جواب يسيير لمن أراد الخروج من ظلمة دوامة الشبهات الى نور الهدى واليقين
وهو في قوله سبحانه:
( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ( 29 ) )
نقلا عن تفسير ابن كثير:
قال ابن عباس ، والسدي ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان : ( فرقانا ) [ ص: 43 ] مخرجا . زاد مجاهد : في الدنيا والآخرة .
وفي رواية عن ابن عباس : ( فرقانا ) نجاة . وفي رواية عنه : نصرا .
وقال محمد بن إسحاق : ( فرقانا ) أي : فصلا بين الحق والباطل .
وهذا التفسير من ابن إسحاق أعم مما تقدم وقد يستلزم ذلك كله ؛
فإن من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره ، وفق لمعرفة الحق من الباطل ، فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا ، وسعادته يوم القيامة ، وتكفير ذنوبه - وهو محوها - وغفرها : سترها عن الناس - سببا لنيل ثواب الله الجزيل ، كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم ) [ الحديد : 28 ] .
ومن تفسير التحرير والتنوير:
وقد أشعر قوله " لكم "
أن الفرقان شيء نافع لهم ، فالظاهر أن المراد منه كل ما فيه مخرج لهم ونجاة من التباس الأحوال وارتباك الأمور وانبهام المقاصد ، فيئول إلى استقامة أحوال الحياة ، حتى يكونوا مطمئني البال منشرحي الخاطر ، وذلك يستدعي أن يكونوا منصورين ، غالبين ، بصراء بالأمور ، كملة الأخلاق ، سائرين في طريق الحق والرشد ، وذلك هو ملاك استقامة الأمم ، فاختيار الفرقان هنا لأنه اللفظ الذي لا يؤدي غيره مؤداه في هذا الغرض وذلك من تمام الفصاحة .
والتقوى تشمل التوبة ، فتكفير السيئات يصح أن يكون المراد به تكفير السيئات الفارطة التي تعقبها التقوى
وقال صاحب اضواء البيان:
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم .
قال ابن عباس ، والسدي ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان ، وغير واحد : فرقانا : مخرجا ، زاد مجاهد : في الدنيا والآخرة ، وفي رواية عن ابن عباس : فرقانا : نجاة ، وفي رواية عنه : نصرا . وقال محمد بن إسحاق : فرقانا أي : فصلا بين الحق والباطل ، قاله ابن كثير .
قال مقيده عفا الله عنه : قول الجماعة المذكورة : إن المراد بالفرقان : المخرج يشهد له قوله تعالى : ومن يتق الله يجعل له مخرجا الآية [ 65 \ 2 ] ، والقول بأنه النجاة أو النصر ، راجع في المعنى إلى هذا ; لأن من جعل الله له مخرجا أنجاه ونصره ،
لكن الذي يدل القرآن واللغة على صحته في تفسير الآية المذكورة هو قول ابن إسحاق ; لأن الفرقان مصدر زيدت فيه الألف والنون ، وأريد به الوصف أي الفارق بين الحق والباطل ، وذلك هو معناه في قوله : تبارك الذي نزل الفرقان [ 25 \ 1 ] ، أي الكتاب الفارق بين الحق والباطل ، وقوله : وأنزل الفرقان [ 3 \ 4 ] ، وقوله : وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان [ 2 \ 53 ] ، وقوله : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان [ 21 \ 48 ] ،
ويدل على أن المراد بالفرقان هنا : العلم الفارق بين الحق والباطل ، قوله تعالى في الحديد : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم الآية [ 57 \ 28 ] .
لأن قوله هنا : ويجعل لكم نورا تمشون به ، يعني : علما وهدى تفرقون به بين الحق والباطل ، ويدل على أن المراد بالنور هنا الهدى ، ومعرفة الحق قوله تعالى فيمن كان [ ص: 53 ] كافرا فهداه الله : لمشركون أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس الآية [ 6 \ 122 ] ، فجعل النور المذكور في الحديد : هو معنى الفرقان المذكور في الأنفال كما ترى ، وتكفير السيئات ، والغفران المرتب على تقوى الله في آية الأنفال ، كذلك جاء مرتبا أيضا عليها في آية الحديد ، وهو بيان واضح كما ترى .
عجيب أمرك يا من تدعي انك تبحث عن الحق -وتدعي انك صادق ومخلص في البحث عنه -وتريد نورا ينير لك دربك - لكنك لا تزال غارقا في اوحال الشهوات والمعاصي - فبادر بالتوبة الى الله - وترك معاصيه - والتحق بركب السالكين - حاملي ميراث النبوة - وجاهد النفس والشيطان - واتق الله يجعل لك نورا تمشي به!
هدانا الله واياك
"العبد يسير إلى اللـه بين مطالعة المنة ومشاهدة التقصير!" ابن القيم
"عندما يمشي المرؤ على خطى الأنبياء في العفاف, يرى من نفسه القوة والعزة والكبرياء. بينما يعلم المتلوث بدنس الفحش الضعف من نفسه والضعة والتساقط أمام الشهوات"
Bookmarks