بسم الله الرحمن الرحيم
إن من أكبر أسباب ما نحن فيه الآن من هوان و انتشار للمحرمات هو ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . لكن ما السبب ؟ ما الذي يجعل الناس يتركونه و يتحاشونه هكذا ؟
أدركت الجواب بالأمس في الثانوية حين أتى وقت صلاة الظهر . اتجهت إلى المصلى و وقفت في مكاني و لكن كان الركوع للركعة الأولى قد فاتني . في نفس الوقت الذي كنت سأكبر فيه لأكمل الركعة مع الإمام إذا بشابين يأتيان جرياً حتى أن كل من في المصلى يسمع صوت أقدامهما تضرب الأرض . وقفا قربي و لم يلحقا الركعة أيضاً . فماذا حدث ؟ قال أحدهما كلمة نابية و بصوت عال يسمعه كل من في ذلك الجانب من المصلى ! هذه خيبة أولى . ثم لم يكملا الركعة مع الإمام بل وقفا ينتظران أن يصل لما بعدها و كأن القيام بسجدتين عمل شاق لا يقوى عليه إلا أشد الرجال . هذه خيبة ثانية . و الأكثر من ذلك أنهما كانا يثرثران و بصوت عال مشوشين على المصلين . و هذه خيبة ثالثة .
أتممنا الصلاة فعزمت ألا أتركهما إلا و أبين خطأهما . قلت لمن تلفظ بما لا يليق : اتق الله يا رجل ، هل يجوز لمسلم أن يقول شيئاً كهذا ؟ بل و في مسجد و بين مصلين ؟ فإذا به يضحك و كأنني أمازحه . قلت لهما أنه لا يجوز الوقوف و انتظار الركعة التالية فإذا بصاحبه يضحك أيضاً . قلت لهما ألا يزعجا المصلين بلغوهما فإذا ضحكهما يزداد . و هنا تركتهما و قد رأيت الخيبة الرابعة . لكن ما واساني هو أني أديت ما علي و أنكرت المنكر بقدر استطاعتي .
حين أخبرت أشخاصاً معينين عن هذا رأيت الخيبة الخامسة . يقول لي أحدهم : لا دخل لك بهم . إن كانوا طلاب ثانوية و يفعلون هذا فلا فائدة . و يقول آخر : هذه وظيفة المدرسين فلا تتدخل . و يقول غيره : العالم ليس مثالياً فمن الناس الطيب و الخبيث . و يقول لي غيرهم : المهم أنك أنكرت بقلبك فليس من واجبك الإنكار قولاً .
لولا ما كان في من إرهاق لطول السهر لفعلت ما كان يدور في بالي من أن أضرب الجدران بيدي . ليست مرة أو مرتين بل أمر يحدث منذ سنين و في كل مجال . هناك من يرمون القمامة قرب المسجد - أي و الله ! - و يفعلونها دائماً و كل يوم فأستشيط غضباً و أقول : ألا نبلغ العمدة على الأقل ؟! ما هذه النجاسة في النفس ؟! أيرضى أن يرمي أحدهم النفايات قرب بيته ؟! فأرى المزيد و المزيد من الخيبات . فيقول أحدهم : ما باليد حيلة . لن تستطيع السيطرة على كل هؤلاء الناس . ليس لدينا إلا الدعاء .
و هذا الآخر يركب مكبرات صوتية في سيارته و يشغل المعازف و الأغاني و يزعج الشارع كله بهذا . أنوي أن أنزل و أقول له شيئاً - فالزحام شديد و السيارات بالكاد تتحرك - فينهاني أحدهم و كأنني من يقوم بالمنكر .
و ذاك آخر في سوق يجلس في مقهى متابعاً مباراة كرة قدم و يشاء الله أن أجلس قربه . إذا به يخرج سيجارة و يدخن فيخنق نفسه و يخنقني معه . أقول له : رجاء يا رجل ، لا تدخن بين الناس فتؤذي نفسك و تؤذي غيرك . فيرد علي بأسلوب ساخر متعال : يمكنك الجلوس في مكان آخر . و لولا غياب القدرة لمنعته بيدي و لو بالقوة أو طردته خارجاً لو كان هذا مجلسي و لكن لم أجد سوى أن أترك المكان .
و أحيطكم علماً أن نفس هؤلاء الذين ينكرون علي الإنكار هم من يرون في مجازر المسلمين حول العالم فتناً يجب ألا يشغل المرء نفسه بها بل يحصن نفسه بالقرآن و الأذكار !!
فما السبب ؟ ما سبب الخنق المستمر لروح الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و لو في صغائر الأمور ؟ كيف وصلنا إلى هذا الحال و في مهبط الوحي ؟ ما الحل ؟ أخبروني رجاء فالهم يلازمني هذه الأشهر مما يحدث .
Bookmarks