ما هو الطبيعي الفطري في الإنسان ؟

(لمشاهدة الصور المشار إليها في مواضعها أنقر الرابط أدناه)

اختار الله للإنسان الأول آدم ( أن يكون ثديياً، فزوده لهذا الغرض ببنية حيوية تساعده على القيام بهذه المهمة على أكمل وجه. وقد أثبت العلم الحديث من خلال نوع الصِّبغيات (Chromosomes) التي زُوِّدَ بها ذكور البشرية، أن أصلهم الأول كان ذكراً كما قرر القرآن، لأنه وحده من يحمل صبغيات الذكورة (Y) والأنوثة (X) معاً (وكلاهما بداخل الدائرة الحمراء في الصورة)، بينما لا تملك إناث البشر من هذين سوى صبغي التأنيث. (أنظر اللوحين: مع الضغط على الصورة لتكبيرها).

أي أن الأنثى لو كانت سابقة على الذكر في الخلق ضمن صنف الثدييات، على ما نعرف من خواصها المجينية والجنسية، لما ولدت سوى الإناث.

وهذه الخاصية بالذات هي وجه من وجوه الإعجاز في ولادة عيسى ( من أمه مريم بدون أن يمسسها بشر، كما ورد في الأية 59 من سورة آل عمران:

إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّنَ المُمْتَرِينَ

فالعبرة هنا، هي أن الذي خلق آدم من غير أب ولا أم، يهون عليه خلق عيسى من غير أب.

وهذا النوع من التوالد الجنسي المختلف الأمشاج (X,Y )، الذي تعبر عنه الآيتان 1-2 من سورة الإنسان:

هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا

و"الأمشاج" لغة: المزيج.

وتشترك كل الثدييات مع البشر في هذا التوالد الجنسي، إلا أن هذا لا يستنفذ كل الإمكانات التوالدية في الطبيعة. فقد لوحظ بأن الطيور، والزواحف، والأسماك تختلف جذرياً عن الثدييات في هذا المنحى، حيث أن الأنثى في هذه الأصناف هي المحددة للجنس وليس الذكر، لأن الأنثى تحمل صبغيين جنسيين يرمز لهما بالحرفين اللاتينيين (Z) و (W)، بينما لا تحمل ذكورها سوى الصبغي (Z).

والجنس في هذه الأنواع الثلاثة يتحدد بوجود الصبغي الأنثوي (W) أو بانعدامه. فالذكور توسم (ZZ)، والإناث (ZW)، أي عكس التذكير والتأنيث في الثدييات ومن بينها الإنسان.

والأمر أعجب في بعض الحشرات كغشائيات الأجنحة مثل "النحل"، فالإناث تولد من تلقيح البويضات بينما الذكور بدون. بينما لوحظ في الذباب أن الجنسين يخرجان بتلقيح البويضات، إلا أن الذكر له القدرة على إبطال مفعول الصبغي الأبوي.

وقد لوحظ أن بعض التماسيح وبعض السلاحف تتحكم في جنس ذريتها بعامل الحرارة الخارجية فقط، فكل بيضة تمساح حضنت في حرارة خارجية أقل من 32 درجة مائوية تعطي أنثى، بينما تحضينها في درجة حرارة فوق 34 درجة مائوية يؤدي إلى ذكور. وينعكس الأمر بالنسبة لسلاحف المياه العذبة من نوع (Emis Orbicularis)، فالبرودة تولد الذكور والدفئ يولد الإناث. والصورة إلى اليمين تبين ذكر هذا الصنف واليسرى أنثاه.

وبعض الأسماك توجد في حالة خنثوية دائمة، حيث يولد الفرد منها البويضات الأنثوية والحوينات الذكرية إما معاً في آن واحد أو بالتناوب. وعادة ما يضع أحد افرد هذه الأسماك بعض بويضاته، فيلقحها آخر، ثم يضع الأخير بدوره بعض بويضاته، فيلقحها الأول، ولا يغامر أحدهما قط بوضع كل بويضاته دفعة واحدة!، عملاً بالقاعدة الذهبية: "المني زهيد الكلفة والبويضة غالية التكاليف".

قد ولوحظ كذلك أن القاعدة في توالد النباتات العليا هي الخنثوية، إلا أن بعضها يعمل بالجنس المختلف.

والخنثوية هي القاعدة في بعض الرخوياتت مثل "الحلزونيات" (الصورة إلى اليمين)، وبعض الديدان البحرية المسطحة (الصورة إلى اليسار).

والخلايا الجنسية في الإنسان السوي تحمل 23 زوجاً من الصبغيات توسم الذكور منها: (46, XY)، والإناث: (46, XX) . ووجد أن كل من يحمل الصبغي (Y) فهو ذكر كما عند المصابين بالتثلث الجنسي الموسوم (46, XY, 47, XXY ) (متلازمة كلاينْفِلْتر) وكل من يحمل الصبغي (X) فهو أنثى كما في الخلايا الموسومة: (46, XX)، و(47, XXX)، أو (45, XO) (متلازمة ترنر: اضغط على اللوحة لتكبيرها).

وقد تحصل اضطرابات صبغية أثناء الانقسام المنصف للخلايا، فتؤدي إلى تشوهات خِلقية في المواليد، بحيث قد نحصل على ذكور موسومين بوسم الإناث (46, XX)، وإناث موسومات بوسم الذكور (46, XY).
أثر الاضطراب الصبغي على السلوك الإجتماعي لدى الثدييات

في غالبية الثدييات فإن الأنثى هي التي تعنى باحتضان وتربية الذرية، لكن يشذ عن هذه القاعدة "الفقمة" أو "عجل البحر" (الصورة إلى اليمين)، حيث تنقلب الأدوار الجنسية. وقد لوحظ مثل هذا السلوك أيضاً في طائر "الجاكانا" (Jacana) (الصورة إلى اليسار)، وهو طائر يمشي فوق أوراق زئبق الوادي (Muguet)، حيث أن الذكر هو الذي يقوم بإعداد العش، وبنائه، وحضن البيض، بينما الأنثى سادرة في البحث عن ذكور آخرين مكونة لحريم ذكوري (Polyandrie)!
لم يعثر قط على طائر أو ثديي سليم خنثوي

وهذه الأمثلة لا تستنفذ كل ما في الطبيعة من أسرار وتنوع،. لكن المؤكد، هو أن ما هو طبيعي بالنسبة للسمك الخنثوي لا يمكن أن يكون طبيعياً وفطرياً بالنسبة للإنسان كنوع.

بل لم يوجد قط طائر ولا ثديي خنثوي.

في الأغاليط وتبرير السلوك

ومن هنا نفهم الإعجاز القرآني في قوله تعالى في قوم لوط في سورة العنكبوت [28-35]:

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ. وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ. قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ. وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ. إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ. وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .

وسورة الشعراء، الآيتان 165-166}:
{أتأتون الذكران من العالمين (165) وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم، بل أنتم قومم عادون(166)}

فهذه الفعلة الشنعاء طارئة على البشرية إذن، ولم تقع فيهم سوى منذ حوالي 3800 سنة خلت. ولا يمكن أن تكون فطرية في النوع، على ما حاول أن يدعي بعض الجنوسيين المعاصرين في الغرب، وإنما تكتسب من خلال البيئة الاجتماعية. وهو ما يبرز مرة أخرى أهمية الهندسة الاجتماعية إسلامياً على هدي القرآن.

وهو ما يجعل مثل هذا المرض موضوعاً مشتركاً ما بين الطب وعلم الاجتماع ويبرر بالتالي لقيام مقاربة إسلامية تبحث في أحد الأعراض الثلاثة:
الخلل العارض للمجين الوراثي،
الخلل العارض في الإفراز الغددي،
الخلل في التنشئة الاجتماعية.

ومنه يتبين أن:

مقتضيات "الفطرة" بالنسبة لنوع الإنسان، هي أن يتزوج.

والزواج، كما هو معلوم، ليس في متناول الجميع. ومن هنا تبرز مرة أخرى أهمية الهندسة الاجتماعية الإسلامية الواقعية الحقة، التي هي أوسع بكثير من المجال الضيق لقوانين "الأحوال الشخصية" التي تقلص إليها هذا العرف.

وهذا التزاوج الجنسي له ميزتان لا توجد في التوالد الخنثوي:
التنوع: فباستثناء التوائم المولودة من بيضة واحدة، فإن كل فرد فرد هو وحيد نسجه من جهة بصمة مجينه، لا يشبه أباه ولا أمه ولا أي إنسان آخر وجد من قبل أو سيوجد في المستقبل،
القدرة على الصمود أمام الأمراض: فمعلوم أن الميكروبات، والفيروسات والطفيليات، لها القدرة على اختراق الجهاز المناعي للإنسان، وإحداث اضطرابات وتشوهات في خِلقته. فكون كل زوج يساهم بنصف مجينه في الذرية، يعني أن مجين الذرية يتمتع بمناعة أكثر أمام هذه الآفات.

المصدر :
http://www.alhiwar.org/ar/index.php/...--sp-614019873