بسم الله الرحمن الرحيم
كثر الكلام على دليل الحدوث، فكل يعرضه بطريقته الخاصة، ولا يلتفت الى كلام الائمة الذي اجادوا في تبسطيه للعامة والخاصة، وهنا انقل تقرير الامام الغزالي لهذا الدليل البسيط جدا والذي به يستدل على وجود الخالق، فهو من اقوى الادلة للاسباب عدة :
- اعتماده على مقدمات قليلة وبسيطة ويقينية لا يختلف عليها اثنان الا المجادلون بالباطل.
- ان الدليل لا يستدل على وجود الله فقط بل على صفاته العلية التي وصف بها نفسه في الكتاب العزيز.
- ان هذا الدليل لا يزعم ان الايمان بالله بديهية، بل يجب الاستدلال عليه، كما هو معلوم عند العقلاء، فان اقررنا ان هناك فطرة توجب على الناس الايمان، فهناك على الاقل من فسدت فطرتهم وارتابوا في وجود ربهم كما قال الشيخ احمد ابن تيمية، فكان لزاما ان تصاغ الادلة التي بها نستدل على الباري عز وجل من اجل اسكات افهواه الملاحدة الذين تطاولوا على الذات العلية بشبههم المتهافتة.
- ان الدليل وهذه هي قوته صالح لكل زمان و مكان، وهذه خاصية الدليل العقلي، والدليل الذي لا يتوفر فيه هذا الشرط، فهو ليس بدليل عقلي، ولن تجد هذا الاضطراد الا في الادلة الكلامية، اما اغلب الادلة التي نستعملها اليوم، فانما عرفنا بتطور العلوم التجريبية، مع العلم ان الاستدلال على وجود الله لا يصح ان يكون رهينا بتطور علم ما، فيكون الله بذلك ظالما للناس وللعالمين.
و بهذا نكون قد بينا اهمية هذا الدليل، وادعوكم هنا ان ترجعوا معي 10 قرون الى الوراء، وتخيلوا نفسكم جالسين في منازلكم، ثم طرق بابكم ملحد، فقال لك : انا لا اؤمن بالله فما دليلك على وجوده ؟ فكيف ستجيبه : هل ستقول له ان العلم اثبت ان التطور مستحيل ؟ هل ستقول له بالضبط الدقيق للكون ؟ هل ستقول اتبع فطرتك ؟ هل ستقول له ان البروتينات لا تنشأ بالصدفة ؟ لن تجد الا الادلة الكلامية التي تمكنك من الزام الخصم، فهي لم تنتشر في هذه العصور لان الناس كانت مجنونة، بل لم يكن هناك وجود لغيرها، والمتكلمون عموما كان علماء بالطبيعيات وبكافة العلوم المتوفرة ومع ذلك اختاروا طريق الكلام والسؤال لماذا ؟ الجواب ببساطة الطابع الالزامي فالدليل الكلامي هو الدليل العقلي الوحيد على وجود الله، اما الادلة التجريبية التي تحصلنا عليها مع الوقت فهي ليست كذلك، ويجب اسنادها واضافتها الى الادلة العقلية المضطردة في الزمان والمكان، وهذا عين ما حدث، فقد استدلينا على حدوث العالم بالعقل منذ قرون مضت وها هي العلوم التجريبية بادلتها تؤكد ما صح اثباته بالعقل، وهذا فيه اشارة على تناسق المعتقدات، ودليل اضافي على صحة المعارف التي توصلنا اليها، فان فرض الخلاف بين الدليل العقلي والتجريبي وهذا الذي لا يحدث الا ناذرا لاسباب معينة، قدمنا الاول ليقينيته، وابطلنا الثاني لظنيته، فالمعارف التجريبية وان كانت مفيدة في حياتنا الا انها لا تفيد اليقين كما هو الحال مع المعارف العقلية، وتقبل منا هذا الفرق الدقيق.
طبعا سيقول قائل لكن علم الكلام لا يورث راحة القلب، فيكون الجواب لهذا السائل : يجب عدم التعميم، فهناك من لم يرتح لهذه الادلة -ليس لفسادها كما سنوضح- وهناك اناس ارتاحوا لها كل الارتياح، وفتنوا بها واعتزوا بها وحمدوا الله الذي عرفهم اياها. فنحن امام هذا المعطى نقول ان علم الكلام دواء، فالدواء قد لا يكون مناسبا للكل، لان هناك من الادوية التي قد تشفي فلانا، وتمرض فلانا اخر، ومع ذلك فهو يبقى دواء.
اما مشكلة الادلة الكلامية فهي تكمن في طابعها الالزامي، بحيث تفرض عليك فرضا فلا تترك لك مجالا للاختيار، فهي تخاطب عقلك ولا تخاطب قلبك، وهذا طبيعي فلا سبيل للحصول على راحة القلب ما دمت لم تشفي غليل العقل، فالاستدلال العقلي هو مرحلة اولى لا مناص منها من اجل التحصيل على راحلة القلب، وعندها تتأمل زيادة في هذا الكون تحس ان الايمان يتمكن من قلبك بهدوء، فلكل دليل مقامه وليس الدليل الذي يخاطب العقل كالدليل الذي يخاطب القلب، فلا يمكنك ان تعيش باحدهما دون الاخر، هذه خلاصة الكلام في هذه المسألة. وسأقدم ان شاء الله في هذا الموضوع ان لم تكن هناك تعليقات للاخوة على عرض دليل الحدوث كما قدمه امامنا حجة الاسلام، نفعنا الله به،والله يوفقنا لما يحب ويرضى....
ملاحظة : لست الزم الكل بتقبل ارائي، فانما نحن هنا دعاة الى الله تعالى، نعرض الادلة ثم نترك السائل يختار ما يشاء منها والباب مفتوح لملاحظاتكم والتي استطيع مناقشتها معكم قبل البدء في عرض الدليل. والله الموفق.
Bookmarks