[center]إزالة أوهام !!![/center]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
يتوهم الناس عموما وللأسف بعض المسلمين أن الصفات الإلهية نسبية محدودة وغير مطلقة ويفهمون الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بحرفيتها ولا يكلفوا أنفسهم الإطلاع على التفاسير ومما يستدلون به :
أولا : حدثنا الحكم ان نافع عن شعيب عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : جعل الله الرحمة مائة جزء وأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في الأرض جزءا واحد فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية ان تصيبه
ثانيا : الآية الكريمة (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
ثالثا : أسماء الله الحسنى المعروفة بأنها 99 اسم
رابعا : الآية الكريمة ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )
ولكي لا أثقل عليكم أذكر لكم تفسير ابن كثير بخصوص هذه الأية فقط وهذا نصه :
يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء المنافقين ليسوا أهلاً للاستغفار وأنه لو استغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم, وقد قيل إن السبعين إنما ذكرت حسماً لمادة الاستغفار لهم, لأن العرب في أساليب كلامها تذكر السبعين في مبالغة كلامها, ولا تريد التحديد بها ولا أن يكون ما زاد عليها بخلافها, وقيل بل لها مفهوم كما روى العوفي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما نزلت هذه الآَية أسمع ربي قد رخص لي فيهم فو الله لاستغفرن لهم أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم» فقال الله من شدة غضبه عليهم: {سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم}
فبعض النصوص في الكتاب والسنة لا تفهم بحرفيتها .. والله سبحانه وتعالى اصطفى النبي محمد عربي .. حيث قال (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) والوحي نزل عليه ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) .. فكيف يبين لهم إلا باللغة السائدة عندهم والتي يعرفونها ويتحدثون بها ؟ !!! .. أما حقيقة هذه الأشياء كما وكيفا فلا نشك قطعا بأنها مطلقة وغير محدودة لأنها صادرة عن إله حق مطلق استأثر بحقيقتها في علم الغيب عنده
ونأخذ مثلا صفة العلم كمثال :
الله سبحانه وتعالى علمه مطلق أي ( يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ) .. وبما أن الله سبحانه وتعالى عرض الأمانة وحملها الإنسان .. فلابد من الامتحان في مدى تحمله المسئولية ( الأمانة ) من عدمه , لأنه المخلوق الوحيد الذي قبل حملها , فإذا حمل الأمانة حق الحمل يثاب في الجنة , وإذا خان الأمانة يعاقب في النار .. وبما أن علم الله سابق للوجود ويعلم أفعال الإنسان وكتبها عنده , والله سبحانه وحده هو الذي يعلم مسبقا قبل استخلاف الإنسان في الأرض من هم أهل الخير ومن هم أهل الشر , وبالتالي من هم أهل الجنة ومن هم أهل النار , وأفعال الإنسان هذه هي من عنده بإرادته ذاتية نابعة من نفسه باختياره فهو مخير لفعل الخير أو الشر سواء أخذ بالأسباب أم لم يأخذ بها , وكل أفعال الإنسان معلومة ومكتوبة فقط لدى الإله العليم وليست مقدرة من الله على الإنسان أن يفعل الخير أو الشر وتعالى الله عن ذلك .. فلو أن فِعل الخير مقدر ومكتوب على الإنسان أن يفعله لبطل الثواب .. ولو أن فِعل الشر مقدر ومكتوب على الإنسان أن يفعله لبطل العقاب .. وبالتالي لا داعي لوجود الجنة والنار !! .. وهذا قطعا مستحيل .
الخلاصة :
إرادة الله الكونية أن تكون الدنيا دار لإمتحان الإنسان في العبادة لا يعني ذلك عدم علمه ( تعالى الله عن ذلك ) بما سوف يفعله هذا الإنسان , بل علمه مطلق سابق للوجود يعني سبب وجود الوجود , أما الإنسان فعلمه نسبي لاحق للوجود أي مكتسب من الوجود .. وأيضا علم الله السابق للوجود لا يلغي الامتحان .. فالامتحان والابتلاء لئلا يكون للناس على الله حجة يوم القيامة
ولذلك أرسل الرسل ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)) وأنزل معهم الكتاب وأمرنا بإتباعه ( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)
وأيضا (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)
وأيضا (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)
وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)
فإذا كان هذا ما سيقوله الإنسان في الآخرة رغم الامتحان وإرسال الرسل وإنزال الكتاب والعمل على هدايته للصراط المستقيم ..
فماذا كان قوله لو أن الله العليم بكل شيء أدخل أهل النار نارهم وأهل الجنة جنتهم مباشرة بلا امتحان ؟؟
هو يعلم سبحانه بكل أفعال خلقه ولكنه وضعهم في الامتحان العملي لئلا يكون لهم حجة يوم القيامة .. ولئلا يقول قائل لو أن الله امتحنني لكنت فعلت كذا كذا وكذا - ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )
وأخيرا نقول للمعترضين على إطلاق الصفات الإلهية لمجرد الاعتراض ولو ترووا قليلا وبحثوا في التفاسير وأعملوا العقل لما وقعوا في الأوهام ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يخرجهم منها إلى النور والله يهدينا جميعا لصراطه المستقيم .. آمين
Bookmarks