بسم الله الرحمن الرحيم

حكى ابن العربي عن الزبير بن بكار ، قال : " سمعت مالك بن أنس ، وأتاه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ! من أين أحرم ؟ قال : من ذي الحليفة ، من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد . فقال : لا تفعل ، قال : فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر ، قال : لا تفعل; فإني أخشى عليك الفتنة ، فقال : وأي فتنة هذه ؟ ! إنما هي أميال أزيدها ، قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! إني سمعت الله يقول : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) .

قال الإمام الشاطبي فى الاعتصام معقبًا :

فأنت ترى أنه خشي عليه الفتنة في الإحرام من موضع فاضل لا بقعة أشرف منه ، وهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضع قبره ، لكنه أبعد من الميقات فهو زيادة في التعب قصدا لرضا الله ورسوله ، فبين أن ما استسهله من ذلك الأمر اليسير في بادئ الرأي يخاف على صاحبه الفتنة في الدنيا والعذاب في الآخرة .

قلت والسبب في ذلك لأنه يؤدي إلى الابتداع في دين الله وإدخال أشياءً عليه ليست منه ودين الله كامل لا يحتمل الزيادة ولا النقصان وقد قال صلى الله عليه وسلم : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد , وقال : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد , أي مردود على صاحبه وغير مقبول منه , فاتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كُفِيتم (كفاكم الله ورسوله عن البدع وأغناكم عنها)؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. كما قال ابن مسعود .