8...
وهنا : اسمحوا لي باستعراض بعض الآيات والأحاديث التي استدل بها مؤخرا أحد مشاهير الدعاة على التطور في الإسلام !
وقد نقلتهم لي كتابة ًإحدى الأخوات مشكورة لضيق وقتي عن الاستماع إليه .. فكان من أدلته المزعومة :
1- إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين)
والجواب من جهتين - وعلى حسب معنى العالمين في الآية - :
1)
وهو في حال أخذنا بالمعنى العام لكلمة العالمين : فهؤلاء جميعا بالفعل ليس فيهم أنبياء ولا رسل للبشر بوحي الله : إلا الأنبياء والرسل من البشر الذين اصطفاهم الله !
جاء في تفسير كلمة العالمين من تفسير ابن كثير رحمه الله :
"
و { العالمين} جمع عالم وهو كل موجود سوى اللّه عزّ وجلّ، وهو جمعٌ لا واحد له من لفظه، والعوالم أصناف المخلوقات في السماوات، وفي البر، والبحر. "
وجاء تأكيدا على ذلك أيضا :
"
وقال الزجاج: العالم كلٌّ ما خلق اللّه في الدنيا والآخرة، قال القرطبي: وهذا هو الصحيح أنه شامل لكل العالمين قال تعالى: { قال فرعون وما ربُّ العالمين؟ قال ربُّ السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} والعالم مشتقٌ من العلامة، لأنه دال على وجود خالقه وصانعه وعلى وحدانيته جلَّ وعلا كما قال ابن المعتز: فيا عجبا كيـف يعصى الإلـ ** ـه أم كيف يجحده الجاحد وفي كـل شـيء لـه آيـة ** تدل على أنه واحـــــد " ..
2)
وأما إذا أخذنا بالمعنى الخاص لكلمة العالمين : وهو المختص بالعاقل .. وهو ما نقله ابن كثير أيضا في تفسيره فقال :
"
وقال الفراء وأبو عبيد، العالم عبارة عمّا يعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين، ولا يقال للبهائم عالم "
فأقول :
فهذا أيضا لا يناسب التأويل الملتوي للشبهة التي يراد إلصاق التطور بها في الإسلام !!!..
إذ أنه قد سبق في القرآن بيان أن الله تعالى لن يُرسل للبشر رسلا وأنبياء : إلا منهم ومثلهم لتقوم عليهم الحـُجة :
"
وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا : أبعث الله بشرا رسولا (أي أرادوا أن يكون الرسول إليهم أحد الملائكة ! ولو جاءهم لما آمنوا ومنهم مَن سيحتج بعدم قدرته على الإيمان والطاعة بأنه بشر وليس مَلاكا مثل الذي أرسله الله إليه !)
؟!!.. قل : لو كان في الأرض ملآئكة يمشون مطمئنين (أي وأردنا أن نرسل إليهم رسولا)
: لنزلنا عليهم من السماء مَلكا رسولا (أي منهم ومثلهم أيضا لتقوم عليهم الحـُجة كذلك) " الإسراء 94 - 95 ..
فكيف بالله عليكم تريدون لوي أعناق معاني الآية لتجعلوا الاصطفاء كان على
أشباه البشر المزعومين قبل آدم ؟!
ألا تعلمون أن الاصطفاء المُعين : يكون من بين متماثلين من نفس النوع ؟!!...
حيث لا أقول مثلا : اصطفيت السيارة المرسيدس من بين باقي القطارات !!!.. بل الصواب أن يُـقال :
اصطفيت السيارة المرسيدس من باقي السيارات !!!..
أليس القول بأن الاصطفاء
كان من بين بقية الناس هو الأولى والأصح والمطابق للقرآن ؟!!..
أليس هذا المعنى -
معنى المثلية في النوع عند الاصطفاء والاختيار - هو السائد الظاهر في القرآن ؟!..
يقول عز وجل عن إبراهيم عليه السلام :
"
ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " البقرة 130 .. اصطفاء لإنسان من بين الناس مثله !!..
وكذلك في وصية يعقوب عليه السلام لبنيه :
"
يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " البقرة 132 .. اصطفاء دين من بين أديان مثله !
وكذلك في الملك طالوت الذي بعثه الله ليقود بني إسرائيل في الحرب .. حيث لما اعترضوا عليه قال لهم نبيهم :
"
إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم " البقرة 247 .. اصطفاء لإنسان من باقي الناس مثله !
وكذلك في بشارة الملائكة لمريم عليها السلام :
"
يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين " آل عمران 42 .. اصطفاء لها من بين النساء مثلها !
وكذلك الحال مع موسى عليه السلام إذ قال له الله تعالى :
"
يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي " الأعراف 144 .. اصطفاء لإنسان من بين الناس مثله !
وحتى عباد الله الصالحين -
سواء كانوا الأنبياء والمرسلين أو صحابة النبي أو من أمته - :
"
قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى " النمل 59 .. اصطفاء لأناس من بين أناس مثلهم !
وحتى حملة الكتاب الذين أورثهم إياه الله تعالى من الأمم :
"
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " فاطر 32 .. أيضا اصطفاء من بين أناس مثلهم !
وعلى هذا الحال كل اصطفاء : يكون من نفس نوع المصطفى نفسه .. يقول عز وجل :
"
الله يصطفي من الملائكة رسلا (أي منهم مثل جبريل عليه السلام)
ومن الناس (أي منهم)
إن الله سميع بصير " الحج 75 ..
ولم يأت معنى الاصطفاء عاما صراحة من أي مخلوق : إلا عندما ذكر الله تعالى الولد فقال :
"
لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه (أي يتنزه عن أن يكون له ولد)
هو الله الواحد القهار " الزمر 4 ..
2-وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون)
الجواب :
أن الذين سبقوا آدم وأفسدوا في الأرض وسفكوا الدم هم : إما الجن - وتواترت بذلك روايات كثيرة في التفاسير -
وإما أن الملائكة علمت بما سيفعله البشر مستقبلا : وذلك من اطلاعهم على اللوح المحفوظ - مثل الملائكة الموكلة بالأقدار -
وأضيف :
أنه جاء في الأحاديث الصحيحة كذلك أن الله تعالى قد خلق في الأرض الحيوانات والوحوش والسباع إلخ :
وقبل خلق آدم ونزوله إلى الأرض بزمان !!.. حيث أن آدم هو آخر المخلوقات ظهورا ونزولا على الأرض .. ومن هنا :
فلو أردنا أن نتأول الآية بأن الذي أفسد وسفك الدماء هم كائنات حية :
فلماذا لا نقول أنهم كانوا الحيوانات الموجودة على الأرض أصلا !!!.. وبذلك لم نخرج عن المعلوم من نصوص الدين !
بعكس تحديد تلك الحيوانات بغير دليل ولا علم بأنها كانت : أشباه بشر !!!..
" ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين " الأحقاف 4 ...!
" ولا تقفُ ما ليس لك به علم .. إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا " الإسراء 36 ..
" ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم : ألا ساء ما يزرون "
النحل 25 ..
3-حديث قدسي: يابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك فعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد)
الجواب :
الحديث ليس فيه دلالة على التطور ولا علاقة له به .. ومثله مثل خلق الإنسان من نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم تسوية الله تعالى للإنسان لحما وعظما وأعضاء حتى يصير إنسانا كامل النمو والخلقة .. والحديث صحيح وقد ذكره المفسرون في تفسيرهم لسورة الانفطار فقالوا :
"
قال الإمام أحمد حدثنا أبو النضر حدثنا حريز حدثني عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بسر بن جحاش القرشي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق يوما في كفه فوضع عليها إصبعه ثم قال : قال الله عز وجل ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة " ..
4-يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك)
سبق الجواب عليه ...
5-ثم تفيد التعاقب على التراخي
قال تعالى(الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ماتشكرون)
وقال بخصوص هذا الدليل الأخير المذكور بأنه الدليل الذي أعجز جميع المؤمنين بالخلق المباشر! وأنه سأل مشايخه وعلماؤه عنها وأنهم لفوا وداروا حوالين(ثم) ومافي إجابة مقنعة!!!!?
الجواب من جهتين باعتبار معنى وفائدة (ثم) هنا .. فهي لا تفيد الترتيب دوما كما سنرى ..
1)
فأما لو نظرنا إلى الآية على أن ثم تفيد الترتيب : فالآية حُجة على صاحب الشبهة وليست له !!!..
لأنها بدأت بذكر خلق الإنسان .. ومعلوم أن الإنسان هنا هو آدم عليه السلام يقينا .. وذلك لأن أشباه البشر لا يُطلق عليهم إنسان !!.. وحتى لو قال قائل أنه يمكنه أن يسميهم إنسان : لقلنا له أنك بذلك قد جعلتهم مكلفين هم أيضا ؟!!.. وانظر إن شئت لخطاب (الإنسان) في القرآن ؟!!!..
" يا أيها الإنسان : ما غرك بربك الكريم " ؟!!.. الانفطار 6 ..
" يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فمُلاقيه " الانشقاق 6 ..
" والعصر .. إن الإنسان لفي خسر .. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " سورة العصر ..
"
إن الإنسان لربه لكنود .. وإنه على ذلك لشهيد " العاديات 6 ..
فكل الآيات التي تناولت آدم وبنيه منذ بدء خلقه وماءهم في نسله : وانتهاء بيوم القيامة : تخاطبهم بوصف الإنسان !
ففي بدء الأمانة نجد وصف الإنسان :
"
إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " الأحزاب 72 ..
وفي بدء الخلق واستمرار ظهوره من نسل آدم ومائه المهين نجد وصف الإنسان أيضا :
"
هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ؟!!.. إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا .. إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " الإنسان 1 : 3 ..وفي نهاية الدنيا نجد وصف الإنسان كذلك :
"
إذا زلزلت الأرض زلزالها .. وأخرجت الأرض أثقالها .. وقال الإنسان ما لها " الزلزلة 1 : 3 ..
2)
وهو في حالة ما إذا قلنا أن ثم لا تفيد الترتيب
الزمني .. وإنما نقول أنها تفيد الترتيب
الرتبي !!..
أي أن ثم تفيد ترتيب الرتب وتفاوت الأهمية : ولا تفيد ترتيب الإخبار أو الترتيب الزمني .. مثال :
تقول للرجل وأنت تمنن عليه :
لقد أكرمتك ثم أني أكرمت أباك ..
رغم أن إكرامك لأبيه كان أسبق من إكرامك له !!.. ولكن لما كان إكرام أبيه في نظره أكبر امتنانا : خُص بثم !
ومثله في القرآن قوله عز وجل :
"
فلا اقتحم العقبة .. وما أدراك ما العقبة ؟؟.. فك رقبة .. أو إطعام في يوم ذي مسغبة .. يتيما ذا مقربة : أو مسكينا ذا متربة .. ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة " البلد 11 : 17 ..
حيث معلوم أن إيمانه الذي خص بثم : هو سابق على أعماله الصالحات السابق ذكرها في الآيات قبلها !
وكذلك قوله عز وجل :
"
ويوم حُنين إذ أعجبتكم كثرتكم : فلم تغن عنكم شيئا .. وضاقت عليكم الأرض بما رحبت : ثم وليتم مدبرين " التوبة 25 ..
فالتولي هنا والهرب من القتال : هو أعظم مما نالكم من شر : ولذلك خص بثم .. فهو ترتيب رتتبي وليس زمني ..
وكذلك أيضا قوله عز من قائل :
"
ولا تطع كل حلاف مهين .. هماز مشاء بنميم .. مناع للخير معتد أثيم : عتل بعد ذلك زنيم " القلم 10 : 13 ..
فتعبير (
بعد ذلك) هنا : تساوي (
ثم) في الاستخدام .. وتعني في هذا الموقع :
أنه فوق صفاته الذميمة المكتسبة تلك : فهو أيضا عتل وزنيم !!.. وهما صفتان أصليتان في نفسه وليسا مكتسبتان !
ومن هنا نفهم أكثر كيف أن هناك ترتيب رتبي فصيح : يخالف الترتيب الزمني الشائع لدى العامة ..!
وبناء على ما سبق :
فالآية التي يحتج بها صاحب الشبهة وبـ (
ثم) فيها : نقول لها أنها قد تعني ترتيبا رتبيا أي : إشارة لأهمية التسوية ونفخ الروح وجعل السمع والبصر والأفئدة : فوق الخلق من طين ابتداء وجعل نسله فيه من ماء مهين !
"
الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين " >>
>> "
ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون " ..!
------
9...
وحتى لو افترضنا أن الله تعالى قد أراد - لحكمة ما - أن يخلق كل الكائنات الحية بتطور ٍمن بعضها البعض ..
فالسؤال الجدير بالذكر هنا هو :
ما الحكمة من ذلك : ولم يكن هناك أحدٌ سيشاهد هذا التطور أصلا ً- لأنه قبل خلق الإنسان - !!!..
هذا عن الماضي .. وأما اليوم : فقد ثبتت الحفريات غياب تلك الحلقات التطورية البينية المزعومة أصلا ً!!!..
بل : وحتى الأدلة المكذوبة من علم الجينات و DNA عن التطور : تنفضح عليهم هي الأخرى يوما من بعد يوم !
يعني : لا أحد سيشاهد هذا التطور في الماضي (فما فائدته) ؟!!!..
وأيضا ً: لا أحد سيشاهده في الحاضر ولا المستقبل (فما فائدته) ؟!!!..
وأما التبصر في خلق الله الكامل المُعجز في مخلوقاته ودلالته على وحدانية الله الخالق :
فهو واقع لا محالة ومتجدد الدلالة على خلق الله تعالى وكماله وعنايته بأقل تبصر في المخلوقات والكون :
سواءٌ قلنا بالتطور الخرافي المزعوم : أو أسلمنا لله بالخلق الخاص !!!..
نعم .. فحتى التطور الخرافي يعلن استسلامه في مثل هذه الأمور - ومنها عجزه عن تفسير بداية الخلق والحياة - !!..
وأما العاقل : فيعلم أن البداية التي أثبتوا أنها كانت فجأة وبصورة كاملة : فهي تدل على خالق حكيم قادر عليم !
وهذا هو الرد الذي ندين بمثله - كمسلمين - إلى الله تعالى ردا ًعلى سؤال :
" قل سيروا في الأرض : فانظروا كيف بدأ الخلق ؟!!.. ثم الله يُنشيء النشأة الآخرة : إن الله على كل شيء قدير " العنكبوت 20 ..!
فنقول :
بدأ الخلق كما أخبرنا الله عز وجل : به وحده سبحانه وبقدرته المطلقة !!..
وأن أي محاولة لتصور ذلك الخلق (بالتفصيل) وكأننا نراه رأي العين أو بعين التجربة العملية : فهي محاولة فاشلة إذ :
" ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض : ولا خلق أنفسهم : وما كنت متخذ المضلين عضدا " الكهف 51 ..
إذاً : فليقر المغرورون بالعلم بالا .. فليس لنا إلا البحث في الأسباب : وليس الاطلاع على كيفية عملها !
------
10...
أيضا ً: قد ذكر رسولنا الكريم أن خلق الإنسان قد أتى في سابع يوم ٍ(وهو يوم الجمعة) : بعد أن خلق الله تعالى السماوات والأرض وما فيهن : وهيأهن لحياة الإنسان !!!..
وفي ذكر خلق الإنسان في يوم ٍواحد بمفرده : بيانا ًلعظيم شأنه ومنزلته عند الله عز وجل ..
يقول رسولنا الكريم :
" خلق الله التربة يوم السبت .. وخلق فيها الجبال يوم الأحد .. وخلق الشجر يوم الاثنين .. وخلق المكروه يوم الثلاثاء (وقد يكون المقصود بهذا المكروه هنا الفيروسات وأسباب الأمراض وأسباب الزلازل والبراكين والأعاصير إلخ) .. وخلق النور يوم الأربعاء .. وبث فيها الدواب يوم الخميس .. وخلق آدم عليه السلام يوم الجمعة : بعد العصر من يوم الجمعة : في آخر الخلق : في آخر ساعة من النهار بين العصر والليل " .. رواه مسلم وصححه الألباني والمُعلمي ..
واليوم المذكور هنا :
لا يعلم مقداره في ذلك الزمن إلا الله ...
فقد يكون مقداره ألف سنة كما جاء في القرآن نفسه بيانه : الله أعلم !
وقد يكون يوما ًتشرق فيه الشمس وتغرب ولكن في وقتٍ أطول أو أقصر من أيامنا اليوم : الله أعلم !
< وقد جاء في حديث المسيح الدجال الشهير أنه يمكث يوما كسنة : ويوما كشهر .. ويوما كأسبوع >
وقد يكون يوما ًله مقداره الخاص عند الله : حيث لم تكن الشمس قد وُجدت بعد : الله أعلم !
والشاهد : هو صدق الله تعالى كما ذكرنا منذ قليل :
" ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض : ولا خلق أنفسهم : وما كنت متخذ المضلين عضدا ً" !!.. الكهف 51 ..
أقول :
وأما الحكمة من تأخير خلق الإنسان عن السماوات والأرض وما فيهن :
فهو أن جعل له في كل ما حوله وستقع عليه حواسه طوال تاريخ البشرية وتقدمها : آيات دالات على تخصيص الله تعالى له بالعناية دون غيره !!.. فيدفع ذلك كل عاقل متفكر للتدبر فيما يريده منه خالقه !!!..
يقول عز من قائل :
" وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض : جميعا ًمنه : إن في ذلك لآيات ٍلقوم ٍيتفكرون " الجاثية 13 ..!
وعلى ذلك :
فإينما يمم الإنسان وجهه بالفعل : برا ًأو بحرا ًأو جوا ً: وجد حقيقة ذلك !!!..
فكل ما حوله من مخلوقات : هو يخدمه !!!..
سواء بصورة طبيعية تلقائية علمَ الإنسان بها وأدركها مباشرة وطوعها لخدمته !!.. أو سواء لم يدركها بعد !!..
فمن
النجوم الصانعات لمواد الكون في أفرانها النووية !!!.. تلك
النجوم المتلألآت ليلا ًللزينة ولعلامات توجيه السائر (الشمس بالنهار والنجوم بالليل) .. إلى الشمس والقمر وفوائدهما الجمة على الأرض والإنسان والإشعاع النافع للحياة والمد والجزر ومعرفة عدد السنين والحساب .. إلى الأمطار والرياح والبحار والأنهار والعيون .. إلى النباتات والأسماك والحيوانات التي يتغذى عليها الإنسان ويستخلص منها ما يفيده في اللباس والاختبارات العلمية والدواء : وإلى حتى الصبغيات المستعملة في المعامل البحثية من أجساد الكائنات الحية والبحرية إلخ !!!..
عدد لا يُحصى من النعم والاستخدامات التي أخضعها الله تعالى لهذا الإنسان وعقله القابل للتعليم :
" وعلم آدم الأسماء كلها " البقرة 31 ..! فبالله تعالى وعطاياه المُميزة للإنسان : ساد الإنسان وتميز :
" خلقَ الإنسان : علمه البيان " الرحمن 3- 4 ..
" وإن تعدوا نعمة الله : لا تحصوها !!.. إن الله لغفور رحيم " النحل 18 ..
------
11...
وقد يتساءل سائل فيقول :
ولكني أعيش وأموت : وربما لم أحتك بمئات أو حتى آلاف الحيوانات التي تقول أن الله خلقها وسخرها لي ؟!!..
فأقول له :
هذا ظنك وعلمك المحدود للأسف وإلا :
فالكرة الأرضية مليئة بدورات الحياة والأحياء والمواد العضوية مثل الفسفور والكربون والنتروجين والأكسجين التي لو اختل جزءٌ صغيرٌ منها : لاختلت حياة البشر أو فنيت !!..
بل منها أجزاء لو اختلت بعيدا ًعنك بمئات الكيلومترات (مثل انسياح جليد القطبين مثلا ً) : لأثر عليك في بلدك وربما حياتك !!!..
ولأعطيك مثالا ًعلى هذا الاتزان الإلهي الدقيق في تلكم المخلوقات :
في عام 1907م في إحدى ولايات شمال أمريكا : كان يعيش 4000 غزال وفق توزيع الله الموزون لها في تلك المنطقة .. فأرادت السلطات الأمريكية الحفاظ على تلك الغزلان من الافتراس .. فسمحت للصيادين أن يصطادوا الحيوانات التي تفترس تلك الغزلان كالذئاب والكوجر .. وبالفعل : شرع الصيادون بالاصطياد وقتلالكوجر والذئاب : حتى تناقصت أعدادها بشكل ملحوظ .. فماذا حدث بعد ذلك ؟؟..
في عام 1916م أصبح عدد الغزلان 100 ألف غزال !!!.. أي تضاعف عددها في 9 سنوات إلى 25 ضعف !!!..
ونتيجة ذلك العبث في هذا الخلق الموزون للباري عز وجل : واجهتهم مشكلة أكبر وهي : كيف ستتغذى كل هذه الغزلان ؟؟!!..
وبالفعل : فبعد عدة سنوات : هلك نصفها لعدم توافر الطعام الكافي له !!!..
ثم لما ترك الصيادون صيد الكوجر والذئاب : عاد عدد الغزلان مع الوقت إلى 4000 مرة أخرى في هذه المنطقة !!!..
هذا مثال واحد ...!
فهل يدري المزارعون مثلا ً: كم دورة حياتية وحيوانية تتداخل لحفظ المزروعات لهم !!!..
فبعض الحشرات : لازمة لتلقيح بعض النباتات : فلو ماتت : هلكت تلك النباتات ولم تتكاثر !!!..
وبعض الطيور (كأبي قردان الشهير في مصر) تتغذى على بعض الحشرات الضارة بالنباتات :
فلو مات أبو قردان : لهلكت تلك النباتات بتلك الحشرات !!!!..
وهكذا ...
وحتى البكتريا التي لا تـُرى بالعين المجردة : لها دورات هامة للإنسان وفي الحياة وقد أشرت إليها من قبل معكم ..
والشاهد :
أن الله تعالى بث كل هذه الكائنات الحية والدواب في الأرض : وجعلها في شكل أمم لكي تحفظ نفسها تستمر وتـُقيم حياتها وتكاثرها وتحمي وظائفها : فيستفيد منها الإنسان من حيث يدري أو حتى لا يدري !!!..
" وما من دابةٍ في الأرض : ولا طائر ٍيطير بجناحيه إلا : أممٌ أمثالكم " الأنعام 38 !!..
بل وهناك لطيفة أخرى في معنى كلمة الأمم ..
وهي أن الأمم تحمل لأفرادها أخلاقا !!!.. سواء سيئة أو حسنة !!!..
وبالفعل : هذا ما يجده الباحث المتدبر لأمم الكائنات الحية المختلفة - وهو ما أشرت إليه منذ قليل من صفات عدد من الحيوانات - !!!..
بل هو اليوم في عصر التقدم العلمي والكشفي والتصوير والدراسات لها : أكبر وأعمق !!!..
ومن تلك الأخلاق الحيوانية :
يستأنس الإنسان بما يُستقبح منها أو يُستحسن !!!..
كالغيرة أو الحياء أو الوفاء أو الدياثة أو الشجاعة او المكر أو الخبث أو القذارة ... إلخ
وسبحان الله العظيم !!!..
------
12...
والآن : هل تذكرون الأخ المسلم الذي ذكرت لكم في افتتانه بخرافات العشوائية وقدراتها المزعومة التي زرعها في عقله الملاحدة حتى تشربها للأسف ؟!!.. بل وإلى أن قال أن التطور الصدفي العشوائي هو من الله !!.. ولذلك فالعشوائية هنا : مضبوطة !!!!..
أقول :
كان كلامه - وكعادة كل باطل - مليء بالمتناقضات التي ضربت له بعضها ببعض فانماحت بفضل الله !!.. ولكنه أثار شبهتين : هما اللتان تستحقان ذكرهما من بين باقي شبهاته الكثيرة المتهافتة ..
1)
الشبهة الأولى وهي :
استناده لاستنكار الله تعالى لبعض (مخلوقات الصدفة) مثل لهاث الكلب وصوت الحمار !!..
وفي رأيه أنهما لو كانا من خلق الله : لما كان استنكرهما الله عز وجل !!!..
أقول :
فأما الكلب :
فالله تعالى استخدم صفة ًلصيقة به لا يدعها تطبعا ً(وهي اللهاث لأنه لا يعرق) : فوصف بها عز وجل كل مَن ينسلخ من الدين مع ما وصله من العلم : نتيجة دناءة نفسه بالأصالة وخلوده للتراب والمال وحظوظ النفس : فهي فيه متأصلة تطبعا ًمثل اللهاث للكلب !!!..


والسؤال : أين الاستنكار أو الذم هنا للهث الكلب نفسه ؟!!!..
إنما استـُخدمت صفته فقط (وهي ملاصقته طبعا ًللكلب) في تصوير ملاصقة الطبع الدنيء للرجل المضروب به المثال من الله تعالى في قوله :
" واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا : فانسلخ منها !!.. فأتبعه الشيطان : فكان من الغاوين !!.. ولو شئنا : لرفعناه بها !!.. ولكنه : أخلد إلى الأرض !!.. واتبع هواه !!. فمثله : كمثل الكلب !!.. إن تحمل عليه : يلهث !!.. أو تتركه : يلهث !!.. ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا (أي بعدما عقلوها وعرفوها ثم تركوها لطبعهم المادي الخسيس) : فاقصص القصص : لعلهم يتفكرون " !!..
الأعراف 175- 176 ..
-----
وأما صوت الحمار .. فإن الذي استنكره : ليس الله عز وجل !!!..
ولكنه لقمان الحكيم وهو يعظ ابنه وينهاه عن علو الصوت قائلا ً:
" واغضض من صوتك : إن أنكر الأصوات : لصوت الحمير " لقمان 19 ..
أقول :
واستنكار لقمان هنا لصوت الحمار : هو استنكار بطبع الإنسان ..
ولم يأت في الآيات التعرض لحكمة صوت الحمار بشيء !!!.. تماما ًكما لو قلت لولدي مثلا ً:
" حاذر أن يخرج من بطنك ريحا ًيؤذي الناس كحيوان الظربان " !!!..
ومعلوم أن حيوان الظربان يستخدم هذه الخاصية الفريدة في دفاعه عن نفسه !!!..
فهي بالنسبة للظربان : ميزة ...! وبالنسبة لغيره : مشكلة 
والمهم :
فلماذا لا نقول أنه لصوت الحمار أيضا ًميزةً له أو وظيفة خلقه الله تعالى لها بهذا الانكران في السماع ...؟!
وبهذا : فلا دخل لاستنكار الإنسان لصوته : للحكم على كمال خلقة هذا الصوت أم لا !
فعن نفسي مثلا ً:
يكفيني ما قد يحمله مثل هذا الصوت المُنكر من إغاظة ٌواستهزاءٌ بالشيطان الذي أعطى الله القدرة على رؤيته للحمار !!..
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :
" إذا سمعتم صياح الديكة : فسلوا الله من فضله .. فإنها رأت مَلكا ً!!.. وإذا سمعتم نهيق الحمار : فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم .. فإنه رأى شيطانا ً" !!.. رواه البخاري ومسلم !!!..
2)
وأما الشبهة الثانية التي أود نقلها هنا ..
فهي سؤال هذا الأخ عن كيفية تنوع ألوان بشرة أجناس البشر أو البشر عموما ً!!!..
وعن كيفية وجود كل جنس في المنطقة التي تناسبه (الزنوج في أفريقيا - البيض في المناطق المعتدلة او الباردة .. وهكذا) ...
أقول :
فأما بالنسبة لتنوع وتدرج ألوان البشرة في الإنسان ...
فقد وُجد أن المتحكم في هذه الصفة : ثلاثة أزواج من الجينات على الأقل من الذكر والأنثى وقد رُمز لها بـ :
(A) ومقابله (a) - و(B) ومقابله (b) - و(C) ومقابله (c) ..
حيث البشرة الشديدة السواد مثلا ًهي : AA BB CC
والبشرة الشديدة البياض هي : aa bb cc
وأما البشرة المتوسطة اللون بينهما فهي : Aa Bb Cc
وعليه .. فلو افترضنا أن آدم وحواء عليهما السلام كانا ذوي بشرة متوسطة اللون ..
فإنه عند تزاوجهما :
فلدينا 64 احتمالا ًللناتج !!!.. يُمثلون 7 درجات ألوان رئيسية !!!..
وهي النسب والأعداد الموضحة بالشكل التالي :
حيث يمكن اعتبار آدم وحواء عليهما السلام هما الجيل الأول في الصورة التالية - وليس الآباء - وهو تزاوج :
Aa Bb Cc مع Aa Bb Cc :

والله تعالى القادر على خلق أزواج الجينات في آدم وحواء كما يشاء .. ولا ننسى أنه خلق عيسى عليه السلام من مريم وهي أنثى بكروموسومات جنسية (xx) وهو عليه السلام ذكر بكروموسومات جنسية (xy) !!.. حيث طلاقة قدرة الله تعالى لا تخضع لحساباتنا وقدراتنا المادية ..!
وأما بالنسبة لتوزيع البشر في الأرض : الزنوج مثلا ًفي المناطق الحارة .. والبيض في المعتدلة والباردة إلخ .. أقول :
سواء افترضنا أن قارات الأرض كانت متصلة جميعا ًقديما ًأو منفصلة في زمان الإنسان الأول :
فلو تصورنا أولاد وأحفاد آدم عليه السلام وفيهم التدرج في اللون ..
فإن السود منهم لو بقوا في المناطق الحارة : فلا تغيير للون بشرتهم بل : ووجد أن بشرتهم تلك تقيهم بالفعل عددا من الأمراض في تلك المناطق ..!
والنتيجة : لا داعي للانتقال عنها إلى غيرها وخصوصا ًوهي مناطق غنية بالخيرات والأمطار والزرع ..
وأما ذوو البشرات البيضاء أو الفاتحة : فهؤلاء سيلاحظون تغير درجات لون جلودهم مع البقاء في الشمس .. (احمرار - اسمرار - بعض المتاعب الجسدية والصحية الأخرى المتفاوتة) .. وهكذا ..
فهؤلاء : سيتحركون حيث تخف وطأة وحدة الشمس .. وفي مثالنا هنا سيكون شمالا ًمثلا ً!!..
ومع الوقت ...
سيتركز السود في المناطق الحارة .. وسيتركز البيض في غيرها من المعتدل أو البارد ..!
وكل ٌله خيراته ومميزاته وعيوبه ... وتهيئة الله تعالى له ..
وأما محاولة عكس الآية (انتصارا ًللتطور والتكيف المزعوم) بالقول بأن درجة الحرارة هي التي نتج عنها البشر السود : ثم توارثوا ذلك عبر الأجيال :
فهو قول ٌيصطدم بحقيقة التوارث الجيني أولا ًوهو : عدم توارث الصفات المكتسبة ..!
ويصطدم مع الواقع ثانيا ً:
حيث لو هناك أسرة بيضاء تعيش في أفريقيا لقرون : ولا تتزوج من خارج البيض :
فستبقى بيضاء !!!..
وبالمثل : لو أسرة سوداء سافرت لأوروبا أو أمريكا وعاشت بها لقرون : ولا تتزوج فيها من خارجها :
فستبقى سوداء !!!..
------
13...
وأخيرا ً....
لو قال قائل أني سأُسلم بالتطور ولكن : بغير كائنات انتقالية !!!..
أي : بغير تجارب تدل على جهل الصانع وحاشى الله أن يوصف بذلك ...
يقول هذا القائل :
أنا سأؤمن بأن الله قد غير من الذئب مثلاً إلى الكلب (أو العكس) : مرة واحدة !!!..
أقول :
ورغم شذوذ هذا التفكير (لأنه سيلزم لكل نوع على سبيل المثال تغييرين للذكر والأنثى لم يقل به أحد) :
ورغم شذوذه إذا فصلناه عن مباشرة الله له : لأن الأمر يحتاج فعلا ًلمعجزات مثل تحويل بيض البرمائيات لزواحف !!!..
أقول : رغم هذا الشذوذ :
إلا أنه في النهاية أيضا ًصورة من صور الخلق الخاص شاءوا أم أبوا !!!!..
وذلك للظهور المفاجيء لكل نوع وكأنه خلق للتو منفصلا !!..
ثم سأتركهم عند هذه النقطة يتضاربون في تحديد مسار شجرة التطور المزعومة بهذه الصورة - حيث من المفترض أن تتسلسل الأنواع بهذا المنطق في سلسلة واحدة واضحة المعالم - :
ولن يستطيعوا الثبات أيضا على واحدة !!!!..
وسبحان الله العظيم !!!..
Bookmarks