بسم الله الرحمن الرحيم

كُنت أتصفح مواضيع الشَيخ ابراهيم الصبيحي - وفقه الله - فوجدت لهُ درراً نفيسةً فيما يتعلق بشهادة أئمةِ العلم والحُفاظ الكِبار لأئمة النقد بوجوب التسليم لهم في أحكامهم وعلمهم ، ولعل نَقلنا لهُ يفيد فكُلاً منهم علا وقدم وفاح أريج علمه في الأمصار والأقطار ، ولكن لا نَختلف أبداً في مفاضلة هؤلاء الأئمة فيما بينهم والعلم رحم بين أهله وهؤلاء جبال الحفاظ يشهدون لأئمة النقد بالعلم والتسليم لهم وحسبك بمن هو في منزلة الدارقطني - الحافظ الكبير - والإمام العلم الذهبي - الحافظ شَمس الدين - ، وليس هذا أبداً من قبيل التقليل من شأن أحد بل ورب الكعبة لكل منهم منزلته وعلو شأنه ولكنها شهادتهم في حق أئمة النقد ننقلها للفائدة والعبرة جعلنا الله وإياكم في منازلهم وأن نبلغ ولو نصف ما بلغوا ، وأسأله تعالى أن يرزقنا علما نافعاً وفهما طيباً وملكةً في الحَديث وعُلومه .
(1)الحَافظ الكَبير والإمام المعلل الدارقطني .
أوردهُ الحافظ المحقق ابن حجر في تهذيب التهذيب (9/519) : (( من أحب أن يعرف قصور علمه عن علم السلف، فلينظر في «علل حديث الزهري» لمحمد بن يحيى - يعني: الذهلي )).
(2) الحَافظ المحدث شمس الدين الذهبي .
قَال في تَرجمة أبو بكر الإسماعيلي في تذكرة الحفاظ (3/948) : (( صنَّف الصحيح وأشياء كثيرة، من جُملتها مسند عمر ت، هذَّبه في مجلدين، طالعتُه، وعلَّقْتُ منه، وابتهرت بحفظ هذا الإمام، وجزمتُ بأن المتأخرين على إياسٍٍ من أن يلحقوا المتقدمين في الحفظ والمعرفة )) أهـ.
وقال في ترجمة ابن خلاد في السير (16/69) : (( قال الخطيب: كان لا يَعرف شيئًا من العلم، غير أن سماعه صحيح، وقد سأل أبا الحسن الدارقطني، فقال: أيما أكبر الصاع أو المُدّ؟ فقال للطلبة: انظروا إلى شيخكم ، وقال أبو نعيم: كان ثقة ، وكذا وثقه أبو الفتح بن أبي الفوارس، وقال: لم يكن يعرف من الحديث شيئًا ، قال الذهبي : فمن هذا الوقت، بل وقبله، صار الحفاظ يُطلقون هذه اللفظة على الشيخ الذي سماعُه صحيحٌ بقراءة مُتقنٍ، وإثباتِ عَدْلٍ، وترخَّصُوا في تسميته بالثقة.وإنما الثقة في عُرْف أئمة النَّقد كانت تقع على العَدل في نفسه، المتقن لما حمله، الضابط لما نَقَل، وله فهمٌ ومعرفةٌ بالفنِّ، فتوسَّعَ المتأخرون.مات ابن خلَّاد في صفر سنة تسع وخمسين وثلاثمائة )).
قال في التذكرة (2/627) : (( فبالله يا شيخ: ارفق بنفسك، والزم الإنصاف، ولا تنظر إلى هؤلاء الحفاظ النظر الشَّزْر، ولا ترمقنَّهم بعين النقص، ولا تعتقد أنهم من جنس محدثي زماننا، حاشا وكلا... وليس في كبار محدثي زماننا أحدٌ يبلغ رتبة أولئك في المعرفة، فإني أحسبُك لِفَرْطِ هواك تقول بلسان الحال إن أعوزَكَ المقال: مَنْ أحمدُ؟ وما ابن المديني؟ وأي شيء أبو زرعة وأبو داود؟ هؤلاء مُحدِّثون ولا يدرون ما الفقه؟ وما أصوله؟ ولا يفقهون الرأي، ولا عِلْمَ لهم بالبيان والمعاني والدقائق، ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق، ولا يعرفون الله تعالى بالدليل، ولا هُم من فقهاء الملة.
فاسكُتْ بحِلمٍ، وانطِقْ بعلمٍ، فالعلم النافع هو ما جاء عن أمثال هؤلاء.
ولكن نِسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث، فلا نحن ولا أنت، وإنما يَعرف الفضلَ لأهل الفضل ذو الفضل، فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه
)) أهـ.
وحين تطرق هذا الحافظ الجهبذ والمُحقق العلم الحافظ الذهبي لمسألة الاختلاف في الاسناد المعنعن فقال في الموقظة (ص46) : (( وهذا في زماننا يَعْسُر نَقْدُهُ على المحدث؛ فإن أولئك الأئمة كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود عاينوا الأصول، وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد، وفُقدت العباراتُ المتيقنة )) ، قُلت : فرضوان الله تعالى على الجميع بلا استثناءٍ وألحقنا ركبهم النَافع المليء بالدرر وقطع المسكِ في كُل موطنٍ نسكنُ فيه لنتعلم هذا الفن والعلم النفيس ، جعلنا الله وإياكم ممن يُكتب لهُ حسن الختام على ما خُتم به أهل الحَديث أئمة الدين والهُدى.
(3) وهذا ابن القيم الجوزية - رحمه الله - يَقول .
قال - رضي الله عنه ورحمه - في تهذيب السنن (1/107-109) : (( رواه الذهلي في كتاب «علل حديث الزهري» عن محمد بن عبدالله بن خالد الصفار، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن أنس بن مالك، به مرفوعًا، ثم قال: تصحيح ابن القطان لحديث أنس من طريق الذهلي فيه نظر؛ فإن الذهلي أعلَّهُ، فقال في الزهريات: وحدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا محمد بن حرب، عن الزبيدي، أنه بلغه عن أنس بن مالك -فذكره- قال الذهلي: هذا هو المحفوظ.
قال ابن القطان: وهذا لا يضره؛ فإنه ليس مَن لم يحفظ حُجَّةً على مَنْ حفظ، والصفَّار قد عيَّنَ شيخَ الزبيدي فيه، وبيَّن أنه الزهري، حتى لو قلنا: إن محمد بن حرب حدث به تارة، فقال فيه: عن الزبيدي بلغني عن أنس، لم يضره ذلك، فقد يراجع كتابه، فيعرف منه أن الذي حدّث به: الزهري، فيحدث به عنه، فأخذه عن الصفار هكذا.
قال ابن القيم: «وهذه التجويزات لا يَلتفتُ إليها أئمةُ الحديث وأطباءُ عِلَلِه، ويعلمون أن الحديث معلول بإرسال الزبيدي له، ولهم ذوقٌ لا يحولُ بينه وبينهم فيه التجويزات والاحتمالات»
)) أهـ.
(4) شهادة الحافظ المعلل والإمام الجهبذ ابن رجب - رضي الله عن الجميع - .
قال الحافظ في الفتح (1/361) : (( قد ورد حديثٌ يدل على الرخصة من رواية أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب، ولا يمسُّ ماءً.
قال: خرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي، وقال: قد روى غير واحدٍ عن الأسود، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ قبل أن ينام - يعني جنبًا - قال: وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود، قال: ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق.
... وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق، منهم: إسماعيل بن أبي خالد، وشعبة، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر ابن أبي شيبة، ومسلم بن الحجاج، وأبو بكر الأثرم، والجوزجاني، والترمذي، والدارقطني... وقال أحمد بن صالح المصري الحافظ: لا يحلُّ أن يُروى هذا الحديث - يعني أنه خطأ مقطوع به، فلا تحلُّ روايته من دون بيان علته
.
وأما الفقهاء المتأخرون، فكثيرٌ منهم نظر إلى ثقة رجاله فظنَّ صحته، وهؤلاء يظنون أن كُلَّ حديث رواه ثقة، فهو صحيح، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث ، ووافقهم طائفة من المحدثين المتأخرين كالطحاوي والحاكم والبيهقي. )) أهـ .
وقال الحافظ : (( فمن اتقى وأنصف علم أن حديث أنس الصحيح الثابت لا يُدفع بمثل هذه المناكير والغرائب والشواذ التي لم يرض بتخريجها أصحابُ «الصحاح»، ولا أهل «السنن» مع تساهل بعضهم فيما يخرجه، ولا أهل المسانيد المشهورة مع تساهلهم فيما يخرجونه.
وإنما جُمعتْ هذه الطرق الكثيرة الغريبة والمنكرة لمَّا اعتنى بهذه المسألة من اعتنى بها، ودخل في ذلك نوعٌ من الهوى والتعصُّب، فإنَّ أئمة الإسلام المجتمع عليهم إنما قصدوا اتباعَ ما ظهر لهم من الحق وسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يكن لهم قصدٌ في غير ذلك ي.
ثم حدث بعدهم مَنْ كان قصدُه أن تكون كلمةُ فلانٍ وفلانٍ هي العليا - ولم يكن هذا قصدَ أولئك المتقدمين - فجمعوا، وكثَّرُوا الطرق، والروايات الضعيفة، والشاذة، والمنكرة، والغريبة، وعامَّتها موقوفات، رفعها من ليس بحافظ أو من هو ضعيف لا يُحتج به، أو مرسلات وصلها من لا يحتج به...
والعجب ممن يعلل الأحاديث الصحيحة المخرجة في «الصحيح» بعلل لا تساوي شيئًا، إنما هي تَعنُّتٌ مَحْضٌ، ثم يحتجُّ بمثل هذه الغرائب الشاذة المنكرة، ويزعم أنها صحيحة لا عِلة له
)) أهـ.
(5) الحافظ العلم والإمام الجهبذ ابن كثير الدمشقي - رحمه الله - .
قال الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث (ص79) : (( أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يُؤخذ مُسَلَّمًا من غير ذكر أسباب؛ وذلك للعلم بمعرفتهم واطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح )) أهـ .. قُلت : واعلم أن الدَعوة للسير على طريقهم واتخاذ ما اتخذوه نهجاً للتعليل والتصحيح والتضعيف ليس والله نبذا لجهد المتأخرين ولا والله هدراً لأقوالهم ولا تجنياً عليهم - رضي الله عن الجميع - بل إنا لا نَقول إلا أنهم أرادوا أن يسيروا على خُطاهم كما نبتغي السير على طريقهم - رضي الله عنهم - والاقتداء بعلمهم ، ودليلهُ ما ترى من الأقوال عن أعيانهم - رحمهم الله - والحفاظ المتقنين والجهابذة المحققين فتأمل .
(6) شهادة الحافظ العسقلاني ابن حجر - رحمه الله - .
قال رحمه الله عند ذكر «معرفة العلل» من كتاب «النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/711) : (( وهذا الفن أغمضُ أنواع الحديث وأدقُّها مسلكًا، ولا يقوم به إلا مَنْ منحه الله تعالى فهمًا غائصًا، واطلاعًا حاويًا، وإدراكًا لمراتب الرواة، ومعرفةً ثاقبة.
ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن وحُذَّاقهم، وإليهم المرجع في ذلك؛ لِمَا جعل الله تعالى فيهم من معرفة ذلك والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك.
وقد تقصر عبارة المعلِّل منهم، فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى، كما في نقد الصيرفي سواء، فمتى وجدنا حديثًا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله، فالأَوْلى اتباعه في ذلك، كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه ، وهذا الشافعي مع إمامته يحيلُ القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث
)) أهـ.
ثم قال بعد ذلك (2/726) تعقيبًا على تعليل الأئمة لحديث أبي هريرة في كفارة المجلس : «... بهذا التقرير يتبين عظمُ موقعِ كلام الأئمة المتقدمين، وشدةُ فحصهم، وقوةُ بحثهم، وصحةُ نظرهم، وتقدمُهم بما يوجب المصيرَ إلى تقليدهم في ذلك، والتسليمَ لهم فيه، وكل من حكم بصحة الحديث مع ذلك إنما مشى على ظاهر الإسناد، كالترمذي، وكأبي حاتم ابن حبان، فإنه أخرجه في «صحيحه»، وهو معروف بالتساهل في باب النقد». اهـ.
(6) قَول الإمام السخاوي وشهادته - رحمه الله - .
قال رحمه الله عند ذكر «الموضوع» من أنواع الحديث في كتابه «فتح المغيث» (1/237):
«لذا كان الحكم من المتأخرين عسرًا جدا، وللنظر فيه مجالٌ، بخلاف الأئمة المتقدمين، الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث، والتوسع في حفظه؛ كشعبة، والقطان، وابن مهدي ونحوهم، وأصحابهم مثل أحمد، وابن المديني، وابن معين، وابن راهويه وطائفة، ثم أصحابهم مثل البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وهكذا إلى زمن الدارقطني، والبيهقي، ولم يجئ بعدهم مساوٍ لهم ولا مقارب، أفاده العلائي، وقال: متى وجدنا في كلام أحد من المتقدمين الحكم به كان معتمدًا، لِمَا أعطاهم الله من الحفظ الغزير، وإن اختلف النقل عنهم عُدِلَ إلى الترجيح». اهـ..
وقال في آخر نوع «المعلل» منه (1/220): «هو أمر يهجم على قلوبهم، لا يمكنهم رَدُّه، وهيئة نفسانية لا معدل لهم عنها، ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث كابن خزيمة، والإسماعيلي، والبيهقي، وابن عبدالبر، لا ينكر عليهم، بل يشاركهم، ويحذو حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث بالأدلة.
هذا مع اتفاق الفقهاء على الرجوع إليهم في التعديل والتجريح، كما اتفقوا على الرجوع في كل فَنٍّ إلى أهله ، ومَنْ تَعاطى تحريرَ فَنٍّ غير فَنِّه فهو مُتَعَنّ، فالله تعالى بلطيف عنايته أقام لعلم الحديث رجالًا نقادًا تفرغوا له، وأفنوا أعمارهم في تحصيله، والبحث في غوامضه وعلله ورجاله، ومعرفة مراتبهم في القوة واللين ، فتقليدهم، والمشي وراءهم، وإمعان النظر في تآليفهم، وكثرة مجالسة حفاظ الوقت، مع الفهم، وجودة التصور، ومداومة الاشتغال، وملازمة التقوى والتواضع، يوجب لك إن شاء الله معرفة السنة النبوية، ولا قوة إلا بالله». اهـ.. قُلت : وللشَيخ الحَبيب اللبيب الأريب إبراهيم الصبيحي تعليقات نفيسةٌ على هذه النُقولات النافعة ، والذي يتبين فيها عظيم منزلة الأئمة فلا يحل لأحدٍ أن يأتي ويتَكلم في علم الجرح والتعديل دُون الرجوع إليهم وتَحسين حال من أنكروا حديثه وضعفوهُ وتكلموا فيه بجرح مفسر ، فلابد من النظر والتسليم بقولهم - رضي الله عنهم - .
قَال الشَيخ أبو أنس - حفظه الله - معلقاً على الأقوال :
هذه نماذج مما سَطَّر به مَنْ ذكرنا من الحفاظ شهادتَهم في حَقِّ متقدمي أهل هذا الفَنِّ، وقد قامت الحُججُ على استحقاقهم لتلك المنزلة، وتظاهَر مَنْ ذكرنا من متأخري المحدثين على تأكيد ذلك.
وإذا كان هذا المعنى مستقرا لدى كُلِّ مُنصف قد ألم بطرفٍ من هذا العلم؛ فإن دلالة ذلك واضحة على ما يلي:
أولًا: وجوب التسليم لهم في باب جرح الرواة وتعديلهم، ولا يُدفع قولهم بقول مَنْ بعدهم ممن لم يبلغوا مبلغهم في العلم والاحتياط والورع.
ثانيًا: وجوب التسليم لهم في باب تصحيح الأخبار وتعليلها، وعدم الالتفات إلى مخالفة غيرهم لهم ممن لم يفطنوا إلى دقائق هذا الفنّ وغوامضه.
ثالثًا: لزوم العناية التامَّة بكتبهم، واستقرائها بتأنٍّ لمن رُزِق أدوات هذا العلم وحَصَّل أسبابه، وذلك مِنْ أجل الوقوف على أصول هذا الفنّ، وقواعده وحدود ألفاظه، ومعاني مصطلحاته عندهم؛ فَهُمْ قِبلةُ هذا الأمر، فلا يجوز الالتفاتُ عنها لمن أراد القَبُول، فمن ترك كلامهم، وذهب يتلمس ذلك في عبارات المتأخرين التي يخلو كثير منها من التحرير، ويُردد المصنفون فيها كلامَ بعضهم بعضًا مع زيادة كُل منهم شيئًا مما يراه في بعض الأبواب، فلم يأت البيتَ من بابه، ولم يستقبل قبلة هذا العلم.
وليس في هذه الدلالة غَمْصٌ لكتب المتأخرين في «مصطلح الحديث» فإنهم قد ألمّوا بمجامع هذا العلم وأطرافه، ورتبوا مسائله، وفي تحقيقات بعضهم قطعُ أشواطٍ طويلة في الوصول إلى حقيقة أصول هذا الفن عند بعض الأئمة.
والمقصود أن علم أصول الحديث لم ينضجْ ويحترقْ كما زعم البعض، بل ما زالت كثير من قضاياه بحاجةٍ إلى تحرير.