الحمد لله الذي خلقنا وهدانا وما كنا لهتدي لو لا أن هدانا الله
أسلوب كتاب "وهم الاله " للكوميدي الشهير ريتشارد دوكنز
أرسل لي صديق نسخة الكترونية من كتاب " وهم ريتشارد دوكنز " المسمى " وهم الاله" باللغة العربية في بريدي الالكتروني وقد قرأته في ليلتين وتم رفع الملاحظات التالية
1 أدهشني الأسلوب البسيط جدا والمتواضع جدا للكتاب فالكاتب ماهر في تبسيط الأمور ويجيد فن الكتابة الموجهة للقارئ العادي ويبدو عقلانيا جدا في الطرح
2 الاعتماد على سرد الأمثلة للإقناع وهذا الأسلوب يعرف علميا باسم" الحجاج بالمثال" وهو فعال جدا في إقناع القارئ العادي لكنه لا ينطلي على الشخص المثقف
3الكاتب يدعي أن الكتاب ينتقد الدين بصفة عامة لكنه لا يتحدث سوى عن الدين النصراني ديانته الأصلية في نسختيها التوراة والانجيل والسبب أن الإنسان الغربي معروف بالاستكبار الحضاري فهو يتصور أن الحق إن لم يوجد عند الغرب فيستحيل أن يوجد في الشرق
ومن هذا المنطلق اسهب الكاتب في سرد عيوب العهدين القديم والجديد وعمم ذلك على الدين كله
عرض حجج الكوميدي ريتشارد دوكنز على العلم
مجمل القول
الكتاب من الناحية العلمية يعد فشل كبيرا لان الكاتب ليس فيلسوفا ليتطرق إلى مسالة بهاته الخطورة فهو لا يعرف أصول الفلسفة والحجاج ويعزى سبب بيع ملايين النسخ من الكتاب إلى الأسباب التالية
الأول الموضوع الذي يتطرق اليه مثير للفضول لجميع انواع القراء العامي والمختص
وينطبق الامر على جميع الكتب التي تمس السياسة والجنس والدين خصوصا إذا كان كاتبها رجلا مشهورا
الثاني العنوان مثير من الناحية الدلالية والسيميائية
الثالث أن معظم القراء خدعوا بالعنوان وتوقعوا مثلي أن يجدوا اكتشافا باهرا في الكتاب يشرح فيه الكاتب كيف يمكن أن يلد الكون من العدم دون خالق او كيف نشأ ت الأحياء و دون الحاجة لخالق
بحكم ان الكاتب بيولوحي فشك معظم القراء انهم سيجدوا شرحا مقنعا وبديلا عن الله يفسر كيف قام الانسان من التراب دون خالق
وهو ما يسمى علميا "بسقف توقعات القارئ"
لكن المفاجاة الكبيرة ان الكاتب عرض على القارئ "ظرطة الحادية كبيرة " بديلا عن الخالق لتفسير نشأة الأحياء على كوكب الأرض كما سيتبين في السطور القادمة
عرض جميع حجج الكاتب الكوميدي
الحجة الاولى
-تعدد الأديان في العالم وهي حجة كلاسيكية يتكلم عنها جميع الملاحدة في العالم
والرد عليها أن الاختلاف في الإلوهية ليس مبررا علميا لنفي الربوبية التي هي من مبادئ العقل ولا سبيل لإنكار الربوبية سوى أن يشرح الملحد تفسيرا بديلا عن الخالق لخلق السموات والارض والناس
الحجة الثانية
-نقد لاذع للعهدين القديم والجديد تطرق للبشر الإله الذي تجسد في المسيح عليه السلام وعقيدة الثالوث الوثنية وتحريف الاناجيل وتعددها وكتابتها بأيدي مختلفة وفي عصور مختلفة
كما تطرق للعهد القديم الذي يخص اليهود وانتقد صورة الإله الظالم والأناني والذي تجسده نصوصها المحرفة
وهاته الحجج كلاسيكية ولم يفعل الكاتب سوى إعادة سردها
الحجة الثالثة
-حجة ابريق الشاي او وحش السباقيتي
يقول الكاتب اذا كنت أؤمن بوجود اله ما في الكون فما الذي يمنعني من الاعتقاد من وجود إبريق شاي يدور حول الأرض
هاته الحجة تسمى " الحجاج بالمقارنة " وتتضمن مغالطة واضحة جدا
إن ما يجعلنا نعتقد بوجود الخالق هو خلق السموات والارض وما بث فيهما الله من مخلوقات حية
في حين لا يوجد أي سبب يجعلنا نعتقد بوجود إبريق الشاي في مدار حول الشمس سوى أن يوضحه الكاتب إن كان يعرفه
الحجة الرابعة طائرة البوينغ الكبرى
يقول الكاتب
ما دامت الكائنات الحية معقدة ولا يمكن أن تنشأ مصادفة
لا شك أن من خلقها اكثر منها تعقيدا بالضرورة
وبالتالي الله غير موجود
هاته مغالطة بسيطة تسمى علميا " مغالطة النتيجة التي لا يغطيها الحامل المنطقي"
تعالوا نوضح خدعة الكاتب من خلال مثال مضاد
كتاب " وهم دوكنز" المسمى " وهم الاله " معقد ولا يمكن أن ينتج مصادفة
لا شك ان كاتبه دوكنز أشد تعقيدا منه
اذن دوكنز غير موجود
الحجة الأخيرة عدم وجود دليل على وجود الله عز وجل
هاته مغالطة معروفة يوقع الملحد فيها كثيرا من المؤمنين
إن ما يجعلنا نعتقد بوجود الخالق جلا وعلا هو مخلوقاته وهذا من مبادئ العقل
فما الذي يجعلني أفترض أن لكل شيء صانع وخالق سواء كان هاتفا نقالا أو كتابا أو تلفازا أو قميصا أو سيارة وأعطل ذلك عندما يتعلق الأمر عندما يتعلق الأمر بالكون والأحياء
وبالتالي فمن ينكر مبادئ العقل هو الملزم بتقديم الدليل
يجب أن يقدم للناس تفسيرا كاملا منطقيا يقنعهم بالدافع الذي جعله يثبت لكل الموجودات صانعا عاقلا ويستثني الكون والأحياء
وليس الذي يسلم لمبادئ العقل هو الملزم بتقديم الدليل.
ما ينتظره القارئ بشغف
بقي القارئء يقلب أربعمئة صفحة ينتظر تفسيرا عقلانيا بديلا عن الخالق العاقل ذو الارادة كتفسير لخلق الكائنات الحية من المواد الميتة التراب والماء والهواء والضوء والحرارة
ترى لماذا نمر يوميا بالتراب والماء والهواء والريح يصفر فيهما دون أن نرى إنسانا يقوم أمام أعيننا أو على الأقل عينا مرمية في أحد شوارع المدن التي زرنها دون خالق
انظر الى ظرطة دوكنز الكبرى التي جعلت الإنسان يخلق نفسه بنفسه دون خالق
يقول الكاتب
"لا يمكن ان تتشكل الحياة بصدفة واحدة لكن يمكنها تتشكل بصدف كثيرة متراكمة أخذت وقتا كافيا مقدرا بملايين السنين"
بمعنى أن الريح بقي يلعب اللوطو مع ذرات الكون فيفلح ويفشل ثم تتراكم الصدف المحظوظة الناجحة شيئا فشيئا لتشكل شبه مخ يتطور تدريجيا ليصبح مخا وهلم جرا
الرد على هاته الحجة
1 التفسير بالصدفة يتنافى مع المنهج العلمي أصلا ولا يجوز اثارة كلمة " صدفة " داخل العلم لان هذا الكلام شعوذة وليس علما
2 لا يوجد دليل علمي يستأنس به لتصديق هذا السيناريو حيث يرجى من الكاتب إثبات أن الحياة تشكلت عن طريق صدف محظوظة عن طريق تجربة ما
فالكاتب يقترح هذا السيناريو كبديل عن الخالق الواعي العاقل دون دليل
3 لا يوجد في خبرتنا الحياتية العملية أي شيء مادي أو حي تشكل بتراكم الصدف بل رأينا أن الصدف تبعثر النظام ولا تتراكم لإنتاج شيء ما
4 علميا لا يوجد شيء اسمه " صدفة" وكل ما نطلق عليه صدفة هو حادثة نجهل مؤقتا سببها
5 لماذا يعجز البشر باستخدام العلم والعقل وخبراتنا المتراكمة عن إنتاج أبسط شكل من أشكال الحياة التي يفترض أن الصدفة أنتجتها في حين نحن نملك تصميما ووعيا ونستطيع جلب المواد والشروط النظامية داخل المخابر وتكرار التجارب ملايين المرات
هل هذا اعتراف أن الصدفة تنتج ما يعجز عنه الوعي والعقل والتصميم
6 لقد قام العلماء بحسابات علمية لحساب احتمال تشكل أبسط بروتين دون خالق فوجدوا أن احتمال ذلك سلسلة من الأصفار تحزم مجرتنا بلايير بلايير المرات ويتطلب كمية من المادة تعادل وزن الارض بلايير بلايير المرات
فماذا سيكون احتمال تشكل خلية او عضو أو كائن كامل دون خالق
علما أن شريط dnaيحتوي مجلدا من المعلومات المنظمة التي يقول العلماء أنها تعادل أكثر من ألف مرة المعلومات الموجودة في كتب دائرة المعارف البريطانية
فالقول بالصدفة يؤدي بنا ان نقبل بحصول المستحيل العلمي والرياضي ناهيك آن الصدفة لا تصلح تفسيرا علميا بل هي شعوذة
ففي المنهج العلمي اما أن" نفسر" او نكتفي بعبارة " لا نعلم السبب حاليا"
خلق الكون عند الكوميدي العالمي دوكنز
أثبت العلم بحسابات رياضية دقيقة وعن طريق شواهد مادية مرصودة أن الكون الذي نعيش فيه والمادة كلهم تشكلوا من العدم
وبالتالي فان ميلاد المادة والكون من العدم بحاجة لتفسير علمي
هل سنقول أن الله خلق الكون من العدم
أم نقول أن العدم خلق الكون من العدم
من المستحيل عقلا القبول أن يصفع العدم العدم فتتناثر الكواكب والشمس والقمر والنجوم كل في فلك يسبحون
إن خلق السموات والأرض من حيث التعقيد أكبر كثيرا من خلق الأحياء لقوله تعالى " لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" قرآن كريم
يحلو لكثير من الملاحدة التملص من الورطة التي أوقعهم العلم فيها بالقول إن مجوعة من القوانين هي التي خلقت الكون
وهذا الهراء رد عليه الفيزيائيون الراسخون في العلم مرارا وتكررا وأوضحوا للملاحدة أن القوانين لم تكن موجودة قبل ميلاد الكون بل هي أيضا ولدت معه
لأن القوانين عبارة عن علاقات رياضية بين المكان والزمان والكتلة والحجم والكثافة والجاذبية داخل نظام في حين لم يكن هناك لا مكان ولا زمان ولاشيء له كتلة وحجم كي تعمل عليه القوانين
ولو كانت هناك قوانين خالقة لاستخدمها العلماء لخلق كمية من الذهب وصاروا أثرياء
القوانين تفسر العلاقات النظامية بين الموجودات ولا يوجد قانون حاليا يعرفه العلماء يخلق المادة
لقد تجنب دوكنز الخوض في كتابه في تفسير نشاة الكون من العدم دون خالق
بل ذهب مباشرة لتفسير سر النظام داخل الكون
إن احتمال تشكل الكون دون خالق عن طريق صدفة كبيرة احتمال يفوق الخيال ولا يمكن أن يرصف الناس جميعا الأصفار التي يتشكل منها ذلك الاحتمال ولو بقوا مليار سنة يكتبون دون توقف
انه المستحيل في أجل معانيه
العلم دائما يقول لا بد من عقل لتفسير الكون والحياة
فأين ذهب صاحبنا الكوميدي الشهير للتغلب على هاته الورطة
قال الكوميدي" هناك نظرية تقول باحتمال وجود أكوان متوازية لا شك أن كوننا صدفة ناجحة ضمن مجموعة من الأكوان الأخرى التي لا تنطبق عليها ثوابت كوننا"
أراء متنوعة حول الدين والاخلاق
وعرض العالم الفيلسوف وجهة نظره الشخصية حول العلم والأخلاق في حوالي مئة صفحة
الخلاصة
الكتاب به كلام كلاسيكي ولا يعزى للكاتب أي أفكار جديدة
الكتاب ممتع للقراءة لاحتوائه على أسلوب سردي ويتميز بطرح بسيط ومتواضع
ويجسد ثورة من العالم الملحد ضد العهدين القديم والجديد –التوراة والانجيل- الذين لم يقنعانه أنهما كتابان من عند الله و أدى به ذلك إلى إنكار الربوبية في حد ذاتها دون أن يفلح في عرض تفسير للقارئ يجعله يستوعب كيف تشكل الكون والحياة دون خالق عالم قدير
غير فرضية "الصدف المحظوظة" التي لا يمكننا أن نقبل بها كتفسير علمي
أو على الأقل لماذا لا يقوم الملاحدة بأنفسهم مدججين بالعلم والوعي والإرادة بإنتاج أبسط بروتين ينسبون نشأته للصدفة
أو يخلقون لنا كوكبا آخر باستخدام القوانين العلمية نسكن فيه بعيد عن هذا الكوكب الملوث
هل عجز العلم والعقل أن يقلد بعض منتوجات الصدفة
يجب عليهم إثبات ادعاءاتهم بتجارب علمية لأن المسلم مثلهم لا يؤمن إلا بالتجربة
سؤال أخير للملاحدة حول للحِرَفِي المستحيل
أنتم تفترضون أن الانسان مثلا تشكل عن طريق صدف متراكمة عبر ملايين السنين
كيف تفسرون عجزكم وأنتم مدججين بالعلم والوعي والارادة أن تحاكوا خلق بروتين واحد في خلية في شعرة في ابط الانسان وتنسبون ذلك لحِرَفِي أكثر عجزا منكم : الصدفة
ومنذ متى صارت الصدفة أعلى ذكاءا من العلماء.
قال تعالى" صم بكم عمي فهم لا يرجعون"قرآن كريم
وقال أيضا "لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير" قرآن كريم
Bookmarks