النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: عشرة ملاحظات في خطابنا المعاصر عن الإلحاد (الجزء الأول)

  1. Exclamation عشرة ملاحظات في خطابنا المعاصر عن الإلحاد (الجزء الأول)

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله، وبعد...

    دائمًا أؤمن أن أي كاتب لأي شيء لابد أن يتأرجح بين ميزانين...
    الميزان لأول يقول له أنه لا يفطن شيئًا تقريبًا، وأنه لو صمت تمامًا لن يخسر أحدٌ شيئًا، بل ربما جعل العالم مكانًا أفضل بصمته..! وكان أبو حامد الغزالي رحمه الله يقول : "لو سكت من لا يدري، لقلّ الخلاف بين الخَلق"..!
    والميزان الثاني يخبره أن لديه شيئًا لربما كان ذا قيمة، ولربما فتح الله عليه بما ينفع به الأمة، لا لأنه من المصطفيْن الأخيار، ولكن لأن الله يخلق ما يشاء ويختار، حتى أنه قد ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر، وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن النصيحة تكون لأئمة المسلمين قبل عامتهم..!
    لو غلّب الميزان الأول بحيث طغى على الآخر، لما كتب حرفًا..
    ولو طغى عليه الثاني، لوقع في مخاطر كثيرة، أولها ضيق الأفق وآخرها العجب..
    ودائمًا أؤمن أن الحل الأمثل لمن يريد الكلام أو الكتابة، أن يتوازن بين المعنيين، وأن يتذكر دائمًا كلمة الصديق رضي الله عنه: "فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان"..

    هذه المقدمة الطويلة التي لا يمكن الاستغناء عنها، كانت لتفسير معضلة تطرأ على ذهني أولًا قبل ذهنك أخي الكريم..
    وهي: لماذا يظن شابٌ مثلي أن لديه الحق في الحكم على كتابات الأفاضل، وحوارات السابقين له في هذا الفضل تحديدًا..؟!
    وأرجو أن يكون ما سبق كافٍ للرد على هذه المعضلة..

    ماذا أريد الكلام عنه..؟
    أريد الكلام عن نقاط هامة أجدها ناقصة أو على الأقل غير واضحة في خطابنا المعاصر عن الإلحاد..
    في المقالات الجميلة التي تملأ هذا المنتدى المبارك، والمجلات المتخصصة التي بدأت تطل برأسها أخيرًا علينا، والمناظرات التي تملأ اليوتيوب، وكلنا يعلم أن كل هذا هو نشاط وليد حديث نسبيًا.. وأن الزاد الذي نجده في مكتبتنا العربية ومادتنا الأدبية في مخاطبة الإلحاد قليل، ولكنه بدأ في الازدياد بسبب هذا الوعي المتشكل الناشيء بحمد الله تعالى..
    لكن تبقى الملاحظات هي مجرد ملاحظات لا أكثر ولا أقل..
    لا يمكنني إغفالها، ولا أهوّل من شأنها..
    بل لا أملك في الواقع إلا بذل النصح لي ولإخواني بها..
    ولربما كان بعضها أو معظمها هو وليد تفكيري الخاطيء، فطرحها للنقاش قد يعود علينا جميعاً بالنفع إن شاء الله تعالى...

    ...(1)...
    الدفاعيّة الزائدة
    --------

    تغلب على أدبياتنا المخاطبة للملحدين صيغة الدفاع، وهو أمر مفهوم حيث أننا في الواقع نتصدى لحملات تشويه فكريّة، فاتخاذ الجانب الدفاعي أمر منطقيّ تمامًا..
    لكن من الوهلة الأولى ندرك أن ليس هذا هو المنهاج الذي اتخذه القرآن في مناقشة شبهات المهاجمين لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، بل أن القرآن هاجم عقائدهم: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنْفِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)، وتحداهم: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، وأظهر عوار وتناقض مزاعمهم: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ)...إلخ
    المقصود أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع أحيانًا..
    إن المؤمن المتسلح باليقين الكامل في كلمة الله عزوجل: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).. يرى أمثال هذه الشبهات بنفسية الرجل البالغ العاقل الذي يرى طفلًا يهذي، لا يعني هذا أن يسفّه من الطفل وأن يظهر هذا في كلامه فهذا في الحقيقة يضر أكثر مما ينفع، ولكن يعني أن يدرك أن موقفه أقوى كثيرًا من أن يكتفي بصد الهجمات..
    يمكننا أن نستغل الكثير من نقاط الضعف الحقيقية لديهم..
    فعلى سبيل المثال، هم يتحدثون إلينا عن وجود الشرّ باعتباره حجة عاطفيّة قوية لديهم، بينما نحن ينبغي أن نقلب الطاولة عليهم، فالملحد والمؤمن كلاهما يؤمنان بوجود الشر في هذا العالم، وبالعدالة الناقصة في الدنيا التي تجعل المجرم يفرّ بجريمته في الحياة، ولكن الملحد يقول أن هذه هي النهاية الميلودراميّة للرواية الكئيبة.. بينما المؤمن يعلم بوجود فصل آخر هو أكبر وأهم فصول الرواية على الإطلاق، حيث يعطى كل ذي حق حقه، وحيث (تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ)... أليست هذه نقطة ضعف حقيقية في الحجة التي ندافع عنها دون أن ندري أن بإمكاننا الهجوم..؟
    مثال آخر: عقيدة الملحدين في القدر هي الجبريّة الشديدة، فنحن كما يعتقد دوكينز نرقص على أنغام شفراتنا الوراثيّة.. بينما يؤمن هوكنج أن لو كانت لدينا الحاسوبات القوية بما يكفي لأمكننا التنبؤ بكل فعل يقوم به كل إنسان في حياته، حيث لا إرادة حرة على الإطلاق لأي واحد من البشر... فمثل هذا القول الغريب يجعلك تسأل محاورك الملحد في بساطة: لماذا تحاورني إذن، وأنا مجبور على اعتقادي..؟ لماذا تضيّع وقتك ووقتي في محاولة تغيير شيء حتمي لا يتغير..؟!
    مثال ثالث: في النظام الأخلاقي المتهالك لعقيدة الإلحاد.. وهو أوضح من أن يُشرَح..
    الخلاصة.. إن عقيدتهم أضعف كثيرًا من هذا الدفاع المتواصل، ولننتقل إلى مراكز أكثر تقدمًا في موضع الحوار..

    ...(2)...
    النظرة الكلية
    -------

    أقصد أن كثيرًا من أدبياتنا المعاصرة تتعامل مع شبهات الإلحاد بالنظرة (القطّاعي).. بحيث ننشغل عن مناقشة كل شبهة بشكل مفرد عن مناقشة التفكير المادي الذي قاد إلى هذه الشبهات..
    فإن الأعمار ستفنى في مناظرات تعتمد على مناقشة كل شبهة لدى الآخر، وكما نجد كثيرًا منهم يتبعون نمط تفكيري شاذ قائم على: (العلم لم يعرف إجابة هذا السؤال الآن، ولكن هذا لا يعني أنه لن يكتشف ذلك غدًا)، فنفس المنطق غير القويم الذي يعتمد على فكرة أن جهلي بمعتقدي لا يعني أنني على خطأ، سيقوم أيضًا بطمأنة صاحبه أن: (ليس معنى رد خصمك على كل أسئلتك أنك لن تجد أسئلة أخرى غدًا).. وهذا منطق ظهر في القرآن الكريم في قول الله تعالى عن الكفار: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ).. فبدأوا بشبهة ولما دُحِضت دخلوا في أخرى وهكذا دواليْك (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)..
    فالحل مع هؤلاء هو ألا تشغلنا مناقشة الشبهات بشكل فردي عن مناقشة العقل الكلي الذي ينتج أمثال هذه الشبهات كقول الله تعالى عن الكفار لما خاطبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم بشبهات متعددة، بأنه: ناقص القوة: (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا) .. وبأنه ناقص الغنى: (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا) - (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ) .. وبأنه ناقص القدرة: (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) - (أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء) .. وبأنه ناقص العلم: (وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ) ..
    فكان الرد على كل هذا هو مناقشة أصل هذا التفكير والذي هو أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر مثلهم ناقص لكذا وكذا، فكيف يؤمنون له، فقال الله تعالى: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً)... لاحظ أن شبهة البشريّة لم تطرأ على لسانهم أصلًا في هذه الآية، ولكن الله خاطبهم بمجموع الشبهات، بالعقل الكلي الذي أنتجها، بإيجاز، وبساطة، وحجة عالية للغاية..
    هل مناقشة شبهة كذا، أو كذا بشكل فردي أمر غير هام..؟ بل هو هام قطعًا، ولكن هل سنكتفي بذلك..؟ أم يمكننا أن نجعل نقاشاتنا أكثر إجماليّة، وأكثر إيجازًا..؟

    هاتان كانتا ملاحظتين من عشرة ملاحظات..
    أحب أن أرى رأي أساتذتي وإخواني الكرام فيهما..
    وسيُتبَع الموضوع إن شاء الله بموضوع آخر نكمل فيه ما بدأناه..

    وجزاكم الله خيرًا على القراءة والاهتمام..

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    1,058
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    أحسنت أخي جزاك الله خيرا....لو كانت هناك نقطة تستحق الرد والنقاش او التصويب لفعلت، لكن الملاحظتين عميقتين جدا، ولا شك ان البقية كذلك، وهذه الملاحظات تستعمل اكثر في الكتب و المطولات عن الالحاد....لذلك نجد ان الطابع الشخصي، وايضا الدفاعي مستخدما بشدة في المنتديات، لان المنتدى انما كان وجوده للجواب عن الاسئلة الشخصية وايضا الدفاع عن الشبهات الجديدة، وتعقبها يوما بيوم.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    الكويت
    المشاركات
    3,251
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    المقصود أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع أحيانًا..
    فعلاً، الهجوم هو عادة أفضل طريقة لاحراج و اسكات الملاحدة، لأن مذهبهم هو أضعف المذاهب الفكرية على وجه الأرض. و لازلتُ حتى الآن أذكر ذلك الملحد الجريء و السليط اللسان الذي حاورته في تويتر، و ما أن توقفت عن الدفاع عن الإسلام و بادرت بالهجوم على صلب عقيدته الإلحادية حتى خنس و جبن و هرب من مواصلة النقاش بطريقة مضحكة و مثيرة للشفقة.

    أقصد أن كثيرًا من أدبياتنا المعاصرة تتعامل مع شبهات الإلحاد بالنظرة (القطّاعي).. بحيث ننشغل عن مناقشة كل شبهة بشكل مفرد عن مناقشة التفكير المادي الذي قاد إلى هذه الشبهات..
    بالضبط! ان سقطت أصول أي مذهب سقط المذهب كله معها. ينبغي التركيز بشدة على فضح أساسيات الفكر الإلحادي المادي التي تكفر بمفهوم الحرية و العقلانية و الأخلاق، فهذا سيختصر الحوارات بسرعة و سيجعل كل اعتراضات الملحدين على الأديان من قبيل: "رمتني بدائها و انسلّت".
    التعديل الأخير تم 03-14-2014 الساعة 10:26 PM
    {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا، فستعلمون من هو في ضلال مبين}


  4. #4

    افتراضي

    أحسنت ، متابع ..
    إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ .
    [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
    قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].

  5. افتراضي

    جزاكم الله خيرًا جميعًا..
    اهتمامكم يشرّفني..

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. كتاب خرافة الإلحاد عمرو شريف الجزء الأول
    بواسطة YaCiine في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 04-08-2014, 06:43 AM
  2. عشرة ملاحظات في خطابنا المعاصر عن الإلحاد (الجزء الثالث والأخير)
    بواسطة مهاب السعيد في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 03-22-2014, 08:17 PM
  3. عشرة ملاحظات في خطابنا المعاصر عن الإلحاد (الجزء الثاني)
    بواسطة مهاب السعيد في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-16-2014, 03:56 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء