قَسَماً...لَنْ يَرْكَعَ الإسْلامُ

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان الا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعدُ:
فقد بدأت البشرية بخلق الله لآدم، وتكونت الشعوب والمجتمعات، وتوالت على هذه الجموع البشرية حضارات مُختلفة، تنافست في عَرض ما لديها لهذا الانسان، عَبر رحلته الطويلة من لَدُن آدم عليه السلام حَتَّى يومنا هذا، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ انَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ان أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ان اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
فظهرت الحضارة الاغريقية والفارسية والرومانية، وغيرها حضارات كثيرة، قبلها وبعدها الى يومنا هذا، تنُافسُ غيرها بما لديها تنافساً لاغراء واغواء هذا الانسان، ولكن سريعاً ما يَتَكَشَّفُ زيفها وتنتهي، حيث لا تَملأُ فراغاً، ولا يَجد فيها الناس أفراداً وجماعات اشباعاً، لرغبات الأجساد والأرواح وما تَحتاجه، فالوهم كله فيما بدَعوه، وادَّعَوهُ، وَدَعَوا اليه، من سَعادَة مَزْعومَة مَا هيَ الا كَسَراب بقيعة.

هل الاسْلامُ أحرَجَ الأمم والحَضَارَات؟!

وَمَعَ بُزُوغ شَمْس الاسلام قَدَّمَ للبشرية لوناً مختلفاً في الاعتقاد والأخلاق، ونوعاً جديداً يَرْقَى بالتَّعامُل الانسانيًّ رُقيّا فريداً، جعل غيره فاشلاً بَلْ قُلْ: عاجزاً عن تَقديْم نَمطٍ يفوق أو يقترب من النموذج الأمثل، الذي قدمه محمد صلَّى الله عليه وسلم، بل جُعلَتْ المسافةُ طويلةٌ، والبونُ شاسعاً، بينه وبين أقرب نَموذج يُمثل الحضارة الانسانية، وَأَبْقى نفسه بعيداً، وسيبقَى بعيداً، الَى ان يرث الله الأرض ومن عليها، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الاسراء:70].
وهكذا حاصر الاسلام كل الحضارات في أوكارها، بل شَلَّهَا وَأَذَلَّها حَتَّى تَجمدَتْ من الذُلِّ والصَّغَار في أماكنها، وانطلق الاسلام يستقبل الْجُموعَ البَشَريَّة، واستبشر الناس خيْراً ورحَّبوا بهذا الدين، وقال تعالى مبينا ذلك: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2]، واستبدلوا عظيم البيوت بخيوط العنكبوت.
وفي ظل هذه الانطلاقة شرقاً وغرباً ظهر الحقدُ والعداءُ والحسدُ على العرب والمسلمين، ظهر ذلك من المخالفين، وكل من لم يرتضِ هذا الدين، وأخذت صُدورُهُمْ تغلي كَالقُدور على نيْرَانها، وذهبوا للكيد والمكر بهذه الأمة، وَمُحاولة غزوهم، والقضاء علَى سِرِّ تفوقهم، مُحاولين ان يركع الاسلام أو ينحني أمام الخرافات، والمُعتقدات والديانات المنحرفة.

أيها الأنام.. لن يركع الإسلام لأعدائه

أَيُّها المسلمون لن يركع الاسلام لأعدائه، على الرغم من تعرضه للهجمات التتارية الشرسة، والصليبية الحاسدة، والصفوية الحاقدة، عبر تاريخه المضيء، حسداً وحقداً من عند أنفسهم، قال تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89]، وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ ايمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109].

أيها الأنام.. لن يركع الاسلام لأعدائه، والبُشرى للمسلمين

وسينتشر هذا الدينُ الْحَقُّ، والاسلامُ الصحيح في الآفاق على الرغم من كيد الأعداء والْمُخَالفيْن المنحرفين، قال تعالى: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)} [الصف:9-8].

[العز للاسلام الصحيح وأهله والذل والصغار علَى مَن خالفه]

أيها الأنام.. لن ينحني الاسلام لأعدائه

من لحق بالاسلام ودخله بكلمة التوحيد، والنطق بالشهادتين، أشهد ألا اله الا الله، وأشهد ان محمداً رسول الله، وجد ما يملأ الصدور انشراحاً، والآمال انفساحاً، وكان له العزُّ والسُّؤْدُدُ، ومن أعرض عنه أو سعَى في ايذاء أهله، كان نصيبه الذُلُّ والصَّغارُ والدَّمارُ، وتصديق ذلك معلوم فيما جاء عن نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، فقد روى أحمد في «المسند» (103/4) باسناد صحيح من حديث تَميمٍ الداريِّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيتا مدرا ولا وبرا الا أدخله الله هذا الدين، بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليل، عزاً يعزُّ الله به الاسلام، وذلاً يذلُّ الله به الكفر».وكان تَميمٌ الدَّاريِّ يقول: قد عرفت ذلك في أهل بَيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذُّلُّ والصَّغارُ والجزية. وأخرجه الحاكم في «مستدركه» (477/4) وصححه ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

أيها الأنام.. لن يركع الاسلام لأعدائه

أيها الْمُسلمون لن يركع الاسلام لأعدائه، الذين سعوا الى حربه وصدِّ الناس عنه، لقد حاربوه من كل الجهات، أعلنوها حربا من خارج البلدان العربية والمسلمة، وتسللوا الى الداخل أيضاً، حتى وصلوا الى أبناء المسلمين، فتغلغلوا بين أبناء الأمة، حتى يخلقوا تناغماً بين الفتك بالأمة من الداخل، مع حرب تدور رحاها في الخارج، وقاموا بزرع المنحرفين بنجاح في جَسَد الأُمَّة، وشعروا بسعادة مؤقتة، بما اعتقدوا باطلاً أنه قد حان زمن تحقيق الفوز والنصر على الأسلام، نعم، لقد فرحوا في زمن ما، وفي مكان ما، لقد عاشوا نشوةً – بحسْب اعتقادهم - عندما نجحوا بنشر المعتقدات الباطلة في عقول بعض الناس، فكان سماً تَسّرَّب في تلك الأجساد، انها محاولات الكسير المهزوم، فيُحاربون الاسلام من داخله، ويقاتلون الأنام باسم الاسلام، ومازال هؤلاء وأمثالُهم يَحملون أحقادهم، وَيَبُثُّونَ سُمومَهُم السَّبَئيّةَ الصفوية وَالْحَروريَّةَ.

أيها الأنام.. لن يَخضع الاسلام لأعدائه

أيها المسلمون انَّكم تَرون مَا يَحدثُ للمسلمين!!....يتلقَّى المسلمون ضَرَبات موجعة، الواحدة تلو الأخرى، تُسفكُ فيها الدماءُ، وَتُستباحُ فيها الأَعراضُ في أنحاء وجهات متفرقة من هذا العالم، بهدف القَضَاء علَى الاسلام، ولكن أنّى لَهم ذلك، والله تعالى يقول: {وَيَأْبَى اللَّهُ إلا ان يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32 ].وروى أحمد في «المسند» (6/4)، وابن حبان في «صحيحه» (91/15، 93) باسناد صحيح من حديث المقداد بن الأسود يقول: سَمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر الا أدخله الله كلمة الاسلام، بعزّ عَزيز أَو ذل ذليل، اما يعزهم الله عز وجل فيجعلهم من أهلها أو يذلهم فيدينون لَها».وأخرجه الحاكم في «مستدركه»(476/4) وصححه، ووافقه الذهبي وهو كما قالا.–

أيها الأنام.. هزيمة المسلمين لا تعني سقوط الاسلام

أَيُّهَا المسلمون لقد هُزمَ المسلمونَ في غزوة أُحُد، تَحت لواء مُحمد صلَّى الله عليه وسلم، حاملِ رسالة الاسلام، سَيّد الأوَّليْنَ والآخرين، وحاصره الأحزاب في المدينة، ولكن لم يهزم الاسلام، ولم يركع لأحد، وكانت للمسلمين الانتصارات بعد ذلك، حتَّى بلغ الاسلام ما بلغ، والحمد لله وحده على فضله وكرمه واحسانه.
فاياك اياك ان تعتقد ان هزيمة المسلمين هنا أو هناك، ستشهد نهاية الاسلام الصحيح، بل قد تكون بداية النور وطمس الظلمات، وكل ضربة للموحدين تزيد الاسلام والتوحيد قوة على قوة، فتراه ينطلق من جديد ليعلن ان الاسلام لم ينكسر، وأنه راية لا تركع للعبيد، فمن توقع سقوط الاسلام يوما ما، عليه مراجعة عقله، فاما أنه قادم للتَوِّ من كوكب آخر، أو لم يقرأ التاريخ، بل هو جاهل بتاريخ الحضارات والأمم.
اللهم عليك بأعداء الدين، وانصر الاسلام والمسلمين، وأعل كلمة الموحدين، والحمد لله رب العالمين.

د.عبدالعزيز بن ندَى العتيبي

فعلا و الله كلما ضرب أعداء الإسلام ضربتهم القاضية أو هكذا ظنوا , قام الإسلام كالمارد مرة أخرى أقوى و أصلب عودا مما كان ...
و كل حضارة تم ضربها بالقاضية لم تقم لها قائمة بعد و فى التاريخ الشواهد إلا هذا الدين لا و لن و لم يهزم و لن يموت ابدا , إنما يتبدل ناصروه فإن هُزِمَ اليوم حاملوه أتى آخرون بعدهم ليعيدوه إلى مكانته مرة ثانية , فهذا الدين لا يرتبط لا بأرض و لا بأشخاص و لا بحضارة تقيده , لا يتشرف الإسلام بمن يحمله و لا بأرض يعيش عليها و إنما هم من يتشرفون به ,,