول ابن أبي العز الحنفي في شرحه العقيدة الطحاوية: "وقد تواترت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا يتكلم في كيفيته؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد له به في هذا الدار... واعلم أن عذاب القبر وعذاب البرزخ حق، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قبر أو لم يقبر، أكلته السباع أو احترق حتى صار رمادا، ونسف في الهواء، أو صلب أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور، وما ورد من إجلاسه واختلاف أضلاعه ونحو ذلك، فيجب أن يفهم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مراده من غير غلو ولا تقصير"[41].
--------------

وبدليل المخالفة ثبتت أيضا فتنة القبر، وذلك فيما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن يعصمون من فتنة القبر وعذابه؛ فطالما هناك من لا يتعرض لذلك (بالنص)، فهذا النص ذاته دليل على وقوع الفتنة والعذاب على غيره بمفهوم المخالفة، فضلا عما ذكرنا من أحاديث، ومن هؤلاء المعصومين:

§ الشهيد: فقد روى المقدام بن معديكرب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه»[42].
----
§ الذي مات مرابطا في سبيل الله: ففي الحديث عن فضالة بن عبيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنه ينمو عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر»[43].
----
§ الذي يموت بداء البطن: وقد ثبت في حديث يرويه عبد الله بن يسار، قال: «كنت جالسا وسليمان بن صرد وخالد بن عرفطة، فذكروا أن رجلا توفي مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته، فقال أحدهما للآخر: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يقتله بطنه، فلن يعذب في قبره؟ فقال الآخر: بلى»[44]

وهذه الأحاديث أيضا مما تؤكد حقيقة عذاب القبر ونعيمه؛ لأن نفي النبي - صلى الله عليه وسلم - عذاب القبر عن أحد بعينه يثبت لغيره بدليل المخالفة.
ومن خلال تلك الأدلة السابقة قرآنا وسنة أجمع المسلمون على ثبوت عذاب القبر ونعيمه؛ "فكل المسلمين يقولون في صلاتهم: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ولو أن عذاب القبر غير ثابت، ما صح أن يتعوذوا بالله منه، إذ لا تعوذ من أمر ليس موجودا، وهذا يدل على أنهم يؤمنون به"[45].
----------

وإذا قال قائل: هل عذاب القبر أو نعيمه يكون على الروح دون البدن؟

نقول: لقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن العذاب والنعيم يقع على الروح والجسد معا، تنعم الروح وتعذب منفردة عن البدن، وتعذب متصلة بالبدن، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين، كما يكون للروح منفردة عن البدن.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فاعلم أن مذهب سلف الأمة وأئمتها: أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه ولبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا، فيحصل له معها النعيم أو العذاب"[46].
-----------

أما دعوى نسخ أحاديث عذاب القبر ونعيمه بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا عذاب فيما دون يوم القيامة»، فدعوى باطلة، وذلك بنص الحديث نفسه؛ فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها: «أن يهودية كانت تخدمها، فلا تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف إلا قالت لها اليهودية: وقاك الله عذاب القبر. قالت: فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي. فقلت: يا رسول الله هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة؟ قال: لا. وعم ذاك؟ قالت: هذه اليهودية لا نصنع إليها من المعروف شيئا إلا قالت: وقاك الله عذاب القبر، قال: كذبت يهود، وهم على الله - عز وجل - كذب، لا عذاب دون يوم القيامة. قالت: ثم مكث بعد ذاك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار مشتملا بثوبه محمرة عيناه، وهو ينادي بأعلى صوته: أيها الناس، أظلتكم الفتن كقطع الليل المظلم، أيها الناس لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا وضحكتم قليلا، أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر؛ فإن عذاب القبر حق»[47].

في هذا الحديث أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قول اليهودية في عذاب القبر، وذلك قبل أن ينزل عليه شيء في عذاب القبر لأمته، ثم أعلم بذلك في آخر الأمر، فأقرها وأمر الناس بالتعوذ[48]، وقد وردت في البخاري ومسلم روايات تؤكد على استمراره - صلى الله عليه وسلم - على التعوذ من عذاب القبر - بعد أن أوحى الله له بأمره - فمن هذه الروايات ما ورد عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: «... فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر»[49].

وبناء على ما سبق تبين صحة أحاديث عذاب القبر ونعيمه، وثبوت حقيقة ذلك الأمر، لدلالة هذه الأحاديث عليها فهي مخرجة في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة وعليه فرجاله ثقات غير مطعون فيهم، وقد أجمع العلماء على تواتر هذه الأحاديث وثبوت عذاب القبر ونعيمه بالروح والجسد معا.
-------------

ثالثا. التسليم بغيبيات حياة البرزخ من مقتضيات الإيمان بالله تعالى، والعقل لا مجال له في إدراكها:
إن العقل لم يكن في يوم من الأيام حاكما على الشرع والدين، فعقيدة أهل السنة والجماعة مبنية على أصل الاتباع، فالأصل عندنا القرآن والسنة، وصحيح المعقول يوافق صريح المنقول، ومن المستحيل شرعا أن يأتي النقل الصريح بما يخالف العقل الصحيح أبدا، وإن توهم العقل حدوث ذلك.وهذا لن يحدث - فما علينا إلا التسليم بما جاء به الله - عز وجل - في كتابه أو أورده النبي صلى الله عليه وسلم - في سنته.
وقد أوردنا لإثبات عذاب القبر ونعيمه أدلة كافية من القرآن والسنة، ولكن لابد من إيراد الأدلة العقلية، لعل الطاعن في القرآن، أو المنكر للسنة يقتنع بهذه الأدلة إن كان له قلب، وخاصة من أنكر حقيقة عذاب القبر ونعيمه الثابتة في الكتاب والسنة والتي لا مراء فيها، ولا مجال للطعن في صحتها، ومن هذه الأدلة العقلية ما يأتي:

§ أن عذاب القبر ونعيمه غيب، والإيمان بالغيب من الصفات الأساسية للمؤمن، ولقد أخبر الله - عز وجل - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم الغيب فقال - عز وجل - على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: )ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء( (الأعراف: 188)، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم الغيب حقيقة، ولا يعلمه بتفاصيله إلا ما أطلعه الله - عز وجل - عليه؛ فلقد أخبر الله - عز وجل - نبيه صلى الله عليه وسلم - ببعض الأشياء ليعلم بها أمته وينذرهم، فأراه بعض الأشياء الدالة على عذاب القبر، مثل حديث اللذين يعذبان في قبريهما، وسماعه لأهل قليب بدر، وهذه الأشياء من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
----
§ أن إيمان العبد بالله وملائكته واليوم الآخر يستلزم إيمانه بعذاب القبر ونعيمه، وبكل ما يجري فيه، إذ الكل من الغيب فمن آمن ببعض الغيبيات لزمه عقلا الإيمان ببعضها الآخر.
----
§ أن الراقد في القبر مثل النائم، فالنائم يرى من الرؤيا ما يسر له، فيتلذذ بها، وينعم بتأثيرها في نفسه الأمر الذي يـأسف له إن هو استيقظ، كما أنه قد يرى الرؤيا مما يكره فيستاء لها ويغتم، الأمر الذي يجعله يحمد من أيقظه، فهذا النعيم أو العذاب في النوم يجري على الروح حقيقة وتتأثر به وهو غير محسوس، ولا مشاهد لنا، ومع ذلك لا ينكره أحد، فيكف ينكر إذا عذاب القبر أو نعيمه وهو نظيره تماما؟!
----
§ أن الله - عز وجل - قد حجب عنا معرفة ما يحدث للميت؛ شفقة بنا، ورحمة بأهل الميت، حتى لا نترك دفن موتانا، ولا يحدث حرجا لأهل الميت، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه...»[50].
----
§ أن عدم رؤيتنا لما يحصل للميت من عذاب أو نعيم لا يعني عدم وجوده، فقدرة الله - عز وجل - ليس لها حدود، فهو قادر سبحانه على أن يعذب أو ينعم من مات محروقا، أو مات مأكولا، فالله لا يعجزه شيء، وهو على كل شيء قدير، وعلى هذا فالعذاب للمقبور وغير المقبور.
----
§ أن للتعذيب - بصفة عامة - الآن أنواعا أخرى لا تترك آثارا في الجسد، كالتعذيب الكهربائي مثلا، أو التعذيب النفسي، فليس شرطا في التعذيب أن يظهر على الميت أثر لاختلاف الأضلاع أو ضم القبر، ولسنا في حاجة إلى دليل على قدرة الله عز وجل.
----
§ إن ما استدلوا به من أدلة عقلية على إنكار عذاب القبر يعد إقحاما منهم للعقل في أمر لا طاقة له به، ولا مدخل له فيه، لأن عذاب القبر ونعيمه أمر غيبي لا عهد للعقول به في هذه الدار، ولا يمكنها أن تصل إلى كيفيته، وإنما يتوقف الإيمان فيه على النصوص الواردة، وإن كان العقل لا يمنع وقوعه، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول: ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول[51].
----
§ إذا ما عرف الإنسان هذا العالم الروحاني الذي هو فوق الحواس، ووراء المادة سهل عليه الجواب عن الإشكالات على عذاب القبر ونعيمه، وعلم أن موت هذا الجسم الترابي ليس بمانع أن تعذب الروح أو تنعم، وأن تسعد وتشقى، وإن لم ير ذلك، كما لا يرى الروح نفسها، وأنه إذا لم يبصر هذا العذاب والنعيم فليس دليلا على فقدهما في الواقع، كما أنه لا يرى الأرواح ذاتها، ولم يكن ذلك دليلا على عدمها، وكما لم يعد عدم رؤيته لعقله وفهمه وشعوره وإدراكه ورضاه وغضبه، وسائر انفعالاته دليلا على فقدان هذه الأمور في أنفسها، ومن ظن عدم إحساس الأمر برهانا على عدم الأمر نفسه قال: إن هذه غير موجودة لأنها غير محسة، وهذا خلاف إجماع العقلاء[52].
----
§ ليس كل ما لا يحس بأحد الحواس غير موجود، فمثلا الميكروبات لا ترى إلا بالميكروسكوب، وكذلك النطفة المنوية مملوءة بالحيوانات الحية المتحركة، ونحن لا نحس ذلك ولا نبصره، ويقررون أنها تعذب وتنعم، وتموت وتقتل، وتمشي وتروح وتجيء، ولا نرى من ذلك شيئا، فلا غرابة في عذاب القبر وإن لم نره[53].
----
§ أن علماء النبات قد حققوا أن للنبات شعورا بالآلام وبالموت، فما لنا ننكر مثله للأموات أو للأرواح التي انتقلت من دار إلى دار؟! وإن النائم الذاهب في النوم إلى حد الهمود قد يكون في جسمه وفي لحمه ودمه من الحيوانات والأمراض، ما يمزق لحمه، ويمتص دمه، وينخر عظامه، وما قلنا: إن هذا باطل لأننا لا نحسه ولا نراه، وإن النائم أيضا قد يجد أشد الآلام، ويعاني العذاب الشديد وهو نائم ساكن، ونحن لم نر من ذلك شيئا، وقد يرى أنه يضرب ويعذب فيقوم فزعا، وقد يجد في بدنه مواقع الضرب والآلام، وما أنكرنا شيئا منه؛ لأننا لم نبصره، بل قد يكون الإنسان في أشد العذاب في نفسه وجسمه، وهو جالس أمامنا كأنه ليس به شيء، وكأنه لا يحس شيئا[54].
----
§ "لنفرض أن الله لم يخلق للإنسان حاسة السمع فلم يسمع مسموعا، فهل يكون فقداننا للمسموعات دليلا على عدمها، وعلى أنها غير موجودة؟ اللهم لا. وهل الأصم ينكر وجود الأصوات؟ إن إنكار الأصم للأصوات؛ لأنه لم يسمعها كإنكار هؤلاء عذاب القبر لأنهم لم يحسوه، ولم يروه، أو لنفرض أن النوع الإنساني خلق فاقد الحواس الخمس، فلم يحس شيئا من الموجودات، لا سمعيا، ولا مرئيا، ولا مطعوما، ولا ملموسا، ولا مشموما، فهل تكون هذه الأشياء غير موجودة؛ لأنه لم يحسها بحواسه الخمس؟! وهل يكون فقده لحواسه دليلا على فقد ما يدرك بها؟! اللهم لا، إذا لا يكون عدم إحساس هؤلاء لعذاب القبر دليلا على فقده في الواقع"[55].
-------------

وبهذه الأدلة العقلية يتضح أن الإنسان لا يعرف ما في القبور إلا إذا دخلها - يعرف هل فيها نعيم أو جحيم - وما ورد من السؤال في القبر، والاختلاف للأضلاع، والضغطة للميت، كل ذلك حق يجب الإيمان به، ولو لم يدفن الإنسان في القبر، ولو نسفته الريح وأكلته السباع والحيتان، فإن الله يجمعه، وينال جسده من العذاب أو من النعيم ما يناله صاحب القبر، يجب أن يفهم هذا كله على مراد الله ومراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير غلو ولا تقصير.
-------------

· إمكانية وقوع عذاب القبر ونعيمه حسيا:
بعد أن ذكرنا أدلة عقلية على ثبوت فتنة القبر، وأن ذلك لا يتعارض مع قوانين مصداقية العقل البشري القاصر عن إدراك ذاته، فضلا عن إدراك غيبيات لم يكشف عن علمها وحسها عبقري أو عالم له في عالم المادة يد طولى.
لكن مع ذلك فقد كشف الحس، والواقع المشاهد عن أشياء هي لصاحب العقل المفكر دليل على كل غيب ديني له خبر في القرآن أو السنة، وليس له إحساس مادي.
فمثلا نحن اليوم علمنا من أسرار الكون ما كانت أسماعنا وأبصارنا عاجزة عن سماعه ورؤيته.

§ فالموجات الصوتية المنبعثة والمنتشرة في جميع أجواء الأرض لا نراها بأعيننا، ولا نسمعها بآذاننا، ولا نمسها بأيدينا، ولا نتذوقها بألسنتنا، ولا نشمها بأنوفنا، ولا يستطيع كتاب أن يأتي بها، وإنما يستطيع أن يلتقطها جهاز صغير هو (الراديو) ففيه وسيلة استقبال هذه الموجات والتقاطها من الأجواء وترجمتها، وإذا بك تفتحها فتسمع موجة آتية من جدة، فتحولها فتأتي موجة من الرياض، وتحولها فتأتي موجة من أمريكا، ومن لندن، ومن أقصى الأرض، من التقط هذه الموجات رغم أنك لا تراها وهي موجودة؟! التقطها الراديو.
----
§ والجاذبية الموجودة الآن - وهي قانون من قوانين الكون - قد جعل الله - سبحانه وتعالى - كل ما على الأرض مجذوبا إليها، وهذه حكمة منه؛ لأنه لو لم يجعل الجاذبية في خصائص الأرض لما أمكن لأحد أن يثبت على هذه الأرض إلا بوثاق، ولكن الله وضع هذا القانون وهو أن كل ما على الأرض يجذب إليها، أين الجاذبية؟ هل نراها بأعيننا؟ هل رأينا حبالها وهي تربط الإنسان وتسحبه؟ هي موجودة لكننا لا نراها، وليس كل ما لا نراه غير موجود.
----
§ والكهرباء الآن تسري في السلك الكهربائي ولا نراها، رغم أن السلك الكهربائي هذا والكهرباء موجودة منذ خلق الله الأرض، لكن ما اكتشفت إلا على سبيل المصادفة، اخترعها شخص وهو يدير جهازا عبر تحويله، فإذا به يحس شيئا في يده، فقوي السلك وخرجت الكهرباء، وطورها الإنسان حتى أصبحت عمادا من أعمدة الحضارة الحديثة.
فكثير من الأشياء لا يمكن أن نراها، ولا أن نلمسها بجوارحنا بالرغم من وجودها. فقس عليه فتنة القبر![56].
----
ومن الواقع التاريخي المحسوس ذكر لنا الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - قصة العلاء بن الحضرمي وقد جهز الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جيشا واستعمله عليه، وكان في الجيش أنس بن مالك، فقاتلوا وانتصروا، ثم أصيب ابن الحضرمي في مقتله، فقال أنس: "فحفرنا له وغسلناه ودفناه، فأتى رجل بعد فراغنا من دفنه، فقال: من هذا؟ فقلنا: هذا خير البشر، هذا ابن الحضرمي. فقال: إن هذه الارض تلفظ الموتى، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين، إلى أرض تقبل الموتى. فقلنا: ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله؟ قال: فاجتمعنا على نبشه، فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه، وإذا اللحد مد البصر نور يتلألأ. قال: فأعدنا التراب إلى اللحد ثم ارتحلنا"[57].

فإن قيل: لو كان عذاب القبر له أصل لرأى النباش أثر ذلك عليه من الضم والضرب، وكيف يكون ميتان في قبر واحد وأحدهما يعذب والآخر ينعم...إلخ.
نقول: إن الله - سبحانه وتعالى - جعل الدور ثلاثا: دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار، وجعل لكل دار أحكاما تختص بها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام دار الدنيا على الأبدان، والأرواح تبعا لها، ولهذا جعل أحكامه الشرعية مرتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح، وإن أضمرت النفوس خلافه.
وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبعا لها، فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدنيا فتألمت بألمها والتذت براحتها، وكانت هي التي باشرت أسباب النعيم والعذاب، تبعت الأبدان الأرواح في نعيمها وعذابها، والأرواح حينئذ هي التي تباشر العذاب والنعيم، فالأبدان هنا ظاهرة والأرواح خفية، والأبدان كالقبور لها، والأرواح هناك ظاهرة، والأبدان خفية في قبورها، تجري أحكام البرزخ على الأرواح فتسري إلى أبدانها نعيما أو عذابا، كما تجري أحكام الدنيا على الأبدان فتسري إلى أرواحها نعيما أو عذابا، فأحط بهذا الموضع علما، واعرفه كما ينبغي، يزل عنك كل إشكال يورد عليك من داخل وخارج.

وقد أرانا الله سبحانه بلطفه ورحمته وهدايته من ذلك أنموذجا في الدنيا من حال النائم؛ فإن ما ينعم به أو يعذب في نومه يجري على روحه أصلا، والبدن تبع له، وقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيرا مشاهدا، فيرى النائم في نومه أنه ضرب فيصبح وأثر الضرب في جسمه، ويرى أنه قد أكل وشرب فيستيقظ وهو يجد أثر الطعام والشراب في فيه، ويذهب عنه الجوع والظمأ.
وأعجب من ذلك أنك ترى النائم يقوم في نومه ويضرب ويبطش ويدافع كأنه يقظان، وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك، وذلك أن الحكم لما جرى على الروح استعانت بالبدن من خارجه، ولو دخلت فيه لاستيقظ وأحس، فإذا كانت الروح تتألم وتتنعم ويصل ذلك إلى بدنها بطريق الاستتباع، فهكذا في البرزخ بل أعظم، فإن تجرد الروح هنالك أكمل وأقوى وهي متعلقة ببدنها لم تنقطع عنه كل الانقطاع، فإذا كان يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد ظاهرا باديا أصلا"[58].
--------------

إذن هذه الأشياء هي من الغيبيات التي حجب عنا علمها؛ وبذلك يختبر الله المؤمن من المكذب، وليس لمحض العقل دخل فيها عدا التسليم، بما يدركه العقل، فالله غيب وفوق كل الغيوب، ومع ذلك العقل أقر بوجوده جل في علاه، وأكبر من مسائل القبر الغيبية قد أثبتها العقل مع إلغاء قوانينه في التصريف بالحواس، إلا ما أحسه فقاس عليه الغيب، كأمر النوم المشابه لأمر الموت!!
ثم إن تنعيم الميت أو تعذيبه يحصل له إذا كان مقبورا أو غير مقبور، "فأكيل السبع، والغريق تأكله دواب البحر، والمحرق، والمصلوب، والمعلق، لو كان على ما يقدر من يظن أنه لا عذاب إلا في القبر المعهود لما كان لهؤلاء فتنة، ولا عذاب قبر، ولا مساءلة، ونعوذ بالله من هذا، بل كل ميت فلابد له من فتنة، وسؤال، وبعد ذلك سرور أو نكد إلى يوم القيامة"[59]، ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يارب خشيتك، فغفر له»[60].

أما عن اتساع قبر الميت مد البصر، فلا وجه للطعن فيه؛ لأن الأمر ليس واقعا تحت مدارك الأنظار للأحياء، فهذا عالم برزخي لا يعلم حقيقته إلا الله، فكما يضيق القبر على المقبور، فإنه يوسع أيضا، ولا مجال للعقل البشري في هذا الشأن إنما هو من خصوصيات الحياة البرزخية كما قدمنا.
ومما سبق يتبين أن عذاب القبر ونعيمه إنما هو خاص بالحياة البرزخية الواقعة تحت الإيمان بالغيب الذي هو أعلى مراتب الإيمان، ومع ذلك فإن العقل يقره ولا ينكره للأدلة والشواهد التي ذكرناها.
--------------

الخلاصة:
· إن المسائل الغيبية في ديننا كثيرة، وهي مما يجب الإيمان بها والتسليم بمقتضاها، وذلك أن الإيمان بالغيب من أعلى مراتب الإيمان التي يتصف بها المؤمن التقي.
· لقد جاءت آيات قرآنية عديدة تثبت نعيم القبر وعذابه، وذلك بمعرفة أقوال المفسرين، وتأويلاتهم للآيات القرآنية في إثبات حياة البرزخ حياة مستقلة عن حياة الدنيا والآخرة.
· لا يلزم من حياة المرء في قبره أن يحيا ثلاث مرات ثم يموت ثلاث مرات، وإنما هي حياتان وميتتان، كما قال تعالى: )ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين( (غافر: 11)، فالإنسان يموت في الدنيا، ثم يحيا في القبر فيسأل، ثم يموت في القبر ثم يحيا يوم القيامة، وهذه الآية دليل قوي على حياة البرزخ.
· إن قول الله تعالى: )وإنما توفون أجوركم يوم القيامة( (آل عمران: 185)، لا ينفي أي حساب قبل يوم القيامة، لأن التوفية تعني تكميل الأجور لا ابتدائها، فالتكميل يكون يوم القيامة، أما ما يكون في القبر فهو بعض لا كل.
· أما التثبت المذكور في قول الحق سبحانه: )يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة( (إبراهيم: 27)، فالمقصود به في الدنيا إذا أتاه الملكان في القبر وسألاه الأسئلة الثلاثة، وأما في الآخرة فيعني به ما يكون يوم القيامة.
· لقد جاءت السنة النبوية بأدلة كثيرة صحيحة صريحة في إثبات عذاب القبر ونعيمه، وهي من المتواتر المجمع على صحته بين المحدثين؛ لأنها مخرجة في كتب السنة الصحيحة عن العلماء الأثبات غير المطعون في كتبهم، كالبخاري ومسلم.
· لقد وردت أحاديث صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ينفي فيها عذاب القبر عن أناس بعينهم، كالغريق والشهيد والمبطون، مما يعطي دلالة واضحة بطريق المخالفة على ثبوت عذاب القبر ونعيمه.
· إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا عذاب دون يوم القيامة»، ليس ناسخا لأحاديث عذاب القبر ونعيمه، بل هو منسوخ بها، فقد جاء في الرواية عن أحمد - رحمه الله - أن عائشة - رضي الله عنها - لما أخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بقول الخادمة اليهودية: «وقاك الله عذاب القبر» قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لها: «كذبت يهود؛ لا عذاب دون يوم القيامة»، ثم أثبتت الرواية بعد ذلك خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس وحثهم على أن يستعيذوا بالله من عذاب القبر... إلخ، فهذا يؤكد نسخ القول الأول، وثبوت عذاب القبر والاستعاذة منه.
· إن ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من غيب، كعذاب القبر ونعيمه، يجب على العقل التسليم به؛ لأنه لا يسلم في دينه إلا من سلم لله ورسوله، ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه، وذلك أن ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من غيب إنما هو مما أوحاه الله إليه، )عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (27)( (الجن).
· يمكن تشبيه العذاب أو النعيم الواقع على الميت بالنائم الذي يرى أنه يتألم أو يتنعم، فهذا الألم أو النعيم إنما يقع على الروح حقيقة وتتأثر به، وهذا أمر لا ينكره أحد مع أنه غير محسوس، فكيف ينكر ما يكون في القبر؟!
· لقد أورد الحافظ ابن كثير واقعة حقيقية تصلح دليلا على اتساع القبر للميت، وذلك في قصة العلاء بن الحضرمي - رضي الله عنه - لما مات، مما يؤكد أن أمر القبور قد يقع تحت الحس البشري أحيانا، وهذا يؤكد ثبوت الحياة البرزخية بكل صفاتها، التي ذكرت في الأحاديث النبوية، من حيث الضم، والضيق والاتساع، والنعيم والعذاب.
· ليس شرطا في الميت لكي يعذب أو ينعم أن يكون مقبورا بل كل ميت يقع عليه هذا الأمر سواء كان مقتولا أو محروقا أو مصلوبا أو غريقا... إلخ، ذلك لما حكاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قصة الرجل الذي لم يعمل خيرا قط، ولما اقترب أجله أمر أبناءه أن يحرقوه بعد موته ويذروه في البحر في يوم عاصف فجمعه الله... إلى آخر القصة. مما يدل دلالة واضحة وأكيدة على ثبوت ذلك الأمر ومصداقيته.
· إن الشرع لا يأتي بما تحيله العقول، بل قد يأتي بما تحار فيه، فيجب التسليم والإذعان، ولا نقحم العقول في غير مجالها؛ وذلك لأن العقول قد تضل كما يقول الإمام فخر الدين الرازي:
نهاية إقدام العقول عقالوأكثر سعي العالمين ضلال





المراجع
[1]
. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت، (4/ 146).
[2]. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، البقاعي، (2/ 150) عند تفسيره لهذه الآية.
[3]. الكشاف، الزمخشري، الدار العالمية، القاهرة، د. ت، (1/ 485).
[4]. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن ناصر السعدي، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، ص159.
[5]. حوارات اليوم الآخر في القرآن والسنة، سيد محمود سعيد، المكتب المصري، القاهرة، 2005م، ص35.
[6]. فتح البيان في مقاصد القرآن، صديق حسن خان، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1420هـ/ 1999م، (2/ 407).
[7]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (3/ 274).
[8]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (3/ 275، 276).
[9]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (14/ 441).
[10]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400 هـ/ 1980م، (2/ 385).
[11]. معالم التنزيل، البغوي، تحقيق: محمد عبد الله النمر وآخرين، دار طيبة، الرياض، ط2، 1417هـ/ 1997م، (4/ 89).
[12]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (16/ 589).
[13]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (9/362، 363).
[14]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (18/ 393).
[15]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (20/ 191).
[16]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400 هـ/ 1980م، (3/ 462).
[17]. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن ناصر السعدي، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (1/ 656).
[18]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (21/ 361).
[19]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (1/ 419).
[20]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (1/ 419).
[21]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (1/ 420).
[22] . فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (3/ 284).
[23]. معالم التنزيل، البغوي، تحقيق: محمد عبد الله النمر وآخرين، دار طيبة، الرياض، ط2، 1417هـ/ 1997م، (7/ 150).
[24]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (15/ 318، 319).
[25]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (22/ 487).
[26]. حوارات اليوم الآخر في القرآن والسنة، سيد محمود سعيد، المكتب المصري، القاهرة، 2005م، ص35 بتصرف.
[27]. فتح البيان في مقاصد القرآن، صديق حسن خان، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1420هـ/ 1999م، (7/ 220).
[28]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (3/ 216).
[29]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (3/ 216).
[30]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في عذاب القبر...، (3/ 274)، رقم (1369).
[31]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: الجريدة على القبر، (3/ 264)، رقم (1361). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، (2/ 835)، رقم (663).
[32]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفة الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، (9/ 3973)، رقم (7080).
[33]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: التعوذ من عذاب القبر، (3/ 284)، رقم (1375). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفة الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار، (9/ 3974)، رقم (7082).
[34] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في عذاب القبر، (3/ 274)، رقم (1372). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب التعوذ من عذاب القبر، (3/ 1167)، رقم (1298).
[35] . صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما يستعاذ منه في الصلاة، (3/ 1169)، رقم (1301).
[36] . المسوح: الثياب الخشن.
[37]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما، رقم (18557). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح.
[38] . صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجنائز، باب: ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، (4/ 1569)، رقم (2220).
[39]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفة الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار...، (9/ 3976)، رقم (7090).
[40]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المغازي، باب: قتل أبي جهل، (7/ 351)، رقم (3978). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، (4/ 1528)، رقم (2121).
[41]. شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، تحقيق: محمد محمود حجازي، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص324، 325.
[42]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الجهاد، باب: فضل الشهادة في سبيل الله، (2/ 935)، رقم (2799). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (2799).
[43]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه، رقم (23996). وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[44]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الجنائز، باب: من قتله بطنه، (1/ 336، 337)، رقم (2064). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (2052).
[45]. شرح العقيدة الواسطية، محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، السعودية، ط3، 1416هـ، (2/ 122).
[46]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (4/ 284).
[47]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة ـ رضي الله عنها، رقم (24564). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[48]. مشكاة المصابيح، التبريزي، (1/ 537) بتصرف.
[49] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في عذاب القبر، (3/ 274، 275)، رقم (1372). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب التعوذ من عذاب القبر، (3/ 1167)، رقم (1298).
[50]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه...، (9/ 3973)، رقم (7080).
[51]. السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام مناقشتها والرد عليها، د. عماد السيد الشربيني، دار اليقين، مصر، ط1، 1423هـ/ 2002م، (2/ 290) بتصرف.
[52]. مشكلات الأحاديث النبوية، عبد الله القصيمي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط2، 2006م، ص16، 17.
[53]. مشكلات الأحاديث النبوية، عبد الله القصيمي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط2، 2006م، ص17 بتصرف.
[54]. مشكلات الأحاديث النبوية، عبد الله القصيمي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط2، 2006م، ص17، 18 بتصرف.
[55]. مشكلات الأحاديث النبوية، عبد الله القصيمي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط2، 2006م، ص18.
[56]. دروس للشيخ سعيد بن مسفر، الدرس التاسع والعشرين، ص7 بتصرف.
[57]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (3/ 606).
[58]. الروح، ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1395هـ/ 1975م، ص64،63.
[59]. الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم الظاهري، تحقيق: د. محمد إبراهيم نصر ود. عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (4/ 118).
[60] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: رقم (54)، (6/ 594)، رقم (3481).