النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: ولاية المتغلب

  1. افتراضي ولاية المتغلب

    ولاية المتغلب (1)
    من هو المتغلب؟ وما ولاية؟
    بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته أجمعين، وبعد:
    ما زال كثيرٌ من العلماء المعاصرين يُحذِّرون الناسَ من الخروج على الحكام (وولاة الأمور) المعاصرين، رغم أن الأغلبية الساحقة منهم طغاة علمانيون، يحاربون الشريعة، ويُضَيِّقون على الدعوة والدعاة، ويبيحون المعاصي كالربا والاختلاط وغيره بموجب القانون، مما يعني التجويز والاستحلال! يعني بتشريع مخالف للشريعة وبقوانين ودساتير مناهضة للدين عقيدة وشريعة، وليس فقط معصية عينٍ عَصاها الحاكم في واقعة مُعيَّنة! بل هم:" يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون"[التوبة،30]، يضاهئون كفرةَ اليهود والنصارى في عزل الدِّين عن قيادة الدنيا وسياستها بشريعته، ويضاهئونهم في اتِّخاذ شركاء يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله -عز وجل-، بعدما شنقوا آخر ملِك بأمعاء آخر قسيس! لأنهما تعاونا على تعبيد الجماهير لأنفسهما باسم الدين والإله، فكانت العَلمانية التي لا دين لها ولا إله! وكانت المضاهاة بين قسٍّ وعالم، وبين ملِكٍ وحاكم!
    ومن خالفهم في مخالفاتهم عوقب بموجب (دِين الملِك) أي قانون الحاكم أو الملك الذي يعاقب على الطاعة، ويكرم على المعصية.. يكرمون على العهر والدعارة والدياثة والفسوق والعصيان، وعلى والتمثيل الخليع والغناء الفاحش، وعلاوات وترقيات لمن تفنن في قتل الإسلاميين وحربهم.. وفي المقابل يهينون ويضيقون على الحشمة والحياء والالتزام، سجون أو إقامة جبرية (حبس في بيته) لعالم أقام درسا يطالب فيه بتحكيم الشريعة أو يتكلم فيه عن فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو ينصر إخوانه من وراء الصحاري والبحار، أو يرمونهم بالتخابر ضد الوطن.. وفصلٌ من التدريس لمدرس يفصل بين الذكور والإناث في الفصل (قاعة التدريس)، بتهمة التمييز بين الذكور والإناث، أو احتقار المرأة... فضلا عن عقود وعهود مع يهود.. فضلا عن حصار المسلمين وقطع الماء عنهم والهواء.. ومجاهدة للمجاهدين... كل هذا وهم ولاة أمور تجب طاعتهم وتنفذ أحكامهم! بفتوى القساوسة.. أقصد مضاهئيهم من شيوخ السلطان من بني جلدتنا! علماء البلاط وشيوخ السلطان... حاشا من ليسوا كمثلهم
    كل ذلك والفتاوى تترى من (علماء) تُحَرِّم وتُجَرِّم الخروج على و(عن) هؤلاء الحكام والملوك، وبإيعاز أو بأمر من ولاة الأمر والملوك بإخراج هذه الفتاوى، وإقرارها وتكرارها في كل واد وناد..
    لكن وكما يقال: الفتاوى تتغير أو (تتلون) بتغير الزمان والمكان، أو بتلون المحيط الذي تعيش فيه الحرباء!!
    فقد وجب –هذه المرة- الخروجُ أو على الأقل صحَّ الخروج على الحاكم إذْ كان مسلمًا، ولا يوالي يهود، ولا يحل ما حرم الله، ولا يحرم ما أحل.. فجوزوا الخروج عليه، وإعانة من خرج عليه بالمال والرجال إذا كان الخارج عليه طاغوتا ولم يكن داعية مسلما أو شبابا مسلما يبتغي تحكيم شرع الله.. أما لما كان يخرج بعض الإسلاميين على هؤلاء الطواغيت فكان يقوم علماء هؤلاء الطواغيت يضللون الخارجين!!
    لقد انقلب السيسي على مرسي.. وخرج على الحاكم، ولي أمر المصريين.. وبدلا من أن نجد الفتاوى التي تحرم الخروج على الحكام، وتصف السيسي بالخارجية على الأقل(وهو أخبث من الخوارج).. بدلا من ذلك نجد عقيدة عدم الخروج على الحكام هذه المرة تطوى ولا تروى.. وتوضع في الأدراج.. وتُستَخْرج لها فتاوى أخرى.. اسمها زورًا : طاعة الحاكم المتغلب!!
    أنا لم أستغرب موقف بعض حكام وملوك الخليج، لا أقول الداعم للانقلاب.. بل المدبر للانقلاب والراعي له.. ثم الداعم والمغذي له، والمنفق عليه بلا حساب، والمحامي عنه عند الغرب، والمتطوع بتخويف الغرب من حكم الإخوان.. ( وفوبيا الإخوان).. لم أستغرب موقفهم هذا لأني أعرف حقيقتهم من زمان، وأعرف عنهم أفضع من هذا وأشنع وأبشع.. لكن البوح بالحقيقة في غير حينها المناسب لا يصدقها أحد، وبل وربما إلى الآن لا يصدقها البعض..
    لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا
     لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لكم، فلعل الله- سبحانه- أراد أن يرحم أمته فيكشف ستره عن قِطاع كبير وقُطَّاع طُرُقٍ كثيرين من حكام وملوك و(دعاة) و(علماء) و(خطباء) ووزراء وإعلاميين و(إسلاميين!):  مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران: ١٧٩]، فعلينا فِعْلاً أن نؤمن كما جاء في هذه الآية، بأن هذه حكمة الله في قدره وقضائه، وهذه رحمته بالمؤمنين وبِصَفِّهِم.. فتميز الصفوف نصر لها وأمان.
    بل لعله كما قال تعالى:"  وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [ البقرة: ٢١٦]، و  فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﮊ النساء: ١٩. وقوله تعالى:إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ النور: ١١]، وولله إنه لمن أعظم الإفك أن يوصَف المجاهدون بأنفسهم وأموالهم سليما بأنهم خوارج خائنون، ويوصَف الطغاة الخارجون على شريعة الله بالحرب بأنهم ولاة أمور وطنيون! وإن لكل امرئ منهم ما اكتسب من إثم الإفساد في الدين والدنيا، بالفعل أو بالفتوى.
    فليس الأغرب هو تصرف أولياء الأمر و(ألويته) من الحكام والملوك، ولكن الأغرب من ذلك فِعال أولياء الأمور من(العلماء)؛ والفتاوي الجاهزة التي أجهزت على الحق الذي مع المظلومين، وجعلتهم خوارج وأهل فتنة.. ويعنى ذلك جواز قتالهم وقتلهم واستحلال دمائهم.. لأن التوصيف يقتضي الحكم بأنهم كلاب النار.. وأنهم شر قتيل تحت أديم السماء.. وقد سُحبت أحاديث الخوارج وأُسدلت ستائرها على الإخوة والإخوان في مصر!! وكما كان يقال: (اقتله يا أمير المؤمنين.. ودمه في عنقي!)، فقد أعاد التاريخ نفسه.. التاريخ البائس طبعاً!.
    إنما العلم الخشية
    وطبعاً هم ليسوا علماء وإن حشوا رؤوسهم بكثير من الثقافة والمعلومات، وإن حوى أحدهم في رأسه (شيخ كمبيوتر)، وإن هزَّ أعواد المنابر، وإن هَمْلَج وتلجلج، لأن العالم ليس ذلكم؛ وإنما هو الذي يخشى الله:  إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ  [فاطر: ٢٨]، فالذي لا يخشى الله –خاصة في المسلمين- وفي دمائهم وأعراضهم ليس عالماً، بل متعالم! قيل للشعبي-رحمه الله-: أيها العالم! قال: لست بعالم؛ إنما العالم من يخشى الله. وكان السلف يرددون هذه العبارة مثل سفيان بن عيينة ويحيى بن أبي كثير وغيرهم-رحمهم الله تعالى-، أي أن العلم قرين الخشية، ولذلك قرن النبي-صلى الله عليه وسلم- في وصف نفسه بين العلم والخشية والتقوى: «إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا»[البخاري برقم: 20]، فعِلم بلا تقوى لا قيمة له، ومن قبلُ قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد: 11]، فبدأ بالإيمان قبل العلم.
    تأسف حين تسمع خطيباً في ظل الكعبة المشرفة يردد ما يقوله الملوك.. ويدعم الانقلاب على دولة الإسلام والمسلمين.. ويَجري في هوى الحكام والقيادة الرشيدة والحكومة الحكيمة! ويجعل قيامها مع الطغيان والانقلاب وتقتيل الركع السجود، ودفع الأعطيات للجنود القتلَة... يجعلها قومة مشكورة في قضايا المسلمين ونصرتهم، والبلسم الشافي لجراحاتهم، والآخر يدور في فلك ولي الأمر فيفتي خطباء مملكته بألا تثار قضية مصر في المساجد؛ لأنها تشغل المصلين عن صلاتهم..
    ولكن حين ترجع إلى عقلك تتذكر أن جنود الباطل ليسوا العسكر فقط، وإنما هم أيضاً - شعروا أم لم يشعروا-، علماء وإعلاميون وفنانون وسحرة فرعونيون، ورجال أعمال قارونيون، ووزراء هامانيون.. وأحزاب تزعم أنها إسلامية، بل سلفية! ومن هؤلاء الجنود علماء السوء، علماء اللسان الذين يجادلون بالباطل، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-«بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أحدُهم دينه بِعَرَضٍ من الدنيا»[السلسلة الصحيحة: 758] ، وأخطر من باع دينه بعرض من الدنيا هم علماء السوء، ومَكمن خطرهم أنّ ضررهم عائد على الدين وأهله، لا على أشخاصهم هم فحسبُ.
    كان الإمام الهمام والفارس المغوار يخاطب العابد الزاهد-رحمهما الله- يقول له:
    يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب
    ولأن أمثال هؤلاء الآن لا عَبدوا حقا ولا جاهدوا صدقا! فإنا لنجد أنفسنا نقول عن بعضهم:
    يا عابث الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تعبث
    كان هؤلاء يقولون بأن الخروج على الحكام يجر البلاد إلى الفتنة ويُجري دماءها أنهارًا.. فقلنا: نعم! لكن لا ولاية للطغاة علينا، ولا طاعة لهم علينا، وإنما حفاظا على دماء المسلمين وأعراضهم وقضاياهم.
    ما بالهم اليوم لا يقولون عن السيسي بأنه خرج على الحاكم.. وأنه جر البلاد إلى الفتنة.. وأنه أجري ويجري دماء المسلمين أنهارا؟! وأنه يعتقل الحرائر في سابقة لم يعمل مثلها الصهاينة عليهم لعائن الله.. كل ذلك ولم يقولوا هذا خروج على الحاكم الشرعي.. ولو قالوها لصدقناهم.. ولكنهم قالوا خلافها فخالفناهم، بل خالفوا أنفسهم فكذبناهم بأنفسهم.
    بدلا من ذلك قالوا حاكم متغلب.. وكذَب ملوك الجبر ومفتو الضلال وخطباء الفتنة!
    كذب الملوك والأمراء لأنهم غلَّبوه قبل أن يتغلب وسعوا في تغليبه.. فهم على هذا الهوى قبل أن يتغلب وقد غلَّبوه بتآمرهم وأموالهم ومخابراتهم. وإنما أُخرجت الفتوى للتبرير.. بل للتدليس والمكر والخداع.. لكن:ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين[الأنفال:3]  ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله[فاطر:43]، فقد حاق بهم الأمر وافتضحوا، وفضيحة الآخرة أخزى، وكيف لا يقولون ذلك وهم أصلا متغلبون، وهم إخوة في الغصب والتغلب وأولياء فيه؟!
    وأكذب منهم مفتوهم وخطباؤهم وأحبار سوء ورهبانها لأن هذا ليس حاكما متغلباً.. وإنما هو عدو منتصر على المسلمين بقوة السيف والسلاح.. أو على الأقل طائفة باغية خرجت على الأمة بالسلاح.
    فهو إن لم يكن مرتدًّا عن الشرع، فهو مرتد عن الديمقراطية التي آمن بها ودعا الناس إليها، ثم انقلب عليها، فذبحها وذبح من فيها ذبح الخِراف!
    فأين هذا من المتغلب؟ ومن هو المتغلب أصلا؟!
    يتبع في حلقتنا القادمة إن شاء الله وهي أكثر تركيزا وتدليلا

  2. افتراضي

    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
    ولاية المتغلب (2)
    وقفنا في حلقتنا السابقة على السؤال:
    ..... فأين هذا من المتغلب؟ ومن هو المتغلب أصلا؟!
    ونزيد على ذلك تساؤلات:
    هل يصح التغلُّب أصلاً؟
    وإذا قيل به؛ فهل يكون حالة ضرورة أم حالة سوية عادية؟!
    وإذا قُبِلَ؛ فهل يُقبَلُ مطلقاً، أم أن له شروطاً للطاعة؟
    وعندئذٍ فما شروطُ قَبولِهِ وطاعته؟
    توطئة:
    أصل الطاعة وشرطها:
    أصل الطاعة طاعة الله-تعالى-، وكل طاعة في طاعته فهي طاعة مأمور بها أو مأذون فيها.. وكل طاعة في معصيته فهي معصية منهي عنها.
    وبعد ذلك فالأصل أنه لا تجب طاعة بشر والإتمار بأمره، والانتهاء بنهيه، إلا بدليل ...
    ولا موجب على بشر إطاعة بشر إلا الله – سبحانه وتعالى-، فمن أوجب الله علينا طاعته أطعناه طاعة لله-سبحانه-، فإن عصيناه عصينا الله-عز وجل-.
    وقد أوجب الله علينا طاعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، بل وما أرسله إلينا إلا لنطيعه في كل ما جاء به، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ[النساء:64].
    ومن هنا وجبت علينا طاعة الله تعالى وطاعة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ولا يصح توحيد التعبد إلا بالأولى، ولا يصح توحيد الاتِّباع إلا بالثانية، وخلاصتها في قولنا:"لا إله إلا الله، محمد رسول الله". وكما يقول ابن القيم:" ... فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسِل، وتوحيد متابعة الرسول؛ فلا يحاكم إلى غيره ولا يرضى بحكم غيره"[ مدارج السالكين2/387-388)].
    ولا يصح سؤالُنا: من هو الله المطاع من بين الآلهة، وما وصفه وفعله؟.. لأنه واحد لا يتعدد.
    ولا يصح سؤالُنا: من هو الرسول المطاع من بين الرسل، أو من بين البشر؟ لأنه واحد لا يتعدد في نبوته، لا يختلف عليه مُسلِمان. ودليل طاعته ثابت من أول مرة يؤمن به المؤمن، ويبقى قائماً إلى يوم القيامة، لا يحتاج المسلم إلى تحقيق مناطه كل مرة.. لأنه-صلى الله عليه وسلم- لا تطرأ عليه الصفات بعد العصمة والممات، ولم تتغير عليه الأحوال.. الموجبة لطاعته المطلقة.
    أما غيره من البشر، فلا تجب طاعته إلا بدليل عينيًّا أو وصفيًّا.. وإن وجبت مرة بدليل، فلا بد من تعاهُد مناط إيجاب الطاعة، فقد يطرأ على الشخص ما يوجب طاعة مرة، وما يُحرِّمها مرة أخرى...
    فمثلا يجب على المرأة طاعة زوجها، لا لشخصه بالذات، ولكن لوصف (أو منصب) الزوجية، ولا تجب عليها طاعته إذا زال هذا الوصف بخلع أو طلاق. وهو هو الشخص نفسه.
    وتجب ولاية الأب على ابنته، أو الولي الذكر على مولِّيتِهِ، فيُنكِحَها... وتسقط هذه الولاية بردَّته أو سفهه، فلا يملك من أمرها شيئا، لزوال الشرط، وتنتقل ولايته إلى غيره ممن هو أبعد منه رحماً وقرابة، مسلما رشيداً.
    وتجب إطاعة أمير الجماعة في السفر-مدة السفر- لملابسة السفر، لا لشخصه بالذات، وتأثم بمخالفته في غير المعصية، وينتهي الوجوب عند أول خطوة في الحضَر بعد السفر؛ لزوال الوصف والسبب.
    وتجب طاعة أمير الأمة وحاكمِها في الدولة، بشرطه أو لوصفه، لا بشخصه بالذات، فإن فقد الشرط أو خلا عن الوصف لم تجب طاعته، وتجب موالاته لذات الشرط والوصف، فإن فقد ذلك حرمت موالاته وسقطت ولايته.
    والنبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني»[متفق عليه]. والنبي يأمر بطاعة أميره، فمَن أميرُ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وما وصفه، وما فِعْله في نفسه وفي رعيته، وفي خلافته في أمته؟
    والأمير المطاع
    وبعدهـا نقول:
    إنَّ الحاكم والأمير المطاع، الذي أوجب اللهُ علينا طاعتَهُ، وأوجبها علينا رسولُه- صلى الله عليه وسلم- هو فقط المسلم الذي يحكم بشرع الله سبحانه، ويسوس دنيا الناس بدين رب الناس، وإلا فلا سمع ولا طاعة أصلا وفصلا، أما إن حكم المسلمُ بشريعة الله في عباد الله، لكنه أخطأها في فرعيات، أطعناه في معروفها، وعصيناه في منكَرِها.
    منـــكم!!
    الدليل الأول: أن الآية اشترطت في ولاة الأمر المطاعين أن يكونوا من المؤمنين:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾[النساء، 59]، وتلاحظ أن الآية ذكرت طاعة الله غير مقرونة ولا مقيدة، لأنه –سبحانه- صاحب الأمر كله، وذكرت طاعة الرسول-صلى الله عليه وسلم- غير مقرونة ولا مقيدة؛ لأنه المبلغ عن ربه-سبحانه- الحاكم بأمره، وحاشاه أن يأمر بغير طاعة الله. أما طاعة أولي الأمر فلم تُذكر مفردة، وإنما فُهِمت من العطف فقط، ولم يُفْرَدوا بالطاعة؛ فدل على أن ولاة الأمر المطاعين هم الطائعون لله ورسوله في شؤون ولايتهم، وعلى رأسها سياسة الدنيا بالدين، أي بتحكيم الشريعة في حياة الناس، وإلا لم تَجُز لهم طاعة ولم تصح لهم ولاية، لا في منكر ولا معروف!. وإنما يُصبر عليهم كما صبر النبي-صلى اله عليه وسلم- وصحابته الكرام على حكام مكة من قريش، فلم ينابذوهم من ضعف، ولم يقروا لهم بطاعة ولا ولاية، لا في طاعة ولا معصية.. إلى أن أذن الله بساعة الفرج، بعد بذل الوسع في إيجاد المخرج.
    قال الشنقيطي في الأضواء ﴿أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ﴾ [ النساء: 59] ، فكرر الفعل بالنسبة لله وللرسول ولم يكرره بالنسبة لأُولِي الأمْر، لأن طاعتهم لا تكون استقلالاً بل تبعاً لطاعة الله وطاعة رسوله، كما في الحديث : « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» .)[8/328].
    لطيفة: لا طاعة لمن عصى الله
    بل في الحديث الآخر:« لا طاعةَ لمَنْ عصَى اللهَ»[الألباني، السلسلة الصحيحة:2/137، حديث 590]، فمن كان أصله وديدنه وهجِّيراه معصية الله، خارجا عن طاعته وشريعته، فلا طاعة له، لأنه عصى الله أصلا ومطلقاً، وصار اسم العاصي أغلب عليه وأصدق فيه من اسم الطائع، وهذا حال غالب حكام العرب والمسلمين. وفي الحديث الآخر:« لا طاعة لمن لم يطع الله»[الألباني، صحيح الجامع: 7521]، فشخص دينه وديدنه وسحابة يومه أنه لم يطع الله في وظيفته، التي هي سياسة الدنيا بالدين، فهذا لا طاعة له أصلا، لأنه لم يطع الله، وصار اسم العاصي اصدق عليه من اسم الطائع..
    والقصد: أن هناك فرقاً بين مَن أصله الطاعة، ولكنه يخالف قليلا، ومن أصله المعصية، وقد يوافق الحق قليلا، وربما بغير قصد الحق والطاعة، وإنما لما تحقق له من مصلحة، كما جاء في وصف المنافقين الذين يوافقون الحق لما لهم فيه من حقٍّ، لا لأنه الحق: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)[النور].
    قال الطاهر بن عاشور في تفسير الآية لمّا أمر الله الأمّة بالحكم بالعدل عقّب ذلك بخطابهم بالأمر بطاعة الحكّام ولاة أمورهم؛ لأنّ الطاعة لهم هي مظهر نفوذ العدل الذي يحكم به حكّامهم، فطاعة الرسول تشتمل على احترام العدل المشرّع لهم وعلى تنفيذه، وطاعة ولاة الأمور تنفيذٌ للعدل)[التحرير والتنوير: 3/451]، يعني أن طاعة أولي الأمر إنما وجبت لِمَا يقومون به من تعليم علم النبي-صلى الله عليه وسلم- كعلماء، ولما يقومون به من تنفيذ العدل الذي جاءت به شريعة النبي-صلى الله عليه وسلم- كحكام وأمراء، فإذا خرجوا عن علمه وشريعته فلا سمع لهم ولا طاعة، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
    قال الشنقيطي في أضواء البيان والتحقيق في معنى الآية الكريمة أن المراد بأولي الأمر: ما يشمل الأمراء والعلماء. لأن العلماء مبلغون عن الله وعن رسوله، والأمراء منفذون، ولا تجوز طاعة أحد منهم إلا فيما أذن الله فيه)[7/551]. فتبليغ العلماء للشريعة وتنفيذ الأمراء لها، هو علة وجوب طاعتهم، أمَّا حين يرمون بالشريعة وراءهم ظهريا فقد زالت علة الوجوب، فسقطت طاعتهم. لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
    فهل يصلح أحدٌ من حكام البلاد الإسلامية لهذا المنصب؟ وهل تجب طاعتهم مع نبذهم للشريعة، ومنابذتهم لأهلها؟ هل هم ينفذون العدل النبوي الوارد في شريعته الربانية؟ حتى تثبت له ولاية أو تجب لهم طاعة؟
    وحيث إنَّ الجواب أولا : لا، فالجواب ثانيا: كـلا.

  3. افتراضي

    ولايةالمتغلب (3)
    يقودكم بكتاب الله
    الدليل الثاني: أضف إلى ذلك شرط الولاية الذي وضعه النبي-صلى الله عليه وسلم: :«إن أُمِّر عليكم عبدٌ مجدَّع - حسبتها قالت أسود- يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا»( مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإمارة (33)، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (8)، حديث (1838)، 2، 892.). وفي ألفاظه الأخرى الصحيحة كلها:« ما قادكم بكتاب الله»، « ما أقام لكم كتاب الله».
    ووجدتُ صاحب"التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" ينسه للبخاري حيث قال والذي في البخاري من حديث أنس بلفظ : «ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة، ما أقام فيكم كتاب الله»)، ولم أجد هذا اللفظ عند البخاري، فالله أعلم، ويكفينا أنه في صحيح مسلم كما سبق.وفي جامع الترمذي: « يا أيها الناس اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام لكم كتاب الله» [قال الألباني : صحيح، 4/204، حديث (1706)]
    وهذا الحديث يبين أن الحاكم المتغلب يشترط لصحة طاعته أن يقود الأمة بكتاب الله، ويدعوها إليه، وهذا واضح في كل روايات الحديث بدون استثناء: «ما قادكم بكتاب الله»، «ما أقام لكم كتاب الله»، «يقودكم بكتاب الله»، ووجه الدلالة منه أنه متغلب أن في الحديث:«أُمِّر عليكم»، ولم يقل أمرتموه، فليس باختيارنا، وإنما بالغلبة علينا، وإن كان هذا الاستدلال غير قوي، لأنه يمكن أن يقصد أمَّره عليكم أهل الحل والعقد، فوجبت طاعته على الجميع. والوجه الثاني وهو أقوى: أنه عبد حبشي، والعبيد لا يجوزللأمة أن توليهم أمرها مختارة، ولا أن تقدمهم عليها راضية، بل لا يُعدل عن القرشي ما وُجِد لذلك سبيلا، وإلا كبَّ الله مُنازعَهم على وجهه في النار كما في الحديث، فكونه عبدًا حبشيًّا متأمِّرا، فمعناه أنه شغل هذا المنصب غصبًا عن المسلمين وقهرًا لهم، فهو متغلب، ومع ذلك لا يُقَرُّ ولا يصبر عليه إلا أن يقودَنا بكتاب الله ويقيمه فينا، فعندئذ وعندئذ فقط نسمع له ونطيع، إخمادًا للفتنة، ولو استطعنا أن نغيره بغير فتنة ولا مفسدة غيرناه ونولِّي قرشيًّا، ولو قادنا بكتاب الله، حتى لا يحكمنا العبيد! فما بالك إذا كان حكامنا عبيد يهود أو عملاء لهم-أو أمهاتهم يهوديات-، ينفذون فينا مخططاتهم لا كتاب الله، ويقيمون فينا ويقودوننا بالياسق والفاسق من قوانين الكفر والضلال، كما كان قديماً جنكزخان، والآن السيسيخان ومباركخان والملكخان والأميرخان، والرئيسخان والوزيرخان وحتى الشَّيخَّان والقسيسخان.. وكل من خان؟!.. خان اللهَ ورسولَه والأمانات والمؤمنين!
    قال النووي في شرحه فأمر -صلى الله عليه وسلم- بطاعة ولي الأمر ولو كان بهذه الخساسة ما دام يقودنا بكتاب الله تعالى، قال العلماء : معناه ما داموا متمسكين بالإسلام والدعاء إلى كتاب الله تعالى على أي حال كانوا في أنفسهم وأديانهم وأخلاقهم، ولا يشق عليهم العصا.ا هـ). وتلاحظ في الحديث أنه يمكن أن يحكمَ المسلمين ويقودهم الأعبدُ والسودُ، مهما كانت أصولهم وألوانهم، -رغم أنها مخالفة- لكن الشرط الذي لا تنازل عنه هو الحكم بالإسلام والقيادة بكتاب الله، لا بالقوانين الوضعية المضادة له، فهو يفقد شرعيته بمجرد أن يترك كتابَ الله فلا يحكم به بين رعيته، حتى لو كان قرشيًّا.. كم في الدليل التالي:
    ما أقاموا الدين
    الدليل الثالث: حتى لو كان قرشيًّا حُرًّا– في قمة العرب الأقحاح-، كما في قوله(صلى الله عليه وسلم):« إنّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحدٌ إلا كبَّه الله في النار على وجهه،ما أقاموا الدين»( البخاري، الجامع الصحيح، كتاب المناقب(61) باب مناقب قريش (2) حديث (3500)، 2، 504.).ومع أن كثيراً من الأحاديث (جعلت الإمامة في قريش، ولكن في بعضها زيادة مقبولة تقطع بأن الأمر لم يُجعل في قريش مطلقاً من كل قيد، وإنما هو لقريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره، فإذا عصوه سقط حقهم في الإمامة)[عبد القادر عودة (-1375هـ/ 1954م)، الإسلام وأوضاعنا السياسية، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1401هـ/ 1981م، 143، 144.].
    قال ابن حجر في الفتح في «ما أقاموا الدين»: ( أي مدة إقامتهم أمور الدين، قيل يحتمل أن يكون مفهومه فإذا لم يقيموه لا يسمع لهم، وقيل يحتمل أن لا يقام عليهم وإن كان لا يجوز إبقاؤهم على ذلك، ذكرهما ابن التين). وعندئذ يرجح المفضول عليهم، إذا أقام الدين وقاد بكتاب الله.
    وقال مصطفى ديب البغا (ما أقاموا الدين) أي تجب طاعتهم وعدم منازعتهم طالما أنهم يقيمون شرع الله -عز وجل- ويلتزمون حدوده فإن قصروا في ذلك أو تجاوزوه جازت منازعتهم وسقطت طاعتهم)[ في التعليق على البخاري3/1289) حديث 3309].
    فأولئك(ما) أقاموا الدين شرطاً، أي:إذا أقاموه، وهؤلاء (ما) أقاموا الدين نفيًا، أي:لم يقيموه؛ فشتان فشتان.
    وقال ابن بطال وقوله عليه السلام: « اسمع وأطع » يدل على أن طاعة المتغلب واجبة؛ لأنه لما قال: « حبشى »، وقد قال: « الخلافة فى قريش »، دل أن الحبشي إنما يكون متغلبًا، والفقهاء مجمعون على أن طاعة المتغلب واجبة ما أقــام على الجمعات والأعياد والجهاد وأنصف المظلوم في الأغلب)[ابن بطال، شرح صحيح البخاري:2/ 327]. فلاحظوا يا رعاكم الله- كيف أوجب طاعة المتغلب، ثم بين من هو المتغلب المطاع؛ (ما أقام على الجمعات والأعياد والجهاد وأنصف المظلوم في الأغلب) أي أقام الدين وأقام كتاب الله وقاد به كما في الأحاديث السابقة، وليس أي متغلب كما يزعم الزاعمون!
    فأي صفة من هذه الصفات أو شرط منها تحقق في هذا المنقلب المتغلب، أو في أي متغلب آخر ممن يجثمون على صدور أمة التوحيد والإسلام؟
    هل أقام الجمعة أم أنه أغلق المساجد وأحرق من فيها، وهم آمنون يدعون الله ويطالبون بحقوقهم سلميًّا؟
    هل أنصف الناس أم قسَّمهم أنصافا، وسلط بعضهم على بعض؟ بالإعلام والإعدام؟!
    هل أوقف الدخولُ تحت طاعته الدماءَ، أم أنها جرت أنهارًا؟!
    وقال المهلب قوله: « اسمع وأطع لحبشي »، يريد في المعروف لا في المعاصي، فتسمع له وتطيع في الحق، وتعفو عما يرتكب في نفسه من المعاصي ما لم يأمر بنقض شريعة، ولا بهتك حرمة لله تعالى، فإذا فعل ذلك فعلى الناس الإنكار عليه بقدر الاستطاعة، فإن لم يستطيعوا لزموا بيوتهم أو خرجوا من البلدة إلى موضع الحق إن كان موجودًا.)[انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال: 2/328]
    وهنا يقول: "ما لم يأمر بنقض الشريعة" "ولا بهتك حرمة الله تعالى"، فقل لـي بربك:
    أيّ شريعة لم ينقضوها؟ هل أقاموا منها حكما أو حدًّا واحداً؟
    وأيّ حرمة حرَّمَها الله لم ينتهكوها؟ في الأموال والأعراض والضرورات الخمس؟
    وأيّ حدٍّ من حدود الله لم يعطلوه؟
    وكم من وكرٍ للدعاة والخمر والخلاعة أغلقوه؟
    وأي شاطئ عارٍ كسوه أو كنسوه أو وكسوه ؟
    وأيّ راية للجهاد رفعوها، بل أي راية رفعها الشباب للجهاد ولم ينكسوها ويحاربوها مع الكفار الأصليين، كما في فلسطين مثلا؟
    أيّ جيوش جيَّشوها من جيوش الأمصار (العظيمة) لتحرير المعتقلات والأسيرات فضلا عن الأسرى والمعتقلين؟
    أيّ أرض مسلمة حرَّروها، من قصر الحمراء في الروس إلى الأندلس؟!
    أي قدس شريف قدَّسوه بعد أن جاء يهود فدنسوه؟
    أية علاقة مع صهيوني محارب قطعوها؟
    أي نخامة المعتصم فضلا عن نخوته، جاءوا بمثلها، والتي قال فيها القائل:
    ربّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه (الضحايا) اليُتَّمِ
    لامست أسماعهم، لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

    فأما المعتصم- رحمه الله- فقد جيَّش الجيوش(العظيمة) وجنَّد الجند الكثيرة، لصرخة امرأة... لصرخة أَمَةٍ واحدة، لا صرخة أُمَّةٍ كاملة! وأما هؤلاء (المُتَعَصِّمون المتغلبون) فالأُمَّة تصرخ تحت أقدامهم!
    هل هذا هو أمير رسول الله؟
    ثم نعود إلى الحديث الأول، حيث يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-:«من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني»[متفق عليه].
    فهل هذا هو أمير رسول الله الذي أمرنا بطاعته، فتكون طاعة لله-سبحانه-؟!
    هل ترضون أن تنسبوا إلى رسول الله أمثال هؤلاء الأنذال؟
    هل يرضى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أن يكون أمراءه يحاربون الشريعة، ويقتلون المطالبين بتطبيقها؟
    هل أمراء الرسول-صلى الله عليه وسلم- الذين نسبهم إلى نفسه وأمرنا بطاعتهم هم الذين يعطلون الشريعة، بحدودها وأحكامها.
    هل أمراء الرسول-صلى الله عليه وسلم- الذين نسبهم إلى نفسه وأمرنا بطاعتهم هم الذين يحرقون المساجد ويهدمونها على رؤوس من فيها، بينما هم يبنون ما انهدم من كنائس النصارى على حساب ميزانية الجيش المصري العظيم؟! بل بمال الشعب المسلم الهضيم الكضيم!
    هل أمراء الرسول-صلى الله عليه وسلم- الذين نسبهم إلى نفسه وأمرنا بطاعتهم هم الذين يعينون أمثال هؤلاء على الانقلاب على حكامهم المنتخَبين وقتل معارضيهم؟!
    وبعد أن أذكركم ونفسي بالحياء من رسول الله وإجلاله، أترك لكم الإجابة عن هذه الأسئلة وأمثالها.
    وهذا الدليل وهذا الشرط السابق يُلزِم حتى الذِّين لا يُكفِّرون بترك الحكم بما أنزل الله واستبداله بغيره من زبالات الأذهان من القوانين الوضعية. فحتى باعتبار هؤلاء الحكام بغير ما أنزل الله مسلمين فإنه يُشترط للسمع لهم والطاعة حكمُهم بشريعة الله، ولا تصح لهم ولاية بدونها. أمَّا إذا كانت الأخرى فقد تركناها الأخيرة.

    كــــان هذا في الشرط الأول والأساس في طاعة أي حاكم، منتخباً كان أو معيَّنا فضلا عن يكون متغلبا منقلباً..
    وفي حلقتنا التالية-إن شاء الله تعالى- نستكمل مع الشروط.. ففضلا منكم انتظرونا وتَحمَّلونا ولا تُحَمِّلونا.



    * * ** *

  4. افتراضي

    ولايةالمتغلب (3)
    يقودكم بكتاب الله
    الدليل الثاني: أضف إلى ذلك شرط الولاية الذي وضعه النبي-صلى الله عليه وسلم: :«إن أُمِّر عليكم عبدٌ مجدَّع - حسبتها قالت أسود- يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا»( مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإمارة (33)، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (8)، حديث (1838)، 2، 892.). وفي ألفاظه الأخرى الصحيحة كلها:« ما قادكم بكتاب الله»، « ما أقام لكم كتاب الله».
    ووجدتُ صاحب"التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" ينسه للبخاري حيث قال والذي في البخاري من حديث أنس بلفظ : «ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة، ما أقام فيكم كتاب الله»)، ولم أجد هذا اللفظ عند البخاري، فالله أعلم، ويكفينا أنه في صحيح مسلم كما سبق.وفي جامع الترمذي: « يا أيها الناس اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام لكم كتاب الله» [قال الألباني : صحيح، 4/204، حديث (1706)]
    وهذا الحديث يبين أن الحاكم المتغلب يشترط لصحة طاعته أن يقود الأمة بكتاب الله، ويدعوها إليه، وهذا واضح في كل روايات الحديث بدون استثناء: «ما قادكم بكتاب الله»، «ما أقام لكم كتاب الله»، «يقودكم بكتاب الله»، ووجه الدلالة منه أنه متغلب أن في الحديث:«أُمِّر عليكم»، ولم يقل أمرتموه، فليس باختيارنا، وإنما بالغلبة علينا، وإن كان هذا الاستدلال غير قوي، لأنه يمكن أن يقصد أمَّره عليكم أهل الحل والعقد، فوجبت طاعته على الجميع. والوجه الثاني وهو أقوى: أنه عبد حبشي، والعبيد لا يجوزللأمة أن توليهم أمرها مختارة، ولا أن تقدمهم عليها راضية، بل لا يُعدل عن القرشي ما وُجِد لذلك سبيلا، وإلا كبَّ الله مُنازعَهم على وجهه في النار كما في الحديث، فكونه عبدًا حبشيًّا متأمِّرا، فمعناه أنه شغل هذا المنصب غصبًا عن المسلمين وقهرًا لهم، فهو متغلب، ومع ذلك لا يُقَرُّ ولا يصبر عليه إلا أن يقودَنا بكتاب الله ويقيمه فينا، فعندئذ وعندئذ فقط نسمع له ونطيع، إخمادًا للفتنة، ولو استطعنا أن نغيره بغير فتنة ولا مفسدة غيرناه ونولِّي قرشيًّا، ولو قادنا بكتاب الله، حتى لا يحكمنا العبيد! فما بالك إذا كان حكامنا عبيد يهود أو عملاء لهم-أو أمهاتهم يهوديات-، ينفذون فينا مخططاتهم لا كتاب الله، ويقيمون فينا ويقودوننا بالياسق والفاسق من قوانين الكفر والضلال، كما كان قديماً جنكزخان، والآن السيسيخان ومباركخان والملكخان والأميرخان، والرئيسخان والوزيرخان وحتى الشَّيخَّان والقسيسخان.. وكل من خان؟!.. خان اللهَ ورسولَه والأمانات والمؤمنين!
    قال النووي في شرحه فأمر -صلى الله عليه وسلم- بطاعة ولي الأمر ولو كان بهذه الخساسة ما دام يقودنا بكتاب الله تعالى، قال العلماء : معناه ما داموا متمسكين بالإسلام والدعاء إلى كتاب الله تعالى على أي حال كانوا في أنفسهم وأديانهم وأخلاقهم، ولا يشق عليهم العصا.ا هـ). وتلاحظ في الحديث أنه يمكن أن يحكمَ المسلمين ويقودهم الأعبدُ والسودُ، مهما كانت أصولهم وألوانهم، -رغم أنها مخالفة- لكن الشرط الذي لا تنازل عنه هو الحكم بالإسلام والقيادة بكتاب الله، لا بالقوانين الوضعية المضادة له، فهو يفقد شرعيته بمجرد أن يترك كتابَ الله فلا يحكم به بين رعيته، حتى لو كان قرشيًّا.. كم في الدليل التالي:
    ما أقاموا الدين
    الدليل الثالث: حتى لو كان قرشيًّا حُرًّا– في قمة العرب الأقحاح-، كما في قوله(صلى الله عليه وسلم):« إنّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحدٌ إلا كبَّه الله في النار على وجهه،ما أقاموا الدين»( البخاري، الجامع الصحيح، كتاب المناقب(61) باب مناقب قريش (2) حديث (3500)، 2، 504.).ومع أن كثيراً من الأحاديث (جعلت الإمامة في قريش، ولكن في بعضها زيادة مقبولة تقطع بأن الأمر لم يُجعل في قريش مطلقاً من كل قيد، وإنما هو لقريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره، فإذا عصوه سقط حقهم في الإمامة)[عبد القادر عودة (-1375هـ/ 1954م)، الإسلام وأوضاعنا السياسية، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1401هـ/ 1981م، 143، 144.].
    قال ابن حجر في الفتح في «ما أقاموا الدين»: ( أي مدة إقامتهم أمور الدين، قيل يحتمل أن يكون مفهومه فإذا لم يقيموه لا يسمع لهم، وقيل يحتمل أن لا يقام عليهم وإن كان لا يجوز إبقاؤهم على ذلك، ذكرهما ابن التين). وعندئذ يرجح المفضول عليهم، إذا أقام الدين وقاد بكتاب الله.
    وقال مصطفى ديب البغا (ما أقاموا الدين) أي تجب طاعتهم وعدم منازعتهم طالما أنهم يقيمون شرع الله -عز وجل- ويلتزمون حدوده فإن قصروا في ذلك أو تجاوزوه جازت منازعتهم وسقطت طاعتهم)[ في التعليق على البخاري3/1289) حديث 3309].
    فأولئك(ما) أقاموا الدين شرطاً، أي:إذا أقاموه، وهؤلاء (ما) أقاموا الدين نفيًا، أي:لم يقيموه؛ فشتان فشتان.
    وقال ابن بطال وقوله عليه السلام: « اسمع وأطع » يدل على أن طاعة المتغلب واجبة؛ لأنه لما قال: « حبشى »، وقد قال: « الخلافة فى قريش »، دل أن الحبشي إنما يكون متغلبًا، والفقهاء مجمعون على أن طاعة المتغلب واجبة ما أقــام على الجمعات والأعياد والجهاد وأنصف المظلوم في الأغلب)[ابن بطال، شرح صحيح البخاري:2/ 327]. فلاحظوا يا رعاكم الله- كيف أوجب طاعة المتغلب، ثم بين من هو المتغلب المطاع؛ (ما أقام على الجمعات والأعياد والجهاد وأنصف المظلوم في الأغلب) أي أقام الدين وأقام كتاب الله وقاد به كما في الأحاديث السابقة، وليس أي متغلب كما يزعم الزاعمون!
    فأي صفة من هذه الصفات أو شرط منها تحقق في هذا المنقلب المتغلب، أو في أي متغلب آخر ممن يجثمون على صدور أمة التوحيد والإسلام؟
    هل أقام الجمعة أم أنه أغلق المساجد وأحرق من فيها، وهم آمنون يدعون الله ويطالبون بحقوقهم سلميًّا؟
    هل أنصف الناس أم قسَّمهم أنصافا، وسلط بعضهم على بعض؟ بالإعلام والإعدام؟!
    هل أوقف الدخولُ تحت طاعته الدماءَ، أم أنها جرت أنهارًا؟!
    وقال المهلب قوله: « اسمع وأطع لحبشي »، يريد في المعروف لا في المعاصي، فتسمع له وتطيع في الحق، وتعفو عما يرتكب في نفسه من المعاصي ما لم يأمر بنقض شريعة، ولا بهتك حرمة لله تعالى، فإذا فعل ذلك فعلى الناس الإنكار عليه بقدر الاستطاعة، فإن لم يستطيعوا لزموا بيوتهم أو خرجوا من البلدة إلى موضع الحق إن كان موجودًا.)[انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال: 2/328]
    وهنا يقول: "ما لم يأمر بنقض الشريعة" "ولا بهتك حرمة الله تعالى"، فقل لـي بربك:
    أيّ شريعة لم ينقضوها؟ هل أقاموا منها حكما أو حدًّا واحداً؟
    وأيّ حرمة حرَّمَها الله لم ينتهكوها؟ في الأموال والأعراض والضرورات الخمس؟
    وأيّ حدٍّ من حدود الله لم يعطلوه؟
    وكم من وكرٍ للدعاة والخمر والخلاعة أغلقوه؟
    وأي شاطئ عارٍ كسوه أو كنسوه أو وكسوه ؟
    وأيّ راية للجهاد رفعوها، بل أي راية رفعها الشباب للجهاد ولم ينكسوها ويحاربوها مع الكفار الأصليين، كما في فلسطين مثلا؟
    أيّ جيوش جيَّشوها من جيوش الأمصار (العظيمة) لتحرير المعتقلات والأسيرات فضلا عن الأسرى والمعتقلين؟
    أيّ أرض مسلمة حرَّروها، من قصر الحمراء في الروس إلى الأندلس؟!
    أي قدس شريف قدَّسوه بعد أن جاء يهود فدنسوه؟
    أية علاقة مع صهيوني محارب قطعوها؟
    أي نخامة المعتصم فضلا عن نخوته، جاءوا بمثلها، والتي قال فيها القائل:
    ربّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه (الضحايا) اليُتَّمِ
    لامست أسماعهم، لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

    فأما المعتصم- رحمه الله- فقد جيَّش الجيوش(العظيمة) وجنَّد الجند الكثيرة، لصرخة امرأة... لصرخة أَمَةٍ واحدة، لا صرخة أُمَّةٍ كاملة! وأما هؤلاء (المُتَعَصِّمون المتغلبون) فالأُمَّة تصرخ تحت أقدامهم!
    هل هذا هو أمير رسول الله؟
    ثم نعود إلى الحديث الأول، حيث يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-:«من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني»[متفق عليه].
    فهل هذا هو أمير رسول الله الذي أمرنا بطاعته، فتكون طاعة لله-سبحانه-؟!
    هل ترضون أن تنسبوا إلى رسول الله أمثال هؤلاء الأنذال؟
    هل يرضى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أن يكون أمراءه يحاربون الشريعة، ويقتلون المطالبين بتطبيقها؟
    هل أمراء الرسول-صلى الله عليه وسلم- الذين نسبهم إلى نفسه وأمرنا بطاعتهم هم الذين يعطلون الشريعة، بحدودها وأحكامها.
    هل أمراء الرسول-صلى الله عليه وسلم- الذين نسبهم إلى نفسه وأمرنا بطاعتهم هم الذين يحرقون المساجد ويهدمونها على رؤوس من فيها، بينما هم يبنون ما انهدم من كنائس النصارى على حساب ميزانية الجيش المصري العظيم؟! بل بمال الشعب المسلم الهضيم الكضيم!
    هل أمراء الرسول-صلى الله عليه وسلم- الذين نسبهم إلى نفسه وأمرنا بطاعتهم هم الذين يعينون أمثال هؤلاء على الانقلاب على حكامهم المنتخَبين وقتل معارضيهم؟!
    وبعد أن أذكركم ونفسي بالحياء من رسول الله وإجلاله، أترك لكم الإجابة عن هذه الأسئلة وأمثالها.
    وهذا الدليل وهذا الشرط السابق يُلزِم حتى الذِّين لا يُكفِّرون بترك الحكم بما أنزل الله واستبداله بغيره من زبالات الأذهان من القوانين الوضعية. فحتى باعتبار هؤلاء الحكام بغير ما أنزل الله مسلمين فإنه يُشترط للسمع لهم والطاعة حكمُهم بشريعة الله، ولا تصح لهم ولاية بدونها. أمَّا إذا كانت الأخرى فقد تركناها الأخيرة.

    كــــان هذا في الشرط الأول والأساس في طاعة أي حاكم، منتخباً كان أو معيَّنا فضلا عن يكون متغلبا منقلباً..
    وفي حلقتنا التالية-إن شاء الله تعالى- نستكمل مع الشروط.. ففضلا منكم انتظرونا وتَحمَّلونا ولا تُحَمِّلونا.



    * * ** *

  5. افتراضي

    بارك الله فيك

  6. افتراضي

    ولاية المتغلب (4)
    في بقية الشروط والضوابط
    توقفنا في الحلقة السابقة( الثانية) على الشرط الأول للطاعة.. وهو الطاعة ... طاعة الله في الولاية، والحكم بشريعته في الرعية، وإقامة دينه في الدنيا، وسياستها به.. وإلا فلا.. وألفُ لا.
    وذكرنا بعض الأدلة ومازال-إن شاء الله-..
    استتب الأمن وسكنت الدهماء
    والآن مع شرط استتباب الأمن واستقرار الأمر، وغير ذلك، وتطبيق ذلك على الواقع لتحقيق مناطه، أي: البحث عن علة الحكم هل هي موجودة في هذا التَّغَلُّب (الانقلاب) أم لا.
    يقول الإمام ابن عبد البر-رحمه الله- وقال أهل الفقه: إنما يكون الاختيار في بدء الأمر[أي اختيار الأمة للحاكم]، ولكن الجائر من الأئمة إذا أقام الجهاد والجُمُعة والأعياد، وسكنت له الدَّهماء، وأنصف بعضها من بعضٍ في تظالمها، لم تجب منازعته، ولا الخروج عليه، لأن في الخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء، وشنِّ الغارات، والفساد في الأرض، وهذا أعظم من الصبر على جَوْرِه وفسقه، والنظر يشهد أن أعظم المكروهين أولاهما بالتَّرك)[انظر: العواصم والقواصم لابن الوزير، 8/18].
    فلا بد من قيامه بهذه الواجبات كلها، من إقامة الدين وإقامة العدل وإنصاف الناس، ثم أن تسكن له الدَّهماء، أي عامة الناس، فهل فعل الانقلابيون عشر معشار هذا؟!
    ثم تلاحظ أن الإمام يقول ابن عبد البر( (لم تجب منازعته) ولم يقللا تجوز منازعته)، وبينهما بَوْن شاسعٌ وفرقٌ كبير، حيث إن الأصل جواز منازعة الظالم والجائر، لأنه ليس أهلا للولاية، كما في الآية الكريمة:﴿ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾[البقرة:124]. وفي "قراءة ابن مسعود:﴿لا ينال عهدي الظالمون﴾، بمعنى: أن الظالمين هم الذين لا ينالون عهد الله"[ابن جرير فيجامع البيان: 2/24].
    اللصوصية
    بل إنَّ المتغلب- في الأصل- تجب منازعته، لأنه لصٌّ مغتصب لحق غيره ظالمٌ له، مرتكب منكرًا يجب تغييره، وإن حَكَم بشريعة الله بعد ذلك، وإنما آل الحكم إلى سقوط وجوب المنازعة لِما في المنازعة من مفاسدَ عظيمةـ تربوا على مصلحة المنازعة، ومفسدة المنازعة تربوا على مفسدة الصبر والاحتمال. ولذلك عللها الإمام هنا بقوله لأن في الخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء...) فهي ممنوعة لغيرها من المفاسد لا لذاتها. أما لو كان أميرًا مبايعًا مختارًا من الأمة عن رضاً، ثم هو قد قام بما يجب عليه فإن منازعته ممنوعة لذاتها، حتى لو قُدِّر أن نزعه يكون بكلمة لَيِّنَةٍ لطيفةٍ واحدةٍ لا تبعةَ لها من مفسدة، فلا يجوز أن تقال له.
    والإمام هنا يقول استبدال الأمن بالخوف...) فالأمن هنا موجود متوفر، لذلك نحافظ عليه، أما لو كان الأمن مفقود والدماء تسيل والأموال تهدر والأعراض تنتهك وتُغتصب، كما يفعل هذا المتغلب اللص الغادر فعلام الصبر؟! وعلى أي مكتسب نحافظ؟!
    لكن دائما نحتفظ بسؤال الواقع: هل هذا الواقع هو المتغلب المقصود عند العلماء القدماء؟!

    * * * * *
    إن الحاكم المتغلب الذي تكلم عنه الفقهاء-رحمهم الله- هو الذي يستقر له الأمر ويستتب في دولته الأمن، ولم يعد له منازع ذو أثر، ثم هو يقوم بشرط الولاية، وهي الحكم بالإسلام والعمل بكتاب الله، كما سبق بيانه... فلا هذه ولا تلك تتوفر في السيسي ولا الانقلابيين جميعاً، وعصابة التغلب كلِّها.. لأنه قام ليحرق الحكم بما أنزل الله ويقطع الطريق إليه، ولم يستقر له الأمر بعدُ، بل مازال في هياج، بل في ازدياد.. فهو يترنح ولم يستقر ونسأل الله تعالى أن يسقط ولا يستمر، وهو يقتل على الهَوية، بل هوية الخلاف.
    قال أحمد بن محمد الصاوي المالكي إن المتغلب لا تثبت له الإمامة إلا إِنْ دخل عمومُ الناس تحت طاعته، وإلا فالخارج عليه لا يكون باغيًا، كقضية الحسين مع اليزيد.)[انظر: حاشية الصاوي على الشرح الصغير]. فهل دخل عموم الناس في طاعة هذا المتغلب، حتى يوصف الإخوان أو غيرهم من المحتسبين عليهم بالخوارج، ويوصف هو بالولي المتغلب المطاع؟!
    فحتى لو استتب له الأمر وهدأت أمواج الشعب المتحركة حوله، فإنه لا شرعية له، وليس هو حاكماً متغلباً، بل هو صائل يجب دفعه، ولا يجوز تأخير القيام عليه وعزله، إلا للعجز عن ذلك، فيجب عندئذ الإعداد لذلك. فلا شرعية له، لا شرعًا ولا واقعاً، لا نصًّا ولا تَفَقُّها سلفيًّا. فطاعته استثناء واضطرار لا أصل واختيار، وبشروط يأتي تلخيصها قريبا - إن شاء الله تعالى-.
    تنزيل في غير واقعه..فسلوا عن كل علم أهله
    بل هو تنزيل لأقوالهم على غير مناطاتها، وتحميلها ما لم تحتمل، وإدخال قضايا ليست داخلة تحت دلالتها، وبعبارة أخرى: خارج محل الاستدلال، إلا على طريقة أمثال ذلكم المتهالك هداه الله(حسن الترابي) في كتابه :"تجديد أصول الفقه"، حيث يرى أنه يجب أن يُستدل بكل شيء على كل شيء!!!!! ونحن نربأ بمن ينتسب إلى السلف الصالح أن يكون كذلك.
    فحين يذكرون أقوال العلماء في أمثال مروان بن الحكم أو غيره ممن تغلبوا على البشر، ولكنهم لم يتغلبوا على شريعة الله، ولم يحكموا عليها بالإلغاء والتعطيل، وإنما حكموا بها في الأمة، وإن عصوا في أنفسهم من جهة المعاصي لا من جهة التشريع العام، فإن هؤلاء المفتين يدلسون على الأمة بهذا التنزيل الخارج عن محالِّه. فإذا كانوا لا يشعرون بهذا الفرق الهائل؛ فهم ليسوا أهلا لأنْ يتصدروا للفتوى في قضايا الأمة والعامة، وليلتزموا اختصاصاتهم، وليس عيبا، فقد كان الإمام مالك-رحمه الله- يُسأل في القراءة فيقول: اسألوا نافعاً؛ فإنه أعلم بالقراءة. وقال مالك لما سُئلَ عن البسملة: سلوا عن كل علم أهله، ونافع إمام الناس في القراءة.[سير أعلام النبلاء:7/337].
    إن هذا الطاغوت المنقلب على الإسلام وأهله، لا يحكم بما أنزل الله، بل يحارب الحكم بما أنزل الله، والأخبار عنه بذلك متواترة، شهد بها خواصه قبل خصومه، ومنها التعديلات الدستورية، بل العدولات التي عدل بها عن الحق، والتي جرفت كل ما له علاقة بالشريعة وتحكيمها، واتجه إلى إقصاء الإسلاميين أصلاً من الحياة السياسية.. بل من الحياة إن استطاع! –أضف إلى ذلك إذا صدقت الأخبار التي تقول بأنه يهوديٌّ لأمه، فإنها الطامة الكبرى- .
    فهل هذا هو الحاكم المتغلب الذي ذكره الفقهاء في كتبهم؟! أم أنه التدليس والتدجيل والتدجين؟!
    الخليفة الثاني!
    الدليل الرابع: وهذا حتى لو اعتبرنا بأن تفويض قـسّ الأزهـر له وشـيخ الكنيسة وحرب النور أو حزب الظُّلمة وبعض قادة العسكر وجبهة الخراب والتمرد... لو اعتبرنا ذلك بيعة له، فإنها بيعة توجب منازعة السيسي شرعاً، بل قتالَه، ولو انتهى بقتله هدراً، لا أنها تولِّيه وتبيح له قتل الرافضين له، أو الخارجين عليه بالمظاهرات السلمية، أو المطالبين بالقصاص من قتلة المعتصمين السلميين في رابعة أو في الشوارع، أو حتى قتلهم في السجون وعربات الترحيل!.. لذلك بطلت بيعته، بل لم تثبت أصلا لأنها بيعة ظالمة ثانية بالانقلاب على إثر بيعة شرعية أولى ثابتة للدكتور مرسي بالانتخاب، أي باختيار الأمة، وفي الحديث: «إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخِر منهما»[صحيح مسلم، 1853]، قال النووي في شرحه هذا محمول على ما إذا لم يندفع إلا بقتله)، وفي الحديث الآخر: « من أتاكم وأمركم جميعٌ يريد أن يَشُقَّ عصاكم، ويفرِّق جماعتكم، فاقتلوه»[صحيح مسلم برقم:1852]، وفي رواية :« فاضربوه بالسيف كائناً من كان»، وفي حديث:« ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر »[مسلم: 1844] قال النووي فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام، أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك، وينهى عن ذلك، فإن لم ينته قوتل، وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقُتلَ كان هدرًا)[شرح صحيح مسلم].
    فحتى لو افترضنا بأن السيسي خليفةٌ ثان (وهو ليس كذلك قطعاً) فإن حكمه في الشريعة الصحيحة إقامة الحد عليه بالقتل، أو قتاله حتى ينغلب، لا أن يُقر على السلطة ولا أن نعتبره حاكما متغلبا مطاعا!
    ولو كان النائب نائبا عامًّا فعلا، ولم يكن نائباً انقلابيا عسكريًّا سيسيًّا خاصًّا لكان أول أمرٍ بالضبط والإحضار يصدره بعد الانقلاب هو للقبض على السيسي لتُفتح له أكبر محكمة وتقام له أعدل محاكمة، ولَرُمِيَ به في غياهب السجون، ثم يحكم بقتله قصاصاً لمن قتلهم.
    * * * * *
    إن حكاية (المتغلب!) والخضوع له والخنوع بأي وصف كان، مطلقا من أي قيد، لم يأت فيها آيةٌ ولا نصُّ حديثٍ ولا اتفاقُ صحابةٍ ولا غير صحابة، وإنما هو- في أحسن الأحوال- اجتهاد، لا يرقى إلى أن يشرعن حكم الطواغيت القتلة، المحادِّين لله ورسوله، بإلقائهم الشريعة وراءهم ظهريًّا، وقتل وسجن من يطالب بها! بل يجعل المفتين شركاء له في كل جرائمه.
    ومِنٍ عجَبٍ أن أهل هذه المدرسة بالذات لم يفتوا يوماً في حكومة طالبان والمُلاَّ عمر في أفغانستان بأنها حكومة متغلبة، وأن أميرها متغلبٌ تجب طاعته ويحرم الخروج عليه، رغم أنه جاء إثر جهاد شرعي لا انقلاب عسكري، وقد استتب له الأمر كما لم يستتب لمثله من الانقلابيين، ثم هو قد أعلن تطبيق الشريعة الإسلامية مبدئيًّا، وشَرَع في ذلك، يعني إقامة الدين والقيادة بكتاب الله.. ولكنّ حمزةَ لا بواكيَ له مِن هؤلاء!!!
    الطالب الحريص
    الدليل الخامس: ثم إن المسلم المتغلب بالقهر، والذي يستتب له الأمر من بعدُ ويهدأ الهرج والهياج، ويحكم بكتاب الله ويقيم الدين في الناس-وإن عصى في نفسه وظلم- فهذا يُصبَر عليه وتنفذ أحكامه الشرعية.. لا رضا عنه وموافقةً له وقبولا به.. وإنما إخمادًا للفتنة ودرءًا للمفسدة، أما أن نرضى صنيعه ونقبل بولايته من غير حرج فلا، لأن الأحاديث تمنع تولية من يطلب الولاية أو يحرص عليها: فعن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: دخلتُ على النبي(صلى الله عليه وسلم) أنا ورجلان من قومي، فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أَمِّرْنا على بعض ما ولاَّك الله - عز وجل-، وقال الآخر مثل ذلك؛ فقال:«إنَّا- والله- لا نولي على هذا العمل أحداً سأله، ولا أحداً حرص عليه»( البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأحكام (93)، باب ما يكره من الحرص على الإمارة (7)، حيث (7149)، 4، 330. ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الإمارة (33)، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها (3) حديث(1652)، 2، 884.).
    وكون النبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: «نحن لا نولي» فهي عامة للمسلمين كلهم، ثم إن ولاية الطالب والحريص غير مرضية في ذاتها، وهل المتغلب إلا طالب للولاية حريص عليها، لكن بأسوأ من الطلب، بل طلب بالعنف؟! وإذا كان طلب الولاية بغير عنف مشيناً، فإن طلبها بالقوة والغلبة والعنف لا يزيدها إلا شَيْناً. فكيف إذا كان لا يُحصِّلها إلا بقتل الآلاف من المعصومين، وانتهاك الأعراض، ونقض الشرائع، وخَفض الدِّين؟!
    ومن المعلوم أن مرسي لم يترشح هو، وإنما رشَّحه المسلمون لمَّا أزاح الإنقلابيون-بالوراثة- خيرت الشاطر وحازم صلاح.. وكان من بين المرجِّحات لترشيحه عند الهيئة الشرعية أنه لم يطلب ترشيح نفسه..فالذي رشَّحه المسلمون والهيئة الشرعية أولى ممن طَلب الولاية وحرص عليها؛ لا بصناديق الانتخاب فحسب، بل بصناديق الأموات والتوابيت!! فكيف يقال: متغلب يطاع؟!
    مَوْكُولٌ أو مُعان
    الدليل السادس: ثم إن الغرض من نصب الأئمة حفظ الأمة وإسعادها في معاشها ومعادها، بإجراء حياتها على سنن الهدى الربانية، ولا يقدر عليه والٍ ولا أمير إلا أن يعينه الله-تعالى- أولاً، ثم تعينه رعيته المُحِبَة له والمبايعة له، فإذا تسلط عليها بغير اختيارها كرهته قلوبُها وتركت معونتَهُ سواعدُها، والدعاءَ له ألسنتُها، فذلك سبب الخذلان، سببٌ لأَنْ يَكِلَهُ اللهُ إليها ولا يعينه عليها، فإن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال لبعضِ أصحابه:«لا تسوأل الإمارة؛ فإنك إن أوتيتها عن مسألة وُكِلْتَ إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أُعِنْتَ عليها..»[ البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأحكام (93)، باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها (5)، حديث(7146)، 4، 330. - ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الإمارة (33)، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها (3)، حديث(1652)، 2، 884.]. وفي لفظ:«لا يَتَمَنَّيَنَّ» بصيغة النهي عن التمني مؤكّدًا بالنون الثقيلة، والنهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب. ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تُرِكت إعانته عليها من أجل حرصه، ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه فيدخل في الإمارةِ القضاءُ والحسبة ونحو ذلك، وأن من حرص على ذلك لا يُعان"[ انظر: ابن حجر، فتح الباري: 13، 154.]، وما الخير المرجو والبركة المأمولة من شخص ترك اللهُ إعانته؟! ما بالك إذا كانت إمارة ليست عن حرص وطلب فحسب، بل ملوثة بالدماء، متسلقة على الأشلاء!
    لو فرضنا أن هذا المتغلب صار يحكم بما أنزل الله، وأخذ يستتب له الأمر وتسكن له الدهماء، فهل ينتهي الأمر عند هذا الحد، وتثبت ولايته وتجب طاعته؟!
    لا، ليس هــذا فحسب، بل هناك أمر آخر جدُّ مهم، له تعلُّقٌ بحقوق العباد وكرامة الأمة...

  7. افتراضي

    ولاية المتغلب (5)
    وأيُّ متغلب هو، بعد هذه الشروط؟
    لو فرضنا أن هذا المتغلب صار يحكم بما أنزل الله، وأخذ يستتب له الأمر وتسكن له الدهماء، فهل ينتهي الأمر عند هذا الحد، وتثبت ولايته وتجب طاعته؟ّ
    لصوص تغلَّب بعضُها على بعض
    لا، ليس هــذا فحسب، بل هناك أمر آخر جدُّ مهم... فقد ذهب العلماء إلى أن المتغلب الذي يطاع بعد تطبيقه الشرع وإقامة الكتاب هو المتغلب على المتغلب قبله، فكونهما متغلبَيْن، يجوز إبقاء الثاني، لأن اللصوص سطا بعضها على بعض، والجزاء من جنس العمل، ولا حرمة للمتغلب الأول لكونه لِصًّا اغتصب حق الإمام المبايَع والمنتخب والمختار قبله، فجاء المتغلب الثاني فسرق المسروق، وغصب المغتصَب من المغتصِب. فعثمان-رضي الله عنه- لما قالوا له: "اخلع نفسك من هذا الأمر "، قال:" لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله عز وجل"[تاريخ الطبري:3/408]، فالقميص الذي هو الخلافة أو الولاية حق للأول، فإذا أخذه من آخر سطوا وغصبا، ثم لبسه غلبة، فإن ذلك لا يصَيِّرُه حقا له، ولذلك إذا جاء غاصب آخر فغصبه منه، لا نطالب الغاصب الثاني بأن يردَّهُ إلى الغاصب الأول، لأن كلاهما غاصب، ولأن صاحبه هو المالك الأول بالرضى لا بالغصب، فاختار أهل العلم الصبرَ على المتغلب (اللص) الثاني موازنة بين المصالح والمفاسد، ولأن المتغلب (اللص) الأول لا حق له في القميص، فلا يجب علينا ردُّه إليه.. أما المبايَع (المنتخب) الأول فهو حقه المغتصب ويجب على الأمة إرجاعه إليه.. إلا لعارض المفسدة الأعظم.
    كذلك لو تغلب المتغلب بعد فراغ المنصب من إمام مبايَع، كما لو مات الإمام فتغلب أحد، على الوضع من غير أن يحل محلَّ غيره، واستتب له الأمر وأقام كتاب الله في الناس، فهذا يسمع له ولو بغير بيعة، لدرء المفاسد وحقن الدماء، لأنه لم يأخذها من سابقه غصباً، ولأن في القيام عليه مفسدة أكبر من الصبر.
    قال في الطريق الثالث من الطرق التي تنعقد بها الإمامة القهر والاستيلاء فإذا مات الخليفة فتصدى للإمامة من جمع شرائطها من غير عهد إليه من الخليفة المتقدم ولا بيعة من أهل الحل والعقد انعقدت إمامته لينتظم شمل الأمة وتتفق كلمتهم وإن لم يكن جامعا لشرائط الخلافة بأن كان فاسقا أو جاهلا فوجهان لأصحابنا الشافعية أصحهما انعقاد إمامته أيضا لأنا لو قلنا لا تنعقد إمامته لم تنعقد أحكامه ويلزم من ذلك الإضرار بالناس من حيث إن من يلي بعده يحتاج أن يقيم الحدود ثانيا ويستوف الزكاة ثانيا ويأخذ الجزية ثانيًا.
    والثاني لا تنعقد إمامته لأنه لا تنعقد له الإمامة بالبيعة إلا باستكمال الشروط فكذا بالقهر)[مآثر الإنافة في معالم الخلافة، لأحمد بن عبد الله القلقشندي، مطبعة حكومة الكويت ، 1985، ط2، 1/30)]. ولا أظن قائلا يقول بأن علماء المذاهب الأربعة ليسوا من علماء السلف وفقه السنة.
    وتلاحظ أن إمام القهر والغلبة هو الذي يتغلب وليس للأمة إمام مبايَع، وإنما بعد فقده بموت أو استقالة منه بخلع نفسه لسبب يلجئه إلى ذلك، أو بخلع (إقالة) من أهل الحل والعقد، وهم مجالس المسلمين من شورى وبرلمانيين، وليس بانقلاب عسكري، أتت خطته من يهود ونصارى وعملائهم من العرب من خارج البلاد قلب داخلها، ثم نُفِّذَت بعسكر الداخل وسلاحه!
    تغلب على حي حقيق
    أما من تغلَّب على إمام حيِّ مبايَعٍ قبله(منتخب) فلا طاعة له، ولو وفَّى ببقية الشروط، ووجبت منازعته لرد الحق إلى صاحبه ونصابه: (أما الاستيلاء على الحي فإن كان الحي متغلباً انعقدت إمامة المتغلب عليه، وإن كان إمامًا ببيعةٍ أو عهدٍ لم تنعقد إمامة المتغلب عليه)[ حواشي الشرواني الشافعي: 9/78].
    ويقول محمد الشربيني الخطيب في " مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للنووي الشافعي" في طرائق انعقاد الإمامة، قالثالثها: ( باستيلاء ) شخص متغلب على الإمامة ( جامع الشروط ) المعتبرة في الإمامة على الملك بقهر وغلبة بعد موت الإمام لينتظم شمل المسلمين. أما الاستيلاء على الحي فإن كان الحي متغلباً انعقدت إمامة المتغلب عليه، وإن كان إمامًا ببيعة أو عهد لم تنعقد إمامة المتغلب عليه)[].
    وفيه أيضًا وكذا تنعقد لمن قهره، أي قهر ذا الشوكة عليها؛ فينعزل هو بخلاف ما لو قهر عليها من انعقدت إمامته ببيعة أو عهدفلا تنعقد له ولا ينعزل المقهور. ا هـ)، فلا تنعقد للسيسي ولا ينعزل بها مرسي، لأن تغلُّب السيسي على مُبايَعٍ وليس على متغلب مثله. فما زالت بيعة الدكتور مرسي في أعناق المصريين جميعاً، لأنه لم ينعزل شرعا بهذا الانقلاب. بل يجب عليهم تحريرُه من الأسر مِن عند الكذّاب الأشِر. وإما أن يكونوا لم ينصبوا لهم إمامًا، بل كانوا فوضى لا إمام لهم ففي هذه الحالة يكون (الإمام المأسور في أيديهم على إمامته، لأن بيعتهم له لازمة وطاعته عليهم واجبة، فصار معهم كمصيره مع أهل العدل إذا صار تحت الحجر، وعلى أهل الاختيار أن يستنيبوا عنه ناظرًا يخلفه إن لم يقدر على الاستنابة، فإن قدر عليها كان أحق باختيار من يستنيبه منهم)[انظر:الأحكام السلطانية، للماوردي" 20، والأحكام السلطانية، لأبي يعلى:ص 23].
    وإن هم عجزوا عن تحرير رئيسهم الشرعي وفك أسرِهِ، فعليهم أن ينصبوا لهم إماماً (حاكما) مسلماً يقودهم بكتاب الله، على سبيل الدَّوام، أو على سبيل التأقيت حتى يعيدوا رئيسهم. وأبعد شيء شرعاً أن يتركوا هؤلاء المتغلبون(الانقلابيون)، لا للتغلب فحسب، بل لأنهم أساساً لا يقودونهم بكتاب الله ولا يقيمون الدين.
    وأنا على شبه اليقين أن كثيرًا من المفتين أدعياء الانتساب إلى العلم أو إلى السلف يُشرعنون عودة (المخلوع) أكثر من عودة (المعزول) بخزعبلات من الفقه البارد، الشاذ الشارد عن فقه السلف-رحمهم الله تعالى!
    وقال الزمخشري وكان أبو حنيفة رحمه الله يفتي سراً بوجوب نُصرة زيد بن عليّ رضوان الله عليهما، وحمل المال إليه، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمي بالإمام والخليفة كالدوانيقي وأشباهه... يقصد هشام بن عبد الملك)[الكشاف: 1/318].
    رغم إنّ أولئك الحكام والأمراء كانوا إذا تغلبوا وقهروا حكموابالشريعة لا بالقوانين والوضعية، وتأمن بهم الأمة على أموالها وأعراضها.. فكانوايسرقون السلطة ولا يسطون على الحــــاكمية... فشتان شتان أن يقاس عليهمهؤلاء...

  8. افتراضي

    ولاية المتغلب (6)
    هم ليسوا منا
    الدليل السابع: هم (ليسوا مـنا) ولا يطاع في الأمة من أولي الأمر إلا من كان منها.. كما في الآية:أولي الأمر منكم، فهل هؤلاء مِنَّا؟! فإذا أعلن رسول الله–صلى الله عليه وسلم- أنهم ليسوا منا؛ فكيف يطاع من ليس منا، ممن حمل عليها السلاح من إرهابيي الحكم أو ممن غشها في كتم الحق والتدليس من عملائهم من أدعياء العلم، وقد نطق النبي-صلى الله عليه وسلم- أنهم ليسوا منا:« من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا»[صحيح مسلم: 101]، فهؤلاء (المتغلبون) حملوا السلاح على الأمة ووضعوه فيها فقتلوهم ركعا وسجدا ومعتصمين، وأولئك (المفتون والخطباء) غشُّوا الجميع بتزيين الباطل وتولية القاتل وشرعنة عمله وتأمين الخائن، وتخوين الأمين... وإنكار المعروف، وتعريف المنكر والمُنَكَّر!
    وطبعا كما يذكر الأئمة في هذا الحديث أن المُسْتَحِلّ لحمل السلاح على المسلمين كافر.
    قال ابن حجر أي ليس على طريقتنا، أو ليس متبعا لطريقتنا، لأن من حق المسلم على المسلم أن ينصره ويقاتل دونه لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه لإرادة قتاله أو قتله، ونظيره: " من غشنا فليس منا"، و"ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب"، وهذا في حق من لا يستحل ذلك، فأما من يستحله فإنه يكفر باستحلال المحرم بشرطه لا مجرد حمل السلاح، والأَولى عند كثير من السلف إطلاق لفظ الخبر من غير تعرض لتأويله ليكون أبلغ في الزجر).
    وقال النووي فأما تأويل الحديث فقيل: هو محمول على المستحل بغير تأويل فيكفر ويخرج من الملة، وقيل : معناه ليس على سيرتنا الكاملة وهدينا. وكان سفيان بن عيينة رحمه الله يكره قول من يفسره بليس على هدينا، ويقول بئس هذا القول، يعني بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر. والله أعلم ). فكيف وهم يفتونهم بقتل المسلمين بحجة أنهم خوارج، يحل قتلهم!! فهذه لا تترك للقاتل المستحِل ولا للمفتي (المحلل) شبهة يتعلق بها.
    فيلتق الله أقوامٌ أفتوْا هؤلاء الطواغيت بقتل المخالفين بحجة أنهم خوارج، خرجوا على الحاكم المتغلب، فإنهم باستحلالهم لقتل المسلمين والمعصومين بهذه الشبه الباطلة، فإنهم على باب الكفر جميعاً، يطرقونهم بأيديهم.
    ولا توجد شبهة تستحق أن تكون تأويلا سائغا يبيح قتل المسلمين السلميين والساجدين، ولا أن تكون تأويلا ينجي القتلة والمفتين من كونهم مستحلين لدماء المسلمين بغير حق، فهم: ليسوا منا، فضلا عن أن تعطيه حق الطاعة ومنصب الولاية.
    والخوارج المبتدعة والخارجون بشبهة لا يجوز قتالهم فضلا عن قتلهم ولو كان معهم سلاح، مــا لم يبدأوا بقتال جماعة المسلمين، بل يُنصحون ويُبيَّن لهم الأمر، ويُناقشون بالحسنى والحكمة، فما كان حقا من مطالبهم وجب على ولي الأمر تلبيته لهم وتنفيذه، وما كان باطلا وخطأ بيَّنه لهم، فإن أصروا على رأيهم، وعلى استعمال السلاح فعندئذ يُقاتلون..فقدروى ابن أبي شيبة بسنده إلى مغيرة قال خاصم عمرُ بن عبد العزيز الخوارجَ، فرجع من رجع منهم، وأبت طائفة منهم أن يرجعوا، فأرسل عمر رجلا على خيل وأمره أن ينزل حيث يرحلون، ولا يحركهم ولا يهيجهم، فإن قتلوا وأفسدوا في الأرض فاسط عليهم وقاتلهم، وإن هم لم يقتلوا ولم يفسدوا في الأرض فدعهم يسيرون.)[المصنف (7/ 557/37908)]
    وبأوضح من ذلك تنزيلا على الواقع: حتى لو سلَّمنا بأن المتظاهرين في رابعة أو غيرها كانوا على خطأ، بل كانوا خوارج أو خارجون؛ فإنه لا يحل قتالهم قبل النظر في مطالبهم، ومحاورتهم، ثم مقابلة قتالهم بقتال، لا صلاتهم بقتال، أو هتافهم بنصال، أو وقوفهم بتوقيفات، أو دبيبهم بدبَّابات!!!
    وإن ضرب ظهرك...!
    وحتى حديث : «تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع»[مسلم: 1847]، فإنه اقتصر على ضياع حقوقٍ شخصية، ومادية دنيوية... ضرب الظهر وأخذ المال، ولم يقل الحديث: وإن عطَّلوا الشريعة، أو وإن حكموا فيكم بزبالات الأذهان، أو وإن جعلوا الحلال حراما، والحرام حلالا بالقانون، أو وإن اغتصب بناتكم في السجون، بل وهتك أعراض الذكور، ما لم يفعله فرعون الأول في مصر الأقدم..
    ولو فرضنا أن مرسي لا يحكم بما أنزل الله، أو حتى لا يسعى للحكم بما أنزل الله في عهدته هذه، والسيسي لا يحكم بما أنزل الله قطعا، وهو يسعى لئلا يحكم به، فالذي اختاره الشعبُ وولاَّه أولى من الذي لم يختره.
    والذي رشَّحه المسلمون والهيئة الشرعية أولى ممن طَلب الولاية وحرص عليها، لا بصناديق الانتخاب فحسب، بل بصناديق الأموات والتوابيت!!
    والذي لا يحكم بما أنزل الله ولكن لا يُظلم عنده أحد؛ أخفّ ضررًا من الذي لا يحكم بما أنزل الله ولا ينجو عنده ولا منه أحد..
    ولذلك بَعَث النبي-صلى الله عليه وسلم- صحابته إلى الحبشة، حيث يوجد فيها النجاشي؛ ملك لا يظلم عنده أحد، قائلا لهم«إن بأرض الحبشة ملِكا لا يُظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه»[السيرة النبوية لابن كثير]. وكان نصرانيا ليس مسلما أصلا، فضلا عن أنه لا يحكم بما أنزل الله!
    فرسولنا-صلى الله عليه وسلم- وهو الأتقى لله والأعلم به وبشرعه، وهو الأرحم بهذه الأمة من أَرحمِ واحد فيها، ومع ذلك يقول عن أمثال هؤلاء: ليسوا منا، ويأتي أدعياء يعارضون هديه فيقولون عنهم: بل هم منا، بل أولياء أمورنا.. اللهم إني أستغفرك وأعتذر لرسولك الكريم مما يرُدُّ به عليه هؤلاء، وإن لم يشعروا؟!
    وقد شرحتُ ماهية حكم المتغلب، وذكرت شرائطها، وأظهرت أدلَّتها-ما استطعت إلى ذلك سبيلاً-، ونقلتُ كلام العلماء من مختلف المذاهب شارحة ومبيِّنة، ومشترِطة.. ولعلي في الحلقة القادمة-إن شاء الله تعالى- أقوم بتلخيصها لمن أراد استيعابها، ثم إمساك بإحسان أو تسريح بمعروف.

  9. افتراضي

    ولاية المتغلب (7)
    أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ
    قال الله تعالى:﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ(37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾[القلم: 38].
    يــا قوم! ما لكم؟.. كيف تحكمون؟! مــا لم تَنَاقَضون؟!
    وفي واقع الأمر إنه هو نفسه-السيسي المتغلب الفعلي- يقول أنا لستُ حاكماً ولا أريد أن أكون حاكماً لا متغلباً ولا مختاراً (وهو غادرٌ كذوب).. فكأنه يقول كذب المفتون وعلماء أصحابنا الملوك، وكذب الملوك أيضا في قولهم عنى بأني الحاكم المتغلب... فعنئذ هو –بانقلابه على الحاكم والخروج عليه- كان أولى أن يُصنَّف فئة باغية على الأقل، وكان على هؤلاء العلماء حينها أن يفتوا بما يجب تجاه الفئة الباغية والخارجة على الحاكم وعلى الأمة، لا أن يدلسوا على الأمة دينها، ويكسروا رقابها ليخضعوها له باسم المتغلب، خاصة أنه خرج على الحاكم فعزله واختطفه، ثم تبرأ من الحكم ولما يُغَلِّب حاكما بعدُ..
    ذاك التناقض العجيب، يعتبرون السيسي متغلباً، بينما رئيس الدولة المزعوم هو (ظُلمي مهزوم.. أقصد المسمى عدلي منصور)، فأيهما الحاكم المطاع؟!
    وهل ترون أن المسمى (عدلي منصور) له من اسمه نصيب ولو قَلَّ؟... أين العدل في حكمه، وأين الانتصار في ولايته.. وهل له ما يتغلب به أصلا؟! وهل أنتم في قرارة نفوسكم ترونه كذلك؟! هل يملك من أمره شيئاً، أم جاء به قرار من وراء الستار؟!
    عفوا.. ربما يكون قد عدل، لكن في توزيع الظلم على المصريين الأحرار.. ويكون قد انتصر؛ لكن على الحرائر بقتل وسجن فلذات أكبادهن..
    في ضــوء هذا التناقض، بل في ظلمة هذا التناقض اسألوا كل طائع للمتغلب: أيهما ولي أمرك الذي تطيع؟! السيسي المحكوم أم عدلي المحتوم؟!
    المتغلب هو السيسي الحاكم بأمره، لكنه ليس حاكماً!!
    والرئيس المؤقت جالس على كرسي الحكم وليس متغلباً، ولا منتخباً، بل هو مغلوب من السيسي؟! فأيهما تطيعون وتوالون؟!
    يعتقد ثم يستدل
    لا ينقضي عجبي لإسلاميين صاروا كالصوفية المخرفين الذين يعتقدون ثم يستدلون... وكالنصارى في قولهم في العقيدة بأن الثلاثة واحد( 3=1)!!، رغم إنها في الحساب الرياضي عندهم لا تساويها؟! ورغم إن هؤلاء الإسلاميين يتعلقون بشرفِ ثُريَّا الانتساب؛ السلف الصالح- رحمهم الله ورضي عنهم وحشرنا معهم-.
    لقد انهدم دين أوروبا لمَّا كان (رجال الدين) يُبَرِّرُون طغيانَ الملوك، وقام التحالف المشبوه بين القساوسة والملوك.. فكفرت أوروبا بالقساوسة والملوك جميعاً.. وقالوا: اشنقوا آخِرَ ملك بأمعاء آخِرِ قِسّيس.. فمتى تقول الجماهير: اشنقوا آخر ملك وولي أمر لا يحكم بما أنزل الله؛ بأمعاء آخر مفتٍ وخطيب يدور في ركابهم.. يشوه الإسلام ويحاربه باسمه.. ويحامي عن الطغيان لقاء رضاء أو دراهم، هي معدودة مهما كانت ممدودة؟! :" وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا"[الأحزاب:16]
    وكما يقول توماس جفرسن:"إن القسيس في كل بلد وفي كل عصر من أعداء الحرية، وهو دائماً حليف الحاكم المستبد؛ يُعينه على سيئاته في نظير حمايته لسيئاته هو الآخر"( انظر: كرين برنتن، أفكار ورجال، قصة الفكر الغربي، 502.)، لذلكم وقلت في مطلع البحث... تفويض قـِسّ الأزهر وشيخ الكنيسة...).
    قـِسّ الأزهر وشيخ الكنيسة
    فبعض علماء الفتنة ودعاة التدجيل والتدجين تشبَّه بالقساوسة فأنزل نصوصَ طاعةِ وُلاَّةِ الأمر الذين يحكمون بشريعة الله، ويعدلون في حكمهم، على الذين يتركونها ويستبدلونها بقوانين وضعية مخالفة لشريعة الله –سبحانه- قلباً وقالباً؛ فأجلبوا بخيلهم ورَجْلِهم وطفقوا يبحثون في التاريخ ليحرفوه، وفي النصوص ليلْوُوا أعناقها، أو يبتروها لتوافق ما ذهبوا إليه. فويلٌ للمصلين، لكن هذه المرة لمصلين لم تنههم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، وهم يراءون الحكام.
    فهم تكريساً لطاعة الحكام يأتون بحديث طاعة الحبشي:«اسمعوا وأطيعوا وإن أُمِّر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة»(- البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأذان (10)، باب إمامة العبد والمولى (54)، حديث (693)، 1، 230.)، ولا يذكرون حديث العبد الآخر:«إن أُمِّر عليكم عبدٌ مجدَّع - حسبتها قالت أسود- يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا»(- مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإمارة (33)، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (8)، حديث (1838)، 2، 892.).
    والفرْقُ أن النص الثاني يشترط في الطاعة أن يكون الحكم بما أنزل الله، والقيادة بكتاب الله، بينما النص الأول يعفيهم من ذلك كله، وبذلك هم وقعوا فيما وقعت فيه الكنيسة، من الحكم باسم الدين لا بالدين نفسه! وطوَّعوا المظلومين للظلمة باسم الدين، وحققوا مقولة:"الدين أفيون الشعوب"! وقد صدق من نطق بها فيما يتعلق بذلك الدين المحَرَّف في أوروبا، لأنه يخدر الشعوب، وصدق فيما يتعلق بالأفهام المغلوطة والمنحرفة للدين الإسلامي الصحيح المحفوظ، التي صدرت وتَصْدُر من علماء بلاط أو مصالح شخصية وضيقة مِن أناس ابتاعوا دينهم بدنيا غيرهم، واشتروا بآيات الله ثمنا قليلاً، لأنها أفهام منحرفة خدّرت الشعوب أيضاً، وعبَّدتها للملوك باسمها، وهي تظنها الدين!.
    يتشبهون بيهود
    بل هؤلاء يتشبهون ببني إسرائيل لما أخفَوا حكم الزنا في كتابهم، حيث وضع أحدُهم يده على الكلمة وقرأ ما قبلها وما بعدها، فعن عبد الله بن عمر : أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟" فقالوا: نفضحهم ويُجْلَدون. قال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك. فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا صدق يا محمد، فيها آية الرجم! فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما فرأيت الرجل يَحْني على المرأة يقيها الحجارة"[متفق عليه]. ألا يكون متشبها بهم من يضع يده على جملة من آية قرآنية، أو من حديث نبوي فيجحدها عن الناس، مثل« يقودكم بكتاب الله»، وفيها فصل الخطاب؟!
    ما الهدف الذي من أجله يترك (بعض علماء) عبارات:«يقودكم بكتاب الله» و«ما أقاموا الدين» ولا يذكرونها للناس في دروسهم وخطبهم ومؤلفاتهم.. ويتركون ما يفيد تحميم الحق بالشبهات، والدس والتدليس فما لا يُدرى ما هو؟! وما لهم يحنون على أوليائهم من الطغاة يحمونهم بالفتاوى كما يحنو ذلكم الزاني على مزنيته؟!
    فإن كانوا لا يدرون فتلك مصيبة وإن كانوا يدرون فالمصيبة أعظم
    فهل ترون أن أي حاكم في بلاد المسلمين بالانقلاب أو تزوير الانتخاب يقودوننا بكتاب الله ويقيمون فينا الدين حتى تكون لهم ولاية أصلا بالاختيار والرضى فضلا عن التغلب واللظى؟!
    هل ترونه تولى أو تغلب بعد فراغ المنصب من إمام، فملأه بغلبة، أو أنه انقلب على منقلب قبله، فلو أنه كان انقلب السيسي على حسني مبارك قبله، لربما كان للسكوت عنه وجه! أولا : لأن حسني المخلوع لم يكن حاكما شرعيًّا أصلا، لأنه منقلب ولأنه لا يحكم بما أنزل الله. وثانيا لأنهما صنوان، وكما يقال في المثل عندنا: الذي تختاره من جِرى الكلبة جرو، أو وما أفضلُ بَعْرِ البعير إلاَّ بعرة!.. فلا تجد خير الجِرى أسداً، ولا أفضل بعرة تكون نَواة ذهب!
    ومِن ذا وهذا وذاك وذلك.. يتبين أن الحاكم ليس له بيعة ولا طاعة لا في معروف ولا في معصية حتى يكون منطلقه تطبيق الشريعة ومبتغاه تحكيمها وسلوكه اتِّباعها.. وإلا فلا سمع ولا طاعة.. بل الطاعة ركون وولاء للظلمة، ومن وراءها مسيس النار، والله تعالى يقول:" وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ"[هود، 113] ويقول:" فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا"[الفرقان،52].
    ومن هنا أيضا يجب البيان بأن ما يحدث في مصر ولا في غير مصر من تحكم طواغيت في الأمة بالحديد والنار وينفذون فيهم قوانين الجنكزخان ليس له علاقة بما يسمى الحاكم المتغلب، فضلا عن ولي الأمر المطاع.. بل حكمهم في الشرع أنه إذا بويع لخليفة وقد حدث لمحمد مرسي بأكثرية الشعب، وجاء الإنقلابيون ببيعتهم لأنفسهم ومن صنعوهم من حفنة التمرد.. فحتى لو كان السيسي خليفة ثانٍ ببيعة التمرد القلة لوجب قتله لأجل بيعة الأول.. فما بالك بأنه في حقيقته خليفة الغرب في بلاد المسلمين؟!
    واجب المصريين
    ومقتضاه أن يقوم المصريون جميعا، فضلا عمن يُسَمَّون بالأحزاب الإسلامية.. فضلا عن الأحزاب (السلفية!!) فضلا عن (ولي أمر المسلمين) في بلد (يزعم أمراؤها)أنها هي راعية أهل السنة في العالم! عليهم جميعا أن يتناصروا ضد السيسي الخارج عن الدستور.. الناقض لعهده.. الناكث لأيمانه الغادر برئيسه.. وأن يُعتبر خارجا عن الدستور.. والشريعة والشرعية .. وخارجا على الأمة وعلى ولي أمرها الشرعي، حاملا عليها السلاح.. لا أن يُعتبر حاكما متغلبا تجب طاعته كما يفتي به الدراويش من علماء السلطة في قطر.. الذين طالما صدَّعوا رؤوس الأمة وفَتُّوا عضد الشباب وشرعنوا حرب الطواغيت لدعاة الشريعة بفتاوى طاعة ولي الأمر.. ورمَوْا دعاة الإسلام بالخارجية!
    ولا أقول بأن السيسي وأشياعه من الخوارج الذين خرجوا على ولي الأمر المسلم، كلا ! بل هو شر وأقبح وأظلم وأبعد عن الإسلام من الخوارج.. فالخوارج-لا بارك الله فيهم ولا أقام لهم دولة ولا رفع لهم راية ولا جمع لهم جماعة- ينصرون الإسلام بطريقة بدعية ضالة خاطئة مرفوضة.. فهم ضلوا من حيث أرادوا الهدى.. أما الطواغيت – ومنهم السيسي- فهم يحاربون الإسلام والمسلمين نيابة عن اليهود والنصارى.. فهم وإن لم يُطعن في دينهم بكونهم يحكمون بغير ما أنزل الله.. فإنه يُطعن فيه بولائهم لليهود والنصارى وحربهم للإسلام وأهله...والله أعلم.
    إنهم مسرفون
    لا يشك أحد في أن هؤلاء الحكام مسرفون، وأنهم يفسدون ولا يصلحون، فقد أفسدوا دين الناس وأخلاقهم ومعاشاتهم، ولم يصلحوا في شيء منها، وهؤلاء لا ينبغي أن يدان لهم بطاعة، لأن >لط ينافي التقوى ويناقض طاعة الله، كما قال نبي الله صالح-صلى الله عليه وسلم-:  فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)[الشعراء].

  10. افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كنت أريد وضع الموضوع على شكل حلقات بغية المناقشة والإثراء، ولمَّا لم يكون هناك تفاعل مع الموضوع، فها أنا أضع رابطه كاملا لمن أراد الاطلاع.. اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد
    وهذا رابطه فغي صيد الفوائد:
    http://www.saaid.net/bahoth/208.pdf

  11. افتراضي

    جزاك الله خيرآ على الكتاب النافع

  12. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صائد المراجع مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرآ على الكتاب النافع
    شكر الله لكم ونفعنا وإياكم بما نقول أو نكتب

  13. افتراضي

    المنقلبون مع المنقلبين
    أولا: اللهم لا شماتة
    ثانيا: اللهم إنا نسأل الهداية إلى الحق والثبات عليه..
    فهذا الشيخ كان حربا على العلمانيين...
    كان ياسر برهامي أيام زمان-قبل 14 سنة يقول:
    ((
    ولا شك أن أهل البدع المعاصرة المنتسبين إلى الإسلام الداعين إلى الكفر والنفاق من أصحاب المذاهب الإلحادية كالعلمانيين، وأصحاب القوانين الوضعية، والديمقراطيين، والاشتراكيين، والوطنيين، والقوميين الذين يريدون هدم الرابطة الدينية للمجتمع، وإقامة الرابطة الوطنية المدنية، ومن ينادي بلزوم اتباع الغرب وتقليده، وكذا سائر الأحزاب القائمة على خلاف مبادئ دين الله سبحانه وتعالى، بالإضافة إلى دعاة البدع القديمة التي تطل في ثوب جديد، أو في ثوبها القديم كالرافضة والخوارج والقبوريين، لا شك أن كل هؤلاء ينطبق عليهم هذا الوصف من النبي صلى الله عليه وسلم، وما أكثرهم في زماننا، وقد قوي سلطانهم، وتملكوا بلاداً وأقطاراً نشروا فيها النفاق الأكبر، وأحياناً الكفر البواح بلا مداراة، فضلاً عن صفات النفاق والفسوق والعصيان التي ملأت المجتمعات الإسلامية، وتفرق الناس في صراعات جاهلية، أهلكت القلوب والأبدان والعباد والبلاد.
    ولا شك أن القبول بأمثال هؤلاء ورياستهم للمجتمع والإقرار بولايتهم على المسلمين ولاية شرعية يؤمر المسلمون فيها بالسمع والطاعة، والاعتراف لهم بحق التوجيه والأمر والنهي من أعظم ما يؤدي إلى فرقة المسلمين وهلاكهم في طاعة هؤلاء.
    ولو تأملت في حالهم تجد الأوصاف منطبقة عليهم، ومن العجب أن تجد من يقول للناس: اسمعوا لهم وأطيعوا، ومما يؤسف أن هذا مذهب البعض من أبناء الصحوة، حيث يرون أن هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم ولاة أمور شرعيين، وليسوا فقط قد فرضوا على المسلمين أمراً واقعاًً.
    ولا شك في ضرورة وأهمية التفرقة بين الأمر الواقع والأمر الشرعي الذي هو الحق دون ما سواه.
    ومن أسباب الشبهة التي تلبست البعض في هذا المقام: كلام أهل العلم في أن الولاية قد تثبت بالتغلب ولو لم يكن صاحبها مستوفياً لشروط الإمامة، والحقيقة أن كلام العلماء في ذلك إنما هو ابتلاء من هو صالح للإمامة، فإن خلا الزمان عن ذلك واستولى كاف ذو استقلال للذب عن بيضة الإسلام وحوزته، فهذا حكم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الذي توكل له الأمور التي كانت منوطة بالأئمة؛ لأنهم إنما تولوا الأمور ليكونوا ذرائع إلى إقامة أحكام الشرائع.
    هذا كلام الإمام الجويني.
    والأدلة التي استدلوا بها تدل على ذلك، فإن من أدلة ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو استعمل عليكم عبد حبشي يقودكم بكتاب الله؛ فاسمعوا له وأطيعوا)، وفي رواية: (مجدع الأطراف).
    ومعلوم أن الحرية والنسب من شروط الإمامة، وقد حمل العلماء الحديث على صورتين: إما أن يوليه بعض الأئمة، أو أن يتغلب على البلاد بشوكته وأتباعه، والحديث ظاهر في أنه لابد أن يقود الناس بكتاب الله.
    فالغرض إقامة الدين، وسياسة الدنيا بالدين، وكما قال الجويني: والغرض استصلاح أهل الإيمان على أقصى ما يفرض فيه الإمكان، وليس المقصود وجود صورة الولاية حتى ولو كانت حرباً على الدين وأهله، وموالاة للكفار ونصحاً لهم، وسعياًً لمصلحتهم على حساب المسلمين وبلادهم، وإيذائهم، فإذا أضفنا إلى ذلك أنهم ما تولوا الرياسة والولاية أصلاً باسم الدين، ولا نسبوا أنفسهم إلى القيام بواجباته، بل هم يقسمون صراحة على إقامة دساتيرهم وقوانينهم الوضعية التي يعلم الكافة مخالفتها للشريعة الفطرية، بل لا يتولى أحدهم منصبه إلا بمثل هذا القسم، فأين العقد الذي عقدته لهم الأمة ممثلة بأهل الحل والعقد منها؟ وأين المقصود الشرعي للإمامة شكلاً أو موضوعاً رسماً أو حقيقة واقعة حتى يمكن من أجله تخصيص الولاية للقيام بالمصالح والمقاصد الشرعية، وعدم إهدارها، ولو بدون عقد ولاية من أهل الحل والعقد؟ من الواضح الجلي أنه لا هذا ولا ذاك يمكن أن يدعى وجوده بأقل الدرجات، وهذه المسألة -نعني: عدم اعتبارهم ولاة شرعيين- ليست مبنية على تكفير أعيانهم من عدم تكفيرهم، فالإسلام شرط آخر من شروط الولاية تبطل بفقده كولاية شرعية ابتداء أو عند طروء الكفر كما هو مبين في موضعه، ولكن لا يلزم من عدم التكفير للأعيان بعذر بجهل أو تأويل، أو إكراه مدعى أن تصحح الولاية شرعاً؛ لأن العقد لم يتم عليها.
    فمن الممكن لأحدنا ألا يثبت الكفر لمعين لكن لا يمكن أن يثبت بذلك الإمامة الشرعية، فقد يعذره بجهل أو تأويل، لكن أين الإمامة الشرعية التي يثبت بها الأحكام الشرعية؟! لأن العقد لم يتم عليها -على الولاية- ولا المقاصد الشرعية وجدت حتى يمكن اعتبارها صحيحة بالتغلب.
    أما مسألة التكفير فهي لأهل العلم استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، وكثيراً ما يكون الاختلاف فيها راجعاً إلى تحقيق المناط، وهذا في أحوالنا اليوم غالباً ما يكون سائغاً لانتشار المنافقين وكثرة مداراتهم وتلبيسهم على الناس حتى أهل العلم منهم.
    والعلاج الواجب لهذا السبب من أسباب الاختلاف: جمع الناس حول علمائهم، فهم في الحقيقة أولي الأمر منهم؛ لأنهم هم الذين يمكنهم أن يقودوهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واجتماع الناس عليهم من أسباب قوة الصحوة وتأثيرها في المجتمعات المسلمة الجريحة بجراح الكفار والمنافقين، ثم هؤلاء العلماء عليهم أن يختاروا من بينهم أمثل من يقود المسلمين في ملماتهم ومهماتهم، ولا سبيل إلى أن يصبح أهل الحل والعقد الحقيقيون -الذين هم أهل العلم من أهل السنة والجماعة- أهل قوة وتأثير إلا بجمع الناس عليهم، ورد أمرهم إليهم؛ فإن واجب المسلمين حال غياب الإمام أن يكون العلماء هم ولاة الأمور.

    .....))
    كتاب فقه الخلاف ص52-53
    كان هذا الشيخ حربا على العلمانيين.. فها هو اليوم ضد نفسه، لأنه يقف بجنبهم ومعهم.. والله تعالى يقول:"وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) "[النساء].
    فهاهو اليوم يدعو لطاعة من اجتمع فيه الشر كله:
    1- متغلب.
    2- لا يقود بكتاب الله، بل يحاربه.
    3- عَلماني قاتل.
    4- عميل للسهود والنصارى
    ومع ذلك صحت ولايته حتى قبل أن يتولى، لأنه في عالمهم لم يُنتخب بعدُ.. فالأمر مدبَّرٌ بليل، وقضاته سلفا قد ارتشفوا دماً!!!
    سبحانك ربي لا إله إلا أنت لا تضلنا بعد إذ هديتنا

  14. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الإله طَهور مشاهدة المشاركة
    كتاب فقه الخلاف
    رابط الكتاب:
    http://www.waqfeya.com/book.php?bid=136
    بارك الله فيكم

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. ولادة من جديد
    بواسطة يونيتدكوم في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-11-2013, 05:53 PM
  2. تغريدات قيّمة حول إمامة المتغلب
    بواسطة العزبن عبد السلام في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-31-2013, 07:12 PM
  3. الإمام المتغلب له شرط للطاعة يا جماعة
    بواسطة ابن عبد البر الصغير في المنتدى أحوال المسلمين بالعالم
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 08-31-2013, 03:41 PM
  4. خبر: ولادة الكانجرو
    بواسطة ابن السنة في المنتدى قسم الاستراحة والمقترحات والإعلانات
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-28-2010, 08:53 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء