.
الأستاذ رمضان، هدانا الله وإياه إلى سبيل الرشاد..
يبدو أن أفعال الله كما وردت في القرآن لا يستطيع عقلك أن يتقبلها كما هي، فتلجأ إلى تفسيرها
خلافا لظاهرها، وأخشى أن تكون ممن قال عنهم رب العالمين: (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ
اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
إعلم يا استاذ وافهم، أن الله سبحانه قادر على أن يفعل ما يريد، ما يخطر ببالك وما لم يخطر ببالك
بعد، يفعل أي شيء في أية ساعة يشاء وبأية كيفية يريدها، ولا يستشير مخلوق قبل إمضاء إرادته،
ولا يمنعه من إمضائها شيء في السموات السبع، لا قانون ولا مخلوق، وهذا مصداقا لقوله تعالى:
(فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)
والإدعاء بتنزيه الله من خلال صرف أفعاله من معناها الحقيقي إلى معان يمليها العقل البشري هو جريمة
بحق الله وبحق كتابه العظيم وليس تنزيها لله عما يليق به كما يدعي الكفرة اتباع الدينين الأشعري والصوفي،
فتنزيه الله لا يتم إلا بالتصديق الكامل لما قاله سبحانه في محكم التنزيل والإمتثال له، وبنفي كل ما
لا يليق بجلاله وعظمته وألوهيته المقدسة.
وحديث النزول، يدل منطوقه على نزول الله بذاته إلى السماء الدنيا نزولا حقيقيا فعليا وليس
مجازيا، وقد قلنا لك بأنه ليس في الحديث دليل على أن نزول الله دائم ومستمر طالما هناك ثلث
أخير من الليل على الأرض، ، بل ينزل الله إلى سماء أرض فيها مسلمون من أهل التوحيد، ولا
ينزل إلى سماء أرض فيها كفرة مشركين، بدليل انه يقول: (هل من مستغفر فأغفر له) وهل يعرف
الكافر الإستغفار...؟
أما قولك بأن النزول في الحديث المقصود منه نزول الملائكة وليس نزول الله، فقد طالبناك بدليل
شرعي يثبت ما تدعيه ولم تأتينا بهذا الدليل حتى الآن، ولا زلنا نطالبك به. وما لم تأتينا بهذا
الدليل، فإنه يلزمك أن تقر بأن الله بذاته هو من ينزل إلى السماء الدنيا وليس الملائكة.
أم استشهادك بآيات من القرآن لتثبت بها بأن حديث النزول المقصود به هو نزول الملائكة وليس
نزول الله، فنقول بأن استشهادك يثبت بطلان حجتك، فقوله تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ)
(وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)، بأنها مجاز وليس حقيقة، وبأن الملائكة هي التي قتلت
ورمت، فقد جانبت الصواب، فإن من قتل ورمى في هاتين الآيتين هو الله سبحانه بذاته وليس
الملائكة، بدليل أن الله نسب القتل إلى نفسه صراحة بقوله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ) وقوله تعالى:
(وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)، ولو لم يكن الفاعل هنا هو الله لقال لك "ولكن الملائكة قتلتهم"، ألم ينسب الله
الإماتة إلى الملائكة بقوله تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)
فنخلص من ذلك إلى أننا ملزمون بأخذ الفعل الإلهي الوارد في الكتاب والسنة على ظاهره كما هو
من غير تأويل عقلي، ففرق هائل بين أن تأخذ الفعل الإلهي على ظاهره كما ورد في القرآن، وبين
أن تدخل في فلسفات وتأويلات عقلية فاسدة، لا تملك دليلا شرعيا عليها.
نسأل الله السلامة والعافية.
.
Bookmarks