في ظل التوهان الذي يعيشه كل زائغ عن طريق الحق البين الجلي و ما يتمخض عن ذلك من تأرجح فكري و حالة من اللااستقرار او الاضطراب العقدي ، نرى الكم الهائل من الضلالات و المعتقدات التي يتبناها كل شخص من هؤلاء و يرى بأن الحق معه لا غير ، و بسبب عدم وجود مرجع يحتكم اليه نرى تباينا شاسعا بين المفاهيم و الرؤى التي يتبناها كل فرد منهم بحيث لن تجد اثنين منهم متفقان فكريا و هذه نتيجة حتمية للتفرد بالاجتهادات حتى من غير الاتفاق على البديهيات .
و لو اخذنا الملحد الناكر لله مع اللاديني الناكر للنبوات كأنموذجين للمقارنة لوجدنا عجائب التقاطعات بين المذهبين و اقول مذهبين لأن كل منهما يعتقد بجملة من الغيبيات يدافع عنها بكل جسارة فهم اهل مذاهب و إن انكروا ، الملحد يسخر من اللاديني الذي امن بوجود خالق لا يعلم عنه شيئا ، اين هو؟ ماذا يريد؟ و الاهم : لماذا خلقه؟ واللاديني التائه في داخله ،يخاطب نفسه بكل حيرة: كيف له ان يجمع ما بين الحكمة البالغة الفياضة التي يراها في مخلوقات الخالق و الهداية العجيبة المغروزة في البهائم الغير العاقلة و ما بين إيجاده بلا غاية او هدف بل بلا مرشد ولا هاد ، لا يعلم عن مصيره شيئا على الرغم من التساؤلات العديدة التي تطرق قلبه حول ضرورة معرفة خالقه لكن لا يعلم كيف ، هل الموت هو النهاية ؟ هل هذا الخالق الحكيم الذي تيقنت من قدرته المطلقة سيترك كل هؤلاء السفاحين السفاكين القتلة دون عقاب؟ ماذا عن من نهب اموال شعوب بأكملها ؟ ماذا عن من يعبد البقر و الحجر؟ هل لهم الحق ان يعبدوا ما يشاؤون ؟ فلا شيئ قطعي و محسوم ، فالخالق تركنا هملا فلا رقيب و لا حسيب ، مهلا : هل من المعقول ان الخالق مات؟! تبا ، كيف يكون خالقا مطلق القدرة ثم يموت ، فإن مات فكيف يدار هذا الكون و كيف تهدى الخلائق ؟ ثم ؛كيف لخالق كان سرمديا لكذا من الاحقاب الزمنية ثم يموت ؟ ماذا ! اله يموت؟ ما هذا الهبل الفكري؟ و بعد كل هذا الكم من التساؤلات التي لم يحر لها جوابا بدء يسفسط مع نفسه ليهاجم عقيدة الملحد و يسخر من غباوته و كيف انه اعمى البصيرة بليد العقل ، ينسب الصنع لكل مصنوع تافه حقير صنعته ايد بشرية و يتغاضى و يتنكر لبلايين المخلوقات و التي ابسطها تضاهي اعقد ما قد صنعه هؤلاء البشر ، ما هذا العناد الذي عند هؤلاء ؟ هل هي مزاعم علمية ام امور اخرى خفية ؟ اي علم هذا الذي يقصدونه؟ الم يطلعوا على برهان الحدوث؟ هل لا يزال هناك عاقل يقول بأزلية الكون؟ ماذا عن برهان النظم ؟ كيف لهؤلاء المناحيس ان لا يدركوا هذا النظم البديع الذي يتعاملون معه مباشرة؟ هم في معاينة مع كل الادلة إذا فهناك دوافع اخرى تدفعهم للتنكر للاله الخالق، اه كم هو ساذج ذلك الملحد ، يظن بأنه قد قضى على الحق بمجرد تنكره له و هو لا يدري بأن الحق ابلج لن يزول بالتقنع و التغافل عنه فهل يعقل بأن الناكر لوجود اناس بنو الاهرامات يعني فعلا عدم وجودهم؟ وخصوصا بأننا لا نعلم تحديدا من هم البناة ؟ لكن العقل السليم يقطع يقينا بوجود بشر عقلاء قاموا بإنشائه و بشروط معينة ، كالقدرة على حملها ، تشكيلها ، رصها و تنظيمها ليعطي هذا الشكل العظيم، و العجيب بأننا الى اليوم لا نعلم يقينا حتى الطريقة التي استخدموها لنقل الاحجار العملاقة ، لكننا موقنون بوجود من حملها و نظمها و موقنون بأنهم من البشر لأننا المخلوقات الوحيدة التي تملك القدر الكافي من التعقل لبناء هكذا صرح ، يا للبساطة ، انظر كيف علمنا مواصفات بناة الهرم ! هل هناك مخبول يزعم بأن القردة او الديناصورات هي من شيدتها؟ وهل هناك من هو اخبل منه يدعي بأن الاهرامات تكونت بمحض الصدفة بسبب عوامل التعرية او بسبب سلسلة اهتزازات ارضية ؟! اذا لماذا يعتبرون هذا لا منطقيا بينما يرون بأن الملايين من الكائنات البالغة التعقيد قد تأتي بالصدفة؟ يقولون نحتاج لوقت طويل جدا ! حسنا هل مليار سنة من الزلازل تكفي لتشيد احد الاهرامات ؟ بل كل هذه السنوات ستزيد من الفوضى و الدمار لان الزلازل ما هي الا اهتزازات عشوائية غير منظمة فكيف لها ان تنظم و تقص و ترص لنا هذه الصخور؟! اذا فالملحد يعيش داخل دوامة من التناقضات و اللامعقولات و لكنه لا يعترف بها بل يمضي راكبا رأسه بكل قناعة و رضى بما يعتقد ، لا ادري ما هي الاسباب بالضبط لكن الذي اعلمه بأن حب التحرر من جميع القيود التي قد يفرضها الدين يأتي في المقدمة ؟ لكن .. لا قيود في اللادينية الربوبية فلم لا يكونون ربوبيين؟ ! ربما اللادينية اكثر لا منطقية منهم فوجود الخالق لكون بهذه الخصائص و المميزات و وجود هذه النزعة الدينية عند البشر يحتم ضرورة وجود اله هاد يهدي الناس كما هدى كل شيئ لوظيفته، فمن غير المعقول ان يترك الانسان ذلك الكائن الوحيد الذي يملك العقل و المنطق ، لعل الربوبي عنده حق ان يلحد احيانا ! فهذه من كبريات اللامعقولية ، الحقيقة بأن كلانا ضالان لكن الملحد اكثر ضلالا مني فقد سبقته بخطوة و إن كانت لن تنفعني في شيئ فكلانا الى العدم بعد الموت، إلا اذا كان هناك رأي اخر لفريق اخر وصل الى ما لم اصل اليه.
Bookmarks